المادة: العقائد 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon akeda 03.doc

- العصمة:

تناول بعض علماء الفرق الإسلامية مسألة السهو والغفلة على الأنبياء. وقد أشار إليها علماؤنا (رضي الله عنهم).

نقول، ما دام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما دام الأنبياء كلهم معصومين عن الخطأ والزلل والمعاصي والذنوب كبيرها وصغيرها، عمداً وسهواً، لكن هل يمكن للنبي أن يغفل أو يسهو أو ينسى مثلاً، لأنه إنسان عادي.

هناك روايات في بعض كتب الصحاح وفي بعض المتون القديمة تشير إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على سبيل المثال كان يريد القيام بعمل ويتصور أنه عمله، وفي الواقع  هو لم يكن قد عمله. ومعنى ذلك أن النبي قد يغفل وقد يسهو وقد يخطئ.

فهو يغفل النبي ويسهو أم لا؟.

الاتجاه الأغلب والذي يدعمه الدليل، أن النبي كما هو معصوم، لا يغفل ولا يسهو.

وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) إلى تلميذه المفضل بن عمر الجعفي، الحديث المعروف بتوحيد المفضل- يقول (عليه السلام):

(روح القدس تحمل النبوة وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو) إذن النبوة وهي مسؤولية ورسالة تكون مدعومة ومسندة وتحملها روح القدس.

- ومزايا القدس عبارة عن:

روح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو.

ما دام النبي مدعوماً بهذه الأمور، فلا شك ولا ريب انه لا يغفل ولا يسهو. إذن هو مدعوم بالتسديد الإلهي. وهذا التسديد الإلهي يحفظه ويصونه من كل خطأ وزلل واشتباه.

وهذا ليس غلوا وإنما الرسول من جانب متصل بالسماء والوحي وبالوجود الكامل والكمال المطلق لله تبارك وتعالى. ومن جانب آخر يتعامل مع البشر حتى يرشدهم. فلا بد أن يكون من الكمال ومن الصيانة والدقة والتسديد بدرجة بحيث لا يكون مثل الأفراد العاديين عليه المواصفات الرديئة.

في بحث النبوة العامة لابد من الإشارة إلى نقطتين أخرتين:

- أولاً: العلم والإحاطة الواسعة.

- ثانياً: الخلو من النقائص والعيوب.

العلم والإحاطة الواسعة:

إن النبي إضافة إلى الإعجاز والوحي والعصمة، لابد أن يكون أفضل أهل زمانه وإحاطته بالعلوم والكمالات كلها.

وهذا واضح جداً لأنه لو وجد في المجتمع من هو أعلم منه، يسأل فلا يجيب. ولا يعرف الإجابة. ومن ثم يكون في أفراد المجتمع من هو أفضل وأعظم منه. وهذا نقض الغرض.

- الخلو من النقائض والعيوب:

لابد للنبي المرسل من أن يكون خالياً من النقائض والعيوب والعاهات الجسدية. فإذا كان من باب المثال مصاباً بعاهة أو آفة.

فإنه يسقط عن أنظار الناس. لأن الناس يتوقعون ويريدون وتؤثر فيهم الحالات الجسدية الكاملة.

- النبوة الخاصة:

عصر الجهل، الظلم وانعدام القيم الإنسانية.

الدعوة إلى الكمال والتقدم.

- خاتم الأنبياء والرسل.

أعجازه.

قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، حينما كانت ظلمات الشرك وعبادة الأصنام وحكومة الآلهة تخيم على كل شيء، وهو أمر غريب جداً، يعني الشخص في واقعه يعلم بأن هذا الصنم الذي نحته إنما هو صنع يديه، هذه الأوثان وهذه الآلهة التي صنعت بأيدي البشر وهؤلاء هم الذين يجب أن ينالوا التقدير والاحترام لصنعهم هذه القطع وإذا المسألة تكون معكوسة، ينحتون أصناماً ويظلون لها عاكفين بتعبير القرآن الكريم، ويركع ويسجد ثم يتوسل إلى ذلك الصنم بأن يعينه وان يساعده وان يحفظه من شر الجن والإنس و...

فالمجتمع الجاهلي في الجزيرة العربية من جهة ومن جهة أخرى وجود  امتين راقيتين في ذلك العصر، الإمبراطورية الرومانية واليونانية.

وكان جميع أفراد البشر يعيشون في حالة من الاضطهاد والظلم وينالون الأمرين من كل جانب. وإذا يظهر رسول من قبل الله تبارك وتعالى، فينادي إلى القيم والى الكمال ويدعو الناس إلى التقدم ويعارض الظلم والعنصرية والتمييز الطبقي ويدعو الناس إلى المساواة، وان الناس كلهم لآدم وآدم من تراب.

الناس من جهة التمثال أكفاء***** أبوهم آدم والأم حواء

و(الناس سواسية كأسنان المشط).

في مجتمع متخلف بجميع معاني التخلف، حيث الجهل والظلم والانحراف والشرك والأفكار الخرافية، تغطي مساحة واسعة من أبناء الجزيرة العربية والأمتين المتطورتين في الشرق والغرب، الفرس والرومان، في مثل هذه الفترة، يظهر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعلن على الملأ:

1- أنه رسول من قبل الله تبارك وتعالى.

2- جاء ليدعو الناس إلى الكمال، العلم، الثقافة والمعرفة وإلى المساواة.

3- يعلن قبل كل شيء بأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.

4- دعوته تبدأ بالدعوة إلى التعلم والقلم.

بسم الله الرحمن الرحيم، أقرأ بسم ربك الذي خلق(1) خلق الإنسان من علق(2) اقرأ وربك الأكرم(3) الذي علم بالقلم(4) علم الإنسان ما لم يعلم(5).

يدعو إلى العلم والتعلم في حين أنه لم يكن في كل الجزيرة العربية ممن يقدر على القراءة والكتابة إلا بعدد أصابع اليد.

فأول ما دعا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الدعوة إلى التعليم والتربية والى التزكية والى القلم. الدعوة إلى كتاب الله تبارك وتعالى والى الهداية. يعني رسالة كاملة من جميع الجهات.

فيما يتعلق بالباطن، وفيما يتعلق بالحاجات الظاهرية، فيما يتعلق بسعادة الدنيا وفيما يتعلق بنعيم الآخرة.

ثم لا نجد في أي رسالة أو أية دعوة قبل الإسلام الوصف الدقيق لمعاني الغيب ولعالم ما وراء المادة.

من الممكن أن نجد الخرافات والعبارات التي لا تنطبق مع الفهم الصحيح ومع العقل الصحيح ومع الغريزة والهداية الفطرية والغريزية.

وإذا يأتي الدين القيم:

(فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) الروم:30.

هذا الدين القيم يأتي ليوضح للناس أبعاد الغيب وما وراء المادة.

(ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب) البقرة.

هذا الدين القيم الذي يرفع الأذهان إلى أن هناك عالم غيب وعالم شهادة.

ونجد ذلك التعامل المنطقي والطبيعي مع الثواب والعقاب وعالم الآخرة والحساب والجزاء.

ثم نجد التوحيد الخالص وكيفية جهاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في اقتلاع جذور الشرك والوثنية من الأذهان.

ففي مجتمع غارق في الانحراف والضلال وتشويه الأفكار، منغمسين فيه إلى أبعد الحدود، وإذا بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي حاملاً أطهر التصاوير عن التوحيد، البعث، الجزاء، الحساب، المسؤولية الفردية، حرية الإرادة، وكيف أن الأعمال الصالحة تؤثر في المجتمع، والتنظيم الدقيق للعلاقات في المجتمع، والتنظيم الدقيق فيما يتعلق بالأسرة، وفيما يتعلق بالأحوال الشخصية و..

كل ذلك موصوف بشكل من الدقة والإبداع بحيث تدل هذه الأمور على أن حامل هذه الرسالة ليس مستند إلى نفسه والى مجتمعه وإنما جاء ليقتبس من الله تبارك وتعالى هذا الحكم الإلهي وهذا الإرشاد المستمر الذي يأتيه عن طريق الوحي.