السيد مرتضى القزويني ودوره الوطني والفكري في تاريخ العراق المعاصر
ولد السيد مرتضى القزويني في كربلاء 1929م، ودرس على يد أكابر علماء الدين في عصره، اعتلى المنبر الحسيني في العشرينات من عمره،وكان خطابه يمثل المعارضة ضد أنظمة الحكم المتعاقبة على حكم العراق، حيث وقف أمام المد الشيوعي في زمن عبد الكريم قاسم، وهاجم طائفية عبد السلام عارف،ثم هاجم دستور احمد حسن البكر وطائفيته،تعرض للنفي والسجن ثم هاجر إلى خارج العراق ليعود إلى منبره في الصحن الحسيني الشريف بعد غربة 33 عاماً.
المقدمة
ان سبب اختيار هذا البحث هو الدور الوطني الذي قام به السيد مرتضى القزويني منذ نعومة أظفاره ولحد ألان , فقد عاصر عدد من الحكومات المتعاقبة على حكم العراق منذ العهد الملكي في زمن غازي و فيصل الثاني , وإعلان الجمهورية وحكم الزعيم عبد الكريم قاسم وحكومة عبد السلام عارف وعبد الرحمن وعارف حكومة احمد حسن البكر , وراقب حكم صدام حسين من الغربة , ليعود إلى بلده من جديد رغم تقادم سنوات العمر لذلك يعتبر السيد مرتضى القزويني شاهدا على اغلب فترة تاريخ العراق المعاصر , وعند عودته جدد العهد للعراق وللعراقيين المظلومين من الحكام وجبابرة العصر والمحتل الغاشم بأنه سيكون عونا للمحرومين والفقراء والأيتام والأرامل وما أكثرهم في هذه السنوات العصيبة التي دمرتها عواصف الإرهاب وإباحة دماء الأبرياء جماعات الكفر والضلالة القادمة من خلف أسوار العراق والتي تقتل وتسلب باسم الدين والدين منهم براء , لكن ضوء المنبر الحسيني عليه السلام , ودماء الشهداء, ستزيل ظلمات طواغيت الأرض وجبابرة الزمان.
الفصل الأول: حياته وعوامل تكوينه الفكري والثقافي
- ولادته ونسبه.
- دراسته الدينية وأساتذته.
- دراسته العصرية ومؤلفاته.
1.ولادته:-
ولد السيد مرتضى القزويني في كربلاء عام 1929م, وهو نجل العلامة السيد محمد صادق القزويني الذي يرجع نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ([1]).
نشا في أسرة علوية كريمة لها تاريخ كبير في الحركة العلمية والزعامة الدينية في العراق عموما وكربلاء خصوصا.
كان موطن هذه الأسرة العلوية الشريفة في المدينة المنورة ومنها الى قزوين فرارا من المطاردات وهي من مدن إيران القديمة , هاجر السيدان محمد علي ومحمد باقر ولدا السيد عبد الكريم القزويني 1185هـ إلى النجف الاشرف وتتلمذا على يد فقيه عصره الشيخ جعفر كاشف الغطاء حتى بلغا درجة الاجتهاد وتزوجا في النجف الاشرف ومنهما تكونت أسرة القزويني في كربلاء([2]).
1. نزح السيد محمد باقر من النجف إلى كربلاء وكان له من الأولاد ,السيد محمد مهدي , والسيد إبراهيم(1204هـ-1262هـ) ([3]) صاحب كتاب (الضوابط) وهو كتاب (ضوابط الأصول) في علوم الفقه الإسلامية , وكان اعلم علماء عصره , واليه انتقلت الرئاسة الدينية والزعامة الروحية في العالم الشيعي زهاء ربع قرن. وللسيد إبراهيم اليد الطولى في نشر العلوم الإسلامية في كربلاء , وقد ازدهرت الحوزة العلمية وبلغت أوج عظمتها في عصره , توفى عام 1262هـ , عن عمر ناهز 58 عام وله من الأولاد احمد وباقر , توفى السيد احمد اما السيد باقر فكان له من الأولاد , السيد المجاهد حسين القزويني احد قادة ثورة العشرين في كربلاء , وهو والد السيد إبراهيم الشهير بـ(شمس الدين القزويني) , الضليع بعلم الأنساب , اما السيد محمد مهدي شقيق السيد إبراهيم صاحب كتاب (الضوابط) فكان له من الأولاد([4]):-
- السيد محمد حسين القزويني المتوقي عام 1385 هـ.
- السيد عباد.
- السيد طاهر الذي خلف السيد مهدي وكان عالماً وشاعرا مات وخلف السيد محمد صالح القزويني المتوفي سنة 1375هـ وله من الأولاد السيد محمد باقر والسيد هادي والسيد مهدي والسيد جواد ومن اولاد السيد محمد باقر الدكتور محسن القزويني([5]) .
- محمد باقر الملقب بـ(أبي المعالي) المتوفي عام 1333هـ , وله من الأولاد السيد علي والسيد محمد حسن الشهير بـ(أغا مير) المتوفي عام 1380هـ , وله من الأولاد العلامة أغا نجفي نزيل طهران والسيد كاظم والسيد حسين وكان من أقطاب رجال العلم له العديد من المؤلفات منها (فدك) و (الخلافة الكبرى والإمامة العظمى).
2. السيد محمد علي فهو احد الشقيقين المهاجرين من قزوين , فقد توجه إلى كربلاء قادما من النجف الاشرف للسكن فيها , وكان له ولد واحد السيد هاشم السيد محمد علي , الذي كان من كبار علماء الدين وزعيم الحوزة الدينية توفي عام 1327هـ وكان له ولدان هما السيد محمد رضا والسيد محمد إبراهيم توفىّ السيد محمد رضا 1345هـ وله ولد واحد هو السيد محمد صادق وهو والد السيد مرتضى القزويني والسيد هاشم والسيد الشاعر محمد رضا القزويني والسيد عبد الحسين القزويني والذي يهمنا في هذا البحث هو السيد مرتضى القزويني([6]).
2- دراسته الدينية وأساتذته:
تتلمذ السيد مرتضى القزويني على يد والده السيد محمد صادق , بعد ذلك درس على يد العديد من العلماء:-
1. السيد محمد صالح القزويني:
وكان بارعا في اللغة والنحو والصرف والبلاغة والفقه والشعر وهو صاحب كتاب " الموعظة الحسنة " (وهو من نفائس التراث الفكري في كربلاء , حيث ناقش الدكتور علي الوردي المؤرخ المعروف ورد على كتابه "وعاظ السلاطين" والذي يدعو فيه الوردي إلى التحرر والميل إلى الليبرالية الحرة) ([7]).
درس السيد مرتضى القزويني جامع المقدمات وألفية بن مالك وشرح السيوطي وأصول ألخطابه المنبرية.
2. العلامة الكبير الشيخ جعفر ألرشتي:-
درس على يديه شرح الجامي وشرح السيوطي على ألفية ابن مالك ومغني اللبيب لأبن هشام في النحو , المطوّل للتفتازاني في البلاغة , وحاشية الملا عبد الله في المنطق ومعالم الاصول والأصول والشرائع في الفقه([8]).
3. أية الله الشيخ محمد الخطيب([9]):
درس السيد مرتضى القزويني في مدرسته الدينية الاجرومية وشرحها , وشرح القطر في النحو , وألفية ابن مالك , والمنيف في علم التصريف , وشرح اللمعة الدمشقية بجزأيه , وتبصرة المتعلمين للعلامة الحلي , ومكاسب الشيخ الأنصاري , وكتاب الطهارة.
4. العلامة السيد على ألكاظمي:
كان احد المدرسين في مدرسة الخطيب.
5. السيد محمد حسن القزويني المعروف بـ (أغا مير)
درس على يديه القوانين في الأصول , وقسما من كفاية الأصول للمحقق الخراساني([10]).
6. العلامة الشيخ يوسف الخراساني:
درس على يديه فصولاً من المكاسب والطهارة للشيخ الأنصاري , وأتم عنده كتاب الكفاية والبحث الخارج في الاصول.
7. شيخ العلماء الفيلسوف محمد رضا الحائري:
درس على يديه كتاب شرح التجريد للعلامة الحلي والشيخ الأعظم نصير الدين الطوسي , وبعض العلوم الأخرى في الفلسفة والأخلاق.
8. أية الله السيد محمد هادي الميلاني([11]):
درس على يديه البحث الخارج لمدة عامين في الأدلة العقلية وتفسير القران الكريم.
3- دراسته العصرية ومؤلفاته([12]):
دخل السيد مرتضى القزويني مدرسة الحسين الابتدائية بعد ان ختم القران الكريم على يد والده السيد محمد صادق القزويني , ثم تركها بعد نجاحه إلى الصف الخامس الابتدائي , وسبب ذلك ان طبيعة البيئة الدينية كانت تقضي بحرمة الدخول إلى المدارس الحكومية , لكن السيد التحق بالمدرسة الابتدائية المسائية سنة 1948م , واجتاز مرحلة السادس الابتدائي بتفوق كبير وواصل دراسته المتوسطة , وبعد ذلك أدى الامتحان الخارجي للصف الخامس الإعدادي الأدبي , لأنه كان آخر مرحلة للدراسة الإعدادية لعدم وجود مرحلة للصف السادس الإعدادي بعد , وكانت نتيجته ناجحا وبمعدل عال , وكان السيد مرتضى القزويني يواظب على الخطابة المنبرية إضافة إلى دراسته. قرر الالتحاق بالجامع الأزهر في جمهورية مصر العربية , فسافر إلى القاهرة , لكنه عندما اطلع على مناهج الدراسة في الجامع الأزهر وجدها اقل من دراسة الحوزة الدينية في العراق , فلا تروي ضمأه فرجع إلى بلاده للاستمرار في الدراسة الدينية.
وفي عام 1954م , عندما تأسست مدرسة الإمام الصادق الأهلية في كربلاء بجهود علماء الدين , اختير السيد مرتضى القزويني مديرا لها لعدة سنين , استقال بعدها ليعتلي المنبر الحسيني في العراق وإيران والعديد من دول العالم الإسلامي([13]).
أما مؤلفاته(15) :
- النبوة والأنبياء في نظر أهل البيت عليهم السلام .
- المهدي المنتظر (عج) مقالات إسلامية.
- إعلام الشيعة.
- الشيخ الطوسي.
- الشيخ البهائي.
- العلامة الحلي.
- إلى الشباب.
- نظام الزواج والأسرة.
- الإمامة للسيد أغا القزويني.
- خالد بن الوليد في الميزان.
- الدولة البويهية.
- السير إلى الله.
- العقل.
- مذكرات عن حياتي.
- ديوان شعر.
الفصل الثاني: دوره الوطني
عند دراسة دور الحركات الإسلامية في القرن العشرين سنجد ان هناك نقصا يكمن في قيادة علماء الدين , فقليل منهم آل على نفسه قيادة الثورات حتى إسقاط الحكم وانتصار الثورة , وبعد ذلك يتركون كل شيء ويذهبون إلى إعمالهم , وهي الإفتاء والدراسة والتدريس وقبض الحقوق الشرعية والاستخارة وغيرها , ويتركون النتائج للآخرين.
فثورة العشرين في العراق ضد الاستعمار البريطاني انتصرت بقيادة رجال الدين ورجال العشائر واستجاب المحتل لمطاليبهم في الاستقلال وتنصيب من يمثلهم لزعامة العراق , لكنهم لم يستثمروها , حيث طالبوا بحاكم عربي من أنجال الشريف حسين (شريف مكة) ليتولى عرش العراق بالرغم من انه ليس عراقيا ولا شيعيا([14]).
وان نتائج ما بعد ثورة العشرين والتي عادت بالفقيه إلى الانعزال والابتعاد عن السياسة جعلت الشعب العراقي يدفع ثمنها حتى نهاية القرن العشرين , وإبعاد الشيعة عن المراكز المهمة في أنظمة الحكم المتعاقبة على العراق , وفي تلك الفترة كان الفقيه اما منعزلا في داره , أو يدرس ويدرّس ضمن منهج لا يتعارض مع سياسة الدولة. كذلك لم يستطيع الفقيه أو علماء الدين في الخمسينات من القرن العشرين من إصدار فتاوى تحرم الكتب التي غزت مكتبات العراق والتي كانت تشكك بوجود الله والعقائد الدينية كافة, والتي لم يتعود القارئ العراقي عليها من قبل , إلا ان إصدار رئيس الوزراء العراقي آنذاك عبد الكريم قاسم بجمع تلك الكتب وأتلافها ومنع تداولها في الأسواق ,ثم جاء دور عمليات القتل في كركوك والموصل بتاريخ 14 تموز 1959م , لكن السيد محسن الحكيم أصدر فتواه المشهورة " الشيوعية كفر والحاد" وبالتحديد في 12 شباط 1960م ,ثم اصدر باقي المراجع فتواهم بالمضمون نفسه , في حين كان المفروض عليهم ان يتصدوا إلى كل فكر ضال يدخل إلى بلاد المسلمين, وليس من الشجاعة ان ينتظروا ما يقوله رئيس الدولة ليقولوا مثله , وكانوا يتصورون ان هذا الأمر تدخلاً منهم في السياسة, عملاً بمبدأ التقية , والمعروف عن عالم الدين ان يكون هو القائد الروحي والسياسي والميداني إذا استوجب الأمر ذلك , للحفاظ على مبادئ الدين الحنيف وتخليصه من كل الشوائب التي دخلت والتي ستدخل عليه.
لكن هذا السبات الحوزوي لم يستمر طويلاً ولو ان مدته طالت من عام 1925م إلى نهاية ستينات القرن العشرين لم يشمل كل مراجع العراق , وإنما اقتصر على منطقة المصدر النجف الاشرف , والذي كان مركز الحوزة العلمية للشيعة في كل إنحاء العالم الإسلامي. لذلك كانت البيانات والفتاوى الدينية والتي تصدر من علماء الدين من باقي المحافظات غير واجب الأخذ بها , وهذا هو المتعارف عليه في جميع الأوساط([15]).
مقابل هذا التململ الحوزوي الضعيف جاء دور السيد مرتضى القزويني ليعتلي المنبر الحسيني في كربلاء , والذي دعا إلى محاربة الكتب العلمانية والإلحادية والتي غزت المكتبات العراقية إثناء خطبة له في صحن الإمام الحسين عليه السلام . وبالنظر لقدسية المكان الذي ألقيت فيه الخطبة ووجود المئات من الزوار في الروضة الحسينية المطهرة , اخذ الناس بحرق كافة الكتب وتحذير أصحاب المكتبات من اقتناء أو عرض أو بيع جميع الكتب التي تدعو إلى الليبرالية الحرة ,والتي تضر بالإسلام والمسلمين.
لقد خاطب السيد مرتضى القزويني المجتمع العراقي آنذاك بلغة الإسلام الحنيف , احذروا هذه الكتب التي تريد تشويه دينكم الإسلامي ومن ثم القضاء على عروبتكم ومن ثم استعبادكم. وحذر من مبادئ الشيوعية الإلحادية والصهيونية العالمية , ولم تأخذه في الحق لومة لائم, علماً ان الزمان كان زمانهم والحكم لهم , والماسونية العالمية كانت في أقوى قوتها , وكان هذا الخطاب عام 1959م ,بحيث سيق جميع المراجع في التصدي لهذه الهجمة الثنائية. وعندما قام الزعيم عبد الكريم قاسم بدعوة السادة والمشايخ ورجال الدين في كربلاء والنجف لغرض تقديم التبرعات إلى المدارس الدينية والأهلية, كان السيد مرتضى القزويني من بين أعضاء الوفد المدعوين لأنه كان مدير مدرسة الإمام الصادق الأهلية, طالب السيد القزويني من الزعيم عبد الكريم قاسم تغيير قانون الأحوال الشخصية وخاصة قانون المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والميراث , وهذا يتنافى مع تعاليم السماء , لكن الزعيم رفض هذا الطلب متذرعاً ان الوقت لم يحن بعد , مما حدى بالسيد القزويني ان يرفض المبلغ الذي خصصه الزعيم لكل مدرسة وقدره 500 دينار في ذلك الوقت([16]).
وعندما قدم الزعيم قاسم للوفد مائدة الإفطار في احدى ليالي شهر رمضان المبارك , رفض السيد القزويني تناول الإفطار , فقال له الزعيم " لماذا لا تفطر يا سيد مرتضى" فقال له السيد " إنا لا افطر على مائدة اشتركت في أموالها الضرائب من محلات الخمور والقمار والملاهي والنوادي الليلية " عندها خرج السيد مرتضى القزويني من وزارة الدفاع وحده وعاد إلى كربلاء ليلاً وبقي أعضاء الوفد في الوزارة.
في 3 شعبان 1379هـ - 1959 م ألقى السيد مرتضى القزويني كلمة في صحن الإمام الحسين عليه السلام هاجم فيها الشيوعيين وإعمالهم الإجرامية في جميع ألوية العراق , مما دفع مدير شرطة كربلاء آنذاك عبد الملك الراوي بإصدار الأوامر للشرطة باعتقال السيد مرتضى القزويني , وفعلاً تم اعتقاله وبعد شهر أطلق سراحه ثم اعتقل وهكذا أصبحت عملية اعتقال السيد شبه شهرية.
وفي يوم 27 جمادى الثاني 1379هـ-1959م , وعندما كان السيد مرتضى القزويني يلقي خطبة في ديوان أية الله الشيخ محمد تقي الشيرازي زعيم الثورة العراقية عام 1920م في صحن الإمام الحسين عليه السلام حاول عدد من الشيوعيين الدخول على السيد القزويني ومنعه من ألقاء الخطبة فلم يستطيعوا لمنعهم من قبل رجال الدين وزوار الروضة الحسينية المطهرة , فقاموا بقطع الأسلاك الكهربائية المتصلة بمكبرات الصوت لمنع وصول خطاب السيد إلى الناس , وبقي حشد منهم ينتظر السيد خارج الصحن الشريف , لكن السيد مهدي آل طعمه وهو من رجال العوائل العلوية المعروفة في كربلاء , دخل على السيد القزويني وأخرجه وذهب به إلى داره حفاظا على حياته([17]).
وبعد وصول عبد السلام عارف إلى سدة الحكم في 18/تشرين الثاني /1963 م , قام السيد القزويني بإلقاء خطاب في الصحن الحسيني الشريف منتقداً طائفية عبد السلام عارف , مما حدا بالحكومة لاعتقاله ونفيه إلى زاخو عام 1964م ولمدة سبعة أشهر بعدها نقل إلى بغداد لمدة شهرين ثم نقل إلى تكريت ووضع في دار خربة وكان شتاءاً ومن المعلوم ان الجو في تكريت أيام فصل الشتاء بارد جداً , وكانت الدار خالية من الفراش ومن أي وسيلة تدفئة وفي تلك الدار اخذ يتوافد عليه عدد من المثقفين العارفين بحقه ينهلوا من علمه , والقي السيد على الحضور قصيدة مؤلفة من ثمانين بيتاً ودعا فيها إلى تأسيس دولة إسلامية في العراق من أبياتها:
يا قوم سيروا إلى الإسلام واتبعوا في الرأي قادته الغرُ الميامينا
سنبني دولة الإسلام خافقة الإعلام تتخذ القران قانونا([18])
وعندما وصل احمد حسن البكر إلى سدة الحكم في انقلاب 17/ تموز/1968م قام بزيارة العتبات المقدسة في كربلاء عام 1971 م , فقام السيد القزويني بإلقاء خطبة في صحن الإمام الحسين عليه السلام , طالب الرئيس البكر بتطبيق الإحكام الإسلامية في دستور الدولة , لكن البكر خرج من الصحن الحسيني الشريف وهو ممتعض من خطاب السيد القزويني , وفي اليوم التالي من إلقاء الخطبة بعث متصرف كربلاء آنذاك شبيب لازم المالكي ممثلاً عنه إلى السيد القزويني طالباً منه الخروج فوراً من العراق خوفاً على حياته لأنها في خطر.
خرج السيد مرتضى القزويني من العراق عام 1971م ليعيش في الغربة لمدة 32 عاما ليعود عام 2003م بعد سقوط النظام إلى الصحن الحسيني الشريف ليلقي خطبه مساء كل يوم في الصحن الشريف([19]). ومما يذكر في كل عام يقوم السيد بزيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليقيم مجالس العزاء للطائفة الشيعية هناك , والمال الذي يحصل عليه رغم عمره الذي تجاوز الثمانين يأتي به إلى العراق الجريح , حيث انشأ اكبر مدرسة للأيتام في كربلاء بل وفي العراق , من حيث تقديم الخدمات للأيتام , فقد جهز المدرسة بحافلات لنقل الأيتام من دورهم مجانا إلى المدرسة , وفي المدرسة يجد اليتيم كل وسائل الراحة من وجبة فطور صباحا قبل الدوام ووجبة طعام ظهرا بعد الدوام , ومعلمات ومعلمين لتدريسهم في كافة المراحل الدراسية , وتوزيع الملابس على الأيتام شهريا , وخصص رواتب مغرية للمعلمين والمعلمات وسائقي الحافلات وعمال الخدمات , كذلك قام السيد القزويني ببناء المراحل الأولى لمستشفى عام في محافظة كربلاء. رجع من الغربة لخدمة بلده وأبناءه المظلومين قدر المستطاع , ولا يمكن التحدث عمن جاء من الخارج ليقول للعراق (أوقر ركابي فضة أو ذهبا إني كنت خارج البلدا) هذا النوع الأخر هو النقيض للسيد القزويني ان رجل الدين يجب ان يكون معلما في خطابه إصلاحيا في عمله , مربيا للأيتام والأرامل مقدما العون للمرضى , كما قال أية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني إلى الحاج عبد الواحد سكر قائد ثورة العشرين (أين كنت البارحة يا عبد الواحد) , قال (كنت اعبد الله عند رأس أمير المؤمنين علي عليه السلام من الغروب حتى الصباح), قال (يا عبد الواحد هذه ليست عبادتك , هذه عبادة الفقراء , اما عبادتك وأنت رجل ميسور الحال ولك سمعة وجاه , عبادتك مساعدة الأيتام والفقراء , وإخراج المظلومين من السجناء وحل المنازعات , هذه عبادتك المقبولة عند الله) وقال له (من قضى حاجة لأخيه المسلم قضى الله حاجته يوم القيامة) وقال له (اما قرأت وصية أمير المؤمنين عليه السلام " الله الله في الأيتام([20]) ". لكن هذه الأيام ما أكثر الأيتام والأرامل بسبب الصراع على الكراسي والأموال , اما السيد مرتضى القزويني فقد ترك السياسة والكراسي والأموال من اجل خدمة الإسلام والمسلمين. كما فعل قبله علماء الدين المجاهدين من أمثال السيد الصدر الأول والسيد الصدر الثاني , فعندما اعتقل السيد محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى في عام 1980م على يد أزلام النظام السابق , لقد أعطى صدام إلى السيد محمد باقر الصدر كل ما يريد حتى سيارته الخاصة مقابل إصدار بعض الفتاوى التي تضر بالمسلمين إلا انه رفض ذلك مفضلا الموت على تفريق كلمة المسلمين وفي يوم استشهاده 9 نيسان 1980م قال له صدام (سوف أقتلك) قال له السيد (أدخلتني الجنة , قال له صدام (أسجنك) قال السيد الصدر (أعطيتني فرصة للعبادة) قال صدام(سوف أطلق سراحك) قال السيد الصدر (أقيم عليك ثورة) هذا هو الطراز الأول من رجال الدين([21]) , ليأتي دور الصدر الثاني , حيث وقف في صحن الإمام علي عليه السلام في الانتفاضة الشعبانية 1991م ليقول (حيا على الجهاد) ثم قال في جامع الكوفة وهو يرتدي كفن الموت (نريد... نريد...فورا..... فورا...إطلاق سراح المعتقلين في الناصرية وفي كل سجون العراق) صحيح ان الصدرين قتلا على يد صدام لكنهما خالدين إلى الأبد لينيرا طريق الحرية لكل الأحرار في العالم([22]).
الفصل الثالث: الدور الفكري للسيد مرتضى القزويني
لقد وجد المنبر في الإسلام لينطلق من على أعواده صوت الحق والعدل في حياة المسلمين ليوقظهم من سبات الجهل والتأخر , بالوعي والتفكير الجدي لإيجاد حياة أفضل واسعد وجمع شملهم في وحدة متماسكة على قاعدة الإخوة الكريمة التي يهدف إليها الإسلام في رسالته السماوية السمحاء , ليهز كيان الباطل ويزعزع عروش الجبابرة ويحطم أبراج الحكام المتعسفين المفسدين في حياة الشعوب الإسلامية والعربية في كل زمان ومكان.
لقد كان المنبر قبل مصرع الحسين عليه السلام في واقعة ألطف عام 61هـ , وسيلة لبث تعاليم الإسلام , وإحكام شريعته السمحاء بين المسلمين الأوائل وتقويمهم والارتقاء بهم إلى مستوى الكمال العقلي والنفسي والخلقي والإنساني , لكنه بعد واقعة ألطف أصبح ذا أهمية اكبر من ذي قبل , حيث اتخذ إضافة إلى صنعته السابقة أداة موفقة للتعبير عن اصدق المشاعر المكنونة في أعماق النفوس لتبيان معالم الحق والعدل والحرية والكرامة الإنسانية والقيم الرفيعة والمثل العليا التي ثار وضحى من اجلها الحسين عليه السلام من جهة , وتبيان مساوئ الظلم السياسي وضراوته البشعة بما فيه طغيان وغرور وانحراف نحو الكفر والإلحاد وامتصاص الدماء وغير ذلك من الرذائل والموبقات التي اتصف بها يزيد وأمثاله من طغاة الأرض , الذين حكموا باسم الدين([23]).
هذا هو المنبر في الإسلام قديما وحديثا , فهو مدرسة سياسة خالدة تعيش مع العصور والأجيال. وان دور الخطيب في هذه المدرسة التربوية والتوجيهية هو دور المعلم والمرشد الإنساني والقدوة الصالحة لأنه يعتبر لسان الجماهير , إذ يبعث فيها الوعي الديني والسياسي ويمثلها في الرأي والعقيدة والشعور , ويدافع عن حريتها ومعتقداتها وحقوقها بلسان قاطع صريح وجرأة وإيمان في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل مهما تكن العقبات. وان الخطيب الوجداني صاحب رسالة تحتم عليه القيام بأدائها على أتم وجه مهما تكن الأوضاع والظروف , مع العلم ان أداء الرسالة يتطلب بطبيعته استعدادا فكريا , وكفاءة علمية , وشجاعة نفسية واستقامة وتضحية. وقليلون أولئك الخطباء الذين يشعرون بهذه المسؤولية وتتوفر فيهم هذه المزايا , وان السيد مرتضى القزويني من هذه القلة القليلة بين الكثير من الخطباء والمعاصرين , حيث ان اغلبهم يعتلي أعواد المنبر وعيونه متوجهة نحو الدولار في الخارج والدينار في الداخل , بحيث أصبحت عملية تجارية مربحة جدا , أو ان قسم من الخطباء يرى المنكر بعينه ولا ينهى عنه خوفا على مصالحه الخاصة , أو متذرعا نحن في طريق والسياسة في طريق أخر.
اما السيد مرتضى القزويني فمنذ ان ارتقى المنبر كان واعظا للناس محذرا السلطة من الظلم والفساد , امرأ بالمعروف ناهيا عن المنكر , وكان عمله ولحد ألان لله بلا دينار ولا دولار يأخذ من الشعب العراقي. وهو أول خطيب رفع صوته في وجه الفوضويين الشيوعيين إبان ظهورهم على مسرح التضليل السياسي - الحزبي , وفضح نواياهم وحارب مبدأهم الهدام , هكذا يجب ان يكون الخطيب المؤمن برسالته وواجباته ومسؤولياته الأدبية والدينية والإنسانية([24]).
يعتبر السيد مرتضى القزويني من رواد المنبر الحسيني ولا يزال في كل من العراق وأمريكا , وبالإضافة إلى المنبر الحسيني فان السيد القزويني شاعرا حيث تأثر بكثير من الشعراء المتقدمين والمتأخرين من خلال مطالعاته لكتب الأدب العربي حتى أصبح شاعرا وأديبا , كذلك هو شاعر بالوراثة لان جده لامه السيد مهدي القزويني كان من كبار علماء وشعراء كربلاء , كانت اغلب قصائد السيد القزويني في مدح أهل البيت عليهم السلام وللسيد ديوان شعر مطبوع , وهو خال من كل قصائد الغزل والمدح إلا للعترة الطاهرة لقد خالف السيد القزويني في شعره جميع الشعراء قديما وحديثا , لان اغلب الشعراء لابد ان يبدأ القصيدة بأبيات من الغزل , أو نجد في دواوينهم عدة قصائد غزلية , أو في مدح رجالات الدولة و الساسة , أو قادة الجيوش , والتغزل بالجمال والنساء , لكن السيد القزويني خصص شعره لمدح آل البيت الأطهار عليهم السلام ([25]).
الخاتمة
لقد تبين من خلال هذا البحث ان السيد مرتضى القزويني اعتلى المنبر الحسيني وهو في العشرينيات من عمره , بعد ان أكمل دراسته الأدبية والعلمية والحوزوية , فكان خطابه دينيا مبنيا على أسس علمية , بحيث كان خطابه موجها وبصورة مباشرة وبلا تردد ولا خوف نحو كل الحكومات التي لا تعمل بدستور الله وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وآله .
فكان دائما مع المظلوم ضد الظالم , فما كان يوما همه المال أو السلطة , وإنما كان همه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فقد خاطب جميع الحكام في العراق يجب تعديل الدستور بما يتلاءم والشريعة الإسلامية , وتحمل السجن والنفي والإبعاد من اجل الدين , فكان عليه ان يختار احد الأمرين اما السكوت على الظلم ومجاراة الظالم أو الخروج من العراق والعيش في الغربة , فأختار الغربة والعيش هناك لمدة 32 سنة , وبعد هذه المدة الطويلة عاد إلى الوطن , ليبدأ من جديد عمله الإصلاحي منبريا وعمرانيا , الأول لإصلاح ما أفسدته الأنظمة السابقة , والثاني لرعاية الأطفال الأيتام وتهيئة كل وسائل التعليم والراحة لهم , وكذلك تشييد المستشفيات لعلاج الفقراء من الناس الذين لا حول ولا قوة لهم.
مصادر البحث
- داخل حسن , معجم خطباء المنبر الحسيني , ج1 , ط1 , النجف الاشرف 1384 هـ.
- سلمان إل طعمة , تراث كربلاء , بيروت , 1403 هـ.
- صادق إل طعمة , الحركة الأدبية المعاصرة في كربلاء , ج1 , كربلاء 1968م.
- صادق إل طعمة , بطولات كربلاء في فترة الطغيان الشيوعي , مخطوط.
- صالح عباس الطائي , عبد الواحد الحاج سكر ودوره الوطني حتى عام 1956م, رسالة ماجستير غير منشورة , معهد التاريخ العربي للدراسات العليا , بغداد ,2003م.
- صالح عباس الطائي , السيد محمد محمد صادق الصدر ودوره الفكري والسياسي في تاريخ العراق المعاصر حتى عام 1999م , أطروحة دكتوراه غير منشورة , معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا , بغداد , 2007 م.
- عادل رؤوف , عراق بلا قيادة , المركز العراقي للإعلام والدراسات , سوريا , دمشق , 200م.
- عادل رؤوف , قراءة نقدية لمسيرة نصف قرن (1950-2000م), المركز العراقي للإعلام والدراسات , دمشق ,2000م.
- عمر رضا كحالة , معجم المؤلفين , دمشق 1988م.
- كاظم عبود الفتلاوي , المنتخب من إعلام الفكر والأدب , مؤسسة المواهب للطباعة والنشر , بيروت 1999م.
- محمد العباسي , البعد الدولي لاغتيال محمد باقر الصدر , قصة الصراع بين الإسلام والاستكبار , مؤسسة البداية للنشر والإعلام ,ط1 , القاهرة , 1986م.
- موسى إبراهيم الكرباسي , البيوتات الأدبية في كربلاء , ط1 ,1387هـ.
- نور الدين الشاهرودي , تاريخ الحركة العلمية في كربلاء , ط1 , بيروت 1410هـ.
المقابلات الشخصية
- د.عدنان إل طعمة , عميد كلية الآداب / جامعة أهل البيت عليهم السلام , مقابلة شخصية عام 2007م.
- مرتضى القزويني , عدة مقابلات شخصية للباحث في داره , كربلاء المقدسة 2006م.
مشاهدات عدة للباحث لمدرسة الإمام الصادق عليه السلام للأيتام في كربلاء المقدسة.
[1] - السيد صادق ال طعمة،الحركة الادبية المعاصرة في كربلاء،ج1،مطبعة اهل البيت،كربلاء،1968،ص141.
[2] - المصدر نفسه،ص142.
[3] - المصدر نفسه،ص142.
[4] - المصدر نفسه،ص 143.
[5] - المصدر نفسه،ص144.
[6] - سلمان ال طعمة،تراث كربلاء، بيروت،1403هـ،ص22.
[7] - موسى ابراهيم الكرباسي، البيوتات الادبية في كربلاء،ط1، 1387،ص 442.
[8] -المصدر نفسه،ص443.
[9] -نور الدين الشاهرودي، تاريخ الحركة العلمية في كربلاء،ط1، بيروت 1410 هـ،ص271.
[10] -المصدر نفسه،ص271.
[11] -المصدر نفسه،ص272.
[12] -عمر رضا كحالة،معجم المؤلفين،ج3،دمشق،1988م،ص294.
[13] - المصدر نفسه،ص294.
[14] - كاظم عبود الفتلاوي،المنتخب من اعلام الفكر والادب، مؤسسة المواهب للطباعة والنشر،بيروت 1999م،ص648.
[15]- عادل رؤوف،قراءةنقدية لمسيرة نصف قرن (1950-2000م)، المركز العراقي للإعلام والدراسات، دمشق،2000م، ص118.
[16] - المصدر نفسه،ص218.
[17] - مقابلة شخصية للباحث مع السيد القزويني عام 2006م.
[18] - صادق ال طعمة، بطولات كربلاء في فترة الطغيان الشيوعي، مخطوط لدى السيد في داره.
[19] - مقابلة شخصية للباحث مع السيد القزويني عام 2006.
[20]- صالح عباس الطائي،السيد محمد محمد صادق الصدر ودوره الفكري والسياسي في تاريخ العراق المعاصر حتى عام 1999م،اطروحة دكتوراه غير منشورة،معهد التاريخ العربي للدراسات العليا، بغداد 2007م،ص83.
[21] - صالح عباس الطائي،عبد الواحد الحاج سكر ودوره الوطني في عام 1956م،رسالة ماجستير غير منشورة،معهد التاريخ العربي للدراسات العليا،بغداد،2003م،ص72، مشاهدات عدة للباحث لمدرسة الامام الصادق للأيتام /كربلاء المقدسة.
[22] - محمد العباسي،البعد العباسي لاغتيال محمد باقر الصدر،قصة الصراع بين الاسلام والاستكبار،مؤسسة البداية للنشر والإعلام،ط1، القاهرة،1986، ص43.
[23]- صالح عباس الطائي،المصدر السابق، ص 82.
[24] - عادل رؤوف، عراق بلا قيادة، المركز العراقي للإعلام والدراسات، سوريا،دمشق،2000م،ص386.
[25] - د. عدنان ال طعمة،عميد كلية الآداب، جامعة اهل البيت،مقابلة شخصية عام 2007م.