تصنیف البحث: تاريخ
من صفحة: 288
إلى صفحة: 323
النص الكامل للبحث: PDF icon 7-16.pdf
البحث:

الصفدي نشأته و ثقافته:

نشأته (696 أو 697 – 764)

خليل بن أيبك بن عبد الله، صلاح الدين الصفدي([1])؛ ولِدَ في صََفد([2])، وإليها نسبته([3])،سنة ستٍ أو سبع وتسعين وستمائة تقريبا([4])، وفيها نشأ. وتعلم في دمشق وعُنيَ في أول حياته بصناعة الرسم ومهر فيه([5])،ويبدو أن والده كان مهتما به ويرعاه ويلبي شؤونه، فقد ذكر الصفدي عن نفسه ((أن أباه لم يمكنه من الاشتغال حتى استوفى عشرين سنة فطلب بنفسه))([6]). ثم تنقل بين القاهرة ودمشق طلبا للعلم والعمل، وكان أول ما ولي من الأعمال كتابة الدَّرج بمدينته صفد؛ ثم انتقل إلى القاهرة وعمل أيضا بهذهِ الوظيفة لجودة خطه. ثم باشر كتابة السِّر بحلب. وبعدها انتقل إلى دمشق وعمل في ديوان الإنشاء والرسائل ثُّم أُضيفت إليه وكالة بيت المال. وفي أواخر أيامه تصدى للإفادة والتدريس في الجامع الأموي وحدث بدمشق وحلب وغيرهما، وقد سمع منه من أشياخه الذهبي وابن كثير والحسيني وغيرهم([7]).

وقد ذكر ابن حجر العسقلاني(ت 852هـ) في ترجمته ان أبا الصفا ((كان محببا إلى الناس حسن المعاشرة جميل المودة، وكان في الآخرة قد ثقل سمعه))([8]) وقيل فيه أيضا ((كان إليه المنتهى في مكارم الأخلاق وحُسن الشِّيم))([9]).

وقد توفي في ليلة الأحد عاشر شوال سنة 764هـ في دمشق ودفن بالصوفية.

 

ثـقافـته:

لم تكن ثقافة الصفدي لتختلف عن ثقافة معظم علماء عصره أو الذين سبقوه، حيث تتسم هذهِ الثقافة بالشمول؛ ذلك ان الرجل يبدو انه قد أمضى سنيّ حياته ولاسيما الأولى منها في العلم والتحصيل والوقوف عند المؤلفات المختلفة والمتباينة لاسيما في مجال الأدب واللغة والنقد وما يتصل بالعلوم الدينية من فقه وفرائض فضلا عن العلوم العقلية إلى جانب علم التاريخ وما يتصل به من علم الرجال والتراجم والسير، كل ذلك استطاع أن ينهل منه الصفدي جامعا بذلك بين شتى ألوان الثقافة السائدة في عصره. على ان هذا لم يكن الرافد الوحيد الذي استقى من معينه الصفدي؛ وإنما هناك رافدا آخر كان له التأثير الكبير والمباشر في تنمية ملكته العقلية والأدبية ألا وهو أساتذته وشيوخه الذين أخذ عنهم معارفه المختلفة.

وقد ذكرت لنا كتب التراجم عددا من شيوخه الذين أخذ عنهم وسمع منهم سواء في مصر أم في دمشق؛ نذكر منهم:

القاضي بدر الدين بن جماعة (639 – 733 هـ): هو محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي الحموي الكناني.

ابو الفتح بن سيد الناس (671 – 734 هـ): هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس فتح الدين الأندلسي الاشبيلي المعروف بابن سيد الناس.

الحافظ أبو الحجاج المزي (654- 742 هـ): هو أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن أبي الزهر جمال الدين المزي.

القاضي تقي الدين السبكي (683 – 756 هـ): هو علي بن عبد الكافي بن علي ابن تمام بن يوسف بن موسى بن تقي الدين السبكي.

الذهبي.

وفي النحو أخذ عن أبي حيان

وأخذ الأدب عن

الشهاب محمود (644 – 725 هـ): هو محمد بن سليمان بن فهد الدمشقي الحنبلي، كان أديبا كاتبا محسنا وظل يعمل بديوان الإنشاء في دمشق والقاهرة نحو خمسين عاما، كما كان شاعرا متفوقا.

ابن نباته (768هـ): جمال الدين محمد بن نباته، كان كاتبا وشاعرا عمل في ديوان الإنشاء في الشام ثم في مصر حتى توفي فيها.

 

آثـاره:

لاشك في إن آثار أي مبدع أو أديب تعدُّ وثيقة مهمة في معرفة عبقريته وقيمته العلمية والأدبية؛ إذ من خلالها نستطيع الحكم على أصالة هذا المبدع وعلميته. والصفدي واحد من أولئك الذين تركوا لنا مؤلفات عدَّة متنوعة الاتجاهات بعضها مما وصل إلينا وطبع؛ وبعضها مما لم يصل إلينا لسبب أو لآخر، غير أن كتب التراجم ذكرت لنا عددا من مؤلفاته، هذا فضلا عمَّا ذكره هو من آثار في بعض كتبه، فقد ذُكِرَ أنَّه قال: ((وكتبت بيدي ما يقارب خمسمائة مجلدة))([10]) في حين ذهب البعض ممن ترجموا له إلى انه كتب ما يقارب مئتين من المجلدات ([11])في التاريخ واللغة والأدب فضلا عن كونه شاعرا([12])وأديبا([13])؛ ومن أبرز مؤلفاته:

1-الوافي بالوفيات: وهو كتاب في التاريخ والتراجم مرتبة على حروف المعجم من العصر الجاهلي وحتى عصره ويقع في ثلاثين مجلدة.(مطبوع)

2- نكت الهميان:أو (نكت الهميان في نكت العميان) ترجم به فضلاء العميان، ويعد من نوادر كتب الأدب والتراجم. (مطبوع)

3-الغيث المسجم في شرح لامية العجم: كثير الفوائد([14])، وقد ذكره صاحب معجم المؤلفين تحت عنوان(غيث الأدب الذي انسجم في شرح لامية العجم للطغرائي)([15]) ويقع في مجلدين، طول فيه كثيرا وملأه بفوائد جليلة. (مطبوع)

4- أعوان النصر في أعيان العصر: كتاب في التراجم كبير يقع في ست مجلدات، اقتصر فيه على مَنْ أدركوا سنة ولادته منهم، وبلغت عدد ترجماته (2017 ترجمة) وقد أودع فيه قدرا كبيرا من أشعاره ومساجلاته ومعارضاته وألغازه وموشحاته ورسائله وتوقيعاته، وهو كتاب نفيس. (مطبوع)*

5- دمعة الباكي. (مطبوع)

6- ديوان الفصحاء: وهو كتاب في الأدب.

7- ألحان السواجع بين المبادئ والمراجع: عبارة عن رسائل لبعض معاصريه رتب أسماؤهم فيها على حروف المعجم، ويقع في مجلدين.

8- التنبيه على التشبيه.

9- جر الذيل في وصف الخيل.

10- توشيح الترشيح.

11- كشف الحال في وصف الخال.

12-جنان الجناس: في الأدب، وقد أشار إليه في الغيث المسجم([16]). (مطبوع)

13- فض الختام في التورية والاستخدام.

14- جلوة المذاكرة: في الأدب.

15- الروض الباسم.

16- تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون: وهي غير الرسالة التهكمية التي شرحها ابن نباتة. (مطبوع)

17- لذة السمع في وصف الدمع.

18- تصحيح التصحيف وتحرير التحريف: في اللغة، معجم طريف، رتب فيه المؤلف مجموعة من الكتب المصنفة في التنبيه على التصحيف على وفق الترتيب الهجائي.

19- الشعور بالعور: في تراجم العور وأخبارهم.

20- التذكرة: جمع فيه شعرا وأدبا وأخبارا.

21- نصرة الثائر: في نقد المثل السائر، ألفه الصفدي في حدود سنة 750هـ. انتصر فيه الصفدي من أبي القاسم السنجاري(ت 640هـ)، ويعد من أجل الكتب التي أُلِفَتْ حول المثل السائر، وهو في الأدب العربي، وفيه تظهر ملكة الصفدي الأدبية والنقدية وإلمامه بنوادر الكتب وغرائب النصوص. وقد ذُكِر في الغيث المسجم (نصرة الثائر على المثل السائر)*.

22- منشآته.

23- المجاراة والمجازاة.

24- تحفة ذوي الألباب فيمن حكم دمشق من الخلفاء والملوك والنواب. (مطبوع)

25 – تشنيف السمع في انسكاب الدمع. (مطبوع)

وإلى جنب المؤلفات ترك لنا الصفدي رسائل ذكرها الزركلي في كتابه الأعلام هي:

الروض الباسم.

الحسن الصريح في مئة مليح.

قهر الوجوه العابسة بذكر نسب الجراكسة. (مطبوع)

الوصف والتشبيه.

وصف الهلال. (مطبوع)

وصف الحريق.

كشف السر المبهم في لزوم مالا يلزم.

غوامض الصحاح. 

منهج الصفدي:

 من المعروف تاريخيا ان الاهتمام بالشعر وتدوينه وجمعه إنما كان وسيلة لتدبر القرآن الكريم وفهم الأحاديث النبوية الشريفة؛ ومن ثمَّ كان الأداة في وضع قواعد النحو وفقه اللغة فيما بعد؛وإلى هذا الجانب يصرح ابن قتيبة (ت 276هـ) في مقدمة كتابه (الشعر والشعراء) عندما يذكر: ((وكان أكثر قصدي للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جلُّ أهل الأدب والذين يقع الاحتجاج بأشعارهم في الغريب، وفي النحو، وفي كتاب الله عزوجل، وفي حديث رسول الله  صلى الله عليه وآله ))([17]) فغاية جمع الشعر لحاجتهم إلى الشاهد والمثل في الغريب وفي الـنحو، وكونه وسيلة لفهم القرآن وتدبر أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله ، غير أننا نلحظ أن بعض العلماء والرواة ممن جمعوا الشعر ودونوه قد قاموا بشرح مفرداته وألفاظه الغريبة؛ من ذلك – على سبيل المثال لا الحصر – ما يذكره المبرد (285هـ) في شرح هذين البيتين: ((

يَـمُرُّون بالـدَهْنَا خِفـافَا عِيَابُهم
على حين أَلهى النَّاسِ جُلُّ امورِهمُ
 

 

وَيخَرجن من دارِين بُجْرَ الحَقائِبِ
فَـندَلا زُرَيْـقُ المَالَ نَدْلَ الثَعالِبِ([18])
 

 

......وقوله: يمرون بالدهنا خفافا عيابهم

يعني قوما تجارا.....وذلك ان دارين([19])سوق من أسواق العرب. وقوله ((بُجْرَ الحقائب)) يقول: عظام، ويُقال للرجل إذا اندلقت سرته فنتأت متقدمة: رجل أبجر، ويُقال لها البُجْرَة والبَجَرَة، وفُعْلَةٌ وفَعَلَةٌ تقعان في الشيء، ويُقال قُلْفَةٌ وقَلَفَةٌ، وصُلْعَةٌ وصَلَعَةٌ ومثل هذا كثير.....))([20]). وكذلك ما فعله الأخفش عندما ذكر قصيدة الأبيرد الرياحي في رثاء أخيه بريدا ثم قام بشرح غريبها:

تَطـاولَ ليـلي لَمْ أَنَمـْهُ تَقـَلُّبا
أُراقِبُ من لـيلِ التَّمامِ نجـومهُ
 

 

كـأَنَّ فراشِي حـَالَ من دونِه الجَمْر
 لَدُنْ غَابَ قَرْنُ الشَّمسِ حتَّى بَدا الفَجْر
 

 

.....قال أبو الحسن: مَنْ روى لم أنمه جعله مفعولا على السعة، كما قالوا اليوم صُمْتُه، والمعنى لم أنم فيه وصمت في اليوم.....ونصب تَقَلُّبَاً بالمعنى، كأنه قال: أتقلب تقلبا ن لان لم انم بدل منه.

قال أبو علي: ليلُ التَّمام بالكسر لاغير، ولا تنزع منه الألف واللام فيقال ليل تمام.....وقرن الشمس: حَرْفُها....))([21]).

والشيء الملاحظ على هذه الشروح إن صاحبها إنما يهتم ببيان معاني بعض المفردات وقد ينشغل ببيان معنى معين ثم يتفرع منه إلى قضايا لغوية ونحوية. أما الجوانب البيانية أو الفنية في العمل الأدبي أو القصيدة فلا نلحظ لها وجودا لدى هؤلاء العلماء. وقد يستعين البعض منهم بآراء العلماء الذين سبقوه ممن يشهد لهم بسعة المعرفة والاطلاع في علوم اللغة والنحو، كما حدث مع أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب (ت291) عندما شرح ديوان زهير بن أبي سلمى؛ حيث يقول: ((

أمِنْ اُمِ أَوْفَى دِمْنة لَمْ تُكَلَم
   

 

بِحَوْمَانَة الدَّراجِ فالمُتثلمِ
 

 

قال ثعلب: ويروى الدُّراج. الألف ألف الاستفهام منقولة يريد أدمنة من منازل أم أوفى لم تكلم، وهذا توجع كما قال الهذلي:

أمنك بَرقُ أَبيْتُ الليلَ أَرْقُبه
   

 

كَأَنَّهُ في عِراض الشَّامِ مِصْبَاح
 

 

يريد: أمن شقك أي أمن ناحيتك هذا البرق. والحومانة والجمع حوامين أماكن غلاظ منقادة ويقال حومانة وحومان، وهذه المواضع بالعالية، والدمنة: آثار الدار وما سوَّد......))([22]). وهكذا يستمر ثعلب في شرحه لمفردات شعر زهير والتي يبدو ان غلبة الاهتمام بمعاني المفردات ظاهرة عليها، حتى يصل إلى قوله:

شجَّ السقاة على ناجودها شبما
 

 

من ماء لينة لا طرقا ولا رنقا
 

 

حيث يقول: قال الأصمعي: الناجود أول ما يخرج وأراه معربا، وعنه أيضا الناجود ما يخرج من البزال وأنشد:

مما تضوع من ناجودها الجاري

وقال أبو عمرو: وكل إناء يجعل فيه الخمر فهو ناجود باطية كانت أو قدحا كبيرا أو جفنة. وقال أبو عبيدة: الناجود والخرطوم صفوة الخمر وأولها، والشبم: البارد، ولينة بئر من أعذب بئر بطريق مكة. والطرق: ما بوَّلت في الإبل وبعَّرت. والرنق: الكدر...))([23]).

على ان الأمر لم يقتصر على الشعر القديم وإنما نلحظ انه يستمر حتى في القرون اللاحقة ففي القرن الثالث الهجري يتصدى أبو بكر الصولي (ت 635 أو 636هـ) لشرح شعر أبي تمام (228 أو 231 أو 232هـ) لما أثاره هذا الشاعر من حركة نقدية وجدل حول ما يُعرف بطريقة العرب أو عمود الشعر، فكان لابد من وضع الشروح التي تعين الجمهور على فهم هذا الأسلوب الجديد في الشعر؛ فكان أن عمل على شرح شعر أبي تمام متتبعا معاني الشاعر ومحاولا إيضاحها للمتلقي فضلا عن الاهتمام بالجانب التاريخي وذكره للأخبار وما يتعلق بالقصائد.

وفي القرن الرابع حيث المتنبي وما أثاره من معارك نقدية حول أصالة شاعريته نراه يجلس إلى العلماء الذين يهتمون بشعره ويشرحون ألفاظه ويفسرون معانيه التي قد تبدو غامضة ومنهم ابن جني (ت 392هـ).

أما فيما يتعلق بالمختارات الشعرية وشرحها فيبرز لنا أبو بكر محمد بن القاسم المعروف بابن الأنباري(ت 328هـ) صاحب شرح المعلقات السبع، حيث المنهج اللغوي والنحوي سائدا في شرحه على انه لا يهمل ما للأحداث التاريخية والأنساب من أثر في معرفة الجو العام للقصيدة فضلا عن الاهتمام ببعض القضايا الأدبية وان كان حضورها ضعيفا بالقياس إلى القضايا والمسائل النحوية واللغوية مستعينا بآراء العلماء الذين سبقوه وأقوالهم ولاسيما الفراء والأصمعي وأبي عبيدة وغيرهم من علماء النحو واللغة فضر عن الاستشهاد بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، مستعرضا بذلك مخزونه الثقافي.

والشارح في كل ذلك إنما يعتمد على ثقافة لغوية ونحوية وأحيانا تاريخية، لذا فان مهمة الشارح ليست بالمهمة البسيطة أو السهلة وإنما تحتاج إلى ثقافة عالية، لذا نلحظ تعدد الشروح بتعدد شارحيها واتجاهاتهم المعرفية المختلفة لاسيما النحوية والصرفية وذلك في القرون الأولى؛ ثم ظهر لنا الجانب الأدبي المتمثل بالشرح البلاغي والنقدي في القرون اللاحقة لاسيما عند الصولي في شرحه لشعر أبي تمام، وابن جني في شرحه لشعر المتنبي، وكذلك التبريزي (ت 502هـ) الذي جمع في شرحه لشعر أبي الطيّب المتنبي بين شرح ابن جني وشرح أبي العلاء المعري؛ من ذلك على سبيل المثال شرحه لبيت المتنبي الذي يقول فيه: ((

وَجَيْشٌ يثنِي كثلَّ طَوْدٍ كَأَنَّهُ
 

 

خَرِيْقُ رِيَاحٍ وَاجَهتْ غُصْناً رَطْبَاً
 

 

.... (الطود): الجبل. وادعى ان الجيش يثني الطود، كما تثني الريح الخريق الغصن. وهذا من المبالغة التي يعدها الشعراء من بديع النظام. وهي  كذب في الحقيقة.

والريح الخريق: الشديدة. وقيل: اللينة السهلة , وهي من الأضداد))([24]).

فالشارح هنا تحدث عن المبالغة في الشعر وأثرها، ثم أشار إلى قضية بلاغية هي الأضداد. ومن الفنون البلاغية التي وقف عندها الشراح أيضا فن التشبيه؛ فهذا التبريزي عندما يقف عند بيت أبي الطيِّب الذي يقول فيه: ((

يَهُزُّ الجَيْشُ حَوْلَكَ جَانِبَيْهِ
 

 

كَمَا نَفَضَتْ جَنَاحَيْها العُقَابُ
 

 

شبهه وهو في قلب الجيش، والجيش حوله يضطرب بعُقاب تهُزُّ جناحيها))([25]).

وأمثلة ذلك كثيرة مما يطول ذكرها.

على إن هؤلاء الشراح لم يخرجوا في شرحهم عن منهج الأوائل في الوقوف عند كل بيت من أبيات القصيدة ومحاولة شرحه لغويا ونحويا دونما الوقوف على القصيدة كاملة ومحاولة إظهار مواطن الجودة أو الوقوف عند الجانب الجمالي والإبداعي فيها، ذلك إن كل شارح إنما كان قصده من الوقوف عند كل بيت من القصيدة لغرض إظهار موطن الشاهد النحوي أو الوقوف عند بعض القضايا اللغوية والصرفية، في حين يقف شارح آخر عند القضايا التاريخية وما يتعلق منها بالأنساب والأيام؛ وإلى هذه القضية تنبه الجاحظ (ت 255هـ) عندما قال: ((طلبت علم الشعر عند الأصمعي فوجدته لا يحسن إلا غريبه، فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يتقن إلا إعرابه، فعطفت على أبي عبيدة فوجدته لا ينقل إلا ما اتصل بالأخبار وتعلق بالأيام والأنساب. فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتَّاب كالحسن بن وهب ومحمد بن عبد الملك الزيَّات))([26]). ويؤكد هذه الحقيقة في نص آخر عندما يقول: ((ولم ارَ غاية النحويين إلا كل شعر فيه إعراب،ولم أرَ غاية رواة الأشعار إلا كل شعر فيه غريب أو معنى صعب يحتاج إلى الاستخراج، ولم أرَ غاية رواة الأخبار إلا كل شعر فيه الشاهد والمثل))([27])

مصادر الصفدي:

لا بد لنا قبل الوقوف على منهج الصفدي أن نشير إلى أبرز المصادر التي استعان بها في شرحه للامية الطغرائي، والقارئ لشرحه (الغيث المسجم في شرح لامية العجم) يستطيع أن يقسم هذه المصادر إلى: الكتب المدونة، الرواية عن العلماء أو الرجال الذين سمع منهم وأخذ عنهم.

ففي مجال الكتب المدونة:

فقد عاش الصفدي في القرن الثامن الهجري، ومعروف إن هذا القرن والقرون التي سبقته لاسيما في القرنين الرابع والخامس الهجريين وما بعدهما قد صار للكتاب حضوره الواسع في الأوساط المعرفية وصار له دور كبير في تثقيف العقول وشحذها بأنواع المعرفة المختلفة؛ فقد نافس في هذه المرحلة الشيوخ والرواة _ إن لم يتغلب عليهم _ ذلك ان الطلاب والمتعلمين قد توجهوا نحو الكتب للنهل من بطونها، ولا ننسى ما لحركة التدوين في القرون السابقة من أثر في شيوع الكتب ونسخها مما جعلها قريبة من يد القارئ، فليس غريبا _ والحال هذه _ أن تشكل الكتب المدونة واحدة من روافد شرح الصفدي وتفسيره للشعر وبيان معانيه.

ففي مجال اللغة يأخذ عن ابن الأنباري، وابن السكيت، وأبي علي الفارسي، وثعلب، وابن الأعرابي، وأبي عبيدة، والكسائي، وأبي عمرو بن العلاء وغيرهم؛ فمثلا عندما يقف عند شرح البيت الأول من اللامية: ((

أَصَالَة الرَأي صَانَتْني عن الخَطَلِ
 

 

وَحُلْيَة الفَضل زَانتني لَدَى العَطَلِ

 

اللغة: (أصالة): مصدر أصَّل الشيء أصالة مثل ضخم ضخامةً، ومجد أصيل ذو أصالة رجل أصيل الرأي مُحكَمه. قال ابن الأنباري: الأصيل القوي الذي له أصل......))([28]) وقوله أيضا: ((

فَالحُبُّ حَيْثُ العِدى وَالأُسْدُ رَابِضَةٌ 
 

 

حَوْل الكناسِ لَهَا غَابٌ مِنَ الأَسَلِ
 

 

 (اللغة): الحب بالضم المحبة وبالكسر الحبيب نفسه. قال ابن الأنباري: الحب: الحبيب يقال للمذكر والمؤنث بلفظ واحد.....قال ابن السكيت: لم يأت فعل من النعوت إلا حرف واحد، يقال هؤلاء قوم عِدى، وأنشد:

إذا كنتَ في قَوْمٍ عِدى لستَ منهمُ
 

 

فكلُ ما ملته من خبيث وطيِّبِ
 

 

ويقال قوم عِدى وعُدى بالكسر والضم مثل سوى وسوى.....))([29]) ومثل ذلك كثير ([30]).

أما في مجال النحو فيذكر بدر الدين بن مالك، جمال الدين محمد بن مالك، الشيخ بهاد الدين النحاس، شهاب الدين بن النحاس، ابن جني، الأخفش، ابن عصفور،فضلا عن سيبويه والفراء، وابن هشام وقطرب، والزجاجي وغيرهم.

من ذلك على سبيل المثال شرحه للبيت الخامس من اللامية: ((

فَلا صَديقَ إليه مشتكى حَزَني    
 

 

وَلا أنيْسَ إليهِ مُنتَهى جَذَلي
 

 

...فلا صديق: الفاء للمصاحبة، ولا هذهِ هي التي لنفي الجنس. قال الشيخ جمال الدين محمد ابن مالك: الأصل في لا النافية أن لا تعمل لأنها غير مختصة بالأسماء. قلت أنا: القاعدة عند أهل العربية إن الحرف إذا كان مختصا عمل كحروف الجر لما اختصت بالأسماء ومثل كان وأخواتها وإنَّ وأخواتها وظن وأخواتها ومثل لم وعوامل الجزم وعوامل النصب في الأفعال مثل أن وبابها لما اختصت بالأفعال عملت فيها إذا كان الحرف غير مختصٍ كحروف الاستفهام، والنفي، والعطف، لم يعمل شيئا لاشتراكه في الدخول على الأسماء والأفعال،.....قال الشيخ بدر الدين: وقد أخرجوا من هنا لا فأعملوها في النكرات عمل ليس تارة وعمل إن أخرى فإذا قصد بالنكرة بعدها استغراق الجنس صح فيها أن تحمل على أنَّ في العمل لتوكيد النفي وإن لتوكيد الإيجاب فهي ضدها والشيء يحمل على ضده كما يحمل على نظيره لأن الوهم ينزل الضدين منزلة النظيرين ولذلك نجد الضد أقرب حضورا في البال مع الضد، قال الشيخ شهاب الدين بن النحاس: هذا الذي تقوله النحاة وعندي أن أحسن من هذه العبارة ما قاله شيخنا ابن عمرون وابن الخشاب وهو أن إنَّ للإثبات كما قيل لا للنفي، والنفي والإثبات طرفان فاشتركا في الطرفية فحملت لا على ان لاشتراكهما فيما ذكرناه.أهـ.قلت هذا تعليل حسن لأنهما يعودان من باب واحد وهناك يكونان متضادين والحمل على الاشتراك أولى وبعد ففيه نظر....))([31]). والنص على الرغم من طوله إنما يكشف لنا عن منهج الصفدي، فهو عندما يريد الخوض في مسألة لغوية إنما يحاول أن يجمع فيها الآراء المتضاربة ومحاولة إيجاد تعليل حسن للمسألة المتضادة. ثم بعد ذلك يعود للحديث عن شروط إعمال لا عمل إنَّ مفصلا في المسألة مستعينا بالشواهد القرآنية والشعرية في توضيح المسألة بشكل مسهب يصل إلى الصفحتين([32])، وهذا شأنه في معظم الأبيات التي وقف عندها وشرحها شرحا نحويا محاولا الوقوف في كل بيت عند قضية نحوية جديدة مستعرضا آراء العلماء فيها وموضحا شروطها([33]). وفي موضع آخر نراه يشير إلى آراء المدرسة البصرية في النحو ولاسيما سيبويه؛ حيث يقول في شرح البيت الأول من اللامية:

أَصالَةُ الرأي صانتني عن الخَطَلِ
 

 

وحُلْيَة الفَضْلِ زانتني لَدَى العَطَلِ
 

 

فإعراب ((أصالة؛ مبتدأ مضاف إلى ما بعده والمبتدأ قال الشيخ بدر الدين بن مالك: هو الاسم المجرد من العوامل اللفظية غير الزائدة مخبرا عنه أو وصفا رافعا لمكتفىً به. وقد اختلف في رافعه فقيل الابتداء وهو جعلك الاسم أول الكلام وهذا أمر معنوي والعامل المعنوي لم يأت على النحاة إلا في موضعين هذا والثاني وقوع الفعل المضارع موقع الاسم حتى أُعرب وهذا قول سيبويه وأكثر البصريين وأضاف الأخفش إليهما موضعا ثالثا وهو عامل الصفة فذهب إلى ان الاسم يرتفع لكونه صفة لمرفوع وينتصب لكونه صفة لمنصوب وينجر لكونه صفة لمجرور. وكونه صفة في هذه الأماكن معنى يعرف بالقلب. وليس للفظ فيه حظ.....))([34]). ثم نراه يذكر الآراء والأقوال في سبب رفع المبتدأ محاولا الموازنة بينها مرجحا أقرب الأقوال حيث يقول: ((وقيل رافع المبتدأ التجرد عن العوامل وليس بشيء إذ العدم لا يكون علّة الوجود وفيه نظر وقيل رافعه الخبر وهو باطل لأن الخبر متأخر عنه وضعا وقيل بل هما مترافعان وقيل الابتداء رافعهما وهو ضعيف لان المعنى ما له هذه القوة وقيل الابتداء رفع المبتدأ والمبتدأ رفع الخبر وهو أقرب الأقوال))([35]).

ومثل ذلك عندما يتحدث عن ناصب المفعول به نراه يذكر آراء النحاة القدماء مرجحا رأي سيبويه على جميع الآراء حيث يقول في شرحه للبيت التاسع:

والدَّهرُ يعكسُ آمالي وَيُقنعني    
 

 

مِنَ الغَنيْمَةِ بعدَ الكدِّ بِالقَفَلِ
 

 

((واُختلف في ناصب المفعول به ن فمذهب سيبويه أنه الفعل ولذلك تعددت المفاعيل بحسب اقتضاء الفعل لها لان الفعل إن اقتضى مفعولا نصبه أو اثنين نصبهما أو ثلاثة نصبها، ومذهب ابن هشام أنه الفاعل لأنه الذي أثر فيه في المعنى فيؤثر فيه في اللفظ.

قلت: وهذا ليس بشيء لأن الفاعل يضمر، والمضمر لا يعمل في المظهر، ولأنهم قسموا الفعل إلى لازم ومتعدٍ فدلَّ على أن العمل له، ومذهب الفرَّاء أنه الفعل والفاعل قياسا على الابتداء والمبتدأ في الخبر والشرط وحرف الشرط في الجزاء على قول مَنْ يراه ومذهب الأخفش إن العامل فيه هو الفاعلية ولبس بشيء والصحيح مذهب سيبويه))([36])، ومثل ذلك كثير مما يطول ذكره([37]). وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على سعة اطلاع الصفدي على آراء علماء النحو ومحاولته الوقوف عند مواطن الاختلاف أو التباين بين هذه الآراء لاسيما فيما يتعلق بمسائل النحو العربي، غير انه – وكما لاحظنا – يميل إلى الأخذ بمذهب سيبويه، وذلك بعد الوقوف عند القضية النحوية ويسهب في شرحها وتوضيحها مستعينا بالشواهد الأدبية أو الآيات القرآنية ذاكرا أوجه التباين بين العلماء؛ هذا من جانب ومن جانب آخر هو ما نلحظه من دقة الصفدي في إرجاع كل رأي إلى صاحبه مما يسهل على الباحث الرجوع إلى المصادر ومقابلة هذه النصوص بمصادرها أو أصولها التي استقى منها، من ذلك مثلا: ((وفي قول الشيخ جمال الدين بن مالك في الخلاصة....))([38]) و ((ذكر ذلك ولده بدر الدين في شرح الخلاصة؛ ونبه عليه في التسهيل والده جمال الدين...))([39]).

الرواية عن العلماء:  

لم يخرج الصفدي في أخذه العلم والمعرفة عمَّا كان سائدا في عصره وقبل عصره من الجلوس لدى العلماء والأدباء والأخذ عنهم مشافهة والسماع منهم؛ فقد ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في (الدرر الكامنة) أنه: ((كان قد تصدى للإفادة بالجامع، وقد سمع منه من أشياخه الذهبي، وابن كثير والحسني وغيرهم))([40])أما الذهبي فقد قال: ((سمع مني، وسمعت منه،وله تواليف، وكتب، وبلاغة))([41]) في إشارة إلى أخذه عن علماء عصره واستماعه لمروياتهم، ذلك أن الرواية – كما هو معلوم – تعد أرفع درجة وأفضل منزلة من الأخذ عن الكتب أو الصحف ن وهذا ما سبق أن أشار إليه محمد بن سلام الجمحي (ت 231هـ) في القرن الثالث الهجري من قبل عندما تحدث عن رواية الشعر وضرورة الأخذ عن أهل البادية في إشارة منه إلى أهمية الرواية الصحيحة؛ حيث يقول: ((وقد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية ولم يعرضوه على العلماء، وليس لأحد-إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه – أن يَقْبَل من صحيفة ولا يَرْوي عن صُحُفي))([42]).

وقارئ شرح الصفدي يلحظ اهتمامه الكبير بذكر أسماء الرجال والأعلام الذين جلس إليهم وأخذ بعض مروياته عنهم مشافهة أو ما نقله من خطهم، وكأنه بذلك يريد أن يوثق من صحة مروياته واستشهاداته الأدبية واللغوية وحتى التاريخية وغير ذلك من المعارف التي يحاول أن يضعها في مؤلفه، وقد اختلفت صيغ الأخذ والرواية عن العلماء فقد تكون بصيغة (قرأت) كما ذكر عن الشيخ شهاب الدين محمود الكاتب؛ حيث يقول: ((وقرأتُ على الشيخ الإمام القاضي شهاب الدين أبي الثناء محمود الكاتب كتابا أنشأه في وصف الخيل جاء فيه: لا يستنّ داحس في مضماره، ولا تطمع الغبراء في شق غباره، ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره، تسابق يداه مرامي طرفه، ويدرك شوارد البروق ثانيا من عطفه....))([43]) فالصفدي يشير صراحة إلى قراءته لكتاب كان قد أنشأه القاضي شهاب الدين في وصف الخيل، وفي موضع ثانٍ أيضا حيث يقول: ((قرأت على الشيخ الإمام الأديب الكاتب القاضي شهاب الدين أبي الثناء محمود بن زين الدين سليمان بن فهد الحلبي بدمشق، مجلدة من نظمه في مدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسَمَها بأسنى المنائح في أهنى المدائح، من ذلك في أثناء قصيدة:

ألاّ حَبَـذا مسـرى الرِّكاب وقَد رَأتْ
وَقَد نَـزَلوا الركبـانَ عَنْـها وَعَفَروا
وَلاحَ الحَمى والصُّبح في طرَّة الدُّجى
وقد أشرَقَتْ تـلك القبـابُ وأشرقتْ
 

 

لَها مَعْـلَما عند الثـنية معلَما
سحـيرا على الأرْضِ لتكرمَا
فَلَمْ يَدْرِ مَا شَقَّ الحَنادِس منهما
وجوهٌ زَهاهَا الحُسْنُ أن تَتَلثمَا
 

 

ومن شعره أيضا في الكتاب المذكور:

كَأَنِّي بِكـُم والبيـدُ تطـوي لَدَيـكُم
ولاحَتْ لَكـُم بـين النَـخيلِ أشـعَة
وَقد عـفتم الأكـوار لَما عَلِـمـتُمُ
وسَـابقـتم أقـدَامَكُم بوجـوهـكم
 

 

وَقَـدْ فُزْتُـم دونَ المتـيَّمِ بِاللّـَقا
أضَاءتْ لها الأَكوانُ غربا ومشرقا
بها أنَّ تلك الأرْض أشرف مُرْتَقى
لِيَتَـشِّرَفَ خَدُّ ظلَّ بالتُّرْبِ مُلْصَقا
 

 

...))([44]).

وقد تكون الصيغة (أنشدني لنفسه من لفظه) أو (أنشدنيه لنفسه من لفظه) أو (أنشدني من لفظه لنفسه) في إشارة منه إلى الرواية الشفوية وأنه أخذ شواهده الشعرية ومروياته مشافهة من أفواه أصحابها دونما أن يكون هنالك وسيط سواء اكان راويا أم كاتبا، من هذه النصوص نقرأ قوله: ((ما أحسن ما أنشدني لنفسه من لفظه المولى صفي الدين بن عبد العزيز بن سرايا الحُلي بالباب وبزاعة بلاد حلب سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة:

وأغـرُّ تـبريُّ الإهابِ مورّدٌ
أخشى عَليه أنْ يُصابَ بأسهُمي
 

 

سبط الأَديمِ محجَّلٌ ببيَاضِ
مَّا يُسابِقها إلى الأغراضِ
 

 

وأنشدني لنفسه أيضا:

وأدْهَمٌ يققِ التَحجـيلِ ذي مَرَحٍ
مُضمَّر مشرف الأذنَيْن تحسـبُهُ
ركبـتُ منه مـطا لَيْلٍ تسيرُ بِهِ  
إذا رميتُ سهامي فوق صتـهوتهِ 
 

 

يميسُ من عُجبهِ كالشَّارِب الثَّملِ
موكَّلا باستراق السَّمع عن زُحَلِ
كواكبُ تلحقُ المحمولَ بالحـملِ
مرَّت بِهاديه وانحطتْ عن الكَفَلِ
 

 

قلت: الثاني من الأول والرابع من الثاني في غاية الحسن، وهما من المبالغات المليحة، وما أحسن ما أنشدنيه لنفسه من لفظه المولى جمال الدين محمد بن محمد بن نباته سنة تسع وعشرين وسبعمائة:

وردٌ مع العـُربِ منسوبٌ فلا قطعتْ
إذا أمتطى ظهره رامي السِّهام مضى

... 
 

 

أيدي الحوادثِ من أنسابه شجرهْ
والسهمُ حَذوا فلولا سـبقهُ عقره

 

 

وأنشدني من لفظه المولى جمال الدين يوسف بن سليمان بن أبي الحسن الصوفي بدمشق في جمادي الأولى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة:

وأدهم اللون فاتَ البرقُ وانتظرهْ
فواضـعٌ رجلهُ حيث انتهتْ يدُهُ
شـهمٌ تراه يحاكي السَّهمَ منطلقا  
ويعقرُ الوحشُ في البيداء فارسهُ  
 

 

فغارت الريحُ حتى غيبتْ أثرهْ
وواضعٌ يدَهُ أنى رمى بصـرَهْ
وما له غرضٌ مستوقفٌ خبرهْ
وينثني وادعا لم يلتحفْ غبرهْ
 

 

.......))([45]) فالشيء الملاحظ على هذا النص – وغيره من النصوص- أن الصفدي يحاول أن يوثق من قيمة مروياته الشفوية وذلك بان يذكر المكان والتاريخ الذي جمعه بهؤلاء الأعلام، كما انه يحاول أن يعلق على بعض الأبيات التي تنشد محاولا إبراز بعض مواطن الحسن والجودة فيها كما لاحظنا في النصين الأوليين في حين لم يفعل مثل ذلك مع النص الثالث الذي ذكره في المعنى نفسه.

أما الأعلام أو الرجال الذين ذكرهم وأخذ عنهم فنذكر منهم – على سبيل المثال لا الحصر – الشيخ شهاب الدين أبي الثناء محمود الكاتب([46])،وصفي الدين بن عبد العزيز بن سرايا الحلي([47]) والمولى جمال الدين محمد بن محمد بن نباته بدمشق([48])،والمولى جمال الدين يوسف بن سليمان ابن أبي الحسن الصوفي بدمشق([49])، الأمير علاء الدين الطنبغا الجاولي([50])،صفي الدين الحلي([51])،شهاب الدين الحسيني في القاهرة([52])، الشيخ الحافظ فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري([53])، وغيرهم ممن يطول المقام عن ذكرهم.

ثم ان الصفدي أحيانا لا يكتفي بمجرد الرواية الشفوية عن هؤلاء الأعلام الذين ذكرهم وإنما يأخذ عنهم من خلال مؤلفاتهم التي يخطونها بأيديهم ويصرح بهذا الأخذ، وكأنه يشير إلى أنه لم يكتفِ بالمشافهة وإنما أضاف إليها النظر بمؤلفات هؤلاء الأعلام التي كُتِبت بأيديهم وانه رأى هذه النصوص بخطوطهم، من ذلك مثلا نقرأ قوله: ((وأنشدني إجازة لنفسه المولى صفي الدين الحلي ومن خطه نقلت:

وسربُ ظِباءٍ مشرقات شموسهُ  
يمانع عما في الكناس أسـودها 
يغار من الطـيف الملمّ حماتها
...))([54])

 

عـلى حلـَّةٍ عدَّ النـجوم بـدورَها
ويحرس ما تحوي القصور صقورهَا
ويغضب من مَـرّ النـسيم غـيورهَا
    

 

وفي نص آخر نراه يعجب بأبيات لمجير الدين محمد بن تميم في إيقاد شمعة وكانت قد طفِئت، فيشير ((ومن خطه نقلت:

لما أزرتك شمعتي لتنيرها
وافتْه حاسرةً فقبَّل رأسها   
 

 

جاءت تحدِّثُ عن سراجك بالعَجَبْ
وأعـادها نـحوي بتاجٍ من ذهبْ))([55])
 

 

أما سراج الدين عمر الوراق فانه ينقل من خطه أكثر من نص، وفي ذلك يقول: ((ونقلت من خط السراج الوراق له:

أنا الذي مرضـت شـهرا كاملا
لولا الوزير الصاحب البدر الذي   
شارف قلعا وتـدي وخاف قطعا    
 

 

فما رأيتُ عـائدا ولا صِلهْ
نعماه لي مع الزمان واصِلهْ
سبـبي فقـلت هذهِ الفاصِلهْ
 

 

.......ونقلت من خطه أيضا له:

ما لي ونظم الشعر بانت صبوتي
أ أقـوله عبـثا بلا سبـب لـه
  

 

والناس قد رغبوا عن الآدابِ
والشعر مبنيٌّ على الأسبابِ))([56])
 

 

  ثم نراه في نص آخر يشير إلى انه ينقل من سراج الدين عمر الوراق إلا إنه لم يره بخطه، وكأنه بذلك يشير إلى أنه ربما اعتمد على مصدر آخر في نقله عنه – وإن لم يصرح بذلك _؛ وهذا ما يوضحه نصه الذي يقول فيه:

((وله (أي سراج الدين) ولم أره بخطه:

وسقيم الجفون أودعه الـ
غلبت مقلتاه قلبي عشقا
 

 

ــله بذاك السقام سِّراً خفيَّا
وضعيـفانِ يغلِبانِ قَويَّا))([57])
 

 

وإذا كان الصفدي في النصوص السابقة قد آمن وسلم بما نقله عن هؤلاء الأعلام الذين ربما عاشوا في عصره أو قبله بقليل مما أتاح له فرصة اللقاء بهم والأخذ عنهم عن طريق المشافهة أو ما يقع بيديه من مؤلفاتهم التي حملت خطهم؛ فانه في نص آخر نراه ينقل أبياتا يستحسنها للمتنبي ذاكرا مصدر الرواية إلا انه يشير إلى ان هذه الأبيات مما لم ترد في ديوانه أو أنها لم تكن في اشارة منه إلى حرصه الدقيق على تتبع مروياته ومحاولة التوثق منها بأي شكل من الأشكال ومنها الرجوع إلى ديوان الشاعر، وهذا ما حرص عليه علماؤنا ونقادنا في القرون السابقة، فنرى الصفدي على الرغم من إعجابه بهذين البيتين إلا إنه يصرح بأنها ليست في ديوان الشاعر؛ حيث يقول: ((وما أحسن قول أبي الطيِّب، وهو مما رواه تاج الدين الكندي عنه ولم يكن في ديوانه:

أبعين مفتقر إليك نـظرتني
لستَ الملوم أنا الملوم لأنني
  

 

وأهنتني وقذفتني من حالقِ
أنزلتُ آمالي بغيرِ الخالِقِ))([58])
 

 

وغير ذلك من النصوص التي أشرنا إليها والتي سمعها مباشرة من علماء عصره ورجاله وشيوخه الذين حدث عنهم وروى عنهم ونقل من خط أيديهم،وهم – كما لاحظنا – من شيوخ العصر السابع والثامن وعلمائه الذين اتصل بهم فضلا عن اتصاله بغيرهم وأخذه عنهم إلى جانب ثقافته الأدبية واللغوية والمعرفية بشكل واسع التي استقاها من مؤلفات العلماء الذين سبقوه والتي أشار إليها في حديثه أو شرحه للامية الطغرائي.

والصفدي في كل ذلك إنما يحاول _ وبطبيعة عمله _ أن يكون قريبا من الأوساط الأدبية والثقافية؛ ذلك اننا نستطيع أن نلاحظ أنه على الرغم من ذكره لبعض الأسماء والشيوخ نراه أيضا يشير إلى اسم الكتاب أيضا كما في قوله ((قرأت على الشيخ الإمام القاضي شهاب الدين أبي الثناء محمود الكاتب كتابا أنشأه في وصف الخيل))([59]) و ((قرأت على الشيخ الإمام الأديب الكاتب القاضي شهاب الدين....مجلدة من نظمه في مدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمها بأسنى المنائح في أهنى المدائح))([60])، أو كأن يقول ((قال صاحب الأغاني....))([61])،أو ((قال ابن الأثير الجزري في المثل السائر))([62])ومثل ذلك كثير مما يطول بنا المقام في ذكره. هذا فضلا عن ذكره لبعض المواقع والسنوات التي أخذ منها نصوصه – كما لاحظنا ذلك مسبقا – وقد يكتفي في بعض الأحيان بذكر اسم الشاعر الذي يروي عنه البيت الشعري أي محاولة منه في نسب الشعر إلى صاحبه؛ كأن يقول: ((قال ابن الرومي...))([63]) أو يكتفي بذكر ((قول الآخر...))([64])أو ((قال الشاعر...))([65]). وهو في كل ذلك إنما يدل على أمانة الصفدي في الإشارة إلى مصادر ثقافته، وحسبنا أن تنصفح شرحه لنرى مدى عنايته ودقته في كل ذلك، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على سعة اطلاعه وتتبعه لروايات الشعر والنصوص الأدبية ومحاولة توثيقها.

 

منهج الصفدي في شرحه:

قارئ كتاب (الغيث المسجم في شرح لامية العجم)يلحظ أن الصفدي في شرحه ذو نفس طويل، فقد يقف عند البيت الواحد مفسرا وشارحا في صفحات طوال؛ وكأنَّ هدفه هو قتل البيت الواحد من الشعر شرحا وتفسيرا من جميع الزوايا النحوية والصرفية واللغوية والأدبية. هذا إلى جانب اهتمامه بالشواهد الشعرية التي يسوقها تعزيزا لموقف أو بيان رأي أو إيضاح معنى، ولا يفوته ما للحوادث التاريخية أيضا من أثر في توضيح معنى أو استدراك لحقيقة معينة؛ حتى ذهب البعض إلى القول إن شرح الصفدي بلغ ((درجة من الضخامة تدعو إلى العجب))([66])، وهذا ما يصرح به الصفدي نفسه وكأنه كان هدفه الذي سعى إليه في مؤلفه، حيث يقول في مقدمة شرحه ((لا تجدني في هذا الشرح واقفا مع ضيق المقام، ولا فارا من مشق القواضب ولا رشق السهام، بل أشرف على كل مكان فأسقط، وأتوخى الحب من الدرُّر الكبار فألقط، فمهما استطرد الكلام إليه وفيته حقه، ومهما تعلق به ملكته رقة، فمن غور إلى نجد، ومن ربوة إلى وهد.....فقد يتسلسل الاستطراد والقلم معه، ويتشعب الكلام فلا أدعه يجد دعة))([67])، ذلك ان الغرض الذي يتوخاه في مصنفه هو إبراز أدبه وسعة علمه مما يزيد في جودة القصيدة الفوائد التي تضمنها هذا الشرح، ليكون شرحه أنموذجا للأدب وعنوانا يدل على الفضيلة التي امتاز بها لسان العرب؛ وهذا ما يصرح به في منهجه الذي اختطه لنفسه في شرحه حيث يقول: ((وقد أحببت أن أضع عليها شرحا يزيد جيدها فرائدا وقضيتها فوائدا، مما سمعت فوعيت وجمعت فأوعيت، ولا أغادر فيها لغة ولا إعرابا، ولا إيضاح معنى ولا إغرابا، ولا ما يضمه إليها سلك أو يدخل معها جرابا إلاَّ نبهت عليه وأشرت بحسب الإمكان إليه. هذا إلى ما يستطرد إليه الكلام من نكتة، وتعترض جملة ذكره بغتة، ويبديه الضمير على لسان القلم وكم للسان فلتة، ويثبته التعمد إذا علمت أن لجيد الاطلاع إليه لفتة، ليكون هذا الشرح أنموذج الأدب وعنوانا يدل على الفضيلة التي امتاز بها لسان العرب، فقد أودعت فيه فوائد جمة، وقواعد مهمة، وشواهد هي لجامحات المعاني أزمة، ودلائل تبرهن كل علم فلا يكن أمركم عليكم غمَّة.......نعم خشيت الإطالة واجتنبت العثرة خوفا من عدم الإقالة......فاقتصرت على الزبد واختصرت، وملت في المباحث إلى قول المتأخرين وانتصرت، اللهم إلا فيما ندر....فلهذا عرضت نخب فكري وانتقيت....ومن هنا اشرع في ذكر الطغرائي رحمه الله، وتاريخ مولده ووفاته وسبب قتله،....ثم أتكلم فيما بعد على عروض القصيدة وقافيتها، وما يتعلق بذلك، وإذا انتهى الأمر إلى ذلك أجمع، سردت القصيدة بيتا فبيتا، ولا أذكر الثاني حتى أفرغ من الأول، وأسوق فيه ما له به علاقة لا يستغني الأديب عنها، ومن الله استمد الإعانة على الإبانة....))([68]).

وهذا النص على الرغم من طوله إلا إنه يكشف لنا بوضوح عن الخطوط المنهجية التي سيسير عليها الصفدي في شرحه، ذلك أنه سيتناول هذه القصيدة من ناحية اللغة والإعراب وإيضاح المعنى، وغير ذلك. فضلا عمَّا قد يقف عليه قلمه من نكتة لطيفة، أو قاعدة مهمة، أو فائدة جليلة، وهو في كل ذلك إنما يقف على البيت مفردا شارحا ومفسرا ومفصلا، حتى إذا ما انتهى منه انتقل غلى الآخر وهكذا. مستندا في ذلك كله إلى رأي المتأخرين وأقوالهم ومنتصرا لهم؛ بادئا بالحديث عن عروض القصيدة وقافيتها. وهذا ما سنحاول الوقوف عنده في هذا الموضوع.

 

اتجاهات الصفدي في شرحه:

*- الاتجاه اللغوي والنحوي:

  ليس بجديد أن يقف الصفدي في شرحه على الجانب اللغوي والنحوي؛ ذلك أن علماء اللغة والنحو كانوا يستقرون الشعر العربي القديم لا لحاجة فنية بقدر ما فيه من شواهد نحوية ولغوية؛ وهذا ما سبق أن تنبه إليه ابن رشيق القيرواني (ت 456هـ) عندما ذكر في عمدته ((إن كل واحد منهم يذهب في أهل عصره هذا المذهب، ويُقَّدم مَنْ قبلهم وليس ذلك الشيء إلاّ لحاجتهم في الشعر إلى الشاهد وقلَّة ثقتهم بما يأتي به الموَّلَدون، ثمَّ صارت لجاجة))([69]).

مشيرا بذلك إلى أبي عمرو بن العلاء والأصمعي وغيرهم من علماء اللغة والنحو الذين كان جل اهتمامهم وغاية مطلبهم من الشعر العربي هو الشاهد والمثل. ومن ثم سار العلماء من بعدهم على خطاهم فازداد الإقبال على الشعر في صورة شروح مطولة تشرح الشعر وتفسره من الناحية اللغوية والنحوية، كما وتكشف ما غمض من المعاني، وبالرجوع إلى شروح الشعر العربي تكشف لنا هذا الاتجاه لاسيما في القرنين الثالث والرابع الهجريين حيث ظهرت شروح المعلقات وشروح لأشعار الشعراء الفحول أمثال المتنبي الذي شرح شعره ابن جني شغفا فيه مشيرا فيه إلى نواحي الإعراب والنحو ومسائله هذا إلى جانب شرح إجمالي لمعاني المفردات؛ أما فيما يتعلق بالجوانب الفنية فلم يلتفت إليها علماء النحو واللغة مما جعل النقد في مراحله الأولى يتجه نحو الاهتمام بالسلامة اللغوية والصحة النحوية. وهذا ما فعله الصفدي فهو غالبا ما يتعرض في إعرابه لأبيات القصيدة إلى قضايا نحوية يسهب في ذكرها مستشهدا لها بالشعر العربي والقرآن الكريم بما يعزز فيها رأيه. هذا إلى جانب اهتمامه بقضايا الصرف؛ ولتوضيح ذلك نقرأ قوله في شرح البيت الأول من اللامية التي يقول فيها:

أصالة الرأي صانتني عن الخطل
 

 

وحلية الفضل زانتني لدى العطل
 

 

 ((اللغة: (أصالة) مصدر أصل الشيء أصالة مثل ضخم ضخامة مجد أصيل ذو أصالة ورجل أصيل الرأي مُحْكَمُهُ. قال ابن الأنباري: الأصيل القوي الذي له أصل. (الرأي) مصدر رأي رأيا مهموز ويجمع على آراء وأرءاء أيضا، مقلوب منه، والرأي هو التفكر في مبادئ الأمور ونظر عواقبها وعلم ما تؤول إليه من الخطأ والصواب....(الإعراب): أصالة؛ مبتدأ مضاف إلى ما بعده والمبتدأ قال الشيخ بدر الدين بن مالك: هو الاسم المجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة مخبرا عنه أو وصفا رافعا لمكتفىً به. وقد اختلف في رافعه فقيل الابتداء وهو جعلك الاسم أول الكلام. وهذا أمر معنوي والعامل المعنوي لم يأت على النحاة إلاّ في موضعين هذا والثاني وقوع الفعل المضارع موقع الاسم حتى أُعرب وهذا قول سيبويه وأكثر البصريين وأضاف الأخفش إليهما موضعا ثالثا وهو عامل الصفة فذهب إلى إن الاسم يرتفع لكونه صفة لمرفوع وينتصب لكونه صفة لمنصوب وينجرّ لكونه صفة لمجرور. وكونه صفة في هذه الأماكن معنى يعرف بالقلب. وليس للفظ فيه حظ. وما أحسن قول القائل:

قـالوا أحب حبيبا ما تأمَّلهُ
فقلت قد يعمل المعنى لقوَّتهِ
 

 

فكيـف حلَّ به للـسقمِ تأثيرُ
في ظاهر اللفظِ رفعا وهو مستورُ
 

 

.....وقيل رافع المبتدأ التجرّد عن العوامل وليس بشيء إذ العدم لا يكون علة للوجود وفيه نظر. وقيل رافعه الخبر وهو باطل لان الخبر متأخر عنه وضعا وقيل بل هما مترافعان وقيل الابتداء رافعهما وهو ضعيف لان المعنى ما له هذه القوة وقيل الابتداء رفع المبتدأ والمبتدأ رفع الخبر وهو أقرب الأقوال وقد استوفيت هذه المسألة في تعليق لي على الحاجبية))([70]). فنلحظ في هذا النص كيف أن الصفدي قد أسهب في حديثه عن المبتدأ وسبب رفعه ذاكرا الآراء النحوية في ذلك في نحو صفحتين وأكثر مستشهدا بالأبيات الشعرية. مرجحا بعض الأقوال على بعض، ومثل ذلك نستطيع أن نلحظه في شرحه للبيت الثاني من اللامية:

((مجدي أخيرا ومجدي أولا شَرَعُ
 

 

والشَّمسُ رأدَ الضحى كالشَّمسِ في الطَفَلِ
 

 

.....(كالشمس): الكاف تجيء في الكلام لمعان منها أن تكون للتعليل.كقوله تعالى:(واذكروه كما هداكم)([71])، زائدة كقوله تعالى (ليس كمثله شيء)([72])لأنه يلزم من عدم زيادتها إثبات المثل لله تعالى الله عن ذلك هكذا أعربها الجمهور من النحاة. قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله في التعليقة على المقرب: قال أكثر الناس هي زائدة للتوكيد والمعنى والله أعلم ليس مثله شيء. وقال جماعة من المحققين ليست بزائدة وإنما هي على بابها ومعنى الكلام والله أعلم نفي مثل المثل ويلزم من ذلك نفي المثل ضرورة وجوده سبحانه فإن قيل لم توصل إلى نفي المثل بنفي مثل المثل وهلا نفي المثل من أول وهلة فالجواب: إن نفي المثل بنفي مثل المثل أبلغ وأفحم من قولنا أنت لا تفعل هذا لأنه نفي الشيء بذكر دليله فهو أبلغ من نفي الشيء بغير ذكر دليله.

قلت: وقال بعضهم انها ليست بزائدة ولم يعول على هذا الدليل بل قال مثل ومثل ساكنا ومتحركا سواء في اللغة كشبه وشبه فمثل هاهنا بمعنى مثل قال الله تعالى: (ولله المثل الأعلى)([73]) ويكون المعنى ليس مثل مثله شيء وهو صحيح؛ ومن أمثلة زيادتها قول رؤبة بن العجاج:

لَوَاحِق الأقرَابِ فيها كَالمقق([74])

.....وتخرج الكاف من الحرفية إلى الاسمية فتكون فاعلا....وتكون مبتدأ.....وتكون مجرورة))([75]).

والنص _ على الرغم من طوله _ يكشف لنا منهج الصفدي وميله إلى الاتجاه النحوي. أما اللغة فهو لا يخرج عن دائرة الإطناب أيضا؛ حيث يقول في توضيح المعاني اللغوية للبيت نفسه: ((المجد: لغة الكرم والمجيد الكريم وقد مَجُدَ بالضم فهو مجيد وماجد. قال ابن السـكيت: الشرف والمجد إنما يكونان بالآباء يقال رجل شريف ماجد له آباء متقدمون في الشرف قال والحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن لآبائه. اهـ. قلت قول امرئ القيس:

ولو أن ما أسعى لادنى معيشةٍ
ولكنَّـما أسـعى لمجدٍ مـؤثَّلٍ
 

 

كفاني ولم أطلب قليل من المالِ
وقد يُدرك المجدَ المؤثَّل أمثالي
 

 

يؤيد ما ذهب إليه ابن السكيت لان المجد المؤثل هو الموروث.....هذا إن قلنا إن اللام هنا للتعليل وإن قلنا إنها لشبه الملك فيترجح قول ابن السكيت وقد ذهب كثير من النحاة إلى أنَّ قوله كفاني ولم أطلب قليل من المال من باب التنازع في العمل منهم أبو علي الفارسي على جلالة قدره.....قال ابن الحاجب رحمه الله: لأن أطلب منفي بلم والنفي في سياق لو إثبات لأنه حرف امتناع والامتناع نفي ونفي النفي إثبات....))([76])

فواضح مما تقدم مدى اهتمام الصفدي بالقضايا النحوية فضلا عن ذكره لآراء علماء النحو بشكل مسهب ففي الوقت الذي يتناول فيه بيت الطغرائي من الناحية اللغوية والنحوية نراه يتطرق إلى موضوعات جانبية أخرى كالحديث عن أنواع (الكاف) وحالاتها الإعرابية معززا رأيه بالشواهد القرآنية والأبيات الشعرية _ كما لاحظنا في الشاهد السابق _ وما أن يتطرق إلى الجانب اللغوي حتى يتوسع في توضيح معنى (المجد) ليدخل في معنى (المجد المؤثل) ثم يتطرق إلى رأي ابن السكيت وأبي علي الفارسي (ت 377هـ) في مسألة النفي.

أما بيت الطغرائي الذي يقول فيه:

فيمَ الإقامة بالزوراء لا سَكني
    

 

بها ولا ناقتي فيها ولا جَمَلِي
 

 

فانه يشرح فيه وجوه حذف الألف في (فيمَ) فضلا عن معاني حرف الجر (الباء)؛ حيث يقول: ((فيمَ أصله فيما حذفوا الألف منها لوجوه. الأول: قال الجرجاني: إذا وصلوا ما في الاستفهام حذفوا ألفها تفرقة بينها وبين أن تكون حرفا. والثاني: انهم حذفوا الألف لاتصالها بحرف الجر حتى صارت كأنها جزء منه لتنبيء عن شدة الاتصال. الثالث: طلبا للتخفيف في هذا الحرف أعني ما لأنه يقع كثيرا في الكلام وأبقوا الفتحة لتدل على أن المحذوف من جنسها كما فعلوا في على مَ وإلى مَ وحتى مَ وعمَّ وبِمَ والأصل على ماذا وإلى متى وحتى متى وعماذا تسأل وبماذا تعتذر. وهذه اللغة الفصحى أعني الحذف هي لغة القرآن. قال الله تعالى: (عَمَّ يتساءلون) وقرأ عكرمة في الشاذ عمَّا يتساءلون بإثبات الألف رجوعا إلى الأصل. قال ابن جني في المحتسب: روينا عن قطرب الحسان رضي الله عنه:

على ما قام يشتمنا لئيمٌ
  

 

كخنزيرٍ تمرغَ في دمانِ
 

 

.....فيمَ في حرف جروما استفهام موضعه رفع على انه خبر مقدم والمبتدأ هو قوله الإقامة وإنما تقدم الخبر لان الاستفهام له صدر الكلام تقول: أين زيد؟ وكيف هو ؟ ومتى نصر الله ؟ كأنه قال: الإقامة بالزوراء فيماذا. (بالزوراء) الباء تكون للظرفية في الزمان كقوله تعالى: (وإنكم لَتَمرُوْنَ عَلَيْهمْ مُصبِحِيْنَ وَباللَّيلِ)([77]) وللظرفية في المكان كهذه ومجيئها للمكان أكثر منها في الزمان، وتكون للسببية كقوله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الٌذِّيْنَ هَادُوا)([78]). وللاستعانة نحو: كتبت بالقلم وذبحت بالسكين. وللتعدية كقوله تعالى:(وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأبْصَارِهِم)([79]) وللالتصاق؛ نحو: مررت بزيد. وللمصاحبة؛ نحو: بعتك الدار بأثاثها، ومنـه قـوله تـعالى: (وَنَحنُ نُسَّبْحُ بِحَمْدِكَ)([80])....))([81]) ويستمر بالحديث عن الباء وأنواعها خارجا عن موضوعه إلى موضوع فقهي مستعرضا فيه آراء الفقهاء مرجحا رأي الشافعي([82]).

والذي يقرأ (الغيث المسجم) يجد أن مؤلفه قد عمد إلى أن يتناول في شرحه لكل بيت من أبيات لامية الطغرائي موضوعا نحويا أو لغويا؛ وهو يصرح بذلك فعندما يتحدث في موضوع معين ويعرض له موضوع آخر يشير إلى انه سيتحدث عنه في موضع لاحق؛ فمثلا عندما يتناول في البيت الأول من اللامية عن أسباب رفع المبتدأ يشير إلى أنه ((سيأتي الكلام عن الألف واللام))([83])، وفي البيت الثاني عندما يتحدث عن معاني الكاف يشير إلى أنه سيتحدث عن الضمائر في مكان آخر ((والضمائر كلها مبنية وسيأتي الكلام على ذلك))([84])وهكذا في معظم شرحه([85]).

والشواهد والأمثلة على هذا الاتجاه كثيرة مما يطول ذكرها فاقتصرنا للاستشهاد بهذه الأمثلة التي من خلالها نستطيع أن نقف على منهج الصفدي اللغوي واتجاهه النحوي وميله لهذا الاتجاه وتغليبه على الاتجاهات الأخرى، وهذا ما أشار إليه في مقدمة كتابه عندما قال:  ((وقد أحببتُ أن أضع عليها شرحا يزيد جيدها فرائدا وقصيدتها فوائدا مما سمعت فوعيت وجمعت فأوعيت، ولا أغادر فيها لغة ولا إعرابا ولا إيضاح معنى ولا إغرابا....إلا نبهت عليه وأشرت بحسب الإمكان إليه. هذا إلى ما يستطرد إليه الكلام من نكتة......))([86]).

وهو في كل ذلك يحاول أن يسند كل رأي إلى صاحبه مشيرا إلى مواطن أخذه فضلا عن ذكر آرائه واجتهاداته في بعض المسائل اللغوية والنحوية إلى جانب مناقشته بعض الآراء ونقدها مما يكشف لنا عن ثقافة الرجل الموسوعية، فضلا عن الأقوال والشروح التي جمعها مؤلف الشرح والتي تكشف عن تباين الآراء والاتجاهات في بعض المسائل النحوية أو اللغوية أو حتى في بعض المسائل الفرعية التي يستطرد الكلام إليها. والصفدي في ذلك إنما ينحى منحى شراح الشعر العربي الذين سبقوه لاسيما في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وهذا ما نلحظه في شرحه المسهب للبيت الواحد من القصيدة حتى يصل إلى صفحات عديدة؛ وكأنه بذلك يريد ان يحيط بجميع جوانب البيت من الشعر تفسيرا وشرحا وإعرابا إلى جانب بعض القضايا التاريخية والفقهية والفنية التي يتناولها في شرحه.

الاتجاه البلاغي والنقدي:

على الرغم من ميل الصفدي إلى الجانب النحوي واللغوي إلا إن للجانب البلاغي والنقدي في شرحه نصيب أيضا حيث نلحظ الكثير من العبارات التي تشير إلى اهتمام الصفدي بهذا الاتجاه شأنه في ذلك شأن معظم شرَّاح الشعر للقرون السابقة؛ وسنقف في هذا الموضوع على هذين الاتجاهين مشيرين إلى القضايا والمسائل الفنية التي وقف عندها وأشار إليها ونبدأ بـ

   _ الاتجاه البلاغي:

قارئ كتاب (الغيث المسجم) يلحظ ان مؤلفه قد وقف في بعض الأحيان عند بعض جوانب جمال الاسلوب ودلالة الألفاظ مشيرا بذلك إلى الصور البيانية؛ فكان بين الحين والآخر يشير في مؤلفه إلى ما في بعض الأبيات الشعرية من خصائص بلاغية تتعلق بجوانب البيان وأضربه والبديع وفنونه فضلا عن الوقوف على ما يتعلق بالألفاظ وعذوبتها حيث انه يرى انها أمر مهم في البلاغة، وهو في ذلك إنما يقرر ما سبقه إليه النقاد وعلماء البلاغة من ضرورة الاهتمام بفصاحة اللفظة وعدم غرابتها لاسيما الجاحظ والقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني وابن الأثير. حيث يقول شارحا معنى قول الطغرائي:

مجدي أخيرا وَمَجْدِي أولا شَرَعٌ
 

 

والشَّمسُ رَأدَ الضُّحى كالشَّمسِ في الطَفَلِ

 

 ((.....انه أراد مجد أسلافي ومجدي واحد أي أني ورثت المجد عن آبائي الكرام وسدت كما سادوا وقد أخذ الطغرائي هذا المعنى من قول أبي العلاء المعري حيث قال:

وافقتهم في اختلافٍ من زَمانكُمُ
     

 

والبدرُ في الوَهنِ مثل البدرِ في السَّحَرِ
 

 

فهذا هذا خلا أن ذاك في الشمس وهذا في القمر. ولكن قول المعري ألطف عبارة وأحسن اشارة لان الطغرائي أغرب في لفظتي رَأدْ والطَفَلَ، وعذوبة الألفاظ أمر مهم في البلاغة))([87])، فهو إذ يوازن بين بيت الطغرائي وبيت المعري ويفضل بيت الأخير لأن ألفاظه أعذب وأفصح من ألفاظ الأول التي أغرب فيها _ على حسب قول الصفدي _. ولم يقف الصفدي عند هذه القضية حسب وإنما نراه يشير إلى الجناس متحدثا عن نوع من أنواعه وإن كان بشكل مختصر إلاَّ انه يشير إلى أنه قد تناول هذا الموضوع في كتاب له اسمه (جنان الجناس)؛ حيث يقول معلقا على أبيات شعرية: ((

وليَ صاحبٌ ما خفتُ مكروه طارِقٍ
إذا عَضّـَني صَرْفَ الزمانِ فأنـني
 

 

من الأمرِ إلاَّ كانَ لِي من ورائِه
بـرَايته أسـطو علـيهِ ورأيـهِ
 

 

وقال أبو الفتح البستي:

عـوِّل على رأيهِ إذا خربـتْ
فَلَيس في الأرضِ معقِلٌ أشبٌ
 

 

نائبـة من نوائـب الزَّمنِ
كرأيِـهِ من كَرَائـه المِحَنْ
 

 

هذان الجناسان اللذان في هذين المقطوعين من أنواع الجناس المرفو ّوهو أن يكون أحد ركني الجناس مركبا من جزئين أولهما حرف من حروف المعاني وقد ذكرت ذلك مستوفى في كتابي المسَّمى جنان الجناس))([88]).ومن أنواع الجناس الأخرى التي وقف عندها الصفدي جناس التصحيف ((وهو أن تكون النقط فرقا بين الكلمتين))([89]) أو هو ((ما تماثل ركناه خطا واختلفا لفظا))([90]) حيث يقول معلقا على البيت الآتي

 

تنمى إلى القومِ جادُوا وهي باخلة
 

 

والجود في الخودِ مثل الشَّح في الرَّجلِ
 

 

وانظر ما أحسن هذا النصف الثاني....فإن فيه مع إرسال المثل الجناس بين الجود والخود وهو جناس التصحيف))([91]). أما قول الطغرائي:

حلو الفكاهة مرِّ الجدِّ قد مزجت    

 

بشدَّة الباسِ منه رقة الغزلِ([92])

 

فقد امتلك فيه ((من حسن الصناعة ما يشهد لقائله بفوز قدحه في البلاغة فإنه جمع فيه ثمانية أشياء: الحلاوة، والمرارة، والفكاهة، والمزج، والقسوة، والرقة، والبأس، والغزل، وهي ثمانية لم تجتمع لغيره بهذا الانسجام والعذوبة وأرباب البديع يسمون هذا النوع المقابلة))([93]).

أما فن التشبيه فاننا نلحظ أنه يُعجب بقول ابن الساعاتي:((

ولكم رَميتُ حَشَا الفَلاة بِأسهُمٍ
من كلّ منتصبٍ وآخر ساجـِدٍ
 

 

بعثـت حنايا أينـَقٍ وركائبِ
وَسِناً كما اختلفت أناملُ حاسبِ
 

 

....هذا التشبيه في غاية الحسن، لان أنامل الحاسب واحدة ترتفع وأخرى تنخفض، وكذا الركب في وقت السرى إذا غلب عليهم النعاس. ترى هذا قد هوى بعدما ارتفع، وهذا انتصب بعدما هوى))([94])، وإذا كان هذا النوع من التشبيه تشبيه محسوس بمحسوس فانه في نص آخر يتناول تشبيه المعقول بالمحسوس، فقال معلقا على بيت أبي العلاء المعري الذي يقول فيه:

خـبريني ماذا كرهت من الشَّيبِ
أضياءُ النَّهارِ أم وضـح الـلؤلؤ
واذكـري لي فضل الشَّبابِ وَمَا 
غـدره بالخَلـيلِ أم حبـه للـ
 

 

فلا عِلْمَ لي بِذنـب المَـشيبِ
أم كـونه كَثَـغرِ الحَـبيـبِ
يَجمعُ من مَنْظَرٍ يروقُ وطِيْبِ
ـغي أم أنـه كـَدَّهرِ الأديـبِ
 

 

((وهذا هو تشبيه المعقول بالمحسوس وهو أعلى مراتب التشبيه طبقة لأنه ينشأ عن لطف ذوق وسلامة فطرة وصحة تخيَّل وهو صعب على مَنْ يرومه متقاعس عمَّن جذب زمامه لان العلوم العقلية تستفاد من الحواس في المقادير والألوان والطعوم وطيب النغم ونعومة الملمس وخشونته، ولهذا قالوا: مَنْ فقد حاسة فقد عِلما، وإذا كان كذلك فالمحسوس أصل والمعقول فرع وتشبيه المعقول بالمحسوس من باب رد الفرع أصلا والأصل فرعا، وأحسن ما جاء فيه قول القائل:

وَكَأنَّ النُّجـومَ بين دُجاها
   

 

سـنن لاحَ بيـنهن ابتداع
 

 

......))([95])والصفدي إنما هو متأثر بعبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) ويظهر هذا التأثير من خلال نصه فضلا عن الشاهد الشعري الذي ذكره وذلك في كتابه (أسرار البلاغة)([96]) غير ان الصفدي لم يشر إليه على الرغم من انه كثيرا ما يشير إلى المصادر التي استقى منها معلوماته اللغوية والنحوية والتاريخية وحتى الأدبية. ولم يكن هذا النص هو الوحيد الذي أخذه الصفدي من الجرجاني من دون أن يشير إلى ذكره وإنما نراه في موضع ثانٍ عندما يشرح بيت الطغرائي الذي يقول فيه:

طردت سرح الكرى عن ورد مقلته
   

 

والليل اغرى سوام النوم بالمُقَلِ

 

حيث يقف عند الاستعارة مشيرا إلى حسنها وجمالها في هذا البيت حيث يقول: ((ولعمري ان هذه الاستعارات التي في كلام الطغرائي واقعة موقعا في غاية الحسن والاستعارة عند أرباب البيان، هي ادعاء معنى الحقيقة في الشيء للمبالغة في التشبيه مع طرح ذكر المشبه من البين لفظا أو تقديرا، ألا ترى أنه شبه الليل وإرادة النوم على المقل بالراعي الذي يسوق الماشية إلى المرعى، وشبَه منعه النوم صاحبه وشغله عنه بالطرد، كالذي يطرد السرح عن ورود الماء. ولا شك أن الاستعارة أبلغ من التشبيه وأوقع في النفس.

وانظر إلى قوله تعالى (واشتَعَلَ الرَّأسُ شيْباً)([97]) وإلى ما فيه من الطلاوة بخلاف ما إذا قيل: وشيب الرأس كالنار يشتعل، فهو ادّعى أن حقيقة الاشتعال في الشيب دون النار ووجه المناسبة التي حسنت هذه الدعوى، إن الشيب لما كان بياضا يأخذ في الشعر الأسود شيئا فشيئا إلى ان يقوى ذلك ويشتد حتى يأتي على السواد جميعه فيذهبه حسن ادعاء الحقيقة هنا....))([98]).

ولم يقف الصفدي عند فن الاستعارة([99]) وإنما وقف عند الكناية([100])، والتضمين([101])، والترصيع([102]) وصحة التقسيم([103])، والتورية([104])، ورد العجز على الصدر([105]) الاختصار([106]) والمبالغة([107])، والتفاوت([108]) وغير ذلك من الفنون البلاغية.

 والصفدي فيما تقدم يبدو لنا رجل بلاغة يحاول تفسير الشعر وشرحه من الناحية البلاغية التي تعتمد على تذوق الشعر والإحساس بجماليته الفنية متمثلة بالجوانب البلاغية.

  

- الاتجاه النقدي:

وإلى جانب اهتمام الصفدي بالفنون البلاغية نجد له أيضا العديد من الآراء والأحكام النقدية سواء منها ما يتعلق بالنقد اللغوي أو الفني وحتى البلاغي، وهذه الأحكام إنما تعتمد الذوق الشخصي فهي أحكام جزئية تقف عند البيت أو البيتين شأنه في ذلك شأن نقاد القرون الأولى في الوقوف عند البيت المفرد استحسانا أو استهجانا أو غير ذلك من الأحكام التي يكون مقياسها الذوق الشخصي أو النزعة الفردية في تذوق الأدب ونقده. على ان هذا لا يعني عدم وجود مسحة جمالية في بعض آرائه النقدية. وهو في كل ذلك إنما يعتمد على آراء النقاد الذين سبقوه والذين اطلع على آرائهم وتأثر بها، ويظهر ذلك في النصوص النقدية التي تضمنها كتابه (الغيث المسجم). من ذلك مثلا موقفه من قضية السرقات الشعرية وهي واحدة من القضايا النقدية التي شغلت حيزا كبيرا في الساحة النقدية العربية ابتداءً من القرن الثاني الهجري (عصر التدوين) وصولا إلى القرن السابع الهجري وقلما يخلو كتاب نقد من الوقوف عند هذه القضية ومحاولة مناقشتها بين مؤيد لها ورافض. والصفدي واحد من أولئك النقاد الذين وقفوا عند هذه القضية، وذلك في شرحه لبيت الطغرائي الذي يقول فيه:

وذي شطاطٍ كصدر الرُّمح معتقل 
 

 

بمثلِه غير هيَّـاب ولا وَكِـلِ([109])
 

 

((.... الطغرائي بينا هو في ذكر حاله وما هو عليه من شكوى الزمان، إذ اقتضب ذلك وأخذ في وصف الصاحب الذي ذكره فهذا التفات من نوع إلى نوع.....قال الزمخشري: والالتفات من أسلوب إلى أسلوب تطرية لنشاط السامع؛ وطلبا للإصغاء إليه.قلت: ألا ترى ان الطغرائي لما أخذ في وصف حاله وما هو فيه من النكد وضيق الحال، كأنه أطال على المخاطب في ذلك وأحسَّ منه بالملل فالتفت إلى وصف هذا الصاحب الذي رافقه، فأنشأ للسامع معنى غير الأول بعث له نشاطا جديدا، واستأنف له إصغاء آخر.....وصدر بيت الطغرائي هو بعينه صدر بيت الحريري في مقامته الرابعة والأربعين من قصيدته البائية لأنه قال:

وذي شطاط كصدر الرمح قامته   

 

صادفتهُ بِمنى يَشكو من الجَدَبِ *

 

ومثل هذا لا يعد سرقة لأن المعنى ليس ببديع، ولا لفظه بفظيع، ولا الطغرائي بعاجز عن الإتيان بمثله بل جرى على لسانه ونسي ان هذا لغيره لعدم الاحتفال بأمره، إذ هو ليس بأمر كبير، وهذا كثير الوقوع للناس، ولا يكاد يسلم الفحول منه))([110]).

فالصفدي يرى أن السرقة لا تكون إلاّ في البديع الذي ليس للناس فيه اشتراك، وهذا ما سبق أن ذهب إليه الآمدي(ت 370هـ) عندما ذكر: ((إن السرقَ إنما هو في البديع المخترع الذي يختص به الشاعر،لا في المعاني المشتركة بين الناس التي هي جارية في عاداتهم ومستعملة في أمثالهم ومحاوراتهم مما ترتفع الظنّة فيه عن الذي يورده أن يقال: أخذه من غيره.))([111]) وان هذا الموضوع كثير الوقوع للناس ولا يكاد يسلم منه حتى الفحول من الشعراء. لذا لا يمكن عدّ هذا من مساوئ شعر الشاعر، وهذا ما طبقه الصفدي في كتابه وحتى في نصه نفسه فهو لم يذكر أن الطغرائي سرق بيت الحريري وإنما عبَّر عن ذلك بلفظة (هو بعينه)، كما أنه لم يذكر لفظة (سرقة) في المعاني المشتركة بين الشعراء وإنما ذكر لفظة(أخذ)([112]) أو(أخذه)([113]) أو (أخذ المعنى)([114])، أو (مأخوذ)([115])، أو لفظة (مثل)([116])، أو (يشبه)([117])، حتى وإن كان هناك اتفاق في المعنى المخترع فانه يذكر لفظة (اختلس المعنى) كما في تعليقه على قول الشاعر: ((

نصبنَ الهوى ثُّم ارتمينَ قلوبنا
   

 

بِأعـين أعداءٍ وهُنَّ صديقُ
 

 

ومن هنا اختلس أبو نواس معناه في قوله:

إذا امتحن الدُّنيا لَبيبٌ تكشَّفتْ    

 

لهُ عن عـدوٍّ في ثيابِ صـديقِ([118])))

 

 أو (نقله) كما في قوله ((وما أحسن قول ابن الساعاتي بهاء الدين علي من أبيات يصف المطر:

سرى راكبا ظهر الغَمامِ كرامةً   
 

 

فلمَّا تراءى هضبُ نَجْدٍ تَرَجَّلا
 

 

انظر إلى هذا المعنى فإنه رحمه الله من كلام أبي الطيِّب ولكن نقله نقلا حسنا))([119]). ثم انه يشير إلى ان هناك معانٍ مألوفة لدى القدماء وقد جرى الشعراء على ذكرها منها مواطن الحبيب وأماكنه وهذا مما لا يعد أخذا أو سرقة؛ وهذا ما يوضحه شرحه لقول الطغرائي:

فسٍرْ بِنا في ذِمام الليلِ معتسفا     
 

 

فَنَفحة الطيبِ تَهدينا إلى الحِلَلَ([120])

 

 

حيث يقول: ((فسر بنا في ذمة الليل فإنه يسترنا واعتسف السير ولا تخشَ الضلال عن طريق الحي فإنَّ له نفحة طيب من اهلك ترشدك إلى الحلَّة التي هم بها نزول. وهذا معنى لطيف، وتركيب رقيق، وقد جرت عادة الشعراء أن يذكروا أن مواطن الحبيب وأماكنه وما جاورها تتضوع بأنواع الطيب، وتتأرجح النسمات بنفحاته العطرة))([121])

ومثل ذلك شرحه للبيت:

نؤمّ ناشئةً بالجزعِ قد سقيتْ
   

 

نصالها بمياه الغنج والكحلِ([122])
 

 

حيث يقول: ((نقصد فتاة أو فتيات ناشئة بمنعطف الوادي ونصالها التي تحميها قد سقيت بمياه الغنج والكحل وهذا معنى قد أولع الشعراء به، وأكثروا منه، وهو أشهر من أن يُستشهد له، ولابدَّ من لمعة منه))([123]).

وفي نص آخر يشير إلى ان هناك ألفاظا هي في الأصل ألفاظ مجازية غير ان كثرة استخدام الشعراء لها جعلها بمثابة الحقائق العرفية ((واعلم ان للشعراء ألفاظا صارت بينهم حقائق عرفية وان كانت في الأصل مجازا لكثرة دورها في كلامهم وتعاطيهم استعمالها لأنهم ألفوا ذلك من تداولها وتكرارها على مسامعهم؛ من ذلك: الغصن إذا أطلقوه فهم منه القوام، والكثيب إذا أطلقوه فهم منه الرِّدف، والورد إذا أطلقوه فهم منه الوجنة، والأقاح إذا أطلقوه فهم منه الثغر، والراح إذا أطلقوه فهم منه الريق، والنرجس إذا أطلقوه فهم منه العيون، وكذلك السيف والسهم والسحر، وإذا أطلقوا الآس والبنفسج والريحان فهم منه العذار، فكل هذه الأشياء انتقلت عن وضعها الأصلي وصارت حقائق عرفية نقلها الاصطلاح إلى هذه الأشياء.

قال أبو نواس:

يا قمراً أبصـرتُ في مـأتَمٍ
يَبْكي فيذري الدُّرَّ من نرجسٍ  
 

 

يـندبُ شَجواً بـينَ أترَابِ
ويَلـطُـمَ الـوَّردَ بِعـُنابِ))([124])
 

 

وفي موضع آخر نلحظ فيه شخصية الصفدي النقدية واضحة وذلك عندما يعترض على آراء النقاد وأقوالهم في استثقال بيت أبي الطيب المتنبي:

العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن ابن العارض الهتن

فهو على الرغم من نقله لنص ابن الأثير في الرد على مَنْ عابوا هذا البيت إلاَّ انه لا يوافقه في كل ما ذهب إليه لاسيما في استخدام لفظة (العارض) و (الهتن) وكذلك رأي ابن وكيع في انتهاء القافية؛ فإذا كان ابن الأثير قد قال: ((وقد زعم قوم...ان أبا الطيب المتنبي أتى في هذا البيت بتكرير لا حاجة به إليه......وليس في هذا البيت من تكرير فانه كقولك الموصوف بكذا وكذا ابن الموصوف بكذا وكذا أي انه عريق النسب في هذا الوصف وقد ورد في الحديث النبوي مثل ذلك كقول النبي في وصف يوسف الصديق 7 الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

فقد فاوضني في هذا البيت المشار إليه بعض علماء الأدب وأخذ يطعن فيه من جهة تكراره فوقفته على موضع الصواب منه وعرفته انه كالخبر النبوي من جهة المعنى سواء بسواء لكن لفظه ليس بمرضي على هذا الوجه الذي استعمل فيه فإن الألفاظ إذا كانت حسانا في حال انفرادها فان استعمالها في حال التركيب يزيدها حسنا على حسن أو يذهب ذلك الحسن عنها....ولو تهيأ لأبي الطيب أن يبدل لفظة العارض بلفظة السحاب أو ما يجري مجراها لكان أحسن وكذلك لفظة الهتن فإنها ليست بمرضية في هذا الموضع على هذا الوجه...))([125]).

فان الصفدي نقل عنه نصه غير أنه لم يوافقه في كل ما ذهب إليه حيث يقول في الرد عليه وعلى ابن وكيع: ((فقد عدَّه _ أي بيت أبي الطيب _ بعضهم من التكرار الذي لا فائدة فيه، وليس كذلك بل هو من باب قوله صلى الله عليه وسلم: ذاك الكريمُ ابنُ الكريمِ ابنُ الكريمِ ابنُ الكريمِ، يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم. وأما ابن الأثير فإنه عاب ألفظ البيت من حيث هي، واستثقل لفظ العارض الهتن. وقال: ولو قال بدل العارض السحاب أو ما يجري مجراها لكان أرشق. قلت: ليس ذلك بشيء ولفظ العارض والهتن فصيح عذب في السمع. وأما ابن وكيع فإنه قال: لولا انتهاء القافية لمضى في العارض الهتن إلى آدم 7، وبانتهاء القافية أعلمنا أن نهاية عدد آبائه المستحقين للمدح ثلاثة ثم يقف هذا الأمر...اهـ.كلام ابن وكيع. قلت:.....وقد أخطا في هذا الكلام من عَّدة وجوه أوَّلها انه قال: لولا انتهاء القافية لمضى إلى آدم، ولو قال: لولا انتهاء الوزن لكان أكثر تحقيقا، لان القافية حصلت في ربع البيت من أول ذكر الهتن....وثانيها أنه قال: أعلمنا أن عدد آبائه الممدوحين ثلاثة كذا قال: والبيت يشتمل على أربعة أعداد ضرورة الوزن، وأيضا فلا يلزم في المديح أن يؤتى بجميع الآباء في الذكر، ويكفي مَنْ مدح أصيلا أن يقول أنت كريم ووالدك ووالده. وقد مدح الشعراء بالنسب القصير....))([126]).

وإذا كان الصفدي في هذا النص قد عاب ابن الأثير على استثقاله ألفاظا معينة، فإننا نراه في نص آخر يفضل استخدام لفظة مكان أخرى من اجل أن يكون البيت الشعري حسنا؛ كما في قول أبي فراس الحمداني:

وَمَا اشتْوَرَتْ إلاَّ وأْصَبَح شَيْخَها
 

 

ولا احْرَبَتْ إلاَّ َوكَانَ فَتَـاهَا([127])
 

 

حيث يقول معقبا عليه: ((ولو قال استحربت مكان احتربت لكان حسنا))([128]).

أما قول البحتري:

يوم أرسلت من كتائب آرا     
ويـوَّدُ الأعداءُ لو تضعفُ الجَـــيشَ
 

 

ئك جنداً لا ياخذونَ عطاءَ
الجَـــيشَ عليهم وتصرف الآراءَ
 

 

فانه يقول معقبا عليه: ((لو كان لي في هذا البيت حكم لقت بدل تصرف تضعف أيضا فيكون الأول من الإضعاف وهو الزيادة بالمثل والثاني من الضعف وهو المرض والوهن على أن تصرف أمدح وتضعف أصنع.))([129]). ومثل ذلك قول ابن خفاجة:

وقد فضض النوَّار بكل رباوةٍ
     

 

وسالَ عليها للأصيل نضارُ
 

 

فهو على الرغم من إعجابه به وإشادته بفصاحة ألفاظه إلاَّ انه لا يجد له موقعا عذبا في السمع حيث يقول معلقا عليه: ((كل هذه الألفاظ في الأبيات فصيحة إلا قوله رباوة، فانه غير مستعمل، لأن في الربوة أربع لغات: تثليث الراء بالضم والفتح والكسر، والضم أفصحها واللغة الرابعة رباوة، ولكنها غير مستعملة إلا فيما قل، ولغة القرآن أفصح، ولو قال:

وقد فضضت جيد الروابي أزاهرٌ 
     

 

يسـيل عليها للأصيل نضارُ
 

 

لكان أعذب موقعا في السمع من ذاك))([130])، فابن خفاجة – من وجهة نظر الصفدي - قد أخطأ في استخدامه للفظة غير مستعملة وهذا مما يجعلها غريبة في اذن السامع أو المتلقي، وهو ما يعده عيبا يؤاخذ عليه الشاعر([131]).

أما فيما يتعلق ببنية القصيدة والاهتمام بـ(حسن التخلص) فقد كان الصفدي ممن يميل إلى ان على الشاعر أن يعمل على تجويد قصيدته من خلال الاهتمام ببنيتها المتمثلة بحسن التخلص، لذا نراه في أكثر من نص يشيد بحسن تخلص بعض الشعراء بل انه يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يطلب من الشعراء الآخرين الاحتذاء على مثالهم، كما في قوله: ((وما أحسن قول أبي الحسين الجزار يمدح فخر القضاة نصر الله بن بطاقة:

وكم ليلةٍ قد بتُّها معسراً ولي
أقولُ لِقَلبي كلَّما اشتقتُ لِلغِنى
 

 

بزخرف آمالي كنوز من اليسرِ
إذا جاء نصر الله تَبَّتْ يَدا الفقرِ
 

 

قلت: أنظر إلى هذا الشاعر كيف تخلَّص، ووثب إلى المديح وما ترَّبصن وصدق نظمه في الحسن وما تخرَّص فاحذُ على مثاله إن كنت تحذو، واغذو بلبان بيانه إن كنت تغذو))([132])، وفي نص آخر نقرأ قوله: ((وقال شرف الدين شيخ الشيوخ بحماة يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

غصنُ نَقا حلَّ عقد صبري
فَمِنْ رأى ذلك الوشاح الصَّــ
 

 

بلينِ خصرٍ يكادُ يعقدْ
ــائم صلَّى على محمدْ
 

 

قلت: انظر غلى حسن هذا المخلص ولطفه، وجنى البيان وقطفه، مع ما فيه من التورية الحسنة والبلاغة التي تبيت لها الجفون وَسِنَة))([133]).

ثم انه لا يكتفي بالإشادة بحسن التخلص في الشعر وإنما يجد ذلك مما ورد في القرآن الكريم مستشهدا بقوله تعالى: ((واتلُ عليهم نبأ إبراهيمَ إذْ قالَ لأبيهِ وقومِهِ ما تعبدون))([134]) وصولا إلى قوله: ((فلو أنَّ لَنا كرَّةً فنكونَ من المؤمنين))([135])حيث يقول معلقا على ذلك ((فهذا تخلص من قصة إبراهيم وقومه إلى قولهم وتمني الكفار في الدار الآخرة الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا بالرسل...وفي القرآن كثير منه والله تعالى أعلم))([136])وكأنه بذلك يشير إلى أن هذا الفن لم يختص به الشعر العربي وإنما قد عرفه العرب بأساليب كلامهم فكان أن جاء القرآن الكريم بهذا الأسلوب أيضا.

هذا فيما يتعلق بالشكل أو بنيه القصيدة؛ أما فيما يتعلق بالمضمون أو معنى العمل الإبداعي فإننا نلحظ أن الصفدي ممن يميل غلى رأي قدامة بن جعفر (ت 337هـ) في تفضيل المبالغة في المعاني حتى تخرجه إلى حد الاستحالة؛ وهذا مما يزيد المعنى قوة لم يكن بدونها. وهذا ما نلحظه في تعليقه على مبالغة أبي الطيب المتنبي حيث يقول:

وكلـما لقي الدينار صاحبهُ
مالٌ كأنَّ غرابُ البين يرقبهُ
 

 

في ملكه افترقا من قبل يصطحِبا
فكلـما قيل هـذا مجتـدٍ نَعِـبا
 

 

يقول الصفدي: ((هذا البيت الأول من معاني أبي الطيب التي يناقض آخرها أولها لأنه قرر أولا ان الدينار يلقى صاحبه. ثم قال: يفترقان قبل اصطحابهما وهذا تناقض، وكذا قوله:

أعدى الزمان سخاؤه فسخا بِهِ
   

 

ولد يكونُ بِهِ الزمانُ بخيلا
 

 

فقرر ان سخاءه أعدى الزمان فهذا دليل على وجوده، ثم قال: فسخا الزمان به أي أوجده، والشيء لا يتقدم على وجود نفسه ولكن هذا النوع من المبالغات التي تخرج إلى حد الاستحالة فتفيد المعنى قوة، لم تكن في غيره))([137]).فهو يشير ابتداءًا إلى ان الشاعر قد وقع في التناقض وذلك بان ذكر الشيء ونقيضه في آن واحد، وهذا مما عابه النقاد سابقا، وكذا في الشاهد الثاني، غير ان الصفدي أخرجه مخرجا حسنا عندما ذكر انه من المبالغات الجميلة.

ومن المواقف النقدية الأخرى التي نستطيع أن نلحظها في الغيث المسجم؛ الموازنة، ذلك ان الصفدي قد أجرى في كتابه هذا عِدَّة موازنات لمعانٍ شعرية متقاربة، فكان أن وازن بين المعنيين ذاكرا وجه المفاضلة محللا أسبابها. ومعروف أن منهج الموازنة من المناهج النقدية العربية القديمة وقد أرسى الآمدي أسسها وثبت أركانها في كتابه المعروف (الموازنة بين أبي تمام والبحتري) في القرن الرابع الهجري. ويبدو أن الصفدي ممن أفاد وتأثر بمنهج الآمدي هذا؛ ونستطيع أن نلحظ هذا الأثر في تعليقه على قول الطغرائي:

فيمَ الإقامة بالزوراءِ لا سَكني
   

 

بِها ولا ناقتي فيها ولا جَمَلي([138])
 

 

 ((وما أعرف أحدا ضمن هذا المثل، أعني لا ناقة لي في هذا ولا جمل، أمكن ولا أحسن من قول الشهاب أبي الثناء محمود أنشدني لنفسه إجازة من قصيدة:

استغفرُ الله أينَ الغيث منفصلا
من حاتمٍ عدِّ عنهُ واِطرِحْ فبـه
أين الذي بَـرَّه الآلاف يتـبعها
لو مثَّل الجودُ سَرحا قال حاتمهم
 

 

من برِّه وهو طول الدهر متصلُ
في الجودِ لا بِسواهُ يُضرب المثلُ
كـرائم الخيـل مِمَّن بـرّه الإبلُ
لا نـاقةٌ لي فـي هذا ولا جَـملُ
 

 

انظر إلى قلقه في بيت الطغرائي لأنه عطف الناقة والجمل على السكن، ولو عطف ما يناسب ذلك من أهل وولدٍ لكان أحسن وأوقع في النفس. وانظر إلى وروده في أبيات الشهاب محمود فانه جاء في مكانه منسجم التركيب ثابتا في معناه؛ حتى كأنه ما برز إلى الوجود إلاَّ في هذا المكان ولا ظهر إلاّ في هذا القالب، ولست أنكر إن الناس قد ضمنوه كثيرا في أغراض مختلفة طلبا للتبري مما ينتفي الإنسان عنه. ولكن كلما كان الكلام أكثر ارتباطا وتعلقا في أجزائه كان أحسن.))([139])، فارتباط الكلام بعضه ببعض وملائمته للموضوع كان السبب في تفضيل قول الشهاب على قول الطغرائي؛ في حين كانت وحدة البيت المستقل وعدم الوقوع في اللحن فضلا عن عدم استخدام الألفاظ غير الملائمة للمعنى أو الغرض هي السبب في تفضيل قول على آخر، وهذا ما نقرأه في ذكر ثقالة الردف ((فما أحلى قول شمس الدين محمد بن عفيف التلمساني وأرشقه:

تلاعـب الشَّـعر عـلى ردفهِ
يـا رِدفَـهُ جُرْتَ على خصرِهِ 
 

 

أوقع قلبي في العريض الطويلْ
رِفـقا بِهِ مـا أنتَ إلاّ ثـقـيلْ
 

 

وأين هذا من قول الآخر:

يا خـصرَهُ كم جَفاءً
يَا رِدفَهُ نَـِّح عـني
 

 

  تبـدي وأنـتَ نحيْلُ
 مـا أنـتَ إلاّ ثقـيلُ
 

 

قلت: الأول أحسن وأرشق وأكمل من وجوه. الأول إن المعنى كامل في بيت واحد وهنا في بيتين. الثاني: إنه أتى بالمثل خاليا من ثقل الإعراب كما هو جار على ألسنة العوام ولم يأتِ به ملحونا. الثالث: إن في قوله نَحِّ عني ما لا يليق بالعشاق من الجفوة لأنه يطلب بعد الردف))([140]).

أما فيما يتعلق بالقافية وأثرها في البيت الشعري؛ فان الصفدي يرى أنها الأساس في قبول الشعر واستحسانه وانها دليل على قوة الناظم لفنه، وان ضعف القافية دليل على وقوف قريحة الناظم وجمود ذهنه، بل انه يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يشبه القافية بالروح والبيت بالجسد دلالة على ضرورة ارتباطهما وتلاحمهما وان أي خلل في أحدهما سيؤثر على الآخر، وهذا ما نقرأه في تعليقه على الأبيات الآتية: ((

ظبـيُ يؤنّس بالـغرامِ نفارُه
ذو جـنَّة شرقتْ بِماء نعيمها
وكـأنَّ طـرته وضوء جبينه

قلبي وطرفي ذا يسيل دما وذا
والقلبُ منزلك القديم فان تجد
 

 

ويجدّ في نهب القلوب بمزحهِ
كالورد أشـرقه نداه برشـحه
ليلُ تـألق فيه بـارق صبحهِ
 

دون الورى أنت العليم بقرحِهِ
فيـه سـواك من الأنام فَنحِـهِ
 

 

وإنما اثبت هذه الأبيات...لحسن نظمها وانسجام لفظها، وانظر إلى قافية البيت الأخير وتمكنها في محلها كالشمس في الحمل، أو الدرة التي تم بها حسن العقد وكمل، والقافية روح والبيت جسد، فمتى قلقت فيه ضعف تركيبه وفسد، وتمكن القوافي دليل على قوة الناظم في فنه، وقلقها أدل على وقوف قريحته وجمود ذهنه.))([141])هذا وقد وقف الطغرائي في مقدمة كتابه على العروض والقافية وآراء النقاد فيها وعلاقتها بالشعر([142]).

تلك هي أبرز المواقف والقضايا النقدية التي وقف عندها الصفدي في شرحه، والشيء الملاحظ عليها أن صاحبها أفاد من آراء النقاد القدماء وحاول تطبيقها على الشعر الذي ذكره في كتابه على الرغم من انه لم يحلل اللامية تحليلا فنيا نقديا وإنما جاءت آراؤه ومواقفه النقدية مبثوثة في الكتاب، ويبدو إن اهتمامه بالجانب اللغوي والنحوي كان هو السبب في عدم الاهتمام بالجوانب الفنية أو النقدية وإنما كانت ترد في أثناء حديثه شأنها في ذلك شأن الاتجاه التاريخي الذي سنقف عنده فيما يأتي.

 الاتجاه التاريخي أو الثقافي:

   قارئ كتاب (الغيث المسجم في شرح لامية العجم) يكتشف ما يتمتع به مؤلفه من معرفة واسعة وباع طويل في تتبع الأخبار التاريخية والموضوعات الفقهية والقضايا الثقافية والفلسفية التي اطلع عليها والتي كانت سائدة في عصره وقبل عصره وأن يقف عندها باستطراد وإسهاب يخرجه أحيانا عن موضوعه الرئيسي الذي يتحدث فيه. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سعة معرفته وثقافته هذا إلى جانب من إكثاره من الشواهد الشعرية تعزيزا لقول أو تدعيما لرأي، أو إثباتا لأمر من الأمور التي ارتآها. والصفدي في معظم ذلك يحاول أن يذكر المصادر التي استقى منها معلوماته أو التي أخذ عنها نصوصه التي أوردها.

ففي المجال التاريخي مثلا نلحظ في شرحه للبيت الأول من اللامية:

أصالة الرأي صانتني عن الخَطَلِ 

 

وحلية الفضلِ زانتني لَدى العَطَلِ([143])

 

كيف يشرح مفهوم الرأي ذاكرا بذلك حدثا تاريخيا هو استيلاء الاسكندر على ملك فارس وبعثه بكتاب إلى أرسطو يأخذ رأيه في ذلك ثم كيف إن المأمون طلب من ملوك اليونان والنصارى أن ينقلوا خزانة كتبهم إلى العرب عن طريق النقل والترجمة وما أثارته هذه العلوم الفلسفية الدخيلة على العرب من اختلاف وقع فيه المسلمون فكان أن ظهر الاعتزال والأشاعرة وأهل السُّنة والشوافع وغيرهم من الفرق الإسلامية([144]) حتى قال الصفدي معلقا على ذلك: ((ومَنْ وقف على طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار علم قدر ما كانوا عليه من العَددْ والعُدَد))([145]).

أما قول الطغرائي:

فيمَ الإقامة بالزوراء لا سَكني 
 

 

بِها ولا ناقتي فيها ولا جملي
 

 

فان الصفدي يقف عند كلمة (الزوراء) ويسهب القول في معناها مشيرا إلى إن (((الزوراء): بغداد سُميت بذلك لانحراف قبلتها....))([146]) ثم يتحدث عن لغاتها وأسمائها والأقوال في تسميتها ومحلاتها في الجانب الشرقي من نهر دجلة وأسوارها وحادثة بنائها على يد منصور الدوانيقي وسنة البناء ثم يشير غلى انه قرأ ذلك على الشيخ الإمام الحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد ابن أحمد بن عثمان الذهبي بدمشق في ترجمة سنة ستٍ وأربعين ومائة من تاريخه الكبير([147]).

أما فيما يتعلق بالجانب الفقهي أو الديني فقد كان للصفدي أكثر من وقفة في هذا المجال، وهو يستند في آرائه ومواقفه هذه إلى أقوال العلماء والفقهاء في هذا المجال كابن عباس وابن مسعود وابن رزين، والحسن البصري وابن حزم في كتاب مراتب الاجماع وأبو ذر الغفاري وأُبي بن كعب وغيرهم من الصحابة والعلماء، وهذا ما نستطيع أن نقف عنده في حديثه عن ليلة القدر، ومتى هي؟ وسبب تسميتها بهذا الاسم؛ حيث يقول: ((وقد تعبَّدنا الله عز وجل بأشياء لا ندري معناها وأخفاها علينا لمضاعفة الأجور لنا في الإيمان بها والاجتهاد في معرفتها، ومثل ليلة القدر الساعة التي في يوم الجمعة التي يجاب فيها الدعاء. قال ابن حزم في مراتب الإجماع: وأجمعوا على أن ليلة القدر حق وهي في السنة ليلة واحدة ومنهم من قال هي في مجموع رمضان....ومنهم من قال في السابع والعشرين وهو قول ابن عباس....ومنهم من قال هي في مجموع السنة لا يخص بها رمضان ولا غيره. روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه.... قال ابن رزين: هي الليلة الأولى، وقال الحسن البصري هي السابعة عشر. وعن أنس مرفوعا أنها التاسعة عشر، وقال محمد بن إسحاق هي الحادية والعشرون وقال ابن عباس الثالثة والعشرون، وقال ابن مسعود الرابعة والعشرون، وقال أبو ذر الغفاري الخامسة والعشرون، وقال أُبي بن كعب وجماعة من الصحابة السابعة والعشرون......وقيل في تسميتها بليلة القدر وجوه أحدها أنها ليلة تقدير الأمور والأحكام، قال عطاء عن ابن عباس: إن الله تعالى قدر ما يكون في تلك السنة فيها من رزق وإحياء وإماتة إلى مثل هذه الليلة، وقيل القدر الضيق لان الأرض تضيق على الملائكة فيها. وقيل القدر للفاعل متى أتى فيها بالطاعة كان ذا قدر وشرف، وقيل نزل فيها كتاب ذو قدر وشرف عظيم....))([148]).

وهذا النص على الرغم من طوله فهو يكشف لنا قدرة الصفدي على المتابعة وجمع آراء العلماء والفقهاء في المسألة الواحدة ومحاولة جمعها ليتسنى للقارئ أو المتلقي الوقوف عندها والإطلاع عليها بشكل مفصل هذا من جانب ومن جانب آخر يكشف لنا من خلاله سعة اطلاع الصفدي ووفرة ثقافته.

ومن المسائل الفقهية الأخرى التي وقف عندها المؤلف لاسيما في شرحه للبيت الآتي:

تنامُ عَنّي وعين النجمِ ساهرةٌ
 

 

وتستَحيلُ وَصِبْغُ اللَّيْلِ لَمْ يَحُلَ([149])
 

 

مسألة الوقت الشرعي والطبيعي لليل وأثر ذلك على الصيام؛ حيث يقول: ((الليل: ضد النهار وهو من لدن غروب الشمس إلى وقت طلوعها وهو الليل الطبيعي، والليل الشرعي من لدن إقبال الظلام في الشرق إلى وقت الفجر الثاني، وأما سليمان الأعمش فقال: النهار الشرعي من أول بزوغ الشمس محتجا بقوله  صلى الله عليه وآله : صلاتا النهار عجماوان، أي لا يجهر فيهما، ولعمري أن ما قاله لجيد وإن كان الصحيح خلافه......قال الشيخ الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي...ذلك في تاريخه الكبير الذي قرأته عليه حوادث وأجازنيه تراجم.))([150])، ثم يذكر رأي الرازي وتأييده لمذهب الأعمش وتأييده له ونصره له مستشهدا بذلك بآيات من القرآن الكريم ثم يذكر بعد ذلك شرحه لقوله تعالى: ((وَكُلوُا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيّنَ لَكُم الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مَِن الفَجْرِ))([151])مبينا فيه حرمة أكل الصائم بعد انتهاء الليل أي بعد انتهاء غاية مدة أكل الصائم.([152])ومثل ذلك أيضا في مسألة أحكام مسح أو غسل الأرجل في الوضوء([153])وغيرها من المسائل والأحكام الفقهية.

وإلى جانب ذلك فانه تناول شرح وتفسير بعض الآيات القرآنية مها تفسيره لقوله تعالى: ((وِلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسِطْهَا كُلَّ البَسْطِ))([154]) ذاكرا الإشكالات التي قد يقع فيها مَنْ يتمسك بها في الظاهر والرد عليهم من قبل الفقهاء أمثال الحسن رضي الله عنه وغيره من المفسرين، ثم يتحدث عن الإشكال الثاني في قوله تعالى: ((بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ)) في مسألة كون نفي الباري عز وجل أن يكون جسما، وتأويل اليد في قوله تعالى ثم محاولة الإجابة عن سؤال: ما الفائدة من تثنية اليد هاهنا ؟ وعلى الرغم من إيضاح المؤلف للمسألة إلا انه يشير إلى انه لم يطل ((الكلام هنا إلا لأن لفظ اليد يقع في القرآن والحديث كثيرا وفي هذا ما يزيل تلك الشكوك))([155])ثم يرشد القارئ إلى أن كتاب تأسيس التقديس للإمام فخر الدين الرازي في هذا الباب جيد نافع للغاية([156]).

وإلى جانب المسائل الفقهية هناك قضايا إنسانية وقف عندها الصفدي في شرحه منها قضية إحساس الإنسان بالوحدة وحاجته إلى الآخر في الصحبة والمشورة أو الإعانة في الغربة منطلقا في ذلك من شرحه لقول الطغرائي:

فلا صَديْقٌ إليهِ مشتكى حَزَنِي    
 

 

ولا أنيسٌ إليهِ مُنْتَهى جَذلِي([157])
 

 

حيث يقول في بيان معنى البيت: ((ما أجد صديقا يكون إليه مشتكى وحزني ولا أرى أنيسا يكون إليه منتهى فرحي، وهذه حالة تشق على مَنْ تلبس بها. ألا ترى إن رسول الله صلى الله عليه وآله  لما هاجر من مكة ما خرج إلا وأبو بكر....معه ليكون له أنيسا في الوحدة ورفيقا في الغربة يركن إليه في المشورة ويأنس به إذا خلا.....وموسى صلوات الله عليه لما أمره الله تعالى بالرسالة إلى فرعون ليدعوه إلى الإيمان، سأل الله تعالى أن يكون أخوه هارون معه قال الله تعالى: ((وَاجْعَلْ لِي وَزِيْرَا مِنْ أهلِي هَرُونَ أَخِي أَشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وأَشْرِكهُ في أمْرِي))([158])....))([159]).

فهو يفيد من الأحداث التاريخية لاسيما المتعلقة بقصص الأنبياء في توضيح معنى البيت وتقريبه لأهمية وجود الصاحب والصديق للإنسان، مؤكدا ان الأنبياء أنفسهم كانوا في حاجة إلى مَنْ يؤنس وحدتهم ويشاركهم في أمرهم. مستفيدا في ذلك من القرآن الكريم فضلا عن شواهد من الشعر العربي وأقوال الحكماء في إبراز هذه القضية الإنسانية([160]). ثم انه يقف عندها ثانية وهو يوضح معنى البيت:

طالَ اغترابيَ حتى حنَّ راحلتي
  

 

وَرَحلها وقَرَى العَسَّالةَ الذُّبُلِ([161])
 

 

حيث يقول: ((طال اغترابي وامتدَّ سفري إلى أن حنَّت راحلتي، وحن رحلها، وحنت أعالي رماحي إلى الدعة والسكون والاستقرار بدلا من الاضطراب والحركة والتنقل. وقد حثَّت السُّنة على العود إلى الوطن، ووصفت الأسفار بالمشقة. قال صلى الله عليه وآله : السفر قطعة من العذاب. فإذا قضى أحدكم نهمته،فليعجل الرجوع إلى أهله....ومن حديث ابن عباس (رضي الله عنهما): موت الغريب شهادة، أقول هذا مما يؤكد مشقة الغربة لأن النبي صلى الله عليه وآله  أدخله في مشقة الشهداء كالقتيل في سبيل الله عز وجل.....))([162]) ثم يستطرد بعد ذلك للحديث عن أحكام غسل الشهيد والصلاة عليه ومتى يكون ذلك، وفي أي نوع من أنواع الشهداء الذين عدَّهم (الغريب، والمبطون، والمطعون، والغريق، والميت عشقا، والميتة في الطلق) مشيرا إلى أن هؤلاء إنما يُكتب لهم أجر شهيد. مستندا في ذلك إلى آراء الشافعي والحنفية، والأشاعرة، ذاكرا وجوه تباينهم والأدلة التي يستندون إليها في وجوب أو جواز غسل الشهيد([163]).

 هذا وإذا تركنا الفقه والأحكام الشرعية جانبا وانتقلنا إلى علوم الفلسفة والرياضيات؛ نجد أن شرح الصفدي لا يخلو منها أيضا، ففي مجال الفلسفة نجد نصا يتحدث فيه عن قول أرباب المنطق وأصحاب الكلام في الأحجار وأنواعها وطريقة تكوينها وألوانها وأوزانها وأثمانها([164]). وفي نص ثانٍ يتحدث فيه عن آراء الفلاسفة أمثال أفلاطون والاسكندر وسقراط وإقليدس وغيرهم في الحب والعشق وتعريفه وأنواعه وأثره في الإنسان([165]).

وفي المناظرات لا يفوت الصفدي أن يذكر مسألة في ذلك تتعلق بالنار وأوصافها([166])، وكان قبل ذلك قد تحدث عن نيران العرب وأنواعها وأسمائها مستشهدا بذلك بآيات من الذكر الحكيم وأشعار العرب أمثال بشار بن برد([167]).

أما في مجال علم الرياضيات فقد وقف الصفدي عند (قطر الدائرة)من حيث تعريفه ورأي اوقليدس في رسمه، والدائرة وطريقة رسمها وقول اوقليدس فيها؛ وذلك حيث يقول: (((قطر الدائرة) هو الخط الذي يمر بالمركز ويقطع الدائرة بنصفين؛ وقيل هو أطول خط في الدائرة والخط، قال اوقليدس في رسمه: الخط طول لا عرض له....والدائرة رسمها اوقليدس فقال: كل شيء مسطح محيط به خط واحد في داخله نقطة. كل الخطوط المستقيمة الخارجة منها إلى الخط المحيط متساوية، وتسمى النقطة مركز الدائرة....وهو كرة صحيح الاستدارة بالإجماع من الرياضيين والطبيعيين، حسبما تقتضيه البراهين من الفريقين. ومتى وجدت الكرة وجدت الدائرة، أقل ذلك منطقة الكرة فإنها محيط دائرة بلا شك....))([168]) ويستمر بالحديث عن كيفية قياس محيط الدائرة ثم عن الزوايا القائمة والمنفرجة والحادة([169]). وهذا ما يتعلق بعلم الهندسة، أما فيما يتعلق بالأعداد التامة والناقصة والزائدة فلم يغفل الصفدي عن ذكرها وتبيانها أيضا([170]). ومثل ذلك كثير مما يطول بنا المقام في ذكره.

من خلال ما تقدم نستطيع أن نقول – مستندين في ذلك إلى ما قدمناه من مادة – إن منهج الصفدي في شرح لامية الطغرائي إنما ينصب على الجزئيات في البيت الشعري المفرد وان الاهتمام بوحدة البيت في القصيدة هي التي توجه الشارح إلى التفسير والشرح حتى كأنه ينظر إلى البيت كأنه جزء مستقل ومنفصل عن بقية أجزاء القصيدة، لذا لم نلحظ لديه اهتماما يتجه إلى ما يُعرف ببنية القصيدة أو الوحدة العضوية أو الموضوعية للامية، وهنا كان مطلب الصفدي – شانه في ذلك شأن معظم الشراح الذين سبقوه – من الوقوف عند كل بيت من القصيدة مستخرجا ما فيها من قضايا نحوية أو لغوية جاعلا منها منطلقا في الحديث عن المسائل اللغوية والنحوية ومتتبعا إياها من حيث ذكر وجوهها المختلفة – إن وجدت – ومن هنا نلحظ غلبة هذا الاتجاه على الاتجاه الفني أو البلاغي الذي كان يأتي في المرتبة الثانية إلى جانب الاتجاه الثقافي.

على إن هذا لا يعني إن عملية شرح الشعر من الأمور السهلة أو اليسيرة التي يستطيع أي باحث القيام بها، بل انها عملية شاقة تتطلب إلى جانب المعرفة بالعلوم اللسانية من نحو وصرف ولغة وغريب؛ ضرورة الثقافة الواسعة والاطلاع الكثير على العلوم والمعارف السائدة حتى يستطيع الشارح من أن يقدم الرؤية الصحيحة للقصيدة والوقوف عند مقاصد الشاعر وأبعاد القصيدة مما يجعلها قريبة إلى المتلقي. وهذا ما استطاع تحقيقه الصفدي في شرحه لللامية، وقد سبق أن ذكر ذلك عندما قال: ((وقد أحببتُ أن أضع عليها شرحا يزيد جيدها فرائدا وقصيدتها فوائدا مما سمعت فوعيت وجمعت فأوعيت، ولا أغادر فيها لغةً ولا إعراباً، ولا إيضاح معنى ولا إغراباً، ولا ما يضمه إليها سلك أو يدخل معها جراباً إلاّ نبهت عليه وأشرت بحسب الإمكان إليه. هذا إلى ما يستطرد إليه الكلام من نكتة، وتعترض جملة ذكره بغتة، ويبديه الضمير على لسان القلم.... ويثبته التعمد إذا علمت إن لجيد الاطلاع إليه لفتة، ليكون هذا الشرح أنموذج الأدب وعنوانا يدل على الفضيلة التي امتاز بها لسان العرب، فقد أودعت فيه فوائد جمَّة ن وقواعد مهمة، وشواهد هي لجامحات المعاني أزمة، ودلائل تبرهن كل علم فلا يكن أمركم عليكم غمَّة.... ليعذر الواقف على الخطا....لان هذه الأوراق ما فيها غير هذه القصيدة ثمر، ولو عاين الطغرائي رحمه الله هذا الشرح لقال: أراني السها لما أريته القمر...))([171])

 

قائمة المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم.

2- أسرار البلاغة  في علم البيان / تأليف عبد القاهر الجرجاني توفي سنة 471هـ؛ تحقيق: د. محمد الاسكندراني، د. م. مسعود؛ بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية 1418هـ - 1998م.

3- الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب المستعربين والمستشرقين / خير الدين الزركلي. بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة السادسة عشرة، كانون الثاني: يناير 2005م

4- البداية والنهاية / عماد الدين إسماعيل بن عمر ابن كثير القرشي الشافعي الشهير بابن كثير (701 – 774هـ) / اعتنى به حسان عبد المنان،  لبنان: بيت الأفكار الدولية؛ 2004م

5- البيان والتبيين / لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ؛ تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، مصر: دار التأليف.

6- الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة / شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن أحمد العسقلاني المتوفى سنة 852هـ؛ ضبطه وصححه الشيخ عبد الوارث محمد علي، بيروت: دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى: 1418هـ- 1997م

7- دلائل الإعجاز في علم المعاني / عبد القاهر الجرجاني 471هـ؛ تحقيق د. عبد الحميد الهنداوي، بيروت: دار الكتب العلمية؛ الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م.

 8- ديوان أبو فراس الحمداني / اعتنى به وشرحه عبد الرحمن المصطاوي، بيروت: دار المعرفة؛ الطبعة الأولى: 1423هـ - 2003م.

9- شذرات الذهب في أخبار مَنْ ذهب / أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089هـ. بيروت: دار الفكر؛ 1414هـ - 1994م.

10- شرح ديوان زهير بن أبي سلمى / ثعلب؛ تحقيق: د. فخر الدين قباوة؛ بيروت، دار     الآفاق الجديدة: 1982م.

11- شرح مقامات الحريري؛ بيروت: دار التراث 1388هـ - 1968م.

12- الشعر والشعراء/ ابن قتيبة؛ تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر؛ مصر: دار المعارف، 1966م.

13- طبقات الشافعية  / أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن محمد، تقي الدين بن قاضي  شهبة الدمشقي ((779 – 851هـ، 1377 – 1448م))؛ اعتنى بتصحيحه وعلَّق عليه الدكتور الحافظ عبد العليم خان. بيروت: مؤسسة دار الندوة، 1408هـ - 1987م.

14- طبقات فحول الشعراء من الجاهليين والإسلاميين / محمد بن سلام الجمحي 139 – 231هـ؛ تحقيق محمود محمد شاكر، مصر: مطبعة المدني.

15- الطغرائي، حياته، شعره،لاميته، دراسة و تحليل / د. علي جواد الطاهر؛ بغداد: مكتبة النهضة العربية، الطبعة الأولى 1963م.

16- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده / أبي علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي 390 – 456 من الهجرة؛ حققه،وفصله،وعلق حواشيه محمد محي الدين عبد الحميد، مصر: مطبعة السعادة؛ الطبعة الثالثة 1963م.

17- الغيث المسجم في شرح لامية العجم/ تأليف الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصَّفَدّي المتوفى سنة 764هـ، بيروت: دار الكتب العلمية، المجلد الأول؛ الطبعة الثانية 1411هـ - 1990م.

18- الكامل في اللغة والأدب / أبي العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد النحوي المتوفى سنة 285هـ؛ تحقيق: د. يحيى مراد. القاهرة: مؤسسة المختار؛ الطبعة الأولى 1425هـ.

19- كتاب ذيل الأمالي والنوادر / أبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي.

20- الموازنة بين أبي تمام حبيب بن أوس الطائي وأبي عبادة الوليد بن عُبيد البحتري الطائي/ تصنيف الإمام النقادة أبي القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي البصري؛ حقق أصوله وعلَّق حوشيه محمد محي الدين عبد الحميد.

21- المثل السائر / أبي الفتح ضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الموصلي ت 637هـ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد؛ بيروت: المكتبة العصرية 1995م.

22- معجم البلدان / للشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي؛ بيروت: دار صادر.

23- معجم المصطلحات البلاغية وتطورها / د. أحمد مطلوب؛ مطبعة المجمع العراقي 1406هـ - 1986م.

24- معجم المؤلفين / عمر رضا كحَّالة؛ بيروت: دار إحياء التراث العربي.

25- الموضح في شرح شعر أبي الطيب المتنبي / تصنيف الشيخ أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي المتوفى سنة 502هـ.دراسة وتحقيق د. خلف رشيد نعمان، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة؛ الطبعة الأولى 2000م.

 

[1] - طبقات الشافعية  / أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن محمد، تقي الدين بن قاضي شهبة الدمشقي ((779 – 851هـ، 1377 – 1448م))؛ اعتنى بتصحيحه وعلَّق عليه الدكتور الحافظ عبد العليم خان. بيروت: مؤسسة دار الندوة، 1408هـ - 1987م. ج2: 241.

[2] - صفد: مدينة في جبال عاملة المطلة على حمص بالشام، وهي من جبال لبنان. معجم البلدان / ج 3:412.

[3] - الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب المستعربين والمستشرقين / خير الدين الزركلي. بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة السادسة عشرة، كانون الثاني: يناير 2005م. ج 2: 315.

[4] -يُنظر طبقات الشافعية / ج 2: 241، الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة / شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن أحمد العسقلاني المتوفى سنة 852هـ ؛ ضبطه وصححه الشيخ عبد الوارث محمد علي، بيروت: دار الكتب العلمية. الطبعة الأولى: 1418هـ- 1997م (المجلد الأول) ج 2: 49.

[5] - الدرر الكامنة / ج 2: 49، الأعلام / ج 2: 315.

[6] - الدرر الكامنة / ج2: 49.

[7] - يُنظر البداية والنهاية / عماد الدين إسماعيل بن عمر ابن كثير القرشي الشافعي الشهير بابن كثير (701 – 774هـ) / اعتنى به حسان عبد المنان،  لبنان: بيت الأفكار الدولية  ؛ 2004م. ج 2: 2245، طبقات الشافعية / ج2: 241 ، الدرر الكامنة / ج2: 49-50، شذرات الذهب في أخبار مَنْ ذهب / أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089هـ. بيروت: دار الفكر؛ 1414هـ - 1994م.  ج6: 200 – 201. معجم المؤلفين / عمر رضا كحَّالة؛ بيروت: دار إحياء التراث العربي. ج 4: 114، الأعلام/ ج 2: 315.

[8] - الدرر الكامنة / ج 2: 50.

[9] - م. ن / ج 2: 50.

[10]- طبقات الشافعية / ج 2: 242.الدرر الكامنة / ج 2: 50، شذرات الذهب / ج 6: 201.

[11] -البداية والنهاية / ج 2: 2245، طبقات الشافعية / ج 2: 242، الدرر الكامنة / ج 2: 50، شذرات الذهب / ج 6: 201، الأعلام / ج 2: 315.

[12] - يُنظر البداية والنهاية / ج 2: 2245.

[13]- طبقات الشافعية / ج 2: 241.

[14]- الدرر الكامنة / ج 2: 42.

[15] -ج 4: 114.

* - وقد ذكره الزركلي تحت عنوان (أعيان العصر)ج 2 / 316.والكتاب مطبوع تحت عنوان (أعيان العصر وأعوان النصر) ؛ تحقيق: فالح أحمد البكور، باشراف مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر: بيروت. الطبعة الأولى: 1419هـ - 1998م في (3) مجلدات.

[16] - يُنظر الغيث المسجم / ج 2: 285.

* - يُنظر ج 2: 295.

[17] - الشعر والشعراء/ ابن قتيبة ؛ تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر ؛ مصر: دار المعارف، 1966م. ج 1: 81.

[18] - عيابهم: مفرد عيبه، وهي ما يُجعل فيها الثياب.

[19] - سوق بالبحرين يجلب إليها المسك من البحرين.

[20]- الكامل في اللغة والأدب / أبي العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد النحوي المتوفى سنة 285هـ ؛ تحقيق: د. يحيى مراد. القاهرة: مؤسسة المختار ؛ الطبعة الأولى 1425هـ - 2004م. ص: 170 – 171. ويُنظر كذلك ص: 401 – 405 حيث شرح ابن عائشة لأبيات شعرية.

[21] -كتاب ذيل الأمالي والنوادر / أبي علي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي. ص: 2 – 4.

[22] - شرح ديوان زهير بن أبي سلمى / ثعلب ؛ تحقيق: د. فخر الدين قباوة ؛ بيروت، دار الآفاق الجديدة: 1982م. ص: 40.

[23] - م. ن

[24] - الموضح في شرح شعر أبي الطيب المتنبي / تصنيف الشيخ أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي المتوفى سنة 502هـ ح دراسو وتحقيق د. خلف رشيد نعمان، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة ح الطبعة الأولى 2000م. ج 1: 225.

[25] -م. ن / ج 1: 236.

[26] - العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده / أبي علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي 390 – 456 من الهجرة؛ حققه،وفصله،وعلق حواشيه محمد محي الدين عبد الحميد، مصر: مطبعة السعادة ؛ الطبعة الثالثة 1963م. ج 2: 105.

[27] -البيان والتبيين / لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ؛ تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، مصر: دار التأليف. ج 4: 24.

[28] - الغيث المسجم في شرح لامية العجم/ تأليف الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصَّفَدّي المتوفى سنة 764هـ، بيروت: دار الكتب العلمية، المجلد الأول ؛ الطبعة الثانية 1411هـ - 1990م.ج 1: 63.

[29] - م. ن / ج 1: 381 – 382.

[30] يُنظر على سبيل المثال – لا الحصر – ج 1: 180، 232، 317، 318، 340، 348، 370.

[31] - الغيث المسجم / ج 1: 149.

[32] - يُنظر م. ن / ج 1: 149 – 154.

[33] -يُنظر على سبيل المثال لا الحصر ج 1: 162 (الحديث عن حتى ودلالاتها وأنواعها وشروطها.

[34] -م. ن / ج 1: 66 – 67.

[35] - م. ن / ج 1: 68.

[36] - الغيث المسجم / ج 1: 233.

[37] -يُنظر على سبيل المثال ج 1: 270، 370، 410.

[38] - م. ن / ج 1: 149.

[39]- م. ن / ج 1: 434.

[40] - ج 2: 50.

[41] - م. ن

[42] - طبقات فحول الشعراء من الجاهليين والإسلاميين / محمد بن سلام الجمحي 139 – 231هـ؛ تحقيق محمود محمد شاكر، مصر: مطبعة المدني، السفر الأول. ص: 4.

[43] - الغيث المسجم / ج 1: 41 – 42. (داحس والغبراء ولاحق: أفراس كانت لبعض العرب)

[44] -م. ن / ج 1: 114 ويُنظر كذلك على سبيل المثال لا الحصر ج 1: 283، 299، 311، 347، 380.

[45] - الغيث المسجم / ج 1: 42 – 43.

[46] - الغيث المسجم / ج 1: 51، 118، 123، 202.

[47] - م. ن / ج 1: 42، 123، 268.

[48] - م. ن / ج 1: 42، 46، 58، 123، 150، 170، 201.

[49] - م. ن / ج 1: 43.

[50] - م. ن / ج 1: 123.

[51] - م. ن / ج 1: 387.

[52] - م. ن / ج 1: 224.

[53] - م. ن / ج 1: 99، 105، 133، 174، 194، 201، 237، 248، 274، 283، 328.

[54] - م. ن / ج 1: 387.

[55] - م. ن / ج 1: 48، يُنظر كذلك: 202.

[56] - الغيث المسجم / ج 1: 58. وينظر كذلك 63، 72، 122، 145، 146، 156، 159، 196، 264،....

[57] - م. ن / ج 1: 123.

[58] م. ن / ج 1: 40. حالق: الجبل المرتفع.

[59] - الغيث المسجم / ج 1: 41 – 42.

[60] - م. ن / ج 1: 114.

[61] - م. ن/ ج 1: 25. او ((ذكر صاحب الأغاني...))ج1: 99

[62]- م. ن / ج 1: 157.

[63] - م. ن / ج 1: 157.

[64] - م. ن / ج 1: 157.

[65] - م. ن م ج 1: 306.

[66] -الطغرائي، حياته، شعره،لاميته، دراسة و تحليل / د. علي جواد الطاهر ؛ بغداد: مكتبة النهضة العربية، الطبعة الأولى 1963م. ص: 122

[67] - الغيث المسجم / ج 1: 11.

[68] - م. ن / ج 1: 10 – 15.

[69] - العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده / أبي علي الحسن بن رشيق القيرواني 390-456هـ، حققه وفصله وعلق حواشيه محمد محي الدين عبد الحميد، مصر: مطبعة السعادة ؛ الطبعة الثالثة 1383هـ - 1963م. ج 1: 91.

[70] - الغيث المسجم / ج 1: 63، 66 – 68.

[71] - سورة البقرة: 98.

[72] - سورة الشورى: 11.

[73] - سورة النحل: 60.

[74] -  لوحق: ضوامر، الأقراب: الخاصرة، الضمير في (فيها) يرجع إلى الخيل، المقق: هو الطول.

[75] - الغيث المسجم / ج 1: 88 -89.

[76] - م. ن / ج 1: 87.

[77] - سورة الصافات: 137.

[78] - سورة النساء: 160.

[79] - سورة البقرة: 20.

[80] - سورة البقرة: 30.

[81] - الغيث المسجم  / ج 1: 109 – 110.

[82] -يُنظر  م. ن / ج 1: 110 - 111

[83] - م. ن / ج 1: 68.

[84] - م. ن / ج 1: 88.

[85] - يُنظر على سبيل المثال ج 1: 111، 134، 152.

[86]  الغيث المسجم / ج 1: 10.

[87] - الغيث المسجم / ج 1: 90. (الوهن): نحو من نصف الليل أو بعد ساعة منه.

[88] - م. ن / ج 1: 77.

[89] - معجم المصطلحات البلاغية وتطورها / د. أحمد مطلوب ؛ مطبعة المجمع العراقي 1406هـ - 1986م. ج 2: 70. نقلا من البديع في نقد الشعر / ص: 17.

[90] - م. ن / ج 2: 70 نقلا من نهاية الإيجاز / ص: 29.

[91] - الغيث المسجم / ج 1: 413 – 414. (الخود): الصَّبية، جمع خودات وخُود.

[92] - الغيث المسجم / ج 1: 268.

[93] - الغيث المسجم / ج 1: 282. ويُنظر كذلك ص: 283.

[94] - م.  ن / ج 1: 309. (الوَسنْ): الذي أخذه النعاس، أو اشتد نعاسه.

[95] - م. ن / ج 1: 346.

[96] - يُنظر أسرار البلاغة  في علم البيان / تأليف عبد القاهر الجرجاني توفي سنة 471هـ ؛ تحقيق: د. محمد الاسكندراني، د. م. مسعود؛ بيروت: دار الكتاب العربي ن الطبعة الثانية 1418هـ - 1998م. ص: 163، 178.

[97] - سورة مريم: 4.

[98] - الغيث المسجم / ج 1: 293 – 294. يُنظر دلائل الإعجاز في علم المعاني / عبد القاهر الجرجاني 471هـ ؛ تحقيق د. عبد الحميد الهنداوي، بيروت: دار الكتب العلمية ؛ الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م. ص: 72 – 73.

[99] - يٌنظر على سبيل المثال ج 1: 191، 292، 293، 113، 301، 345، 393.

[100] - م. ن / ج 1: 405.

[101] - م. ن / ج 1: 114، 118، 120، 208، 223، 387.

[102] - م. ن / ج 1: 27 ن 86.

[103] - م. ن / ج 1: 157، 311.

[104] - م. ن / ج 1: 208.

[105] - م. ن / ج 1: 203.

[106] - م. ن / ج 1: 223.

[107] - م. ن / ج 1: 229.

[108] - م. ن / ج 1: 256.

[109] - الغيث المسجم / ج 1: 252. شطاط: اعتدال القامة. معتقل: الاعتقال أن يضع الفارس رمحه بين ساقه والركبة. هيَّاب: جبان. وكل: عاجز.

* - ورد البيت في شرح مقامات الحريري؛ بيروت: دار التراث 1388هـ - 1968م. ص: 502:

وذا شَطَاطٍ كَصَدْرِ الرُّمْحِ قامَتُهُ         صادْفتُهُ بِمنىً يَشْكو مِنَ الحَدَبِ           (الحدب: تقوس الظهر وبروزه كالسنام)

[110] - الغيث المسجم  / ج 1: 259.

[111] - الموازنة بين أبي تمام حبيب بن أوس الطائي وأبي عبادة الوليد بن عُبيد البحتري الطائي/ تصنيف الإمام النقادة أبي القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي البصري ؛ حقق أصوله وعلَّق حوشيه محمد محي الدين عبد الحميد.ج 1: 313.

[112] - يُنظر  الغيث المسجم / ج 1: 99، 191، 202، 297، 309، 335.

[113] - م. ن / ج 1: 89، 208، 369.

[114] - م. ن / ج 1: 90، 91، 303.

[115] - م. ن / ج 1: 168، 244، 293، 332، 345، 347، 362،

[116] - م. ن / ج 1: 260.

[117] - م. ن / ج 1: 117، 277.

[118] - م.  ن / ج 1: 148. ويُنظر كذلك على سبيل المثال: 156، 261.

[119] - م. ن / ج 1: 114. ويصد به قوله: نزلنا على الأكوارِ نمشي كرامةً           لأهليه أن نغشى رسومهم رَكبا

[120] - م. ن / ج 1: 373.

[121] - م. ن / ج 1: 377.

[122] - م. ن / ج 1: 395.

[123] - الغبث المسجم / ج 1: 400.

[124] - م. ن / ج 1: 442 – 443.

[125] - المثل السائر / أبي الفتح ضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الموصلي ت 637هـ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ؛ بيروت: المكتبة العصرية 1995م. ج 2: 158.

[126] - الغيث المسجم / ج 1: 185 – 186.

[127] - ديوان أبو فراس الحمداني / اعتنى به وشرحه عبد الرحمن المصطاوي، بيروت: دار المعرفة ؛ الطبعة الأولى: 1423هـ - 2003م. ص: 276.    اشتورت: حكمت الرأي. احربت: حوربت. فتاها: بطلها المقدام.

[128] - الغيث المسجم / ج 1: 75. وقد ورد البيت: فما اشتورت إلاَّ وأصبحَ شيخها       ولا احتربت إلاَّ وكان فتاها.

[129] - م. ن  / ج 1: 76.

[130] - م. ن / ج 1: 295 – 296.

[131] - يُنظر كذلك ج 1: 156.

[132] م. ن / ج 1: 200.

[133] - الغيث المسجم / ج 1: 201. ويُنظر كذلك على سبيل المثال: 209، 211.

[134] - سورة الشعراء: 69.

[135] سورة الشعراء: 102.

[136] - الغيث المسجم / ج 1: 212.

[137] - م. ن / ج 1: 229.

[138] - الغيث المسجم / ج 1: 107.

[139] - م. ن / ج 1: 118 – 119.

[140] - الغيث المسجم / ج 1: 288.

[141] - م. ن / ج 1: 405.

[142] - يُنظر م. ن / ج 1: 53 – 61.

[143] - الغيث المسجم / ج 1: 63.

[144] - يُنظر م ز ن / ج 1: 78 – 83.

[145] - م. ن / ج 1: 80 – 81.

[146] - م. ن / ج 1: 107.

[147] -الغيث المسجم  / ج 1: 107 – 108. ويُنظر كذلك على سبيل المثال – لا الحصر – حكاية قائد جيش المعتصم (الأفشين) ص: 312 – 314.

[148] - م. ن  / ج 1: 137 – 138.

[149] - م. ن / ج 1: 338.

[150] - الغيث المسجم / ج 1: 338 – 339.

[151] - سورة البقرة: 187.

[152] - الغيث المسجم / ج 1: 339.

[153] - م. ن / ج 1: 364 – 365.

[154] - سورة الإسراء: 29.

[155] - الغيث المسجم / ج 1: 218 – 219.

[156] - م. ن / ج 1: 219.

[157] - م. ن / ج 1: 147.

[158] - سورة طه / 29.

[159] - الغيث المسجم / ج 1: 152 – 153.

[160] - يُنظر م. ن / ج 1: 153- 154.

[161] - م. ن / ج 1: 161.

[162] - م. ن / ج 1: 164.

[163] - م. ن / ج 1: 164 – 166.

[164] - يُنظر الغيث السجم / ج 1: 92 – 95.

[165] يُنظر م. ن / ج 1: 428 – 429.

[166] يُنظر الغيث السجم / ج 1: 423 – 425.

[167] يُنظر م. ن / ج 1: 414 – 415.

[168] - م. ن / ج 1: 205.

[169] - يُنظر م. ن / ج 1: 206 – 207.

[170] - يُنظر م. ن / ج 1: 427 – 428.

[171] - الغيث المسجم / ج 1: 10 – 15.