تصنیف البحث: تاريخ
من صفحة: 8
إلى صفحة: 28
النص الكامل للبحث: PDF icon 16-1.pdf
خلاصة البحث:

الافتراء على عبد الله بن العباس تكشف لنا عن ظاهرة تاريخية خطيرة حيث نجد كيف تتضارب الروايات في مضامينها وتوثيقها لاحدى الشخصيات الاسلامية التي لعبت دوراًكبيراً في التاريخ الإسلامي. بين من اتهمه بالنزاهة وبين من ردّ عليه هذهِ التهمة. وكيف لعبت الاهداف السياسية والاغراض الشخصية في اتهام مثل هذه الشخصية،وأثر ذلك في الماضي والحاضر حيث مازلنا نسمع من العديد من الكتّاب كطه حسين في كتاب (علي وبنوه) ومن الفضائيات من يردد صدى تلك الاكذوبة التي أطلقتها الاقلام المأجورة قبل أكثر من ألف عام على شخصية عظيمة مخلصة لإسلامها وقائدها وهو عبد الله بن عباس حبر الامة وامام المفسرين وناصر امير المؤمنين عليه السلام.

Abstract

Abdullah bin Al-Abbas was the councelor of the nation, cousin of Ameer Al-mu'mineen Ali bin Abi Talib, and his assistant, the man of difficulties, who accompanied him in all of his actions on war and peace, in crises and easy times in Al-Medina and in Al- Kufa, in Safeen, Al- Jamal and Al- Nahrawan. He was his shadow which followed him. He was his secret which he never betrayed. He was his minister and councelor. He was the nearest person among his companions. The question is: did he ever abandon him, and disobeyed his commands, and even stole Bait almal, and fled to Al-Taif to buy Al-Jawari? Is it true that Al-Imam Ali accused him of stealing the Muslims' funds (mentioned in one of his messages in Nahjul-Balagah) which was retold by Ibn Abbas with Ameer Al- mu'mineen (peace be upon him).

البحث:

المقدمة

عبد الله بن العباس حَبرالامة ابن عم امير المؤمنين علي بن ابي طالب وساعده الايمن ورجل المهمات والملمات الذي كان معه في جميع مواقفه في الحرب والسلم في الشدة والرخاء في المدينة والكوفة في صفين والجمل والنهروان كان ظله الذي يقتفي اثره وسره الذي ما اباحه يوما، كان وزيره ومستشاره واقرب اصحابه اليه.. فهل يا ترى تركه وخالف اوامره بل وسرق اموال بيت المال وهرب بها الى الطائف ليشتري بها الجواري؟! هل صحيح ان الامام اتهمه بسرقة اموال المسلمين في احدى رسائله المذكورة في نهج البلاغة؟ ما قصة ابن عباس مع امير المؤمنين  عليه السلام ؟

حول هذا المقطع التاريخي يدور بحثنا لكشف حقيقة العلاقة بين ابن عباس وامير المؤمنين. وهل صحيح ما ذكره الكشي في رجاله وما نقل عن الزهري والشعبي من مفارقته لامير المؤمنين  عليه السلام  وسرقته لاموال البصرة، البحث يدور في عدة محاور هي:

اولاً: من هو عبد الله بن عباس.

ثانيا: مناقشة الروايات المخالفة.

ثالثا: الرواية الصحيحة والواقعة كما هي.

رابعا: من كان وراء هذه الروايات التي اثارت زوبعة في التاريخ الاسلامي.

عبد الله بن العباس:

هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب شيبة بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الهاشمي المكي مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين صحب النبي محمداً  صلى الله عليه وآله  ثلاثين شهرا وحدّث عنه.أخذ الفقه عنه جماعة منهم عطاء بن ابي رباح وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعبيد الله بن عبد الله بن مسعود وأبو الشعثاء جابر بن زيد وابن ابي مليكة وعكرمة وميمون بن مهران وعمرو بن دينار وغيرهم ([1]).

وامه ام الفضل لبابة بنت الحارث بن حَزن بن بجير الهلالية من هلال بن عامر.

اولاده اكبرهم العباس وبه كان يكنى وعلي أبو الخلفاء وهو اصغرهم والفضل ومحمد وعبيد الله وكان وسيما جميلا مديد القامة مهيبا كامل العقل زكي النفس من رجال الكمال، انتقل ابن عباس مع ابويه الى دار الهجرة سنة الفتح وقد اسلم قبل ذلك،وروى خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال مسح النبي  صلى الله عليه وآله  رأسي ودعا لي بالحكمة.

كان على مقدمة جيش الامام علي بن ابي طالب في معركة الجمل وولاه على البصرة، اختاره الامام ممثلا في التحكيم واصفا اياه بقوله (ان معاوية لم يكن ليضع لهذا الامر احداً و هو واثق برايه ونظره في عمر بن العاص وانه لا يصلح للتولي الا مثله فعليكم بعبد الله ابن عباس فارعوه به فان عمرا لا يعقد عقدا الا حلها عبد الله،ولا يحل عقد الا عنده, ولا يبرم امرا الا نقضه ولا ينقض امرا الا ابرمه) لكن الخوراج رفضوا ذلك قائلين لا فرق بينه وبين علي فاضطر  عليه السلام  الى اختيار ابو موسى الاشعري.وقد بعثه الامام لمحاورة الخوارج مرات عديدة داحضا حججهم صادعا بالحق الذي كان يمثله الامام علي  عليه السلام

يعتبر من رواة الحديث في القرن الاول الهجري اذ روى عن النبي  صلى الله عليه وآله  وعن الامام علي بن ابي طالب والامام الحسن  عليه السلام .

توفي سنة 68 للهجرة في منفاه الذي نفاه إليه عبد الله بن الزبير في الطائف وصلى على جنازته محمد بن الحنفية رضوان الله عليه.

المبحث الاول: آراء العلماء في عبد الله بن عباس

اثنى عليه كل من ذكره من ارباب الرجال والتراجم نذكر شواهد على ذلك:

اولا: السيد ابن طاووس  قال عنه ((حاله في المحبة والاخلاص لمولانا امير المؤمين علي  عليه السلام  وموالته والنصر له والذب عنه والخصام في رضاه والمؤازرة له مما لاشبهة فيه ثم قال معرضاً باخبار الذم ومثل الحبر موضع ان يحسده الناس ويباهتون

كضرائر الحسناء قلن لوجهها                     حسدا وبغيا انه لذميم

وقال: ولو ورد في مثله الف رواية امكن ان تعرض للتهمة فكيف بهذه الاخبار الضعيفة الركيكة([2])

ثانيا: العلامة الحلي كان محبا لعلي  عليه السلام  وتلميذه حاله في الجلالة والاخلاص لامير المؤمين  عليه السلام  اشهر من ان يخفى([3]).

ثالثا: الشيخ ابن داوود (قدس سره) حاله اعظم من ان يشار اليه في الفضل والجلالة ومحبة امير المؤمنين  عليه السلام  وانقياده الى قوله ([4]).

رابعا: السيد علي خان 1130هـ يقول عنه (الذي اعتقده في ابن عباس (رضي الله عنه) انه كان من اعظم المخلصين لامير المؤمنين واولاده ولاشك في تشيعه وايمانه وجعله في الطبقة الاولى من الصحابة في كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة)([5]) ثم اورد جمعا من اقوال الصحابة والعلماء في ايمانه وولائه لامير المؤمنين  عليه السلام .

خامسا: ذكره العاملي في اعيان الشيعة بقوله: هو اول من املى في تفسير القرآن عن علي  عليه السلام  وقال ابو الخير في طبقات المفسرين عند ذكره: (هو ترجمان القران وحبر الامة ورئيس المفسرين) ([6]).

سادسا: اورد العلامة التستري الروايات المخالفة في كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة وردها باجمعها ولم يدع مجالا للشك بان هذه الروايات التي ذكرها ابن عبد ربه الاندلسي

والكشي موضوعة مؤكدا: (الظاهر ان الجعل كان بعد وفاة ابن عباس زمان المروانيين ولم يجترئوا على جعل مثله في حياته بدليل انه لم ينقل طعن احد فيه بذلك)([7]).

سابعا: تحدث السيد ابو القاسم الخوئي باسهاب عن ابن عباس وعن الروايات المخالفة له في كتاب معجم رجال الحديث قائلا: (هذه الرواية وما قبلها من طرق العامة وولاء ابن عباس لامير المؤمنين وملازمته له  عليه السلام  هو السبب الوحيد في وضع هذه الاخبار الكاذبة وتوجيه التهم والطعون عليه حتى ان معاوية لعنه الله كان يلعنه بعد الصلاة مع لعنه علياً والحسنين وقيس بن عبادة والاشتر) ويخلص في نهاية حديثه عن ابن عباس قائلا (والمتحصل مما ذكرنا ان عبد الله بن عباس كان جليل القدر مدافعا عن امير المؤمنين والحسنين  عليهم السلام ) ([8]).

المبحث الثاني: الروايات المخالفة

هناك ثلاث روايات تشير الى حادثة ترك ابن عباس لاميرالمؤمنين وسرقة بيت مال البصرة وهي:

اولاً: رواية العقد الفريد:

قال ابو بكر بن ابي شيبة:  كان عبد الله بن عباس من احب الناس الى عمر بن الخطاب، وكان يقدمه على الاكابر من اصحاب محمد  صلى الله عليه وآله ، ولم يستعمله قط، فقال له يوماً: كدت استعملك، ولكن اخشى ان تستحل الفيء([9]) على التأويل!

فلما صار الامر الى علي استعمله على البصرة، فاستحل الفيء على تاويل قول الله تعالى ((واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى)) واستحله من قرابته من رسول الله  صلى الله عليه وآله .

وروى ابو مخنف عن سليمان بن ابي راشد عن عبد الرحمن بن عبيد قال: مر ابن عباس على ابي الاسود الدؤلي، فقال له: لو كنت من البهائم لكنت جملا ولو كنت راعيا ما بلغت المرعى فكتب ابو الاسود الدؤلي الى علي:

اما بعد، فان الله جعلك واليا مؤتمنا، وراعيا مسئولا، وقد بلوناك رحمك الله فوجدناك عظيم الامانة، ناصحا للامة، توفر لهم فيئهم، وتكف نفسك عن دنياهم فلا تاكل اموالهم، ولا ترتشي بشيء في احكامهم. وابن عمك قد اكل ماتحت يديه من غير علمك، فلم يسعني كتمانك ذلك، فانظر رحمك الله فيما هنالك، واكتب اليّ برايك، فما احببت اتبعه ان شاء الله، والسلام.

فكتب اليه علي:

اما بعد، فمثلك نصح الامام والامة (وأدى الامانة) ووالى على الحق، وفارق الجور؛ وقد كتبت لصاحبك بما كتبت اليّ فيه (من امره)، ولم اعلمه بكتابك الي، فلا تدع اعلامي ما يكون بحضرتك، مما النظر فيه للامة صلاح، فانك بذلك جدير، وهو حق واجب لله عليك، والسلام.

وكتب علي الى ابن عباس:

اما بعد، فانه قد بلغني عنك امرٌ، ان كنت فعلته فقد اسخطت الله، واخزيت امانتك، وعصيت امامك، وخنت المسلمين. بلغني انك جردت([10]) الارض واكلت ما تحت يدك، فارفع الي حسابك، واعلم ان حساب الله اعظم من حساب الناس والسلام.

فكتب اليه ابن عباس: اما بعد، فان كل الذي بلغك باطل، وانا لما تحت يدي ضابط، وعليه حافظ، فلا تصدق علي الظنين، والسلام.

فكتب اليه علي: اما بعد، فانه لا يسعني تركك حتى تعلمني ما اخذت من الجزية, من اين اخذته؟ وما وضعت منها: اين وضعته؟ فاتق الله فيما ائتمنتك عليه واسترعيتك اياه، فان المتاع بما انت –رازمه([11]) قليل، وتباعته وبيلة لا تبيد، والسلام.

فلما راى ان عليا غير مقلع عنه كتب اليه: اما بعد، فانه بلغني تعظيمك علي مرزئة مال بلغك اني رزأته([12]) اهل هذه البلاد، وايم الله لان القى الله بما في بطن هذه الارض من عقيانها([13]) ومخبئها، وبما على ظهرها من طلاعها([14]) ذهبا، احب الي من ان القى الله وقد سفكت دماء هذه الامة لانال بذلك الملك والامرة. ابعث الي عملك من احببت، فاني ظاعن، والسلام.

فلما اراد عبد الله المسير من البصرة دعا اخواله بني هلال بن عامر بن صعصعة ليمنعوه، فجاء الضحاك بن عبد الله الهلالي فاجاره، ومعه رجل منهم يقال له عبد الله بن رزين، وكان شجاعا بئيسا([15])؛ فقالت بنو هلال: لا غنى بنا عن هوازن فقالت هوازن: لا غنى بنا عن سليم. ثم اتتهم قيس، فلما رأى اجتماعهم له حمل ما كان في بيت مال البصرة، وكان فيما زعموا ستة الاف الف، فجعله في الغرائر([16]).

ثانيا رواية رجال الكشي وهي:

قال الكشي: روى على بن يزداد الصايغ الجرجاني، عن عبد العزيز بن محمد بن عبد الاعلى الجزري، عن خلف المخرمي البغدادي، عن سفيان بن سعيد، عن الزهري، قال سمعت الحارث يقول: استعمل على  عليه السلام  على البصرة عبد الله بن عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك عليا عليه السلام  وكان مبلغه الف الف([17]) درهم، فصعد علي  عليه السلام  المنبر حين بلغه ذلك فبكى، فقال هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله  في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه، اللهم اني قد ممللتهم فارحني منهم واقبضني اليك غير عاجز ولا ملول.

وقال: قال شيخ من اهل اليمامة، يذكر عن معلى بن هلال، عن الشعبي، قال: لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة وذهب به الى الحجاز: كتب اليه علي بن ابي طالب: من عبد الله علي بن ابي طالب الى عبد الله بن عباس، اما بعد: فاني قد كنت اشركتك في امانتي ولم يكن احد من اهل بيتي في نفسي اوثق لمواساتي وموازرتي واداء الامانة اليّ، فلما رايت الزمان على ابن عمك قد كلب والعدو عليه قد حرب وامانة الناس قد عرت([18]) وهذه الامور قد فشت([19]): قلبت لابن عمك ظهر المجن([20]) وفارقته مع المفارقين وخذلته أسوء خذلان الخاذلين، فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك وكأنك لم تكن على بينة من ربك وكانك انما كنت تكيد امة محمد صلى الله عليه وآله  على دنياهم وتنوي غرتهم، فلما امكنتك الشدة في خيانة امة محمد اسرعت الوثبة وعجلت العدوة، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الازل([21]) رمية المعزى الكبير كانك لا ابالك انما جررت الى اهلك تراثك من ابيك وامك، سبحان الله! اما تؤمن بالمعاد اوما تخاف من سوء الحساب اوما يكبر عليك ان تشترى الأماء وتنكح النساء باموال الأرامل والمهاجرين الذين افاء الله عليهم هذه البلاد، اردد الى القوم اموالهم! فو الله لئن لم تفعل ثم امكنني الله منك لاعذرن الله فيك، فو الله لو ان حسنا وحسينا فعلا مثل الذي فعلت لما كان لهما عندي في ذلك هوادة([22]) ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة حتى اخذ الحق وازيح الجور عن مظلومها، والسلام.

قال، فكتب اليه عبد الله بن عباس، اما بعد – فقد اتاني كتابك، تعظم علي اصابة المال الذي اخذته من بيت مال البصرة: ولعمري ان لي في بيت مال الله اكثر مما اخذت، والسلام.

قال، فكتب اليه علي بن ابي طالب عليه السلام  اما بعد – فالعجب كل العجب من تزيين نفسك، ان لك في بيت مال الله اكثر مما اخذت واكثر مما لرجل من المسلمين: فقد افلحت ان كان تمنيك الباطل وادعاؤك مالا يكون ينجيك من الاثم ويحل لك ما حرم الله عليك، عمرك الله انك لانت العبد المهتدي اذاً! فقد بلغني انك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا([23]) تشتري مولدات مكة والطائف تختارهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك، واني لا قسم بالله ربي وربك رب العزة: ما يسرني ان مااخذت من اموالهم لي حلال ادعه لعقبى ميراثا، فلا غرو واشد باغتباطك([24]) تأكله رويدا رويدا، فكأنّ قد بلغت المدا وعرضت على ربك والمحل الذي يتمنى الرجعة والمضيّع([25]) للتوبة كذلك وما ذلك ولات حين مناص – والسلام.

قال فكتب اليه عبد الله بن عباس اما بعد – فقد اكثرت علي فو الله لان القى الله بجميع ما في الارض من ذهبها وعقيانها احب الي ان القى الله بدم رجل مسلم ([26]).

ثالثاً : رواية تذكرة الخواص:

اخبرنا ابو الحسن بن النجار المقري قال: انبانا محمد بن ابي منصور انبأنا احمد بن علي بن سوار انبأنا احمد بن عبد الواحد بن محمد الحريري انبأنا احمد بن محمد الجندي انبأنا ابو حامد محمد بن هارون الحضرمي حدثنا ابراهيم بن سعد الجوهري حدثنا المأمون عبد الله بن هارون عن ابيه هارون عن ابيه محمد المهدي عن ابيه ابي جعفر المنصور عن ابيه محمد بن علي عن ابيه علي بن عبد الله بن عباس قال ما انتفعت بكلام احد بعد رسول الله  صلى الله عليه وآله  كانتفاعي بكلام كتب به امير المؤمنين كتب اليّ (سلام عليك اما بعد: فان المرء يسوؤه فوت مالم يكن ليدركه ويسره درك مالم يكن ليفوته فليكن سرورك بما نلت من امر آخرتك وليكن اسفك على مافاتك منها وما فاتك من الدنيا فلا تأسفن عليه وليكن همك فيما بعد الموت والسلام).

وقد روى السدي هذا عن اشياخه وقال: عقيبه كان الشيطان قد نزع بين ابن عباس وبين علي  عليه السلام  مدة ثم عاد الى موالاته.

قال: وسببه ان امير المؤمنين ولى ابن عباس البصرة فمر بابي الاسود الدئلي فقال له لو كنت من البهائم كنت جملا ولو كنت راعياً ما بلغت به المرعى.

فكتب ابو الاسود الى علي  عليه السلام ، اما بعد: فان الله جعلك والياً مؤتمناً وقد بلوناك فوجدناك عظيم الامانة ناصحاً للرعية لا تاكل اموالهم ولا ترتشي في الحكم وان ابن عمك قد اكل ما تحت يديه بغير علمك فلم يسعني كتمانك ذلك فانظر رحمك الله في ذلك.

فكتب امير المؤمنين الى ابي الاسود اما بعد: فمثلك من نصح الامام والامة فلا تدع اعلامي بما يكون بحضرتك مما فيه صلاح للامة فانت بذلك جدير ثم كتب الى ابن عباس اما بعد فاعلمني ما اخذت من الخراج والجزية وفي أي شيء وضعته.

فكتب اليه ابن عباس: ابعث الي عملك من احببت فاني ظاعن والسلام.

ثم دعا ابن عباس اخواله من بني هلال بن عامر؛ فجاءه الضحاك بن عبيد الله وعبد الله بن زريق في جماعة واستدعى قيساً فجاء فاخذ ما كان في بيت المال من الاموال ولحق بالطائف فعارضه علي  عليه السلام  بالخيل ففاته الى مكة وكان الذي عارضه بكر وجماعة من البطون فاقتتلوا قتالا كثيرا وجرح من الفريقين جماعة ثم افلت ابن عباس في عشرين من اخواله الى الحجاز فنزل مكة.

قال هشام: كان الذي اخذه من بيت المال اربعمائة الف درهم وقيل سبعمائة الف ولما مضى الى مكة كتب اليه امير المؤمنين سلام عليك اما بعد فاني اشركتك في امانتي ولم يكن احد من اهل بيتي اوثق في نفسي منك لمؤازرتي واداء الامانة الي فلما رايت الزمان على ابن عمك قد حرب والعدو قد كلب وأمانة الناس قد خربت والامة قد افتتنت قلبت لابن عمك ظهر المجن بمفارقته مع المفارقين وخذلانه مع الخاذلين واختطفت ما قدرت عليه من مال الامة اختطاف الذئب فاردة المعزى اما توقن بالمعاد ولا تخاف رب العباد اما يكبر عليك انك تأكل الحرام وتنكح الحرام وتشتري الاماء باموال الارامل  والايتام اردد الى المسلمين اموالهم ووالله لئن لم تفعل لاعذرن الله فيك فان الحسن والحسين لو فعلا  ما فعلت لما كان لهما عندي هوادة والسلام.

فكتب اليه ابن عباس: حقي في بيت المال اكثر مما اخذت منه، فكتب اليه علي  عليه السلام  العجب العجب من تزيين نفسك لك انك اخذت اقل مما لك وهل انت الا رجل من المسلمين وقد علمت بسوابق اهل بدر وما كانوا ياخذون غير ما فرض لهم وكفى بك انك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا تشتري من مولدات الطايف ومكة والمدينة ما تقع عليه عينك وتميل اليه نفسك تعطي فيهن مال غيرك واني اقسم بالله ما احب ان ما اخذت من اموالهم حلالا ادعه بعدي ميراثا فكان قد بلغت المدى وعرضت عليك اعمالك إذا بالمحل الأعلى الذي يتمنى فيه المضيع للتوبة الخلاص ولات حين مناص.

فكتب اليه ابن عباس: لان القى الله بكل ما على ظهر الارض وبطنها احب الي من ان القاه بدم امرئ مسلم.

فكتب اليه عليه  عليه السلام : ان الدماء التي اشرت اليها قد خضتها الى ساقيك وبذلت في اراقتها جهدك ووضعت باباحتها حظك وتقشعت عنها فتياك واذا لم تستح فافعل ما شئت قال ابو اراكة ثم ندم([27]) ابن عباس واعتذر الى علي  عليه السلام  وقبل امير المؤمنين عذره وقيل انه عاد الى الكوفة والصحيح انه لم يزل مقيماً بمكة حتى استشهد علي  عليه السلام ([28]).

المبحث الثالث: مناقشة الروايات المخالفة

مناقشة ابن ابي الحديد:

بعد أن أورد ابن ابي الحديد كتاب أمير المؤمنين ومن كتاب له الى بعض عماله قال: اختلفوا في المكتوب اليه فقال الأكثر أنه ابن عباس ورووا في ذلك روايات وأستندوا بألفاظ من الكتاب كقوله: " اشركتك في امانتي وجعلتك بطانتي وشعاري وأنه لم يكن في اهلي رجلٌ أوثق منك " وقوله " رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب" وهذه كلمة لا تقال الاّلمثله، فأما غيره من افتاء الناس فإن عليً كان يقول له "لا أبا لك" وقوله:"أيها المعدود عندنا من أولي الألباب" وقوله " لو أن الحسن والحسين" فهذا يدل على أن المكتوب اليه قريب أن يجري مجراه.

وقال آخرون: هذا لم يكن ولا فارق عبد الله علياً  عليه السلام  ولاخالفه،ولم يزل أميراً على البصرة الى أن قتل علي: ويدلُّ على ذلك ما رواه أبو الفرج الأصفهاني من كتابه الذي كتبه الى معاوية من البصرة لما قتل علي  عليه السلام وقد ذكرناه قبل، قالوا وكيف يكون ذلك ولم يختدع معاوية ولم يجره الى جبهته فقد علمتم كيف أختدع كثيراً من عماله  عليه السلام  واستمالهم اليه بالأموال، فمالوا وتركوا علياً،فما بال معاوية وقد علم الفجوة التي حدثت بينهما ولم يستعمل ابن عباس ولا اجتذبه الى نفسه، وكل من قرأ السير وعرف التاريخ يعرف مشاقة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي  عليه السلام  فيما كان يلقاه من قوارع الكلام وشديده، وما كان يثني به علي  عليه السلام . ويذكر خصاله وفضائله، ويصدع به من مناقبه ومآثره،فلو كان بينهما غباراً او كدراً لما كان الامر كذلك،بل كانت الحال بالضد.

ثم اردف قائلاً: وقد أشكل عليّ أمر هذا الكتاب،فإن كذبت النقل وقلت هذا كلام موضوع عليه  عليه السلام  خالفت الرواة، فإنهم أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه، وقد ذكر في أكثر كتب السير،وإن صرفته الى غيره لم أعلم الى من أصرفه فأنا في هذا الموضوع من المتوقفين "([29])

تعليق العلامة التستري على توقف ابن ابي الحديد:

ناقش العلامة التستري توقف إبن ابي الحديد في هذه المسألة بين تكذيب الرواية وتصديق ما عُرف عن ابن عباس من ملازمته لامير المؤمنين فعلق قائلاً: " المصنف (ابن ابي الحديد) توقف حيث قال هنا: وفي كتاب قبله قد ذَكرناه في العنوان السابق " وفي كتاب له  عليه السلام  الى بعض عماله "ولم يقل "الى ابن عباس" مع أنه رأى من نقل الكتابين حديثهما في عبد الله ثم يذكر موقف أبو زيد وهو أحد المتوقفين أيضاً لينتهي قائلاً.وكيف كان فيقال في جواب ابن ابي الحديد انه قاعدة عقلية إذا تعارض العقل والنقل يقدم العقل، فإذا كان معلوماً ملازمته لطاعة أمير المؤمنين  عليه السلام  في حياته،واستمالة معاوية مع انتهازه الفرصة في مثل ذلك نقطع بأن النقل باطل.وبعد أن يورد مؤاخذاته على الروايات المختلفة في متونها يخلص قائلاً:وبالجملة النقل فيه مختلف و متعارض وخبر الخصم خلاف العقل والدراية فأي عبرة بمثله من الرواية حتى يقول ابن ابي الحديد ان كذبت النقل وقلت هذا كلام موضوع خالفت الرواية وكم من روايات لهم مخالفة للدراية،ثم يبدأ يعدد عدداً من الروايات التي ذكروها وهي مخالفة للعقل والواقع ([30]).

معارضة هذه الرواية بروايات أخرى:

هناك عدد من الروايات تنف الروايات الثلاث التي ذكرناها منها:

اولاً: رواية ابي عبيدة:

وقد ذكرها السيد المرتضى في الغرر: دخل عمرو بن عبيد على سليمان بن علي العباسي فقال له سليمان: أخبرني عن قول علي في ابن عباس

يفتينا في القملة والقميلة
 

 

وطار بأموالنا في ليلة
 

 

فقال له عمرو: كيف يقول علي هذا وابن عباس لم يُفارق علياً  عليه السلام  حتى قُتل وشهد صلح الحسن، وأي مال يجتمع في بيت مال البصرة مع حاجة علي  عليه السلام  الى الأموال وهو يُفرغ بيت مال الكوفة كل خميس ويرشه، وقال انه كان يقيل فيه، فكيف يترك المال يجتمع بالبصرة وهذا باطل([31])وذكر الطبري هذه الرواية على الشكل الآتي: إن ابن عباس لم يبرح البصرة حتى قُتل علي  عليه السلام  فشخص الى الحسن  عليه السلام  فشهد الصلح بينه وبين معاوية ثم رجع الى البصرة وثقله بها ([32]).

ثانياً: رواية ابي مخنف:

إذ اورد ابو مخنف رواية يستدل منها على أنّ ابن عباس كان في البصرة عندما استشهد امير المؤمنين ولم يفارقه كما ورد في الروايات الثلاثة ذكره ابو فرج الاصفهاني

عن ابي مخنف عندما  بدأ الناس يبايعون الحسن  عليه السلام  بعد شهادة ابيه

ثم قام ابن عباس بين يديه، فدعا الناس الى بيعته، فاستجابوا له، وقالوا: ما احبه الينا واحقه بالخلافة فبايعوه ثم نزل من على المنبر.

قال: ودس معاوية رجلا من بني حمير الى الكوفة ورجلا من بني القين الى البصرة يكتبان اليه بالاخبار، فدل على الحميري عند([33]) لحام جرير([34]) ودل على القيني بالبصرة في بني سليم، فاخذا وقتلا([35]).

وكتب الحسن  عليه السلام الى معاوية:

اما بعد، فانك دسست اليّ الرجال كانك تحب اللقاء، وما اشك في ذلك، فتوقعه ان شاء الله، وقد بلغني انك شمتّ بما لا يشمت به ذوو الحجى، وانما مثلك في ذلك كما قال الاول:

وقل للذي يبغي([36]) خلاف الذي مضى
وإن ومن قــد مات منــــــا لكـــــالذي    
 

 

تجهز لاخــرى مثــلها فكــأن قـد
يروح ويمسي في المبيت ليغتدي
 

 

فاجابه معاوية:

اما بعد، فقد وصل كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، ولقد علمت بما حدث فلم افرح ولم احزن ولم اشمت ولم اس([37])، وان علي بن ابي طالب كما قال اعشى بني قيس بن ثعلبة:

وانــت الجــواد وانــت الــذي
جديـــر بطعـــنة يــوم اللقــــا 
وما مُــزبد من خـــليج البحــا
بـــأجود منه بــمــــا عنـــــده  

 

 

إذا ما القلــوب ملأن الصـدورا([38])
ء تضرب منهــا النساء النحورا
ر يعلو الاكـــام ويعلو الجسورا([39])
فيعطي الألوف ويعطى البدورا
 

 

قال: وكتب عبد الله بن العباس من البصرة الى معاوية([40]):

أما بعد، فانك ودسك اخا بني قين الى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال امية بن السكر([41]):

لــعمرك إنـي والخـزاعي طـــارقاً
اثـارت عليــــها شفرة بكراعــــها
شَمِّت بقوم من([42]) صديقك اهلكوا
 

 

كـنعجة عـاد حتفها تتحـفـــــر([43])
فظلت بها من اخر الليل تنحر
اصابـهم يوم من الدهر اصفـر([44])
 

 

فاجابه معاوية:

اما بعد، فان الحسن بن علي قد كتب الي بنحو ما كتبت به، وانبأني بما لم اجز([45]) ظناً وسوء راي، وانك لم تصب مثلكم ومثلي ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب امية عن هذا الشعر([46]):

فوالله ما ادري واني لصادق
اعنفُ ان كانت زبينة اهلكت
 

 

الى أي من يظننـي([47]) اتعذر
ونال بني لحيان شر فأنفروا([48])
 

 

ذكرنا هذه الرواية بالتفصيل لتدلل على سوء العلاقة بين ابن عباس ([49]) ومعاوية، وهذا يدحض ما ذُكر من روايات ان ابن عباس ترك علياً  عليه السلام .

مناقشة العلامة التستري لرواية رجال الكشي يقول التستري:

وأما رواية الكشي للكتاب بسند آخر عرفته فنسخة كتابه مصحفة مختلطة سنداً ومتناً بحيث لايوجب الاعتماد على ما تفرد به كما برهنا عليه في الرجال كخبر آخر رواه، فقال: روى علي بن يزدان الصائغ الجرجاني عن عبد العزيز بن محمد بن عبد الأعلى الجزري عن خلف المخزومي البغدادي عن سفيان بن سعيد عن الزهري عن الحرث: استعمل عليٌ  عليه السلام  على البصرة عبد الله بن العباس، فحمل كُلَّ ما في بيت مال البصرة ولحق بمكة وترك عليٌّ  عليه السلام ، وكان مبلغه الفي ألف درهم فصعد علي  عليه السلام  المنبر حين بلغه ذلك فبكى وقال: هذا ابن عم النبي في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه، اللهم اني قد مللتهم وأقبضني اليك غير عاجز ولا ملول ([50]) مضافاً الى مجهولية رواته([51]).

أما رجال الرواية فهم:

1- الشُعبي (103هـ):

هو عامر بن شراحيل بن عبد، وهو كوفي وأمه من سبي جلولاء، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب، وتوفي سنة ثلاث ومائة. وكان من خواص بني امية، استخدمه عبد الملك بن مروان ممثلاً عنه الى ملك الروم.

يقول عنه الشيخ المفيد: كان مشهوراً بالنصب لعلي ولشيعته وذريته، وكان معروفاً بالكذب سكيراً خميراً مقامراً عياراً.

ويستدرك الشيخ المفيد: وقد أجمع أهل السير أنه شهد البصرة مع علي ثمانمائة من الانصار وتسعمائة من أهل بيعة الرضوان وسبعون من أهل بدر وكان الشعبي قد نقل إن علياً دخل اللحد وما حفظ القرآن وبلغ به كذبه أنه قال: لم يشهد الجمل من الصحابة الاّ أربعة، فإن جاؤوا بها في من ذكروا فإنه كذاب: علي وعمار وطلحة والزبير ([52]).

2- سفيان بن سعيد (ت 161هـ):

أبو عبد الله الثوري سفيان بن سعيد بن مسروق بن جبير الثوري ذكره الكشي في رجاله في محاورة بين الإمام الصادق  عليه السلام  وعدد من الاشخاص جاؤوا من مناطق بعيدة وهم قد سمعوا أخباراً أرادوا أن يعلموا صدقها من سقمها والكثير من هذهِ الأخبار المنقولة عن الامام أمير المؤمنين وبقية الائمة وحتى عن الامام الصادق رواها سفيان الثوري وقد بين لهم الامام كذب تلك الروايات والأخبار .

ومن جملة ما ذكروه أن علياً لما قتل أهل صفين بكى عليهم ثم قال: جمع الله بيني وبينهم في الجنة وأيضاً أن أمير المؤمنين  عليه السلام  أكل ذبايح اهل الذمة.

وروى عن الامام الصادق النبيذ كله حلال إلا الخمر وروى عن الامام الباقر  عليه السلام  من لا يمسح على خفيه فهو صاحب بدعة.الى اخر ما رواه من تلك الاحاديث المكذوبة على الائمة.

ولايضاح الموقف لهؤلاء طلب الامام أن يكتبوا عنه من كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى ([53]).

وذكر الخوئي اعتراض سفيان الثوري على الامام الصادق  عليه السلام  ([54])

وقال عنه العلامة في الخلاصة: ليس من أصحابنا ([55])

3-الزهري (حي 184هـ):

هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن الحرث بن شهاب بن زهرة بن كلاب، ذكره علماء الجمهور وأثنوا عليه ثناءً بليغاً، روى الخطيب البغدادي انه قدم بغداد سنة 184 هـ فأكرمه الرشيد واظهر بره وسئل عن الغناء فأفتى بتحليله وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه احاديث الزهري فسمعهُ يتغنى ([56]) ذكره القمي انه كان عثمانياً وكان لخلافة علي  عليه السلام  كارهاً ([57]).

تناقضات المصادر الثلاثة

قلما يحدث في مصدر واحد أن تجد فيه التناقض في تشخيص أحد الرجال بين الذم والمدح، وهذا يدل على ضرورة التقصي والبحث قبل اصدار الحكم النهائي على ذلك الشخص الذي يراد تقييمه. وهذا هو المنهج العلمي الصحيح الذي يجب ان يتبعه كل من كتب عن عبد الله بن عباس حيث جاءت الروايات المخالفة له متعارضة مع كم كبير من الروايات المؤيدة له والتي تثني عليه، وسنجد هذه الروايات ضمن تلك المصادر التي كانت وراء نشر تلك الاكذوبة وهي كتاب العقد الفريد وكتاب رجال الكشي وكتاب تذكرة الخواص:

أولاً: كتاب العقد الفريد:

إذ أورد ابن عبد ربه الاندلسي رواية عن اجتماع معاوية بابن عباس مشتملاً على حوار جاد حول موقف الهاشميين واستغلال الولاة لاموال الدولة نذكر الحوار باكمله:

((اجتمعت قريش الشام والحجاز عند معاوية وفيهم عبد الله بن عباس،وكان جريئاً على معاوية حقّاراً له، فبلغه عنه بعض ما غمّه،فقال معاوية: رحم الله أبا سفيان والعباس، كانا صفيّين دون الناس، فحفظت الميت في الحي والحيّ في الميت، استعملك عليٌّ يا ابن عباس على البصرة، واستعمل أخاك عبيد الله على اليمن، واستعمل أخاك تمّاما على المدينة،فلما كان من الامر ما كان،هنأتكم ما في أيديكم،ولم أكشفكم عما وعت غرائركم،وقلت: آخذ اليوم وأعطي غداً مثله.وعلمت أن بدء اللؤم يضر بعاقبة الكرم،ولو شئت لأخذت بحلاقيمكم وقيّأتكم ما أكلتم. ولا يزال يبلغني عنكم ما تبرك له الإبل، وذنوبكم إلينا أكثر من ذنوبنا إليكم: خذلتم عثمان بالمدينة،وقتلتم أنصاره يوم الجمل، وحاربتموني بصفين،ولعمري لبنو تيم وعدي أعظم ذنوبا منا إليكم،إذ صرفوا عنكم هذا الامر،وسنوا فيكم هذه السنة،فحتى متى أغضي الجفون على القذى،وأسحب الذيول على الأذى، وأقول لعل الله وعسى...ما تقول يا ابن عباس ؟!.

قال: فتكلم ابن عباس فقال: رحم الله أبانا وأباك، كانا صفيين متفاوضين،لم يكن لأبي من مال ما فضل أباك،وكان أبوك كذلك لأبي, ولكن من هنّأ أباك بإخاء أبي أكثر ممن هنأ أبي بإخاء أبيك، نصر أبي أباك في الجاهلية، وحقن دمه في الإسلام،وأما استعمال عليَّ إيانا فلنفسه دون هواه وقد استعملت أنت رجالا لهواك لا لنفسك، منهم ابن الحضرميّ على البصرة فَقَتَلَ،وابن بشر بن أرطاة على اليمن فخانَ،وحبيب بن مرة على الحجاز فَرُدّ,والضحاك بن قيس الفهري على الكوفة فحصب،ولو طلبت ما عندنا وقينا أعراضنا،وليس الذي يبلغك عنا بأعظم من الذي يبلغنا عنك،ولو وضع أصغر ذنوبكم إلينا على مائة حسنة لمحقها، ولو وضع أدنى عذرنا إليكم على مائة سيئة لحسّنها. وأما خذلنا عثمان فلو لزمنا نصره لنصرناه، وأما قتلنا أنصاره يوم الجمل فعلى خروجهم مما دخلوا فيه وأما حربنا إياك بصفين فعلى تركك الحقّ وادعائك الباطل،وأما إغراؤك إيانا بتيم وعدي فلو أردناها ما غلبونا عليها)) ([58]).

يفيدنا هذا الحوار الذي تم بين معاوية وابن عباس عقب صلح الامام الحسن  عليه السلام  على ما يأتي:

  1. العداء المستحكم بين معاوية وعبد الله بن عباس،فلو كانت هناك هوة بين ابن عباس وامير المؤمنين  عليه السلام  لكان معاوية قد استغلها محاولاً أن يقربه اليه كما قرّب أخاه عبيد الله بن العباس مع أن عبد الله كان الاولى في ضمه الى الصف الأموي لأهميته ومكانته المرموقة.
  2. لوكانت هناك أية عملية للتلاعب بأموال البصرة من قبل ابن عباس لذكّره معاوية به واتهمه به في قبال اتهام ابن عباس لولاة معاوية كالحضرمي وابن أرطاة و حبيب بن مرة والضحاك بن قيس بالتلاعب بأموال الدولة وقتل النفوس الطاهرة وظلم العباد. إذ كانت حادثة البصرة حجة قوية بيد معاوية في الدفاع عن نفسه أمام إتهامات ابن عباس.
  3. قول ابن عباس " واما استعمال عليّ ايانا فلنفسه دون هواه وقد استعملت انت رجالاً لهواك لا لنفسك": يؤكد للتاريخ طبيعة الولاية التي تولاها ابن عباس من قبل امير المؤمنين  عليه السلام   فإنه لم يختر ابن عباس عن هوى ولدوافع دنيوية بل كان وراء توليه اهدافاً اخروية سيحاسب عليها امير المؤمنين  عليه السلام  لو اساء اختيار ولاته ومنهم ابن عباس [حاشاه ذلك]. وهذه الحقيقة هي التي رسمت العلاقة بين امير المؤمنين  عليه السلام  وولاته فكان شديداً عليهم يعنفهم على الامور الصغيرة كحضور موائد الاغنياء.فكيف بسرقة المال العام.
ثانياً:كتاب رجال الكشي:

الى جانب تلك الرواية التي تنال من ابن عباس جاء الكشي برواية معاكسة تماماً حيث تبرأ ابن عباس عن جميع تلك التهم التي أوردتها تلك الرواية ونص الرواية هو:

((حمدويه وابراهيم، قالا حدثنا ايّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد،عن سلام بن سعيد، عن عبد الله بن عبد ياليل رجل من اهل الطائف، قال: اتينا ابن عباس (رحمة الله عليهما)  نعوده في مرضه الذي مات فيه, قال، فاغمى عليه في البيت فاخرج الى صحن الدار، قال،فافاق، فقال: ان خليلي رسول الله  صلى الله عليه وآله  قال –اني ساهاجر هجرتين واني ساخرج من هجرتي: فهاجرت هجرة مع رسول الله  صلى الله عليه وآله  وهجرة مع علي  عليه السلام  واني ساعمى: فعميت، واني ساغرق: فاصابني حكّة فطرحني اهلي في البحر فغفلوا عني فغرقت ثم استخرجوني بعد، وامرني ان أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم اصحاب الجمل ومن القاسطين وهم اصحاب الشام ومن الخوارج وهم اهل النهروان ومن القدريّة الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لاقدر ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا الله اعلم،قال، ثم قال: اللهم اني احيي على ماحيي عليه عليّ بن ابي طالب واموت على ما مات عليه عليّ بن ابي طالب،قال،ثم مات فغسَّل وكفّن ثم صلـّى على سريره، قال, فجاء طائران ابيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس إن هو فقهه فدفن))([59]).

تؤكد هذه الرواية:

  1. وعلى لسان ابن عباس وهو في اللحظات الأخيرة من حياته بانه التزم بتعليمات الرسول الاكرم عندما أمره أن يتبرأ من خمسة من الناكثين والقاسطين والمارقين والقدرية والمرجئة وبالأحرى انه كان ملتزماً بولائه وايمانه بأمير المؤمنين وانه يمثل الإسلام الحقيقي فهل من المعقول بعد كل ذلك يخون الامانه ويترك امير المؤمنين  عليه السلام  في اللحظات الحرجة التي كان بحاجة الى من يقف الى جانبه.
  2. آخر كلمة خرجت من فم ابن عباس هذا الدعاء: اللهم اني احيي على ماحيي عليه عليّ بن ابي طالب واموت على ما مات عليه عليّ بن ابي طالب : - كما في الرواية – وهو ما يتناقض مع المروي سابقاً بأنه سرق اموال البصرة وترك امير المؤمنين  عليه السلام  وحيداً وهو يواجه أعداءه الطامعين .
  3. النهاية الاخيرة لابن عباس – كما في الرواية – دخول طائرين ابيضين في كفنه وقد رأى الناس ذلك،دلالة واضحة على حسن الخاتمة لحياة رجل وقف مدافعاً عن إمامه نصيراً لمبادئه ولم تكن هناك أية مخالفات من قبيل ما ورد في الرواية رقم (109-110)([60]).

ثالثاً: كتاب تذكرة الخواص:

أورد سبط بن الجوزي رواية أخرى مناقضة للرواية المتقدمة،إذ ذكر بان الامام  عليه السلام  ارسل اليه بكتاب " اما بعد فإن المرء يسوؤه فوت مالم يكن يدركه ويسره درك مالم يكن ليفوته.." فعلق ابن عباس على هذا الكتاب قائلاً:" ما انتفعت بكلام أحد بعد النبي  صلى الله عليه وآله  كأنتفاعي بكلام كتب امير المؤمنين به اليّ " ([61]).

وهذا يحتم علينا أن نرفض الرواية السابقة لانها لاتنسجم مع جواب ابن عباس على الكتاب الذي كتبه اليه امير المؤمنين  عليه السلام  وهذا ما يتوافق مع أغلب المصادر التاريخية كتاريخ الطبري واليعقوبي وابن أعثم (الفتوح) كما أوردنا ذلك.

المبحث الرابع: الرواية المؤيده لابن عباس

هناك رواية اوردها بعض كبار المؤرخين تتناقض مع الروايات السابقة وهي تدلل على حقيقة ما جرى بين ابن عباس وامير المؤمنين وإن المسألة لم تكن بتلك الصورة القاتمة فلا حديث عن سرقة ولا هروب من البصرة ولا متاركة لامير المؤمنين وقد أورد هذه الرواية مؤرخان مهمان هما اليعقوبي وابن أعثم الكوفي.

وفيما يأتي نص الروايتين كما جاءتا في كتاب اليعقوبي وكتاب الفتوح .

أولاً: نص ما أورده  اليعقوبي في كتابه:

"وكتب أبو الأسود الدئلي، وكان خليفة عبد الله بن عباس بالبصرة،إلى عليّ يعلمه أنّ عبد الله أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم، فكتب إليه يأمره بردها،فامتنع،فكتب يقسم له بالله لتردّنـّها، فلما ردّها عبد الله بن عباس، أو رد أكثرها،كتب إليه عليّ: أما بعد، فإنّ المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فاذا أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعاً،واجعل همّك لما بعد الموت، والسلام. فكان ابن عباس يقول: ما اتّعظت بكلام قطّ اتّـعاظي بكلام أمير المؤمنين "([62]).

وهذا النص مطابق لما اورده سبط بن الجوزي في الرواية الثانية والتي تنفي وجود سرقة الأموال والهروب من البصرة ومتاركة امير المؤمنين  عليه السلام  

ثانياً: نص رواية ابن أعثم الكوفي:

"خبر عبد الله بن عباس وزياد بن أبيه وأبي الأسود الدؤلي وما جرى بينهم قال: ثم بعث علي إلى عبد الله بن العباس وهو عامله على البصرة يأمره أن يخرج إلى الموسم فيقيم الحج للناس. قال فدعا عبد الله بن عباس بأبي الأسود الدؤلي فاستخلفه على صلاة البصرة، ودعا بزياد بن أبيه فجعله على الخراج،وتجهز عبد الله بن عباس وخرج إلى الموسم.

قال: وجرت بين أبي الأسود وزياد بن أبيه منافرة،فهجاه أبو الأسود وقال فيه هذه الأبيات:

ألا بـلغـا عنــي زيـادا رسالــة
فما لك من ورد إذا ما لقيتنـي
وما لي إذا ما أخلف الود بيننا
ألم تـر أنـي لا أكون شيمــتي
 

 

يحـث إليـه حــيث كـــــــــان من الأرض
يقطع دوني طرف عينـــــي كالمـغـضـي
أمر القوى منه (و) تعمل في النقـــــــض
يكون غول الارض في الطول والعرض
 

 

قال: ثم بلغ أبا الأسود بعد ذلك [أن] زيادا يشتمه ويقول فيه القبيح، فأنشأ يقول:

نبئت أن زيادا ظل يشتمنـي
قد لـقيت زيـادا ثم قلــت لــه
حتام تذكرني في كل مجتمع
حتام تشتمني حتام تذكرنـي
ثم تعود وتنسى ما يوافقنـي
 

 

والقول يكتب عند الله والعمـــــل
من قبل ذلك ما جاءت به الرسـل
عرضا وأنت إذا ما شئت تنتقــل
وقد ظلمت وتستعفي وتنتصــــل
والعذر يندم (و) النسيان والعجل
 

 

قال: وقدم عبد الله بن العباس من الحج، فأقبل إليه زياد بن أبيه فشكى إليه أبا الأسود الدؤلي وذكر أن قد هجاه، فأرسل إليه ابن عباس فدعاه فقال: أما والله لو كنت من البهائم لكنت جملا, ولو كنت للجمل راعيا لما بلغت به المرعى ولا أحسنت القيام عليه في الماء، ما لك وللأحرار! تهجوهم وتقول فيهم القبيح وتذكر أعراضهم بما لا يجب، اخرج عني، فعل الله بك وفعل !

قال: فخرج أبو الأسود من عند ابن عباس مغضبا، ثم كتب إلى علي بن ابي طالب: أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى قد جعلك يا أمير المؤمنين واليا مؤتمنا وراعيا مسؤولا،ولقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة، ناصحا للرعية, توفر عليهم حقوقهم وتزجر نفسك عن دنياهم،ولا تأكل أموالهم ولا ترتشي في أموالهم،وان ابن عمك هذا قد أكل مال الله بغير حق،فلم يسعني كتمانك ذلك،فانظر رحمك الله فيما ههنا واكتب إلي برأيك فيما أحببت من ذلك –إن شاء الله-.

قال: فكتب إليه علي (رضي الله عنه): أما بعد: فمثلك نصح الإمام والأمة ودل على الحق، وقد كتبت إلى صاحبك فيما ذكرت من أمره ولم أعلمه بكتابك إلي، فلا تدعن إعلامي بما يكون بحضرتك ما فيه النظر لأمة محمد  صلى الله عليه وآله  فإنه واجب عليك في دينك – والسلام عليك ورحمة الله وبركاته-.

قال: ثم كتب علي إلى عبد الله بن العباس:أما بعد،يا بن العباس !

فقد بلغني عنك أمور الله أعلم بها،فإن تكن حقا فلست أرضاها لك، وإن تكن باطلا فإثمها على من اقترفها، فإذا ورد عليك كتابي هذا فأعلمني في جوابه ما أخذت من مال البصرة، من أين أخذته، وفيم وضعته.

قال فكتب إليه ابن عباس: أما بعد، فقد علمت الذي بلغك عني، وإن الذي أبلغك الباطل،وإني لما تحت يدي لضابط وحافظ، فلا تصدق أقوال الوشاة ما لم يكن .

قال: ثم اعتزل ابن عباس عمل البصرة وقعد في منزله، فكتب إليه علي بن ابي طالب رضي الله عنه بكتاب يعذله فيه على غضبه ويكذب من سعى به إليه وأعاده إلى عمله ([63]).

وهو مطابق للنص المتقدم الذي أورده اليعقوبي مع شيء من التفصيل وهو ينفي الأمور الثلاثة التي أوردتها الرواية المخالفة: سرقة مال البصرة والهروب الى الحجاز والانفصال عن امير المؤمنين  عليه السلام .

فلم يكن هنا لاتعدي على بيت المال ولم يفر ابن عباس الى الحجاز بل اُرسل الى الحجاز بأمر من امير المؤمنين ليكون اميراًعلى الحاج، ولم يترك البصرة ولا الولاية بل ربما اعتزل بضعة ايام عندما وصلته رسالة امير المؤمنين ثم عاد الى عمله بعد الرسالة الثانية التي بعثها اليه يؤكد له امانته وصدقه، وحتى موضوع الاعتزال ربما غير صحيح و مبالغ به لما عرف عن ابن عباس ومحبته لأمير المؤمنين  عليه السلام  الذي ينفي وجود مثل هذا الموقف على ضعف أهميته.

مناقشة الروايات والرأي الصحيح

من الروايات التي ذكرناها سابقاً نجد التناقض بين تلك التي تدين ابن عباس وتتهمه بسرقة الأموال والفرار من البصرة وترك امير المؤمنين وبين ما ينفي ذلك جملة وتفصيلاً وترفع من شأنه الى مستوى عبد الله بن جعفر وحمزة من الصحابة.

وبين تلك الروايات وهذه هناك من ذكر بأنّ ابن عباس أخذ قليلاً او كثيرا من بيت المال لا من باب التجاوز بل من باب العارية ثم اعاده اليه،ربما اجتهد فأخطأ وهذه الصورة لا تصل الى حد الاتهام بالسرقة والخروج عن طاعة امير المؤمنين. والرجل ليس معصوماً لكن السياسة والصراعات على الكراسي والمناصب هي التي اثارت هذه الزوبعة وهي وراء هذه الموجة من الاتهامات التي اتهم بها ابن عباس. طبعاً بعد وفاته –لمصالح سنذكرها فيما بعد -. فالمرجح للمنصف والباحث ولكل من حقق في هذا الموضوع من علماء الرجال كالعلامة الحلي والسيد ابن طاووس والشيخ ابن داوود والعلامة التستري ومحسن الامين والسيد الخوئي هو رفض تلك الروايات المخالفة وترجيح الروايات التي تنزه ابن عباس من كل شائبة او شبهة فالمرجح هو ما ذهب اليه اليعقوبي وابن اعثم للاسباب الآتية:

  1. كلا المصدرين (اليعقوبي)و(الفتوح) يكاد يتفقان على صورة متشابهة وقعت من خلال حادثة الوشاية وموقف الامام علي  عليه السلام  ثم ما تلى ذلك من مواقف لابن عباس بخلاف المصادر الثلاثة التي ذكرت الرواية المخالفة والتي تتناقض و الصورة التي تعرضها للحادثة وهذا ما يشير الى اختلاف الرواة في النقل لاسباب سياسية أو شخصية.
  2. الذي عُرف عن المؤرخيْن ابن وضاح اليعقوبي وابن اعثم الكوفي امانتهما في النقل وتدقيق الاسانيد واختيار الصحيح من السقيم الامر الذي جعل من الكتابين مصدرين مهمين من مصادر التاريخ الاسلامي بالاخص في تدوين الحقبة التي وقعت فيها الفتن والنزاعات.
  3. توافق ما ورد في المصدرين مع المصادر المعتبرة كتاريخ الطبري الذي اورد بسنده عن ابي عبيدة رواية موافقة تماما لما ذكر في المصدرين من امانه ابن عباس وان شيئاً لم يحدث من قبيل السرقة والهروب الى الحجاز.
  4. تناقض المصادر الثلاثة مع نفسها من حيث انها أتت على ذكر روايات مخالفة تماماً لما ذكرتها حول ابن عباس. فمن جانب تتهم ابن عباس بسرقة الأموال وترك امير المؤمنين  عليه السلام  ومن جانب آخر تأتي بروايات تظهر ابن عباس كأروع ما يكون الوالي المخلص لقائده. فأية رواية نصدق الروايات التي دستها الأيادي المعادية لابن عباس ولامير المؤمنين  عليه السلام ،ام الروايات المنقولة بسند صحيح وأكدتها الكتب المعتبرة وايدها العقل والمنطق.

من روج لهذه الروايات ؟

وفي ختام البحث كان لابد من وقفة مع من روّج لهذه الرواية وهو من له مصلحة سياسية في اثارتها وبالأخص عندما نعرف بأن الترويج لها قد تم بعد وفاة ابن عباس وبالدقة في بداية قيام الدولة العباسية كما نوّه العلامة التستري عن ذلك "الظاهر أن الجعل كان بعد وفاة ابن عباس،ولم يجترئوا على جعل مثله في حياته بدليل إنه لم ينقل طعن أحد منه بذلك مع كون معاوية وخواصه بصدد الطعن عليه وعلى باقي بني هاشم بما استطاعوا([64]) "

وعلى رأي التستري أن الرواية أنتشرت نهاية الدولة الاموية في زمن المروانيين عندما بدأ العباسيون مع العلويون يتعاونون على إسقاط الدولة الاموية في ثورات وحركات انتشرت في مختلف بقاع الدولة الاسلامية. وكان الهدف من ذلك خلق الفتنة بين العباسيين والعلويين، والذي يؤكد ذلك ما نقله المرتضى عن ابي عبيدة عندما دخل على سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس وكان والياً على البصرة في زمن ابي العباس السفاح فقال له سليمان: اخبرني عن قول علي في ابن عباس

يفتينا في القملة والقميلة                وطار بأموالنا في ليلة

فقال له عمرو: كيف يقول علي هذا وابن عباس لم يفارق علياً  عليه السلام  حتى قتل وشهد صلح الحسن([65]). فهذا ما يؤكد لنا أن الرواية وضعت في تلك الفترة وأخذت تنتشر كالريح سيما وأن الأجواء السياسية كانت تساعد على انتشارها حتى أن البعض من رجالات الشيعة تعاملوا معها كمسلمات فظهرت على كتب قيمة كرجال الكشي.

المصادر

  1. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم،ط2,مؤسسة اسماعيليان،قم
  2. ابن أعثم الكوفي (314هـ): كتاب الفتوح،تحقيق علي شيري،دار الأضواء، 1411 بيروت.
  3. ابن خلكان (681)،ابي العباس شمس الدين أحمد بن محمد: وفيات الاعيان وانباء ابناء الزمان, تحقيق احسان عباس,ط2,منشورات الشريف الرضي، قم.
  4. ابن داوود: رجال ابن داوود، طبع النجف الاشرف.
  5. ابن عبد ربه الاندلسي: العقد الفريد،دار الكتب العلمية،1997 بيروت.
  6. ابو الفرج الاضفهاني (356): الاغاني،دار احياء التراث العربي، بيروت.
  7. مقاتل الطالبيين، شرح وتحقيق أحمد صفر،ط1,منشورات فيضية،1425هـ، ايران.
  8. الامين،السيد محسن: اعيان الشيعة،حققه حسن الامين،دار التعارف، بيروت.
  9. التستري،محمد تقي: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة،ط1,امير الكبير، طهران.
  10. الحلي،العلامة الحسن بن يوسف: خلاصة الأقوال في معرفة الرجال,مؤسسة نشر الفقاهة، قم.
  11. خان الشيرازي،السيد علي: الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة،مؤسسة الوفاء، بيروت.
  12. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد،دار الكتب العلمية،2004, بيروت.
  13. الخوئي،السيد أبو القاسم: معجم رجال الحديث،ط1,مطبعة الآداب, النجف الاشرف.
  14. سبط ابن الجوزي (654): تذكرة الخواص،دار العلوم،2004, بيروت.
  15. السيد المرتضى،علي بن الحسين (436): امالي المرتضى، تحقيق محمد أبو الفضل، ذو القربى
  16. الطبري: تاريخ الأمم والملوك،تحقيق عبد الله مهنا،مؤسسة الأعلمي، بيروت.
  17. القمي،الشيخ عباس: الكنى والألقاب،مكتبة الصدر، طهران.
  18. الكشي،أبو عمر محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي: اختيار معرفة الرجال، تحقيق حسن المصطفوي،مطبعة جامعة مشهد،1348, ايران.
  19. المفيد: الارشاد،المكتبة الحيدرية، النجف الاشرف.
  20. الفصول المختارة،مؤسسة آل البيت، قم.

اليعقوبي،أحمد بن ابي يعقوب: تاريخ اليعقوبي،دار صادر، بيروت. 

 

[1] -  وفيات الأعيان 3/ 62.

[2] - اعيان الشيعة 8/57.

[3] - خلاصة الاقوال في معرفة الرجال العلامة الحلي 190 – 191 والعلامة الحلي هو الحسن بن يوسف بن المطهر المولود سنة 648هـ والمتوفى عام 726 ,برع في المعقول والمنقول ألف مئات الكتب في كل فن وعلم.

[4] - رجال ابن دوود طبع النجف ص 11 رقم 885 هو تقي الدين الحسن بن علي بن داوود الحلي ت707 ولادته سنة 647 من تلاميذ السيد ابن طاووس درس أيضاً عند المحقق الحلي اجازه في كل العلوم.

[5] - الدرجات الرفيعة ص 101.

[6] - الأمين: أعيان الشيعة 4/85.

[7] - بهج الصباغة 8 / 95.

[8] - معجم رجال الحديث 10 / 248 مطبعة الاداب ط1 النجف الاشرف.

[9] - انكصه العقب: أرتجعه عما كان قد اعتزمه واحجم عنه.

[10] - جرد الارض: عراها، واكل نباتها.

[11] - رازمه: جامعه.

[12] - رزا المال: أي اصاب منه شيئا.

[13] - العقيان: الذهب.

[14] - طلاع الشيء: ملؤه.

[15] - البئيس: الذي اشتدت حاجته.

[16] - ابن عبد ربه الاندلسي: العقد الفريد 102-104.

[17] - في الترتيب: الف الف درهم.

[18] - اما من العزة بمعنى القلة والضعف او من العرى بالمهملة بمعنى النزع والاهمال.

[19] - وهذه الامة قد فتنت – خ. وفي النهج: وامانة الناس قد خزيت وهذه الامة قد فنكت.

[20] - بكسر الاول والمجنة: الترس، يقال: قلب مجنه أي اسقط الحياء، وقلب ظهر المجن اذا تحول الى العداوة.

[21] - المعز الكبير – خ والازل: السريع الخفيف الوركين. والرمية: الصيد. والمعزى جمع معز بالكسر. وفي النهج: دامية المعزى الكسيرة.

[22] - بالفتح: اللين والرفق والرخصة.

[23] - بفتحتين والمعطن مبرك الابل ومربض الغنم حول الماء.

[24] - اغتبط: كان في مسرة وحسن حال وفي نسخة: فلا غرور اشد.

[25] - والمضيع للتوبة لذلك – خ. وفي النهج: ويتمنى المضيع الرجعة.

[26] - الكشي: اختبار معرفة الرجال م109-110 ص60-61.

[27] -  وفي نسخة: ثم ندم ابن عباس وعاد الى مولاه امير المؤمنين عليه السلام وجاء من مكة معتذرا اليه واخبره انه فرق الاموال في اهلها، والصحيح ان ابن عباس قام بمكة حتى قتل امير المؤمنين عليه السلام.

[28] - ابن الجوزي: تذكرة الخواص 201-202.

[29] - ابن ابي الحديد 16 ,169 ,172.

[30] - بهج الصباغة 8 ,88 ,89.

[31] - امالي الشريف المرتضى 2/ 123 ,مجلد 12.

[32] - الطبري:4/109.

[33] - في ط وق (عبد).

[34] - في الاغاني 18 / 162 عن ابي مخنف (قال: لما بلغ معاوية مصاب امير المؤمنين علي دس رجلا من بني القين الى البصرة يتجسس الاخبار ويكتب بها اليه فدل على القيني بالبصرة في بني سليم فاخذ وقتل.

[35] - الارشاد 148 وابن ابي الحديد 4 / 11.

[36] - في ط وق (يبقى).

[37] - فيهما (ولم أيأس).

[38] - الابيات في ديوان ص 72.

[39] - في ديوانه (من خليج الفرات يغشى الإكام).

[40] - الاغاني 18/ 162 وابن ابي الحديد 4/12.

[41] - في الاغاني (كما قال الشاعر) وفي ابن ابي الحديد كما قال امية بن ابي الصلت وفي ط وق (كما قال امية – يعني ابن الاشكر) وهو تحريف.

[42] - في الاغاني (بقوم هم صديقك).

[43] - في الخطية والاغاني (كنعجة عاد) وفي ط وق (غاز) وفي ابن ابي الحديد (كنعجة غادت).

[44] - في الاصول وابن ابي الحديد (من الدهر اصفر) وفي الاغاني (اعسر) وفيه ايضا (اصعر)

[45] - كذا في الاصول والاغاني وفي ابن ابي الحديد (بما لم يحقق سوء ظن وراي في)

[46] - في الاغاني 18 / 161 (قال ابو عمرو الشيباني: اصيب قوم من بين جندع بن ليث بن بكر بن هوازن رهط امية بن الاسكر. يقال لهم: بنو زبينة اصابهم اصحاب النبي9 يوم المريسع في غزوة بني المصطلق وكانوا جيرانه يومئذ ومعهم ناس من بني لحيان من هذيل، ومع بني جندع رجل من خزاعة يقال له: طارق، فاتهمه بنو ليث وانه دل عليهم، وكانت خزاعة مسلمها ومشركها يميلون الى النبي 9 على قريش فقال اميرة بن الاسكر لطارق الخزاعي (لعمرك اني والخزاعي طارقاً) فاجابه طارق الخزاعي فقال (لعمرك ما ادري واني لقائل).

[47] - اظنه: اتهمه، وهو افتعل من الظنة بالكسر أي التهمة، فاصله اظتن، ثم ابدل وادغم.

[48] - انفروا: شردوا، وفي الاغاني (نفروا).

[49] - ابو الفرج الاصفهاني: مقاتل الطالبيين ص 62-64.

[50] - رجال الكشي ص6 حديث 109

[51] - بهج الصباغة 8 ,90 ,99

[52] - المفيد: الفصول المختارة ص 216.

[53] - رجال الكشي: ص396.

[54] - معجم رجال الحديث ص 8/153.

[55] - الحلي الخلاصة 2 في الباب 6 من حقل السين.

[56] - الخطيب البغدادي , تاريخ بغداد ,4/84.

[57] - القمي: الكنى والألقاب 2/301.

[58] - العقد الفريد ,3/93.

[59] - رجال الكشي ح106 ص56.

[60] - انظر رجال الكشي ص 60-61.

[61] - انظر تذكرة الخواص ص 201.

[62] - تاريخ اليعقوبي: 2/205.

[63] - ابن اعثم الكوفي: الفتوح ص 204-242.

[64] - بهج الصباغة 8 ,95.

[65] - امالي المرتضى 2/123.