كربلاء المقدسة قياماً للناس
إن مدينة كربلاء المقدسة تتوفر فيها جميع عوامل النهضة العالمية الريادية ، و إن سلامة هذه النهضة يستوجب ( كما في كل نهضة ) ، خلوها من عوامل الاضطراب والفساد ومقدماتهما ، وهذا الامر يستدعي أيضا ً ، تقنين القوانين الصريحة والصارمة ، التي تمنع من جهة و توفر من جهة مستلزمات ذلك كله ، حتى يأتي ثنائي الاصلاح والصلاح منسجماً مع متطلبات واستحقاقات مكانة كربلاء ، الامر الذي يستلزم وفقه انتهاج ما يلي :
- خلو المناهج التعليمية جميعها (من الروضة الى ما بعد الجامعة ) ، من أي مفردة صريحة الفساد الاخلاقي أو الفكري او العقائدي أو المعاملاتي .
- خلو بيوت وازقة وشوارع وأحياء كربلاء ، باطناً وظاهراً من كل ما يدل على الفساد والافساد . بما في ذلك الدكاكين و واجهاتها واسمائها و ما الى ذلك .
- عدم الترويج و لا استحداث مناسبات خالية من المعاني الفاضلة ، أو لا سمح الله سبحانه ، تشتمل على معلم فساد مهما كان صغيراً ، إذ أن البقعة السوداء ترى في جلد البقرة البيضاء .
- السعي لنشر وتقوية مجموع ما تقدم من عمليات الصلاح و الاصلاح الى عموم العراق والعالم ، مناراً يضيء ، ربوع المعمورة ، فان النهضة الصناعية التي شهدتها أوربا وعمت العالم لا تقاس بما تقدمه وقدمته و ما ينبغي أن تقدمه الحضارة الاسلامية وروّادها وكربلاء منها .
- السعي لجعل جميع ما ذكر زاخراً بالفضائل و المثل و الاخلاق والمبادئ السامية ، حتى يكون أقرب ما يكون لمثال المدينة الفاضلة ، التي يحتذى أثرها .
- اعلان مدينة كربلاء مدينة جامعية ، لها قوانينها الخاصة ، المحميّة . وكعاصمة من عواصم العلم التي صار العالم يعرّف بعض المدن بها كمونتريال في كندا فهي عاصمة ثقافية ، يمكنها التواصل مع العالم مباشرة بمطاراتها وقوانينها الخاصة بها ، لتسهيل المهمة وانجاحها ، منها على سبيل المثال لا الحصر ، جعل قانون الاقامة فيها سارياً بشروط علمية ثقافية صلاحية ، لها ارتباط عضوي بالعملية الريادية ، برمتها ، و أن لا تكون غريبة عليها وبائنة منها أو لا علاقة لها بها ، حتى ينهض الانسان منها ، لأنه إنسان ، بغض النظر عن عرقه و دينه و خصوصياته ، تماماً كما نهض الأطياف في يوم عاشوراء مع المصلح الاكبر الامام الحسين عليه السلام ، في كربلاء ، وكما نهض الجميع مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، يومها ، كان طبيب أمير المؤمنين علي عليه السلام نصرانياً من سكنة قضاء عين التمر ، و كذا كان وهب النصراني كربلائي السكن ، و جون التركي وغيرهم .
والأمل يحدونا الى التفاؤل بهذا اليوم ، فانه ورد في الاخبار عن مصير كربلاء في آخر الزمان ، أنها تكون فيها أربعة آلاف قبة ، أي قبة علم ، و معرفة ، لذا ، ينبغي أن لا يُلهى عن هذا الامر الشديد الاهمية ، وذلك بان نهيئ مما في كربلاءمن امكانات مقدمات تلك القباب ، و نشيّدها ، لتكون معلما ً ورمزاً يضاف الى بهائها و جمالها و قدسيتها العظيمة ، حتى لا يخلو مكانفيها الا وفيه قبة يتدارس فيها العلم ، أنواع العلم ، من انواع العلماء في العالم ، وتفعيل النشاطات العلمية فيها ، من أجل التطوير و التفاعل ، والخدمة العلمية لسائر النوع البشري ، و كربلاء أهل لذلك وحقها ، و هذا النشاط عظيم تنبثق منه لجان عديدة ، ومؤسسات كثيرة ، تعيد الحياة الى عالم اليوم ، لأنها تغذي كالشرايين جسد الامم على اختلافها .
وأود أن ابين ان ما توصلت اليه هنا في هذا المجال ، هو نظرية ادارة حكماء العالم للعالم ، و التي تجمع من كل بلد حكيمه أو حكمائه ، لتجتمع آراء الحكماء الحقة ، في معنى واحد ، (بعيدا عن المذاهب) ، لتخليص العالم مما يعاني ، و للأخذ به الى حيث السعادة والحياة الحرة الكريمة ، و هو على غرار مجلس الامن الدولي و هيئة الامم المتحدة إلا أنه ليس سياسيا ً بل حِكمياً ، قد يدلي الحكيم برأيه وهو في بلاده ، وقد لا يلتزم حكام العالم برأيه وأحكامه و قراراته ، الا انه يُعلم حينئذٍ ، أن العالم يسير في الاتجاه الخطأ ، وان التزموا سُعدوا وظلت أقوالهم كنزا معرفياً كبيرا ً تعود اليه الاجيال كلما خبى نور السعادة واشتعلت نار الشقاء عندهم ، خزيناً يرفد الاجيال على الدوام ، في كل مكان على طول الزمان .