2011/10/16

وجه رئيس جامعة أهل البيت الأستاذ الدكتور عبود جودي الحلي كلمةً توجيهية إلى زملائه التدريسيين وأبنائهِ الطلبة بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد (2011-2012) هذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الزملاء التدريسيين الأعزاء

والطلبة الاحبّاء النجباء

السلام عليكم:

لايخفى ان ديننا الاسلامي الحنيف هو دين ثقافةٍ وعلمٍ، ذلك ان أوّل كلمةٍ نزل بها الوحي على سيد الكائنات نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هي كلمة: (إقرأ...)، وأنطلق السلفُ الصالحُ من المسلمين الأوائل باتجاه الشعوب المستضعفة يحملون سيف الجهاد بيد، والقرآن الكريم باليد الأخرى.

وعلى الرغم من أهمية الجهاد في سبيل الله، فإنّ الإسلام أولى الثقافة والعلم اهتمامه أيضاً، لذا دعا أفواجاً من المجاهدين للتعلم والتفقه والعودة إلى ساحات الجهاد بعد ذلك، قال تعالى:

 (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[التوبة/122].

وهكذا قامت دولة الإسلام على أسس علمية وثقافية متينة، وصارت الحواضر والمدن العربية الإسلامية مراكز علمٍ وثقافة ونقاط إشعاعٍ حضاري ومعرفيّ في زمنٍ كلكلَ فيه ليلُ الجهل على العالم (غير الإسلامي!)...

 ولكن عاد ليلُ الجاهلية مرة أخرى ليكبّل المجتمع بقيود الخرافات والجهل، لأسبابٍ كثيرة، فصار المسلمون مجتمعاً جاهلاً متخلفاً من أولى سماتِهِ تقليد الآخرين واستهلاك ما يجودون عليه من أفكار ومنتجات صناعية..

  وما أحوجنا اليوم إلى العودة إلى مبادئ وديننا الإسلامي الحنيف، ومسابقة الزمن للارتواء من معين المعارف والعلوم للالتحاق بركب العالم المتمدن، لنعود كما أرادنا الله –سبحانه- (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) نأمرُ بالمعروف وننهى عن المنكر، ونقود الإنسانية باتجاه فجرها المتألق الذي ينعم فيه الإنسان فرداً ومجتمعاً بالحياة الحرة الكريمة، ولقد قال رب العزة:

 (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[الإسراء/70]،

وعلى الرغم من أهمية العلم في المجتمع العربي الإسلامي، الاّ انه لابُدّ أن يقترن بالاخلاق ليعود بالنفع على المجتمع، لانه إن نجرد عنها عادَ وبالاً على الانسانية... وإذا نظرنا إلى تاريخنا الزاهر وإلى عظماء الأمة من السلف الصالح لوجدنا ان مجتمع الإسلام شاء له الله –سبحانه- أن يقوم على أساسٍ أخلاقيّ صلد، وان ربنا – تقدست أسماؤه- لم يمتدح سيد خلقه نبينا الأكرم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) الاّ على ما تمتع به من خلق عالٍ، فقال (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم/4]، وانما بعثَ الله نبينا بالحق ليتمم مكارم الأخلاق –كما وردَ في الحديث الشريف-، وروي عنه صلى الله عليه واله وسلم انه قال (أدبني ربي فأحسنَ تأديبي) و وعَدَ ذوي الأخلاق الرفيعة بالدرجات العالية في الآخرة، إذ روي عنه انه قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وان الله يبغض الفاحش البذيء).

 ونحن اليوم عندما نشخص بأبصارنا صوب الفجر العراقيّ الجديد، لابد لنا أن نغرس في نفوسنا ونفوس أبنائنا وطلبتنا الأخلاق الإسلامية الرائعة التي تحلىّ بها نبينا الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) وأصحابه المنتجبين (رضى الله عنهم)، لأن العلم من غير أخلاقٍ لاينتج عنه الاّ ما يضرّ المجتمع ويسيء إلى الإنسان فرداً ومجتمعاً...

فأسلحة الدمار ووسائل الفتك وأدوات التعذيب من نتاج علمٍ تجّرد من الأخلاق، وان الدواء الذي يخفف آلام البشرية ووسائل الراحة وأدوات الانتاج وغير ذلك هي من نتاج العلم المقترن بالأخلاق، وقديماً قال الشاعر:

<وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت وان همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 وانّ أهمّ ما يتميز به الإنسان على غيره من الكائنات الحيّة، انه يميل إلى النظام ويكره الفرضى، وتتباين المجتمعات في التزامها بالنظام وابتعادها عن العشوائية والفوضى بحسب رقيّها الحضاري وتفاوت مستوياتها الثقافية والمعرفية، وإذا ما عصفت الفوضى بالمجتمعات – لسبب أو لآخر- فينبغي بالساحة الجامعية أن تنأى بنفسها عن الفوضى وأن تكون قلعة نظام وساحة التزام وواحة هدوء وسلام، لأن طلبة الجامعة واساتذتها يمثلون النخبة المثقفة الواعية في المجتمع، ولعلّ من أوثق علامات النظام في الجامعة: الالتزام بالزي الموحد، وإنما يجب الالتزام بالزي الموحد لأسباب عدّة، منها: انه التزام بتعليمات وقوانين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ولابُدّ للواعين من أفراد المجتمع ان يلتزموا بالتوجيهات الصادرة عن مراجعهم، ثمّ ان الالتزام بالزي الموحد يضفي على الساحة الجامعية مظهراً من مظاهر النظام، وهو خيرٌ من العشوائية والفوضى، مع ما في الالتزام بالزي الموحد من الاحترام لقدسية الجامعية وجعلها ساحة علمٍ وثقافة وتربية بدل أن تتحول إلى ساحة عرض أزياء قد تجّر إلى الخروج على الثوابت الأخلاقية التي يقوم عليها مجتمعنا الإسلامي وتتمسك بها ثقافتنا العربية، وان الالتزام بالزي الموحد بألوانه الزاهية المتزنة الهادئة فيه ما فيه من الايحاء بالمساواة والمواساة، ذلك ان الطلبة –شأنهم شأن أفراد المجتمع وشرائحِهِ- متفاوتون من الناحية الاقتصادية، فاذا ما ارتدوا ما حلا لهم من ملابس، ظهَرَ التفاوت الاقتصادي، وأحَسَّ المحرومون منهم بالانكسارِ والضعة، وما يؤدي إليه ذلك الاحساس من عواقب نفسية واجتماعية، تعود بالضرر على المجتمع حاضراً وستقبلاً، وعليه فأنّ الالتزام بالزي الموحد علامة نظامٍ وصمام أمان ومظهر حضارةٍ وأخلاقٍ.

لذا فالمرجو من المربين والأساتذة الاعزاء ان يأخذوا بأيدي أبنائهم الطلبة باتجاه هذه الأهداف السامية.. وعلى الطلبة النجباء الأوفياء الإفادة من توجيهات اساتذتهم واستغلال الوقت بالصورة المثلى من أجل غدٍ مشرق متألق نخدم به بلدنا العريق وشعبه المجاهد..

العام الدراسي: 2012-2011