المادة: العقائد 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon akeda 38.doc

- الحساب:

إن الذين يردون الحشر والقيامة ينقسمون إلى مجموعتين:

1- الذين يحاسبون حسابا يسيراً.

2- الذين يحاسبون حساباً عسيراً.

- حقيقة الحساب:

توجد هناك نظريتان عن حقيقة الحساب:

1- إن الحساب عبارة عن المقارنة والموازنة بين الأعمال الصالحة والأعمال الطالحة. وإذا كانت الأعمال الصالحة حسب الوعد القرآني تضاعف الاجر: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) الأنعام: 160.

بناءا على هذا التصور. إن المقصود من الحساب هو جمع الحسنات والسيئات مع مراعاة، أن الحسنات يذهبن السيئات وملاحظة المضاعفة الأجر والزيادة..

شخص يسأل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، كيف أن الله تبارك وتعالى يتصدى لحساب كل الخلائق في آن واحد وهم متوزعون؟.

يجيب الإمام (عليه السلام) كما يرزقهم في آن واحد وهم متفرقون متشعبون يحاسبهم في آن واحد وهم متفرقون متشعبون.

يشير الشيخ المفيد (رضي الله عنه) في كتابه أوائل المقالات وفي شرح عقائد الصدوق، إلى جانب من هذا الموضوع فيقول بأن الحساب عبارة عن المقابلة بين الأعمال والجزاء الذي عليها وان العبد يطلع على نتائج أعماله.

2- يعبر عن الحساب بأنه ظهور الملكات والنوايا والأفكار إلى العيان والتأكيد على الجانب القيمي لسلوك الإنسان ولتصرفاته ولأعماله. يعني أن كل عقيدة وكل سلوك في الإنسان وكل عمل يصدر منه يؤثر تأثيراً خاصاً في روحه ونفسه بحيث انشغاله بالحياة الدنيوية وبمتطلباتها يمنع من ظهور تلك الملكات والخصوصيات والعقائد جلية إلى العيان. وفي يوم القيامة كل هذه الأفكار والتصورات والنوايا والملكات والصفات تبرز وتتجلى وتعطي صورتها الحقيقية. لأنه لا توجد حياة دنيوية ولا انشغال بطبيعة الحياة. ولذلك القرآن الكريم يصف يوم القيامة: (يوم تبلى السرائر) الطارق: 9.

ولهذا كل ما كانت عقائد الإنسان ونواياه وصفاته وسجاياه الخلقية أفضل وأحسن كان حسابه أيسر. وحينما تكون الظلمات والصفات السيئة مسيطرة على النفس الإنسانية فسيكون الحساب أطول وأشد.

إذن، الحساب هنا ليس على أساس وحدات العمل وإنما على نوعية الملكات التي ظهرت وبرزت، لذلك يستشهد من يرجح المعنى الثاني بحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) حول الحساب:

يقول (عليه السلام): لو لم يكن للحساب مهولة الأحياء العرض على الله عز وجل وفضيحة هتك الستر على الخفيات لحق للمرء ألا يهبط من رؤوس الجبال ولا يأوي إلى عمران ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام إلا عن اضطرار متصل بالتلف.

وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار. فخذوا من ممركم لمقركم. ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم. وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم. فبها اختبرتم ولغيرها خلقتم.

- الميزان:

هناك تصوران في الميزان:

- الأول: المقصود من الميزان هو ميزان العدل والقسط.

ولذلك نجد أن محاكم العالم ترمز للعدل والقسط بوضع ميزان.

- الثاني: أن للعمل وزن خاص. والموازين والميزان أمور ترتبط بوزن ذلك العمل. فاستفاد قسم من العلماء والمفسرين من كلمة الميزان، إن يوم القيامة سيكون هناك ميزان له كفتان. وينصب هذا الميزان ثم توضع الأعمال الصالحة في جانب والأعمال الفاسدة توضع في جانب آخر.

استعمالات الميزان:

جاء في قوله تعالى: (والسماء رفعها وضع الميزان) الرحمن:7.

وجاء في الحديث النبوي الشريف: بالعدل قامت السماء والأرض. يؤكد على هذا المعنى على أن الحياة والخلق قائمان على أساس العدل.

يشير الشيخ أمين الإسلام الطبرسي (رضي الله عنه) في مجمع البيان إلى قوله تعالى: (والوزن يومئذٍ الحق، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم) الأعراف: 8-9.

يقول بأن للوزن معاني عديدة. ولكن أفضلها هو العدل وعدم الظلم. ونجد انه قد عبر عن القرآن بالميزان، والصلاة عبر عنها بالميزان.

وفي الحديث الشريف: ميزان قسط لا يحيف.

الشريعة أيضاً عبر عنها بالميزان نجد في قوله تعالى: (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) الحديد:25. وكذلك أطلق الميزان على الإمام. حيث نجد في إحدى الزيارات: (السلام على يعسوب الإيمان وميزان الأعمال.

- تجسم الأعمال:

حاول صدر المتألهين وتلميذه الفيض الكاشاني أن يثبتا أن للعمل وزن. قالا أن كل عمل سواء كان خيراً أو سريراً، حسناً أو سيئاً، صالحاً أو طالحاً له وزن معين.

ما دام الإنسان في هذه الحياة، فهذه الأعمال تصدر منه كجهد ينتسب إلى الفاعل. ولكن الوزن غير واضح. لأن الوزن إنما يقاس بالأمور المادية. ولكن حينما يتجسد العمل ويتبدل إلى جسم مشهود، من قبيل تبدل الطاقة إلى مادة، لما في يوم القيامة الطاقة تتبدل إلى مادة، فإذا تجسدت الطاقة حينئذٍ توزن.

إذن للعمل وزن باعتبار أن الطاقة وهي الأعمال الصادرة من الإنسان في الدنيا تتبدل يوم القيامة إلى مادة فيكون للأعمال وزن وبعد.

 هناك حديث نبوي شريف يسلط الضوء على هذه الحقيقة.

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً مع أصحابه ذات يوم فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

رأيت ليلة أسري بي ملائكة في الجنة يبنون بيوتاً، لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وقد يتوقفون عن العمل. فقلت لجبرائيل، سلهم لماذا توقفوا عن العمل، قالوا حتى تأتينا النفقة. قلت يا جبرائيل فما هي نفقتهم؟ قالوا نفقتنا قول العبد سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر.

نلاحظ كيف أن الذكر الذي يكون طاقة وعملاً يترجم عملياً إلى مادة. ونجد قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إياكم والحسد. فإن الحسد يأكل الحسنات وكما تأكل النار الحطب.

فتبدل الطاقة إلى مادة هو عبارة عن تجسم العمل. وحينئذٍ يكون العمل خفيفاً أو ثقيلاً.

لماذا جاء التعبير عن الموازين -بصيغة الجمع-؟.

(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) الأنبياء: 47.

- هناك إجابات ثلاث:

1- قال البعض إن كل مجموعة من الأشياء والأعمال لها ميزان معين. أعمال الجوارح، أعمال القلوب، الأفكار،الملكات، و..

2- إن الأعمال نفسها قد تكون ميزاناً كالصلاة: الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت، رد ما سواها. إذن الأعمال الأخرى كلها توزن بالصلاة.

3- بما أن الأنبياء والأوصياء هم موازين العدل ولا ريب أن كل واحد منهم يكون ميزاناً لأمته. وحينما نربط هذا بقوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) و(السلام على ميزان الأعمال) إذن الإمام هو الذي يكون ميزان للأعمال. وبناء على هذا تكون الموازين مختلفة باعتبار أن الأمم مختلفة و الأنبياء والأوصياء أيضاً مختلفين.