تصنیف البحث: القانون, التربية, ادارة
خلاصة البحث:

ظهر التعليم الجامعي الأهلي في الدول المتقدمة ليسير جنبا إلى جنب مع التعليم الحكومي لتحقيق الأهداف المنشودة من التعليم الجامعي، ولم يكن ينظر إليه على انه تعليم من الدرجة الثانية بل هو صورة من صور الإبداع العلمي والابتكار البحثي والتنظيم الاداري الحديث ليستوعب عدد كبير من الطلبة في مختلف الاختصاصات ويدار من قبل هيئات ادارية وعلمية كفوءة ومتخصصة ويعمل فيه عدد من الأساتذة المعروفين في الأوساط العلمية، وفي العراق نشأ التعليم الجامعي الأهلي عام 1963 بتأسيس الجامعة المستنصرية من قبل نقابة المعلمين، أعقبتها جامعة الشعب ثم اتحدت الجامعتان في جامعة واحدة وسميت الكلية الجامعة، وفي عام 1987 صدر القرار رقم 814 لسنة 1987 الخاص بتأسيس جامعات وكليات أهلية وأسست بموجبه ثلاث كليات هي التراث والمنصور والرافدين واستوجب القرار أن يكون التأسيس من قبل المؤسسات الخاصة ذات النفع العام أو نقابات أو جمعيات مهنية ويشرف على الكليات الأهلية مجلس يسمى مجلس الأمناء ولم يشترط القرار ......... خضوع الجامعات الكليات الأهلية لإشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إلا أنه لم يكن إشرافاً واضحاً ومنظماً في تلك الفترة، وفي عام 1996 صدر القانون رقم 13 لسنة 1996حيث استقلت الكليات الأهلية مالياً وإدارياً وتمتعت بالشخصية المعنوية وسمح للأفراد بتأسيس جامعات أو كليات أهلية على أن لا يقل عددهم عن 9 من حملة شهادة الدكتوراه ومن هم بدرجة أستاذ مساعد على الأقل وتكون هذه الجامعات والكليات الأهلية تحت اشراف وزارة التعليم العالي وتطبق القوانين والأنظمة المعمول بها في الوزارة في حالة عدم وجود نص في القانون رقم 13 لسنة 1996 وعلى هذا الأساس قسمنا البحث على ثلاثة مطالب الأول أفردناه حول نشأة التعليم الجامعي الأهلي في العراق والثاني خصصناه لمرحلة مابعد صدور القرار رقم 814 لسنة 1987 أما الثالث فكان للفترة منذ صدور القانون رقم 13 لسنة 1996 وحتى الوقت الحاضر وبينا السلبيات التي واكبت تطبيق هذا القانون من ناحية النقص التشريعي ومن ناحية انعكاسات الوضع السياسي السائد آنذاك على التعليم الجامعي عموماً وعلى الأهلي منه على وجه الخصوص، وعقدنا مقارنة للتعليم الأهلي في العراق وبعض الدول العربية مركزين على الجوانب القانونية والإدارية فقط.

وأخيراً بيّنا واقع التعليم الجامعي الأهلي حالياً وبعد التغيير السياسي الذي حصل في العراق وتبوئ عناصر تتميز بالكفاءة العلمية والإدارية والإخلاص على المناصب العلمية والدارية لهذه الكليات مما أثر إيجاباً على هذا التعليم وجعله يوازي إن لم نقل ينافس أو يسابق التعليم الرسمي خاصة بعد إعارة عدد من الكفاءات العلمية والإدارية التي كانت تعمل أصلاً في الجامعات الرسمية دور هذه الكفاءات في عملية الغيير وبناء صرح علمي جديد ومتطور.

البحث:

الجوانب القانونية والادارية للتعليم الجامعي الأهلي في العراق

                                                                                    الدكتور مازن ليلو راضي

                                                                                 م.م علي نجيب حمزة الحسيني

المقدمة

يعتبر التعليم الجامعي الواجهة الحضارية والحيوية لكل أمة من الأمم بل يقاس عليه تقدمها ورفعتها واحترامها لحقوق الإنسان، هذا الإنسان الذي يعتبر وسيلة التعليم وغايته الأساسية، لهذا دأبت الدول ومنها المتقدمة على وجه الخصوص الاهتمام بالتعليم اهتماماً كبيراً وتوفير مستلزمات النجاح له ليساهم ضمن خطة الدول في اعداد جيل متعلم قادر على أداء واجباته في مختلف الاختصاصات العلمية والإنسانية والتكنولوجية والمحاسبية وغيرها من فروع العلم الأخرى لاسيما ما تحتاجه البلاد في مرحلة النهوض والتغيير نحو الأحسن، لهذا جاءت الشرائع السماوية تحث على طلب العلم ايماناً منها بأهمية ذلك في بناء شخصية الإنسان والأمة وتهيئة الوسائل والأساليب اللازمة للسعادة في الحياة الدنيا والآخرة، ثم جاءت القوانين الوضعية والمواثيق الأولية وإعلانات حقوق الإنسان وما دعت إليه المؤتمرات الدولية من ضرورة حق طلب العلم، وقد أكدت على التعليم الجامعي الذي يشكل انطلاقه نوعية وسريعة لرفعة الأمة، ولم يكن هناك تمييز بين تعليم جامعي رسمي وتعليم جامعي أهلي، فالأصل خاصة في الدول الإسلامية أن التعليم يدار من قبل الأشخاص والهيئات المحلية والدينية المتمثلة بالأوقاف والتبرعات الخيرية ومدارس العلماء التي تمول من الحقوق الشرعية، وعندما ازداد تدخل الدولة في شؤون الحياة ولم يعد واجبها مقتصراً على الدفاع والأمن والقضاء إذا كانت تسمى الدولة الحارسة، ظهر هذا التدخل في عدة مجالات ومنها إدارة مرفق التعليم مباشرة وهيأت لهذا الغرض البنايات والمكتبات والمستلزمات الفردية فاحتكرت السيطرة على التعليم الجامعي وكذلك سيطرت على بعض المرافق الأخرى المهمة كمرفق الصحة العامة، حيث أن الدولة تبنت بناء مثل هذه المرافق العامة المهمة وإعدادها والصرف عليها، ولم تسمح للنشاط الخاص ان ينافسها في مباشرة وادارة مثل هذه المرافق، وما يخص التعليم الجامعي أدى هذا الوضع الذي سارت عليه بعض الدول إلى حرمان عدد كبير من الناس فرصة التعليم الجامعي كون الجامعات غالباً ما تكون في عواصم الدول أو المدن الرئيسية فيها مما يتطلب مصاريف عالية للدراسة فيها لا تتحمله الظروف الاقتصادية والاجتماعية، اضافة إلى ان المعدلات التي يتطلبها الدخول للجامعات الرسمية عالية قد لاتؤهل البعض للدراسة في الجامعات الرسمية، فضاعت الفرصة على كثير من الناس مضافاً إليها الأسباب والدوافع السياسية وخطة الدول الرسمية في القبول الذي يتأثر طبيعياً بالوضع السائد في البلاد، فظهر التعليم الجامعي الأهلي لمعالجة مشكلة ذات أسباب متنوعة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، ولهذا السبب بادرت بعض المؤسسات الخاصة أو النقابات أو المنظمات المهنية في بناء التعليم الجامعي الأهلي، ففي العراق صدر القرار رقم 814 لسنة 1987 كبداية لنشأة هذا التعليم الا إنه لم يستطيع معالجة كل المشاكل السابقة، لأن الكليات الأهلية التي أنشئت بموجبه تركزت في العاصمة بغداد، ثم صدر القانون رقم 13 لسنة 1996 ليعالج النقص التشريعي في القرار السابق، لكن المشكلة ظلت قائمة باعتبار أن التعليم الجامعي كان يعاني من تداعيات الوضع السائد آنذاك، مما أدى إلى مغادرة الكثير من الكفاءات العلمية والإدارية إلى خارج البلاد وما سبب ذلك من انعكاسات سلبية على واقع التعليم الجامعي عموماً والأهلي خصوصاً وبعد التغيير السياسي الذي حصل في العراق تفجرت الطاقات الكامنة والتي كانت مقيدة بالعوائق السياسية والقانونية السابقة، ودعت أطراف خيرة في وزارة التعليم العالي لحل معوقات التعليم الجامعي السابقة وخلق تعليم جامعي أهلي يقف جنباً إلى جنب مع التعليم الرسمي ويؤدي ذات الرسالة وفعلاً اسست كليات وجامعات أهلية في المحافظات لتستوعب عدداً كبيراً من الطلاب ممن حرموا من الدراسة الجامعية سابقاً لأسباب مختلفة، وبعد التغيير كان هاجس القائمين على التعليم العالي في الوزارة هو تصحيح مسيرة التعليم عموماً ورفد التعليم الجامعي الأهلي باساتذة من حملة الشهادات العليا والألقاب العلمية ليساهموا في بناء صرح علمي جديد خاصة أنهم تحملوا مسؤولية ادارة الجامعات الأهلية أو الكليات الأهلية واصبحوا في قمة الهرم للتعليم الجامعي الأهلي وهم من ذوي الخبرة العلمية والامكانية الادارية وممن كانوا في الماضي مبعدين عن المناصب الادارية والعلمية في الجامعات الرسمية قبل التغيير ففتحت بهم وبمساندة آخرين أفاق جديدة للتعليم الجامعي الأهلي في العراق القادر على رسم صورة مشرقة حديثة عن التعليم مؤمناً بالله وبالوطن مستعد لتحمل المسؤولية مستفيداً من الطاقات من داخل الوطن والتي كانت خارجة والتي ستساهم خططهم واقتراحاتهم في اصدار تشريعات خاصة بالتعليم الأهلي، وعلى هذا الأساس قسمنا البحث إلى ثلاثة مطالب الأول أفردناه عن ولادة التعليم الجامعي الأهلي في العراق ونموه والثاني خصصناه للنظام القانوني والاداري للجامعات والكليات الأهلية بعد صدور القانون رقم 13 لسنة 1996 أما الثالث فكان عن طبيعة الجامعات والكليات الأهلية القانونية والقرارات الصادرة عنها.

المطلب الأول

ولادة التعليم الجامعي الأهلي في العراق ونموه

بالرجوع إلى تاريخ التعليم الجامعي الأهلي في العراق يبدو أن عام 1963 يعتبر بداية لتأسيسه، حيث اسست الجامعة المستنصرية التي التحق بها عدد من الطلاب الذين لم تسعفهم الظروف لاكمال دراستهم في الجامعات الرسمية داخل العراق أو رغبة منهم في مواصلة دراسة أعلى حيث تم تأسيس جامعة الشعب عام 1964 التي اتحدت مع الجامعة المستنصرية لتكون هناك جامعة واحدة هي الجامعة المستنصرية الأهلية التي خرّجت عدد من المدرسين والمعلمين الجامعيين ورفدت دوائر الدولة بالموظفين بمختلف الاختصاصات التي ساهمت في عملية بناء العراق ومؤسسات العراق الا ان الجامعة المستنصرية تم تحويلها إلى جامعة رسمية عام 1974[1].

وخلال الفترة منذ العام 1974 وحتى العام 1987 لم نلحظ وجود كليات أهلية أو جامعات أهلية بالرغم من عدة محاولات قامت بها بعض النقابات والمنظمات المهنية لفتح كليات أهلية مثل اتحاد الحقوقيين العراقيين ونقابة المعلمين ونقابة الصيادلة الا أن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح لاسباب ادارية وربما سياسية إلى أن صدر القرار رقم 814 لسنة 1987 والذي سمح بموجبه بتأسيس كليات أهلية في العراق بمختلف الفروع الإنسانية والعلمية إذا توفرت الشروط المطلوبة للتأسيس، وفعلاً تم تأسيس ثلاث كليات أهلية استناداً إلى هذا القرار وهي كلية التراث وكلية المنصور وكلية الرافدين وكانت هذه الكليات تتضمن مجموعة اقسام حيث اسست هذه الكليات عام 1988 ثم أسست كلية المأمون الجامعة عام 1994[2].

وعند ملاحظة القرار رقم 814 لسنة 1987 نجد أنه سمح بتأسيس كليات أهلية في بغداد أو المحافظات وفق خطة التعليم الجامعي في العراق حيث استوجب القرار أن تكون الجهة المؤسسة من المؤسسات الخاصة أو النقابات المهنية دون السماح للأفراد بهذا الحق، وقد منحت الكليات الأهلية الشخصية المعنوية شرط أن يقدم طلب التأسيس إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي متضمناً أهداف الكلية والاختصاصات التي تدرسها ومواردها وهيئاتها العلمية والادارية والمناهج الدراسية وعدد التدريسيين واعداد الطلبة، على أن ينظر الوزير في الطلب خلال ثلاثة أشهر وفي حالة الرفض يجوز الاعتراض لدى مجلس الوزراء ويكون قراره نهائياً، كما نص القرار على مساندة الدولة مادياً ومعنوياً للجامعات والكليات الأهلية، وتطلب القرار أيضاً ضرورة عرض محاضر اجتماعات مجلس الكليات الأهلية ونشاطها العلمي والاداري والمالي على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي واخضع القرار رقم 418 لسنة 1987 حسابات الكلية الأهلية للتدقيق المالي في ديوان الرقابة المالية التابع إلى ديوان الرئاسة الملغي حالياً.

وقد صدرت تعليمات رقم (1) لسنة 1988 استناداً إلى المادة 37 من قانون زارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 55 لسنة 1983 تضمنت شروط جديدة وضوابط لانشاء الكليات والجامعات الأهلية وهيئاتها التدريسية وتمويلها المالي وهيكلها الاداري.

أن القرار رقم 814 لسنة 1987 مليء بالنواقص ولا يلبي حاجات التعليم الجامعي الأهلي الذي يجب أن يضاهي أو يوازي التعليم الجامعي الرسمي، فقد لاحظنا عدم السماح للأفراد بتأسيس الجامعات والكليات الأهلية وبذلك أبعد عدد من الأساتذة الكفوئين والأكاديميين المتقاعدين من هذه الفرصة خاصة ان قسماً منهم معروفون بامكاناتهم العلمية العالية وقدرتهم الادارية وخبرتهم الواسعة بينما سمح لافراد بعيدين عن التعليم الجامعي الأهلي بعد أن دخلوا كمؤسسين في اطار النقابات والمنظمات المهنية حيث دخلوا في الهيئات العليا للكليات الأهلية وساعدهم في ذلك رؤوس الأموال التي يمتلكها بعضهم[3] وما يخص اشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فلم يحدد القرار المذكور أعلاه.

آلية وطريقة هذا الاشراف وتم الاكتفاء بارسال محاضر جلسات الكليات إلى الوزارة دون اشتراط الموافقة أو المصادقة لنفاذ الموضوعات التي تم مناقشتها في المحاضر إذا اخذنا بنظر الاعتبار ان معظم أعضاء مجلس الأمناء وهو الهيئة العليا المشرفة على ادارة الكلية الأهلية هم اشخاص تنقصهم الخبرة الادارية والعلمية، كما لم يحدد القرار حقوق التدريسيين والموظفين من ناحية الراتب والمستحق وطريقة احتساب الخدمة والراتب التقاعدي وبسبب ظهور تلك النواقص الكثيرة صدرت التعليمات رقم (2) لسنة 1989[4] حيث عالجت بعض الأمور ومنها أن يكون عدد مجلس الأمناء بين سبعة إلى أحد عشر عضواً وأن يكون أغلبيتهم من حملة شهادة الدكتوراه ولهم خدمة جامعية لا تقل عن عشرة سنوات، والباقين يشترط أن يحملون درجة البكالوريوس على الأقل واشترطت هذه التعليمات في رئيس الجامعة أو عميد الكلية أن يكون من حملة الدكتوراه ومن الملاك الدائم كما تحدثت التعليمات عن كيفية اختيار رئيس الجامعة ونائبيه وتطلب أن يكون الاختيار بالاقتراع السري، ونصت التعليمات أيضاً على ضرورة تطبيق أحكام قانون وزارة التعليم العالي رقم 40 لسنة 1988 في أي حالة لم ترد في القرار رقم 814 لسنة 1987 أو تطبيق القوانين ذات الصلة بالتعليم الجامعي؛ ومن كل ما تقدم يظهر لنا بوضوح أن القرار رقم 814 لسنة 1987 والخاص بالتعليم الجامعي الأهلي والتعليمات الصادرة بهذا الخصوص والصادرة بعده لم تحقق الطموحات المشروعة للتعليم الجامعي الأهلي بسبب وجود عناصر غير أكاديمية ولا تحمل شهادات عليا في قمة السلم الاداري لهذه الكليات، كذلك التأثيرات السياسية السائدة آنذاك وعدم ضمان حقوق التدريسيين والموظفين بالاضافة إلى ضعف اشراف وزارة التعليم العالي وعدم وضع ضوابط للقبول كل هذه العوامل أثرت علىواقع التعليم الجامعي الأهلي في تلك الفترة بحيث جعلته لم يتمكن من أداء رسالته كما يجب وخلق نظرة خاطئة لدى الناس هو أن التعليم الجامعي الأهلي لا يماثل التعليم الرسمي ولا يرقى إليه.

المطلب الثاني

النظام القانوني والاداري للتعليم الجامعي الأهلي بعد صدور القانون رقم 13 لسنة 1996

قسمنا هذا المطلب إلى فرعين الأول نفرده للنظام القانوني للتعليم الجامعي الأهلي في العراق بعد صدور القانون رقم 13 لسنة 1996 والثاني نخصصه للنظام الاداري لهذا التعليم الجامعي الأهلي بعد صدور القرار المذكور.

الفرع الأول: النظام القانوني للتعليم الجاغمعي الأهلي في العراق بعد صدور القانون رقم 13 لسنة 1996

دخل النظام التعليمي الجامعي الأهلي مرحلة أخرى بعد صدور القانون رقم 13 لسنة 1996 حيث حاول المشرع فيه سد النقص الذي ظهر عند تطبيق القرار رقم 814 لسنة 1987 خاصة بعد الاخطاء الكثيرة التي رافقت تطبيق القرار والتي أدت إلى الأضرار بالتعليم الجامعي الأهلي وزعزعت ثقة الناس فيه حيث أن القرار المذكور لم يكن يعتبر الشهادة الصادرة من الكلية الأهلية معادلة للشهادة الصادرة من الكلية الرسمية الا بعد تقييم الشهادة الأولى[5] ومن المبادئ التي جاء بها القانون الجديد رقم 13 لسنة 1996 منح السلطة لمجلس الوزراء باجازة تأسيس كليات أهلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري واللأهلية القانونية الكاملة واعتبارها مؤسسات ذات نفع عام كما تطلب القانون في النقابات المهنية والجمعيات العلمية شروط معينة لكي تتمكن من تأسيس كليات أهلية منها أن يكون قد مضى على تأسيسها مدة لا تقل عن خمس سنوات ومعروفة بنشاطها العلمي والثقافي، والجديد الذي تميز به هذا القانون هو السماح للأفراد بتأسيس جامعات أو كليات أهلية لكنه تطلب أن لا يقل عدد المؤسسين عن تسعة أشخاص من حملة شهادة الدكتوراه وبدرجة أستاذ مساعد على الأقل ومن أعضاء الهيئات التدريسية المعروفين، وألغى القانون مجلس الأمناء وحل محله مجلس الكلية الذي أنيط به إدارة الكلية وأوجد القانون أسلوب جديداً لاشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على الكليات الأهلية يختلف عن الأسلوب الذي نص عليه القرار رقم 814 لسنة 1987 حيث أوجب القانون رقم 13 لسنة 1966 على الكليات الأهلية تزويد الوزارة بمحاضر جلسات مجلس الكلية والمسيرة العلمية للكلية وقضايا الترقية، والرسوب والنجاح بالاضافة إلى الزيارات التفتيشية والميدانية وملاحظة سجلات الكلية ودفاتر الامتحانات لغرض التدقيق والمتاعبة، كما أوجب القانون حضور ممثل وزارة التعليم العالي والذي يجب أن تتوفر فيه شروط عضو الهيئة التدريسية ومن المشهود لهم بالخبرة والرصانة العلمية لمتابعة أعمال مجلس الكلية[6]. وحدد القانون مدة خمسة عشر يوماً لارسال قرارات وتوصيات مجلس الكلية إلى الوزارة من يوم صدورها، وأوكل القانون لوزير التعليم العالي تعيين عميد الكلية بناءاً على ترشيح من الجهة المؤسسة شرط أن يكون من حملة الدكتوراه ويقترب اختصاصه من أحد اختصاصات الكلية وأن يكون متفرغاً[7].

والحق ان تعيين عميد الكلية من ذوي الشهادات العليا وحاملا للدكتوراه ويمتاز بالكفاءة العلمية والادارية وحاصلاً على لقب علمي يضيف طابع الرصانة والمشابهة مع الكليات الرسمية بعكس ما كان عليه الحال عندما كان مجلس الأمناء يسيطر على الكلية الأهلية ولاحظنا أن أعضائه غير مؤهلين علمياً وادارياً، كماحدد القانون رقم 13 لسنة 1996 كيفية تعيين اعضاء الهيئة التدريسية والشهادات العلمية المطلوبة وطريقة الترقيات، وبين القانون طريقة توزيع وادارة أموال الكلية الأهلية وأسلوب استثمارها، ومن المسائل المهمة التي جاء بها القانون الأخير اعتبار الشهادات الصادرة من الكليات الأهلية معادلة للشهادات التي تمنحها الكليات الرسمية[8] كما خول القانون وزير التعليم العالي صلاحية النظر في المسائل التي تحصل بشأن القبول والترقيات والشهادات، بينما سمحت بعض الدول للقضاء للفصل في هذه المسائل[9].

ومن خلال ما تقدم يظهر لنا أن القانون رقم 13 لسنة 1996 عالج مسائل كثيرة وأضاف أموراً جديدة منها ما أشارت إليه المادة 37 من القانون والتي تقضي بانشاء صندوق تقاعد للتدريسيين والموظفين.

كما حجّم دور جهة التأسيس إلى حد كبير حيث ينتهي دورها بمجرد تأسيس الكلية الأهلية ويظهر دور مجلس الكلية من حيث التخطيط والتنفيذ لادارة الكلية وبين القانون آلية تشكيل المجلس، لكن الملاحظ في هذا القانون أنه أدخل جوانب سياسية لا تمت للتعليم الجامعي بصلة واشترطها في المؤسسين وممن يكونون أعضاء مجلس الكلية منها اشتراط القانون في المؤسس أن يكون ممن لم يترك الجامعة بدون موافقتها وانه متفرغ لأعمال الكلية ومحال على التقاعد وغيرها من الشروط السياسية التي لا نود ذكرها في هذا البحث[10]، والحق أن تلك الشروط أو البعض منها يتقاطع مع الواقع ومن الصعب تحقيقها، فعندما اشترط القانون أن يكون المؤسسين أو أعضاء مجلس الكلية ممن لم يتركوا العمل في الجامعة نلاحظ أن معظم التدريسيين المعروفين من الأكاديميين وحملة الدكتوراه ذوي الألقاب العلمية وقد تركوا البلاد بسبب الضغط الاقتصادي والسياسي الذي كان يعيشه ابناء الوطن عموماً التدريسيين خصوصاً وهم النخبة التي يرتكز عليها بناء الوطن، ان هذا الوضع فسح المجال لأناس قد لا تتوفر فيهم الشروط العلمية والادارية الصحيحة للتعليم الجامعي الأهلي فأسسوا كلية أهلية ساعدهم في ذلك الظروف السياسية التي كانت سائدة آنذاك والتي بمجملها لا تخدم التعليم العالي[11]، فالخلاصة ان القانون وإن كان يتضمن بعض المواد الإيجابية بالنسبة للقرار الذي كان نافذاً قبله إلا أنه كان يتضمن سلبيات كثيرة اهمها عدم الاهتمام بالكفاءة والشهادة العلمية واللقب العلمي والخبرة الادارية ولعل أشد المواد سلبية تلك التي ترجح الجانب السياسي على الجانب العلمي والأكاديمي.

الفرع الثاني :النظام الاداري للتعليم الجامعي الأهلي بعد صدور القانون رقم 13 لسنة 1996

لقد أوجد هذا القانون تنظيما ادارياً جديداً للجامعات والكليات الأهلية يماثل الى حد كبيرالتنظيم الاداري السائد في الجامعات الرسمية، الا أن الواقع العملي يشير إلى عدم وجود جامعات أهلية عند صدور هذا القانون بل كان هنالك عدد من الكليات الأهلية، لهذا لم يظهر دور مجلس الجامعة، أما مجلس الكليات الأهلية فكان يقع عليه العبئ الأكبر في ادارة تلك الكليات، ويرأس مجلس الكلية العميد الذي بينا سابقاً الشروط الواجب توفرها فيه حسبما نص عليه القانون ويشمل مجلس الكلية بالاضافة للعميد، معاونه ورؤساء الأقسام وممثل نقابة المعلمين الذي يجب أن تتوافر فيه شروط عضو الهيئة التدريسية وعضوين من الهيئة المؤسسة للكلية يجب أن يتوافر فيه شروط عضو الهيئة التدريسية أيضاً، وقد بين القانون كيفية انعقاد مجلس الكلية وأوجب عليه ارسال محاضرالمجلس إلى الوزارة متضمنة كافة القضايا التي تمت مناقشتها كما بينا سابقاً، ولكن بالرغم مما تطلبه القانون من شروط التعيين لعميد الكلية الأهلية[12] أثبت الواقع وصول شخصيات إلى رئاسة مجلس الكلية لا يملكون الامكانية العلمية والادارية ينطبق هذا الوصف على البعض منهم وقد حصل كل ذلك في ظل النظام السابق، أما بعد التغيير الذي حصل فقد تم الاهتمام بالشروط العلمية والموضوعية وكان لهذا التوجيه الجديد دور بناء وايجابي كبير انعكس أثره على الكليات الأهلية الحالية، ومما يجدر ذكره أن هيكل الجامعة الأهلية لم يظهر من الناحية الواقعية الا بعد التغيير السياسي الذي حصل وعودة الكفاءات من الخارج واشتراك هذه الكفاءات مع رؤوس الأموال الخيرة كان له الدور الكبير في ظهور هذه الجامعات الأهلية إلى هيز الواقع العملي ولهذا فان الجامعة الأهلية الحالية تضاهي الجامعة الرسمية وتتنافس معها ومادمنا بصدد النظام الاداري للكليات الأهلية وبيان هيكلها لابد من ملاحظة أن القسم العلمي يعتبر الوحدة الأساسية والمهمة في الكلية لذلك يجب أن يرأسه تدريسي مرشح من قبل عميد الكلية ويرأس القسم في اجتماعات مجلس القسم وعضوية التدريسيين في القسم ومما يجدر ذكره أن تجربة التعليم الجامعي الأهلي قد سارت شوطاً كبيراً في الدول المتقدمة وبعض الدول العربية كمصدر والأردن وتونس ففي مصر مثلاً يعتبر القانون رقم 101 لسنة 1992 بداية لتأسيس التعليم الجامعي الأهلي[13] لكن الملاحظ في مصدر وخاصة في الأوساط العلمية وجود مؤيدين لإقامة التعليم الجامعي الأهلي مع بعض المعارضين له وربما ذلك يرجع إلى السلطة الكبيرة التي منحها القانون لمجلس الأمناء، حيث استوجب القانون أن يكون رئيس الجامعة مرشح من قبل السلطة المؤسسة وكذلك العمداء وبسبب ما خوله القانون لهذه الأخيرة فان البعض يرى أن ذلك ربما ينعكس سلباً على التعليم الجامعي الأهلي[14]. وفي الأردن تعتبر معايير الاعتماد العام للجامعات الخاصة رقم (1) لسنة 1999 والنافذة حالياً المحددة لواقع التعليم الجامعي الأهلي في الأردن حيث تطلبت هذه المعايير في مجلس الأمناء ان يتألف من خمسة عشر عضواً، ويقوم رئيس مجلس التعليم العالي بتنسيب رئيس الجامعة وعضوين أما الباقون فينسبهم المالك للمؤسسة الخاصة، ويلاحظ أن معظم أعضاء المجلس منسبين من قبل المؤسسة الخاصة [15] مما يؤدي إلى سيطرتهم على الجامعة الأهلية كما أنه لم يشترط في المؤسس المالك أن يكون من الأكاديميين.

ومن ملاحظة القانون رقم 13 لسنة 1996 وما يتعلق بالجانب الاداري بالتحديد، نستنتج أن أهم جانب هو الجانب البشري والأكاديمي المتخصص الكفوء القادر علمياً وادارياً على السير بالتعليم الجامعي الأهلي قدما إلى الأمام، أما ما يخص البناية، وتعيين موظفين جدد أو العمال فمن الممكن حلها بتوسيع البناية وتعيين موظفين، أما حملة الشهادات العلمية العليا فليس من السهل الحصول عليهم خاصة أن الأمر يتطلب خبرة وممارسة في الجامعات الرسمية سابقاً ليساهم التعليم الأهلي في بناء البلاد وتنفيذ خطط التعليم الجامعي الأهلي لخير البلاد.

المطلب الثالث

طبيعة الجامعات الأهلية القانونية والمقررات الصادرة منها

نصت المادة الرابعة من القانون رقم 13 لسنة 1996 على اعتبار الجامعات والكليات الأهلية مؤسسات ذات نفع عام بينما كان القرار رقم 814 لسنة 1987 يعتبرها مؤسسات خاصة ذات نفع عام ولو رجعنا إلى طبيعة الجامعات والكليات الأهلية من الناحية الواقعية لوجدنا أنها تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة ولا تبتغي الربح كما هو الحال في المؤسسات الخاصة،كما أن الدولة تشارك عن طريق اشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في هذه المؤسسات بل ان الوزارة تعير تدريسيين من حملة الشهادات العليا والألقاب العلمية وتنسبهم لاشغال منصب العميد أو رئيس جامعة وهذا يعني ان القادة الاداريين للتعليم الجامعي الأهلي هم من التعليم الجامعي الرسمي أصلاً، بالاضافة إلى أن تأسيس الكلية والجامعة الأهلية يكون من قبل الأفراد أو النقابات المهنية وأنها تواصل عملها بانتظام وأطراد لتحقيق الأهداف العلمية والتربوية من التعليم الجامعي وهي نفس الأهداف التي تنشدها الجامعات الرسمية، وتساهم الكليات الأهلية والجامعات بتحقيق تلك الأهداف عن طريق تطبيق القوانين الخاصة بالتعليم الجامعي الأهلي منها قانون وزارة التعليم العالي والقوانين الأخرى في كل ما لم يرد فيه نص في القوانين الخاصة بالتعليم الجامعي الأهلي، كما أن الدولة وبموجب القانون تقدم تسهيلات خاصة للتعليم الجامعي الأهلي عن طريق اعفاء هذه المؤسسات من الرسوم والضرائب والسماح لها بالاستيراد، ولهذا نلاحظ ان اعتبار هذه المؤسسات الخاصة بالتعليم الجامعي الأهلي مؤسسات خاصة ذات نفع عام أقرب للدقة من اعتبارها مؤسسات خاصة حيث أن هناك فارق جوهري[16] بين المؤسسات الخاصة ذات النفع العام والمؤسسات الخاصة هو ان الأخيرة تهدف أصلاً إلى تحقيق الربح بالرغم من انها تحقق فائدة للجمهور، كذلك بالرغم من اشتراك المؤسسات الخاصة ذات النفع العام مع الأشخاص الادارية العامة في أن كلاً منهما يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة الا أنهما يختلفان في ان الأشخاص الادارية العامة تقدم خدماتها للجمهور مجاناً أو برسوم رمزية لا تتناسب مع الخدمات المقدمة كما هو الحال في المرافق العامة التي تديرها الدولة كمرفق الصحة مثلاً حيث ان هذه المرافق تمول أساساً من قبل الدولة[17]، أما المؤسسات ذات النفع العامة فانها تمول ذاتياً فالجامعات والكليات الأهلية بحاجة إلى دفع رواتب التدريسيين والموظفين والخدمات العامة والمختبرات والمكتبات وقاعات الدرس وهذا يتطلب مبالغ كبيرة لا تستطيع الجامعات والكليات الأهلية الاستمرار في عملها دون أن تكون الأجور المدفوعة من الطلبة مجزية خاصة إذا عرفنا ان هذه الكليات الأهلية غير مدعومة مالياً من قبل الدولة[18] وعلى هذا الأساس تعتمد الكليات الأهلية على وسائل القانون الخاص وما يتطلبه هذا القانون من رضا وموافقة الأطراف، الكلية الأهلية والشخص المتعاقد معها.

وهناك من يرى ان الكليات والجامعات الأهلية هي مرافق عامة تابعة للدولة بالنظر إلى الناحية الموضوعية لتعريف المرافق العامة حيث يعرف بأنه النشاط الذي تقوب به الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة بشكل مباشر أو تعه به الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة بشكل مباشر أو تعهد به الدولة إلى آخرين مثل الأشخاص المعنوية الخاصة أو الأفراد على أن يكون ذلك النشاط تحت اشراف الدولة ومتابعتها لغرض اشباع الحاجات العامة وتحقيق النفع العام[19]، وهو ما يعني جواز مساهمة الأفراد والمؤسسات الخاصة في ادارة المرفق العام، حيث ان المرافق العامة تهدف أساساً لتحقيق المصلحة العامة دون أن يكون للربح دور في ذلك ولا يتحقق ذلك إلا تحت اشراف السلطة العامة، ومن المعلوم ان المرافق العامة تنشأ بقانون أو بناءً على قانون ولا يمنع ذلك الدولة ان تخول مؤسسات خاصة لادارة المرافق العامة طالما كان ذلك تحت اشرافها ومباشرتها[20]، وعند تطبيق ذلك على الجامعات والكليات الأهلية يلاحظ أنها تمارس نشاط يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة ويدار من قبل هيأة عليا هي مجلس الجامعة أو مجلس الكلية الأهلية تحت اشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وللجامعات والكليات الأهلية استقلال مالي وإداري وتصدر قرار في مختلف المسائل الادارية لأداء عمل الكلية الأهلية أو الجامعة ويجب أن يسير الدوام فيها بانتظام واطرد وهو من المبادئ الأساسية لسير المرافق العامة وان الدولة تساند اسمترار هذه المرافق مادامت تهدف إلى تحقيق النفع العام للمجتمع كما ان الكليات والجامعات الأهلية تخضع لقاعدة مواكبة المرافق العام للظروف الجديدة[21] من ناحية هدف هذه الكليات لتطوير امكانياتها العلمية والتربوية وتوفير مستلزمات تحقيق الرصانة العلمية كشراء المكتبات والأجهزة وهذا ما يستوجب تعديل الأجور المفروضة على الطلبة واجراء التغييرات الضرورية في عمل الكلية الأهلية باتجاه الأفضل، كذلك فان الكليات الأهلية تنظر إلى الطلبة بشكل متساوٍ دون تفريق بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو المنشأ الاجتماعي استناداً إلى مبدأ المساواة بين الأفراد في الانتفاع من الخدمات التي تقدمها الكليات الأهلية لأنها تدير مرفقاً عاماً لذلك فالكليات الأهلية مرافق عامة تخضع للقانون رقم 13 لسنة 1996 والقوانين الأخرى المعمول بها في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فهي مرافق عامة حسب وجهة نظر هذا الرأي[22]، وتدار من قبل هيئآت خاصة.

ويظهر لنا من خلال ما تقدم ان القانون نص على اعتبار الكليات والجامعات الأهلية مؤسسات ذات نفع عام الا أنها مؤسسات تدير مرفقاً عاماً ويمكن اعتبارها من اشخاص القانون العام نظراً للاشراف عليها من وزارة التعليم العالي من جهة ولوجود اساتذة يشغلون مناصب ادارية عالية فيها اساساً هم من وزارة التعليم العالي لذلك نطمح إلى اعتبارها مرافق عامة تدار من قبل هيئات خاصة وهذا لا يتقاطع مع مفهوم المرفق العام وفي حالة تحقق ذلك تشريعياً فان هذه الكليات ستستفاد من امتيازات الدولة كسلطة عامة والتي تتمتع بها الجامعات الرسمية ويكون بالتالي عامل دعم وتشجيع للكليات الأهلية لأداء رسالتها العلمية والتربوية علماً ان ذلك لا يؤثر عليها كونها كليات أهلية تدار بأسلوب المرافق العام ومن قبل مؤسسات خاصة حيث ان ادارة المرافق العام ومن قبل مؤسسات خاصة حيث ان ادارة المرافق العام من قبل هذه المؤسسات يجعل الكليات الأهلية تستفيد من كونها تابعة لأشخاص عامة وبنفس الوقت تحتفظ بصفتها الأهلية.

وبخصوص القرارات التي تصدرها الجامعات والكليات الأهلية فهي متعددة منها ما يتعلق بالشؤون المالية والادارية وقضايا الموظفين والتدريسيين، وبالنظر على هذه القرارات من الناحية الموضوعية تعتبر قرارات ادارية صحيحة أما إذا نظرنا إليها بالمعيار الشكلي فعلاً تعتبركذلك لأن الجهة التي أصدرتها مؤسسات ذات نفع عام بنص القانون [23]، فتصدر الكليات الأهلية قرارات وأوامر تستند للعقد المبرم بين الموظف والكلية وكذلك هناك العديد من القرارات التي يصدرها عميد الكلية بالتعيين أو منح كتب الشكر إلى الموظفين أو التدريسيين المتميزين فهي إذن قرارات ادارية بالمعيار الموضوعي أما إذا أخذناها بالمعيار الشكلي الذي يعرف القرار الاداري بأنه افصاح الادارة بما تملك من سلطة عامة في احداث مراكز قانونية أو تعديلها أو الغائها لتحقيق المصلحة العامة[24] ففي هذه الحالة الأخيرة لا تعتبر صادرة من الدولة أو شخص من أشخاص القانون العام، لذلك فان الأخذ بالمعيار الموضوعي هو الأفضل والأقرب إلى تحقيق الأهداف المنشودة من التعليم الجامعي الأهلي خاصة إذا لاحظنا ان أشراف الدولة لم يعد اشرافاً أكاديمياً بحتاً بل مشاركة فعلية عن طريق تنسيب القادة الاداريين للكليات الأهلية ممن هم يعملون في الكليات الرسمية اضافة إلى دعم الدولة المعنوي لهذه الكليات، وبخصوص الرقابة على القرارات الصادرة من الكليات الأهلية فيمكن استخلاص رقابة ادارية متمثلة باطلاع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على محاضر جلسات الكليات الأهلية والجامعات أيضاً وإبداء الملاحظات بشأنها وكذلك تتمثل الرقابة الادارية في وجود ممثل عن الوزارة في الجامعة الأهلية أو الكلية، خاصة ينص القانون أن يكون هذا الشخص ممن تتوافر فيه شروط عضو الهيئة التدريسية[25] ومن ذوي الخبرة والرصانة العلمية ولكن الواقع العملي الفعلي يظهر لنا أن الرقابة على أعمال الكليات الأهلية تتحقق ذاتياً لوجود صمام أمان هو العميد المنسب من الوزارة أو رئيس الجامعة، حيث أن هؤلاء الأشخاص اعضاء هيئات تدريسية سابقين ومعروفين بالكفاءة والاخلاص والخبرة الطويلة مما يجعلهم قادرين على اصدار قرارات ادارية صحيحة وعادلة تهدف لتحقيق الصالح العام ولاتتقاطع مع الأهداف المرسومة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للجامعات الرسمية مع الأخذ بنظر الاعتبار الطبيعية الأهلية للجامعات والكليات الأهلية، بعد أن عرفنا أن الشهادات الصادرة من الكليات الأهلية معادلة للشهادات الصادرة من الكليات الرسمية وتتبع نفس السياقات العلمية والادارية ليشترك التعليم الجامعي الأهلي مع الرسمي في بناء عراق جديد متطور علمياً وتقنياً وادارياً. ولتطور تجربة التعليم الجامعي الأهلي لتشمل عموم البلاد.

الخاتمة

بعد أن انتهينا من هذا البحث المتواضع والقينا الضوء على الجوانب القانونية والادارية للتعليم الجامعي الأهلي في العراق توصلنا إلى النتائج التالية:

أولاً: يمكن لدولة من الدول إذا كانت تريد النهوض العلمي والتكنولوجي والاداري أن تحتكر التعليم الجامعي وتسيطر عليه لوحدها في اطار التعلي الرسمي بل عليها أن تشجع المؤسسات الخاصة والنقابات المهنية على المشاركة في تأسيس الجامعات والكليات الأهلية وأن يكون رائدها تحقيق المصلحة العامة والسير ضمن الخطة المركزية للتعليم العالي في البلاد وبالتنسيق مع وزارة التخطيط لمعرفة احتياجات البلاد للكليات والجامعات الرسمية والأهلية، شرط أن تتوفر في الجهات المؤسسة الكفاءات العلمية والادارية وأن يكون معظم المؤسسين من حملة الشهادات العليا والألقاب العلمية.

ثانياً: بالنظر لأهمية الرصانة العلمية والخبرة الادارية والشهادة العالية يجب أن يكون المعيار الأساسي والأول في تهيئة المناصب الادارية العليا في الكليات الأهلية كمنصب عميد الكلية مثلاً اعتماد تلك المؤهلات لما لهذه المناصب من دور كبير وفعال في ادارة الكليات الأهلية كمنصب عميد الكلية مثلاً اعتماد تلك المؤهلات لما لهذه المناصب من دور كبير وفعال في ادارة الكليات الأهلية بعلمية واخلاص وعدالة بما يحقق الأهداف العلمية والتربوية المنشودة من التعليم الجامعي الأهلي والذي يجب أن يوازي التعليم الجامعي الرسمي وتخريج جيل قادر على تحمل المسؤولية مستقبلاً.

ثالثاً: دعم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للتعليم الجامعي الأهلي مادياً ومعنوياً لأنه ليس قطاعا خاصاً بحتاً بل هو مؤسسة تقدم خدماتها العامة للجمهور لتحقيق المصلحة العامة (حيث نص القانون على اعتبار الكليات والجامعات الأهلية مؤسسات ذات نفع عام ومعلوم في كل دول العالم) ان الدولة تدعم المؤسسات الخاصة ذات النفع العام لأنها تشترك مع المؤسسات العامة في تحقيق النفع العام مثلما تدعم الدول المرافق العامة التي تدار من قبل مؤسسات خاصة.

رابعاً: اقتراح تشريع جديد للتعليم الجامعي الأهلي في العراق يلبي حاجات العراق الجديدة ويضمن حقوق التدريسيين والموظفين ووضع هيكلية تأخذ بنظر الاعتبار الناحية العلمية والاخلاص ووضع آلية بنص القانون الجديد توضح كيفية دعم الدولة والامتيازات المقدمة وشمول القيادة الادارية للتعليم الجامعي الأهلي والتدريسيين والموظفين بالامتيازات الممنوحة لاقرانهم في الكليات والجامعات الرسمية بتمويل خاص من الدولة.

خامساً: رفد الجامعات والكليات الأهلية بالاختصاصات النادرة وغير المتوفرة والتي قد لا تستطيع الجامعات والكليات الأهلية توفيرها ضمن ملاكها التدريسي وجواز تنسيب التدريسيين العاملين أصلاً في الجامعات الرسمية للعمل في الكليات والجامعات الأهلية بناءاً على اقتراح من عميد الكلية الأهلية وبناءاً على حاجة وظروف الكلية الأهلية ووضعها المالي والاداري.

سادساًأنه

: رعاية الجامعات والكليات الأهلية التي تم انشائها في المحافظات على وجة الخصوص لتشجيع تأسيس كليات أهلية في شمال العراق وجنوبه وعدم تركيز الكليات الأهلية في العاصمة كما كان الحال عليه في الماضي، مما جعل مشكلة الطلبة قائمة حتى بعد تأسيس الكليات الأهلية في بغداد لوجود محافظات بعيدة عن مركز العاصمة ومنح مخصصات وحوافز للقيادة الادارية العاملة في الكليات الأهلية والهيئة التدريسية والموظفين في المحافظات وتزويدها بما يصل القطر من أجهزة حديثة ومراجع علمية ومستلزمات تحقيقا للمصلحة العامة والأهداف المرسومة في عموم البلاد بالاضافة إلى الدعم المادي والمعنوي للكليات والجامعات الأهلية.

 

[1] قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 123 بتاريخ 1/9/1975.

[2] غسان زكي كاظم، التنظيم القانوني للتعليم الجامعي الأهلي في العراق، رسالة ماجستير، جامعة بابل، 2001، ص10

[3] يعتبر مجلس الأمناء الرئيسي الفعلي القائم على ادارة الكليات الأهلية وفق القرار 814 لسنة 1987 نظراً لما يتمتع به من صلاحيات كبيرة.

[4] تلاحظ التعليم رقم (1) لسنة 1988 والتعليم رقم (2) لسنة 1989 ويلاحظ الفارق بينهما في سد نقص القرار 814 لسنة 1987 تشريعياً.

[5] تنظر المادة التاسعة من القرار المذكور أعلاه.

[6] غسان زكي كاظم، التنظيم القانوني للتعليم الجامعي الأهلي في العراق، مصدر سابق ص36.

[7] ينظر القانون رقم 13 لسنة 1996 المواد من 13-23.

[8] يتفق هذا النص مع نص المادة الرابعة من قانون انشاء الجامعات الخاصة في مصر رقم 101 لسنة 1992.

[9] د. شبل بدران، سياسات التعليم في الوطن العربي، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية 1993 ص57.

[10] أضيفت هذه الشروط للمؤسسين للجامعات والكليات الأهلية بناءاً على تعليمات صادرة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي استندت إلى توجيهات مجلس الوزراء آنذاك، وهي تخالف القانون رقم 13 لسنة 1996 وتخالف مبدأ دستوري هو مبدأ تكافؤ الفرص، حيث ان المعروف ادارياً عدم جواز مخالفة التعليمات للقانون أو الدستور.

[11] ادريس حسن محمد، الرقابة على المؤسسات الخاصة، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 2001، ص71 وما بعدها.

[12] يلاحظ ان القانون رقم 13 لسنة 1996 لم يسمح لوزير التعليم العالي والبحث العلمي اعارة التدريسيين في الكليات الأهلية وانما فقط لشغل منصب عميد أو رئيس جامعة.

وينظر لغرض المقارنة مع التعليم الخاص في مصر د. اسماعيل علي، مستقبل التعليم المصري في ظل الخصخصة، مجلة دراسات تربوية، الجزء الثالث والخمسين القاهرة 1993 ص41.

[13]د. سامية السعيد يناغو (رؤية مستقبلية للجامعات الخاصة في مصر، مجلة التربية المعاصرة، العدد الحادي والثلاثين 1994 ص21.

[14] د. شبل بدران، الجامعة الأهلية وديمقراطية التعليم، مجلة التربية المعاصرة العدد الثاني والعشرين، السنة التاسعة، مركز الكتاب للنشر 1992 ص31.

[15] د. كنعان نواف، اتجاهات محكمة العدل العليا في الرقابة على القرارات الادارية مجلة دراسات، الجامعة الأردنية، علوم الشريعة والقانون، العدد الأول، 2000، ص14.

[16] د. سليمان محمد الطمادي، مبادئ القانون الاداري، ط3، دار الفكر العربي القاهرة، 1979 ص214.

[17] د. سعاد الشرقاوي، القانون الاداري، دار النهضة العربية، القاهرة 1983 ص112.

[18] ادريس حسن محمد، الرقابة الادارية على المؤسسات الخاصة، مصدر سابق ص74.

[19] د. شابل توما منصور، القانون الاداري، بغداد، 1979، ص81.

[20] د. سعد العلوش، نظرية المؤسسة العامة وتطبيقاتها في التشريع العراقي، القاهرة 1968 ص121.

[21] د. عصام الدين هلال، الجامعات المصرية الخاصة في اطار اللحظة التاريخية الراهنة، القاهرة، 1993، ص61.

[22] غسان زكي كاظم، التنظيم القانوني للتعليم الجامعي الأهلي في العراق، مصدر سابق ص38.

[23] د. حمدي ياسين عكاشة، القرار الاداري في قضاء مجلس الدولة، منشأة المعارف بالاسكندرية، 1987، ص153.

[24] د. سليمان محمد الطمادي، النظكرية العامة للقرارات الادارية، ط4، دار الفكر العربي، القاهرة 1976، ص103.

[25] تنظر المواد من 8 إلى 20 من القانون رقم 13 لسنة 1996.