تصنیف البحث: القانون
من صفحة: 226
إلى صفحة: 241
النص الكامل للبحث: PDF icon 220531-093511.pdf
خلاصة البحث:

ان من البديهيات في علم القانون، وواقعية التصرفات القانونية، وفاعلية فكرة حسن النية في التعاقد عموماً، ان يقع التصرف على محل معين ويفرز كافة مستوجبات التعاقد في هذا المحل ابتغاء اكمال ما تطلبه القانون وماهدف اليه من وراء هذا التصرف.

الا انه يحصل عملاً ان يتعاقب تصرفان على ذات المحل، احدهما أسبق في تاريخ وقوعه من التصرف الاخر، ومما تفرضه دواعي المنطق القول بصحة ونفاذ العقد الأسبق منهما وقوعاً وبطلان اللاحق، لان مستلزمات التعاقد صُبت في الاسبق، ولم يبقَ من تلك المستلزمات لافراغها في التصرف اللاحق، الا ان الواقع العملي قد افرز حالات مخصوصة يتم التعامل فيها مع التصرف اللاحق على انه هو من يسري اثره ويصبح نافذاً، لا السابق، فالقاعدة العامة في العقد ترتكز حول كونه ينتج اثاره فور انعقاده، اي دخوله حيز النفاذ بمجرد عقده صحيحا غير مختل، فالعقد النافذ هو العقد الصادر بشكل صحيح ممن له ولاية اصداره، او هو العقد الذي لايتراخى اثره عن لحظة انشائه، وهو التصرف الذي انتقل الى دور انتاج الاثار.

فاذا نشأ العقد صحيحا مستوفيا اركان انعقاده، فالقاعدة،هنا، انه يبدأ ترتيب اثاره فور الانعقاد صحيحا، الا انه من الممكن ان تظهر عقبات تتسلل من خلالها حالات معينة قد تُمنح الحياة من بعد موتها، فتنهض سببا لعرقلة تطبيق القاعدة التي اشرنا اليها.

فاذا تصرف البائع في عقد البيع مثلا، بالمبيع بعقد بيع اخر لاحق في تاريخ انعقاده على العقد الاول، فالمفروض وفقا للقواعد العامة في القانون، ان هذا العقد اللاحق يقع باطلا لوقوعه على محل سبق وان تم التصرف فيه، الا ان بوجود هذه العقبات والتي تم الاشارة اليها، فمن الممكن ان يحيا هذا العقد اللاحق وينشأ مرتبا لاثاره دون العقد الاول، كعقبة تسجيل العقد لانتقال الملكية في العقار، وعقبة حيازة المنقول سندا للملكية، وهذا مما يثير تعارضاً في تنفيذ هذين العقدين، ويتجه بالضرورة الى تنفيذ اللاحق منهما رغم اولوية السابق لهذا التنفيذ.

وإزاء هذه الحالات كيف يمكن تحقيق التوازن بين هذين التصرفين؟ وماهي علة ترجيح نفاذ العقد اللاحق رغم كونه لاحقا في تاريخ انعقاده، خصوصا وان كلاً من التصرفين صحيحاً لاتشوبه شائبة البطلان، وهذا مايجعل الترجيح المذكور محل نظر لولا العلة التي اقتضته، وماالاثار التي يمكن ان تترتب على هذا النفاذ؟ هذه التساؤلات هي مايثير اشكالية بحثنا هذا، وهي ماسيجري الاجابة عنها وفق ماسيظهر لنا في متن البحث.