تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 367
إلى صفحة: 385
النص الكامل للبحث: PDF icon 180609-035014.pdf
خلاصة البحث:

يسعى هذا البحث الى تتبع الدلالة السيميائية للعنوان في المجموعة الشعرية (فضاء المعنى) للشاعر الكربلائي (كاظم السعدي) وما تتضمنه هذه الرحلة من انعكاسات على موضوعات القصائد وقد توصل الى نتيجة مركزية يمكن اجمالها بان العنوان كان حاكيا لموضوعات المجموعة بشكل عام وتصب جميعها بمصبه حيث ان بالجمع بين كلمتي العنوان (فضاء، معنى) التي هي (الاتساع – غاية الظهور) يتجلى ان هذه المجموعة الشعرية قد اتسعت لتشمل كل ما يكابده الشاعر وظهر فيها بكل ما تعنيه كلمة الظهور من حالة الانكشاف والتجلي و تسمت المجموعة باسم قصيدة منها يحلو لاحد الباحثين ان يسميها (قصيدة الديوان) التي تكون مفتاحا لفهم مضمونه و منطلقا قد اختاره الشاعر لتحديد سيره في بقية العمل الشعري. اما بالنسبة للعناوين الاخرى في المجموعة الشعرية فقد اتصلت بعضها بالعنوان الرئيسي للمجموعة الشعرية والاخرى كانت واضحة الدلالة تسلم خلاصة القصيدة للقارئ وهناك عناوين لا تخلو من دلالة رمزية تفك شفراتها عند اكمال قراءة القصيدة.

Abstract

Seeks this research to trace the significance of semiotics to the subject of the poetry collection (space-meaning) of the Karbalai poet (Kazem al-Saadi) and which included in this journey of reflections on the poems topics have reached a central result it can be summarized that the title was mimicking all subjects group generally as by combining my title (space, meaning) which is (extending - ultimate appearing) reflected that this poetry collection has expanded to include everything that challenge the poet and appeared in every sense of the word emerge from the case of exposure and the transfiguration and the group is named by one poem of them, which one of the researchers like that call it (poem of the collection), which it is key to understanding the content and the platform has been chosen by the poet to determine his way in the rest of the poem work. As for the other topics in the poetry collection, some of them joined the main title of the collection of poetry and the other was a clear indication introduces a summary of the poem to the reader and there are topics that not devoid of symbolic significance loosen their codes at the completion of reading the poem.

البحث:

المقدمة

فان الشعر عالم رحب يلامس شغاف الحس الانساني المرهف ويعايش العواطف البشرية ويحاكيها  اما الشاعر فهو كما وصِف"عدسة مكبرة ترى دمعة طفلة مشردة قادرة على اغراق العالم، وابتسامتها سفينة تحمل فيها من كل زوجين اثنين"لذا كان للشعر مكانة خاصة في كل عصور الادب العربي رغم اختلاف ظروف الزمان والمكان حتى ان اول مسابقة للمواهب العربية اجريت في العالم العربي كانت الموهبة الفائزة موهبة شعرية وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على الدور الذي يلعبه الشعر في الحياة العربية، وقد كانت كربلاء ولا زالت تحتضن كثيرا من الشعراء الذين امتازوا بشعرية مميزة ونفس ابداعي خلاق وقد تبنت جامعتها دراسة هؤلاء الشعراء وتسليط الضوء على نتاجهم الادبي ولعل هذه المحاولة  البحثية تمثل خطوة ضمن هذا المشروع تناولت بالدرس شاعرا كربلائيا لم يدرس شعره فيما مضى وهو الشاعر (كاظم ناصر السعدي) ضمن منهج نقدي يهتم بالعلامات وحركتها في الشعر وهو (المنهج السيميائي) وبالتحديد سيميائية العنوان في احدى المجموعات الشعرية للشاعر وهي (فضاء المعنى).  

خطة البحث تنقسم على مبحثين خصص الاول منهما في دراسة  العنوان الاصلي والعناوين المشتركة به، اما الثاني فتكفل بالحديث عن العناوين الفرعية  في المجموعة وكان على محورين الاول العناوين ذات الدلالة المباشرة على موضوعات قصائدها والثاني غير المباشرة او التي تتضمن رمزية فككت شفراتها في اثناء البحث.

ومن اهم المصادر التي افدنا منها (البنى الاسلوبية لحسن ناظم –سيميائية النصوص للدكتور جمال حضري –عتبات النص البنية والدلالة عبد الفتاح الحجمري) وغيرها.

اما الصعوبات فتتمثل  بقلة الدراسات التي تطرقت الى سيميائية العنوان  فلم اجد نماذج تطبيقية كثيرة حتى افيد منها، ولا انسى ضيق الوقت الذي عايشته خلال هذه المرحلة الدراسية التي كان هذا البحث جزءا من متطلباتها واشكر بنهاية المطاف الله عز وجل على نعمه التي لا تحصى ولعل تفضله علي بالصحة والعافية اعانني في انجاز هذا البحث  واشكر استاذي الفاضل الذي شاركني بآرائه السديدة وملاحظاته القيمة الاستاذ المساعد الدكتور احمد صبيح الكعبي وفقه الله لمراضيه واعانه على المزيد من ابحاثه القيمة وتأليفاته النافعة وجزاه الله عن طلبته كل خير  والحمد لله اولا وآخرا.

تمهيد: الشاعر وبيئته الادبية

انجبت كربلاء المقدسة عددا كبيرا من العلماء والادباء والمفكرين اذ "لم تكن الحركة الثقافية حديثة عهد وانما وجدت في كربلاء منذ سكنها المسلمون فقد عرف من علمائها في القرن الثالث الهجري حميد بن زياد وكان من اهل نينوى (القريبة من كربلاء) و وصف بكونه ثقة كثير التصانيف ومنذ ذلك الوقت كانت كربلاء من المراكز العلمية التي يقصدها العلماء والمتعلمون للإغتراف من معين علوم العربية والدين..."([1]) ولذا صار مجتمع هذه المدينة ميالا - بشكل عام - الى الثقافة والمعرفة ويكفي ان نعرف ان عدد من يحضر درسا علميا فيها كان يزيد على الف رجل ([2]) و الاديب كاظم ناصر عبد الحسين جار الله السعدي ([3]) من ادباء هذه المدينة المعاصرين الذين اغنوا بعطائهم الفكري والادبي المكتبة الادبية العربية بالمفيد والممتع من نتاج قرائحهم ومواهبهم ولد بمدينة كربلاء المقدسة سنة 1948م وبرز في الساحة الادبية العراقية منذ سنة 1979م عندما اصدر مجموعته الشعرية الموسومة (كلمات حب) ([4]).

وهو من رجال الاسرة التربوية في هذه المدينة المقدسة اذ"تخرج في دار المعلمين ومارس التعليم"([5]) في مدارسها منذ سنة 1971م ومارس العمل الادبي والثقافي وصار عضوا في عدد من الاتحادات والمنظمات ذات العلاقة منها:

  1. اتحاد الادباء والكتاب العراقيين
  2. اتحاد الادباء العرب
  3. نقابة الصحفيين العراقيين
  4. نقابة المعلمين

نتاجه الثقافي والمعرفي:

  1. كلمات حب (مجموعة شعرية) 1979م
  2. بنو سعد ماضيا وحاضرا (كتاب في التاريخ والنسب) بغداد 1994م
  3. ابجدية الفرات (مجموعة شعرية) 2000م
  4. فضاء المعنى (مجموعة شعرية) 2008م
  5. سيرة لغد مضى (مجموعة شعرية) صدر عن دار الشؤون الثقافية سنة 2013م
  6. عسل الاحلام (مجموعة شعرية مخطوطة) ستصدر عن دار الشؤون الثقافية قريبا
  7. هذا طريق الحسين (تحليل تاريخي) صدر سنة 2000 عن المكتبة العلمية ببغداد
  8. من احلى الغزل (مختارات شعرية مع دراسة تمهيدية) صدر سنة 2000 عن المكتبة العلمية ببغداد
  9. شمس كربلاء وهي مسرحية شعرية عن الامام الحسين  عليه السلام  /2000م
  10. الباحث عن المعنى وهي مسرحية شعرية عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي /2003م

وله قصائد وكتابات صحفية منشورة في الصحف والمجلات العراقية والعربية مثل: مجلة آفاق ادبية ومجلة الاديب العراقي وجريدة الصباح وجريدة الصباح الجديد وجريدة المدى وجريدة الاتحاد وجريدة المشرق... وغيرها.

كتب عنه عدد من النقاد والادباء منهم: ناظم السعود، جاسم عاصي، عبد علي اليوسفي، د. عبود جودي الحلي، رضا الخفاجي، منذر عبد الحر،  علي حسين عبيد، د. خضير عباس درويش، د. محمد عبد فيحان، حسين البزاز، محمد زمان،عدنان عباس سلطان، عبد اللطيف كاظم،  شكر حاجم الصالحي وغيرهم.

مارس العمل الصحفي كاتبا ومحققا واختارته مجلة (مدارات تربوية) التي تصدر من المديرية العامة للتربية في كربلاء نائبا لرئيس تحريرها.كما عمل محررا في جريدة الاتحاد /قسم التحقيقات ([6]) ولا يزال اديبا يشار اليه بالبنان في الساحة الادبية العراقية والكربلائية

المبحث الاول: العنوان الاصلي والعناوين المتصلة به

العنوان الاصلي (اسم المجموعة الشعرية)

لعل اول لمحة اشارية تجذب انتباه المتلقي وهو يشاهد كتابا او نصا هي عنوان او عتبة ذلك الكتاب فهي التي تغريه بمواصلة الاخذ والرد معه وسبر اغواره او بالعكس قد تجعله يلتفت غير مكترث الى أي شيء آخر لذا فان اسم الكتاب"يعد من بين العناصر المناصية المهمة فلا يمكننا تجاهله او مجاوزته لانه العلامة الفارقة بين كاتب وآخر فيه تثبت هوية الكتاب لصاحبه ويحقق ملكيته الادبية والفكرية على عمله"([7])وقد اولت الدراسات السيميائية العنوان اهمية بالغة كونه يمثل بوابة النص ومدخله"فالعنوان هو مفتاح النص او مفتاح اجرائي للدخول الى عالم النص وفك مغاليقه وفهم دلالته فهو بمثابة  رسالة يبثها المرسل الى المرسل اليه مزودة بشفرة لغوية يحللها المستقبل ويؤولها بلغته الواصفة"([8]) فالمجموعة الشعرية موضوعة البحث اسماها الشاعر (فضاء المعنى) فهو عبارة عن مركب اضافي اسند فيه المفرد النكرة الى المفرد المعرفة ودلالة كلمة (فضاء) توحي لنا بحالة من الاتساع فمعناها اللغوي"ما اتسع من الارض"([9])اما الكلمة المضافة اليها (المعنى) فبإرجاعها الى جذرها اللغوي (عنّ) الذي يقول عنه ابن منظور:"عنّ الشيء ويعنّ عننا وعنونا:ظهر امامك"([10])ومعنى مصدر ميمي([11]) وهناك من ميز بين دلالة المصدر الصريح والمصدر الميمي فيذكر احد الباحثين ان الراغب الاصفهاني ميز بين التوبة والمتاب فالمتاب يعني الغاية من التوبة ومنتهاها([12]) لذا المعنى هو غاية الظهور وبالجمع بين دلالتي كلمتي العنوان الاتساع -غاية الظهور يتجلى لنا ان هذه المجموعة الشعرية قد اتسعت لتشمل كل ما يكابده الشاعر وظهر فيها بكل ما تعنيه كلمة الظهور من حالة الانكشاف والتجلي أي ان الشاعر كان حرا ولم يقيده قيد في التعبير عن ما يريد التعبير عنه حتى بالنسبة للبحور القصائد وموسيقاها ففي (فضاء المعنى نجد الشعر العمودي والشعر الحر وقصيدة النثر والحرية من الامور المهمة عند الشاعر يقول عنها:"يكتسب الشعر اهميته من حرية تعامله مع العالم والقصيدة الحقيقية لا توجد في الوزن او القافية او التحرر منهما بل توجد حيث ترف اجنحة الشاعر بقوة نحو عالم الحرية والجمال والحقيقة دون سقوط في عبوديات وقوالب وقوانين مقررة"([13]).

وقد كان هذا العنوان هو احد العناوين الفرعية لقصائد الديوان وان عناوين القصائد الاخرى  قد جاءت في الاغلب ملائمة لموضوع الديوان متماشية معه كما سيتضح ان شاء الله تعالى في اثناء هذه المحاولة البحثية.

وقد اطلق احد الباحثين تسمية (قصيدة الديوان) على تلك القصيدة التي تشترك مع الديوان في التسمية وقال عنها:"هي المفتاح _في الاغلب- لفهم مضمون الديوان الشعري ككل والمنطلق الذي اختاره الشاعر منذ البدء لتحديد سيره في بقية العمل الشعري"([14])ولو تأملنا في قصيدة (فضاء المعنى)لوجدناها ذاتية الانطلاق وكأن الشاعر فيها يخاطب نفسه ويجعل لروحه مجسّات بلورية تتحسس همومه:

"للروح

مجساتها البلورية

مثلما

للجسد

مراياه المدهشة

الغموض العاري

يبسط بينهما

عشبه الاليف

لعل تنبؤاته

تفصح

عن كنه اللوحة"([15])

لعل من الامكان القول ان الشاعر يريد في قصيدة الديوان هذه ان يقول ان الشعر يمثل مرآة للروح مثلما للجسد مراياه التي تعكس صورته وهذا ما فهمه القاص جاسم عاصي في كلمة الغلاف التي كتبها للديوان:"فكل الذي يرتسم هو معنى الالفة الحاصلة من قنوات التآلف والمواءمة وهي صورة تخطها الذات من خلال تحريك خزينها المعرفي – الوجداني فلا تنتج غير الشعر فإنه الكلام المقتضب والموسوم بنكهة الروح وشواردها". ثم يعاود الشاعر ذكر فضاء المعنى داخل قصيدة الديوان:

"هل تتناثر

اشلاء الروح

في فضاء المعنى ؟

ماذا لو ألقى الشاعر

كريستاله في الينابيع

لوفك رموز الاقاصي...

نخلة مريم

قصيدة الحالمة

ذلك الازرق المتناهي

يمنحها

نكهة الفرات

ربما يفيض الغناء

بالالق الابجدي"([16])

افهم من النص ان الشاعر يتحدث عن وظيفة الشعر وحراكه المجتمعي لانه يلقي كريستاله (شعره- مرآة روحه) بلحاظ النص السابق في روافد البناء الثقافي للمجتمع ليفك بحسب  رؤيته بعض الشفرات التي قد تحل بفكها بعض المشكلات التي يواجهها المجتمع ويكون هو الكف التي تهز نخلة الحلول- لو صح التعبير- لتساقط رطبا جنيا..

وفي الاشارة الى اللون الازرق لمحة سيميائية لانه"يعتبر لون الوقار والسكينة والهدوء والصداقة والحكمة وهو اللون الذي يشجع على التخيل الهادئ والتأمل الباطني"([17]) وقد ذكره الشاعر بعد القصيدة الحالمة مما يؤيد تلك الدلالة. وهكذا يستمر الشاعر في الحديث عن الروح وامكانياتها وآلامها وهو ما يلامس جميع قصائد الديوان التي تنوعت مشاربها بين الوجدانية والوطنية والقومية- حيث اخذت القضية الفلسطينية مساحة من قصائد الديوان- والدينية مما سيتضح في المباحث الاتية لذا فإنها حقا قصيدة الديوان وتدور حول معانيها جميع قصائد الديوان وبالتالي فان عنوان الديوان حقق الغاية المرجوة منه لانه"لا يمظهر فقط خاصية التسمية فالعنوان يتضمن العمل الادبي بأكمله مثلما يستتبع هذا الاخير ويتضمن العنوان ايضا".([18])

العناوين المتصلة بالعنوان الاصلي

عدا قصيدة الديوان احصى البحث قصيدتين اخريين تشتركان مع اسم الديوان وعنوان قصيدة الديوان بالمفردة (المعنى) وهما (زهرة المعنى)و(بلاغة المعنى) فكلاهما يتكون من مركب اضافي كان المضاف اليه فيها المعنى وسنعرض لبعض الخطوط العامة التي شكلت ملمحا في سير التصورات الشعرية و وصولها الى المتلقي.

زهرة المعنى:

"قبل ان يتعرى الصباح

ويكشف عن ماسه للشجر

قلت للنهر:

ما لقرنفل معناك لا يتفتح في لغتي

وهي من ضوء قنديلك الحالم المبتكر

فتدلى من الافق

صوت المناجاة

ألقى على عشبه المخملي

نثيث الغمام البريء

فايقظ بالحب

فيروزه البابلي المضيء

ايها النهر... يا صاحبي

هل نسيت غزالة روحي التي

كنت ترعى صباباتها.......

تتغلغل في وجدها مثل ضوء القمر

انها الآن تفتح بالبرتقال نوافذ بهجتها

لك يا.... يا فرات الغناء الانيق"([19])

ولعل الملاحظة الاولى التي تستفز المتلقي في هذا النص هو زخم الفاظ الطبيعة وكثرة ورودها فيه حتى كأن الشاعر قد اتحد بها وشخصها وجعل يحاورها وتحاوره من ذلك (الصباح – الشجر-النهر-قرنفل –عشب-غمام –غزالة –القمر –البرتقال) وهذا الامر ليس بغريب في الشعر العربي فالشعراء منذ العصر الجاهلي منهم من"لم يقف عند المتعة الجمالية التي استمدها من المنظر الذي وقع عليه بصره ولم تأسره الصورة المرئية ولا الادبية فشغلته عن الاناة والتأمل والتعمق والاستلهام فقد تجاوز كل ما سبق حتى آل به الامر ان يتحد بالطبيعة فخلع عليها مشاعره وآلامه وتوهم منها مشاعر تحملها آونة اخرى وتأثر بها حتى غلبت عليه وصارت مشاعره هو ايضا"([20]).

والقصيدة تجري حوارا بين الشاعر ونهر الفرات الذي احبه واخذ مساحة واسعة من شعره –كما سيتضح- ولكن الفرات لا يجاذبه الحديث وانما يستجيب لندائه وتوسلاته وافهم من القصيدة ان الشاعر يخاطب الفرات ملهمه الذي يوحي له الشعر ويرجوه ان ينفتح قرنفل معناه في لغته لانه حبيبه الذي تدور على ضفافه خلجاته الشعرية ويذكره الشاعر انه كان يرعى صبابات غزالة روحه (وهي تمثل شعره) ويستجيب اخيرا له الفرات ويفتح على قريحته(نثيث الغمام البريء) فيشكر الشاعر ممتنا نهره الملهم ويهديه غناء قصائده الانيق وقد اتخذ الشاعر من الليل جملا وحادث ملهمه (قبل ان يتعرى الصباح) على حد تعبيره والاشارات في هذا النص"هدفها تنظيم التصور الذي سيقود التحليل والذي غالبا ما يدمج بين الدوائر لان التحليل يتناول المنجز بالفعل وهو منجز لا يترك لنا خيارا في تناوله ككل"([21]).

اما القصيدة الثانية التي اشتركت واختها مع العنوان في احدى كلماته فهي (بلاغة المعنى) التي تعد المفارقة سمة ملفتة للنظر في سياقها العام:

"في النزول

الى السطح

يكتشف الصوت نبرته

ويؤثث بالحب تاريخه"([22])

ويقول في مقطع اخر من القصيدة:

"سيبتكر الصوت روعته...

فلعل مرايا هواجسه

في الصعود

الى القاع

تبتدئ الطقس

بالانعتاق"([23])

وقد اعتمد الشاعر اسلوب التراكم الدلالي للتضادات الفرعية داخل نسيج القصيدة للوصول الى قمة المفارقة السياقية التي تنتجها القصيدة ككل فهو هنا يضيف التضاد الذي بدأه في مطلع القصيدة بالنزول الى السطح الى تضاد اخر كان في اواخر القصيدة تقريبا عبر الصعود الى القاع حيث تتصارع الاضداد وتشتبك في هذه القصيدة حتى تتراكم طياتها الواحدة على الاخرى في اوائل القصيدة وخواتمها ولكن ليس عبر الوصف المألوف بل من خلال التوليد الدلالي القائم على مبدأ السبب والنتيجة او الاثر والمؤثر حتى تتعقد الاضداد في سلم القصيدة لتنتهي الى المفارقة السياقية التي تنهض من اعماق تلك الاضداد المتلاحقة.

المبحث الثاني: العناوين الفرعية

اولا:العناوين المباشرة

  • المباشرة ذات الحس الوطني

يعطي العنوان المباشر دلالة واضحة عن فكرة القصيدة فهو لا يكلف القارئ مزيدا من اعمال الفكر والتأمل حتى يخمن في ما تدور حوله مفاصل القصيدة وموضوعتها الشعرية اذ يسلمنا الشاعر مفاتيح تجربته بكثير من اليسر والبساطة في التعبير والوضوح في الرؤية وهو لم يكن"قبعة اضافية ولا زينة ملحقة بحسم مكتمل قد يستغني عن الزوائد بل انه يمثل جزءا حيويا من النص الى درجة تمثيل صلب الدلالة وكأنه دال ومدلوله باقي النص او بالعكس مدلول يفسر دال النص كله"([24])وقد كانت اغلب عناوين القصائد وطنية تتحدث عن مشاعر منشئها وعواطفه تجاه وطنه والحس الوطني كان من الجوانب المهمة في مسيرة الشاعر الادبية وسيرته الذاتية و"ديدنه في معظم قصائده كان الوطن فقد الف شتاءه القارص وصيفه اللاهب وتغنى بربوعه كما يتغنى بذلك المغتربون وتأسى لويلاته كما يتأسى الفاقدون لنعمة التلذذ بمعطياتها الجمة"([25]) هذا وقد كانت عناوينه الوطنية المباشرة كالتالي (احبك يا عراق –بغداد-عراق الجهاد-سيدي الوطن –سيدي العراق-حب العراق-عراق المجد) وواضح من هذه العناوين ان موضوعها هو الوطن وحب الوطن والقضايا الوطنية و قد كتبت اغلب هذه القصائد بالشعر العمودي (خمسة من مجموع ثمان قصائد)فجاء مثلا في قصيدة (عراق المجد):

"بحبك يا عراق جرى فراتا
وفاض على مروجك سلسبيلا
توهج بالمنى قنديل صدري
زها نغمي على اوتار قلبي
جدير انت يا وطني المفدى
نخيلك في ربيع الحب عرس
وشمسك في سماء المجد نصر

 

 

غناء دمي على ثغر الصباح
شذا روحي وآلاء انشراحي
وبالفرح الملون بالاقاح
ورق كهمس نرجسة صداحي
بأسمى الحب خفاق الجناح
على النهرين للغيد الملاح
لشعبك في ميادين الكفاح"([26])

 

 

وتتضح في هذه القصيدة الروح الوطنية للشاعر و حبه للطبيعة التي تزينه كالنهرين والشمس والنخيل ورغم معاناة الشاعر وقساوة الحياة معه التي دعته الى هجر الشعر حينا من الزمان لانشغاله بظروف الحياة الصعبة حيث تحول الى العمل والتكسب لان ما يتقاضاه من مرتب شهري لا يسد نفقات معيشة عائلته وبدل الايجار في البيت الذي يسكنون فيه([27]) مع ذلك فانه يرى ان الوطن الذي لم يمنحه بيتا ليسكنه وتركه يعيش مرارة الانتقال من مكان الى اخر يجده اهلا وجديرا باسمى آيات الحب والعشق وهذا يعكس حالة الانتماء والاعتزاز بالهوية الام التي كان يمتاز بها الشاعر فهو على الرغم من السلطات الفاسدة التي توالت على العراق الا انه يرى شعبه ساعيا ما استطاع الى تحقيق الحرية والحياة الكريمة فهو يؤمن"بقدسية الوطن مادامت الجماعات فيه متماسكة متضامنة تسعى الى تحقيق الحرية والرفاهية"([28])يقول السعدي في هذا الصدد ضمن قصيدة عنوانها(حب العراق):

"لاجل حبك احلى الشعر انشده
عش هكذا في ضمير الشعب مؤتلقا

 

 

فالحب مبدع انشادي وتلحيني
واهنأ بنصرك وضاء النياشين"([29])

 

 

وقد رشح حسين البزاز قصيدة (عراق المجد) آنفة الذكر الى ان تجد لها موقعا في احد الكتب المنهجية ربما لسهولة فهمها ومشاعرها الصادقة وحالة السلام التي تشيع بين جنباتها.

  •  مباشرة اخرى 

رغم ان القصيدة الوحيدة التي ادرجتها ضمن هذا العنوان يمكن ان يكون في عنوانها بعض الغموض الا ان التخمين يمكن ان يوصلنا الى فكرة القصيدة فشاعر من كربلاء يكتب قصيدة بعنوان (تجليات الشهادة) أول احتمال نضعه لموضوعها ان تكون عن الحسين (سلام الله عليه) ومأساة كربلاء التي احتلت مساحة واسعة من الادب الكربلائي بالتحديد فضلا عن الادب العربي... وقد صدق هذا الاحتمال مع السعدي فإن قصيدة تجليات الشهادة عن الامام الحسين  عليه السلام  يقول فيها:

"دمك المضيء كزهرة الفجر
حلم الفرات بعذب نرجسه
وشموخ هذي الارض مذ نهلت
متجذر في الشمس يمنحها
مازال يروي قصة كشفت
هو حكمة الثوار ما فتئت

 

 

لحن الخلود على فم الدهر
فدم الشهادة نرجس النهر
من سلسبيل المجد والفخر
معنى السطوع وروعة الجذر
زيف الجناة ولعبة الغدر
كالموج تحمل  ثورة البحر"

 

 

والقصيدة سلسة المعنى واضحة الفكرة تكاد تكون تقليدية ولم تخرج عن ما كتب عن الامام الحسين  عليه السلام  الا انها ليست قصيدة رثائية بالمعنى الصريح لان الجانب المأساوي لم يكن يغلب على طابعها العام وانما كان الشاعر يستجلي فيها تلك الشهادة التي صارت كعبة للاحرار ومحور لحريتهم:

"دمك الشهيد نبوءة صدقت
منح التراب جلال فكرته

 

 

فالحر يعشق مولد الفجر
بفدائه ليفوح بالعطر"([30])

 

 

ويحاول الشاعر تحريك الهمم متوسلا بوحي شهادة الحسين عليه السلام  ومتخذا منها راية للتغيير ودافعا لرفض الهوان والظلم:

"ما زلت تحيا في ضمائرنا
بالحق نهتف لا لمغتصب
القدس تنزف من شراسته
لا لاحتلال عراق عزتنا
يا ساطعا في ليل محنتنا
متوحدين بحب موطننا

 

 

رمزا بوحي جهاده نسري
متسلط بالعنف والجور
مذ نالها بمخالب الشر
هل يقبل الاحرار بالقهر
كي نعبر الالام بالصبر
نمضي الى التحرير والنصر"([31])

 

 

وتتجلى (تجليات الشهادة) باوضح صورها في الابيات الاربعة الاخيرة من القصيدة وكأن الشاعر لخص فيها فكرته العامة ونظرته للقضية الحسينية:

"ما كان حبك في حقيقته
الا الفضيلة واستقامتنا
الا الجهاد فكل داعية
سفر البطولة مشرق ابدا

 

 

الا اتباع السنة الطهر
انعم بتقوى الله من امر
للنور ينبذ ظلمة الفكر
بعظيم يومك عاطر الذكر"([32])

 

 

ثانيا: العناوين الفرعية غير المباشرة

شكلت العناوين الفرعية التي لا تشير مباشرة الى موضوع القصيدة نسبة اعلى من المباشرة في مجموعة (فضاء المعنى) الشعرية ولعل ذلك بسبب الغموض والايهام الذي شكل سمة بارزة عند الشاعر والغموض يعد واحدا من مظاهر الشعر الحديث وهو نتيجة متوقعة لنص يعيش في عصر تنوعت فيه الحضارة واصبحت اشد تعقيدا من كل عصورها التي خلت وقد اصبحت ذاكرة الشاعر تزدحم فيها الافكار والفلسفات والرؤى لتدخل في غفلة من الشاعر في بناء النص وتكوين خطابه ([33])ولعل الوظيفة التشويقية التي يلعبها العنوان الذي لا نعرف عما تدور قصيدته ابلغ واقوى اثرا من العنوان المباشر واضح الدلالة وخاصة بالنسبة للقارئ متذوق الادب اما القارئ البسيط فلعله يستمتع بالقصائد الوطنية التي ذكرتها انفا في اول هذا المبحث ويعجبه انها معروفة من عنوانها اما القارئ الذي يمتاز بحس نقدي وادبي مرهف فانه ينجذب الى العنوان المراوغ الذي لا يسلم لنا مفاتيح القصيدة دون اخذ و رد"لعبة العنوان ماهي في الحقيقة الا لعبة اللغة وبصورة اخرى هي لعبة دلائل تختزنها عناصر العنوان التي تستفز وترهق والتي تحيلنا على مغامرة الكتابة على التلاعب والمراوغة على الحرية على المطلق على اللا محدود على الفجوات على المكابرة والعنوان بفعله نصا قد يورط القارئ ليكتسب من خلال هذا التوريط وظيفته التجاذبية التي هدفها المتعة هدفها الاستيلاء بفعل الجذب وتشويق القارئ واستمالته"([34]).

وقد حاولنا تبويب تلك العناوين وجمعها على اساس مشترك حتى تسهل دراستها وتنتظم في نسق بترتيب معين وسنذكر الجامع الذي جمعت عليه العناوين عند الحديث عنها ان شاء الله.

  1. الفرات:

وقد جمعت العناوين المندرجة تحت هذا العنوان ما كانت مفردة (الفرات) جزءا من بنية العنوان او تضمن العنوان مفردة لها علاقة بالنهر وكانت كالتالي: (ذاكرة الضفاف – طفولة فراتية – نخلة الفرات – الفرات-فرات الحب)

شكلت مفردة (الفرات) حضورا ملفتا للنظر في(فضاء المعنى) بل في مجموعات الشاعر كلها ([35])و"لكي نستشف روح شاعر ما او على الاقل شاغله الاهم ينبغي ان نبحث في اعماله عن تلك الكلمة او الكلمات التي تتردد اكثر من غيرها فإن الكلمة تترجم عن الهمّ"([36])وقد تغيرت مدلولات الكلمة -كما سنلاحظ- فمرة كانت تتحدث عن النهر ومرة كانت الوطن ومرة كانت ترتبط بدلالة المفردة من الجنبة المعجمية لذا فمن الصحيح ان نعد كلمة (الفرات) من الكلمات المفاتيح كما يسميها ريفاتير لانها تثير الانتباه وهذا معيار مهم لتلك الكلمات يقول:"فتردد كلمة سبق ان اثارت الانتباه سيدرك اسرع من تردد كلمة اسندت لها قيمة فقط عن طريق تكرارها"([37]).

فقصيدة (ذاكرة الضفاف) تتحدث عن علاقة الشاعر بنهر الفرات الذي كان ملهمه كما اسلفنا فكأنه يستمد طاقته الابداعية من ذلك النهر الذي يفيض بالنماء والحياة يقول:

يظل الفرات

صديقا لروحي...

على بعد

       نافذة

من بهاء

     النخيل

يراود بالابجدية

فلتها..

قال:يا وردة الحب

هيا انزلي

فالسباحة

      في ألقي

سفر

نحو

     روعتنا

يا فرات دمي..

لم تزل

ساطعا بالغياب

تمول ذاكرتي

          بالرؤى"([38])

اما (طفولة فراتية) فتعود بنا للمعنى اللغوي للمفردة يقول ابن منظور:"كل ماء عذب فرات"([39]) فكأن الفرات في هذه القصيدة يعبر عن عذوبة روح الطفل ونقائها ويكون الحب عنده نقيا من دون مصالح تشوبه:

ليتك طفل الماء من شهده
ما كان احلى همسات الرؤى
ما اجمل اللقــــاء في هدأة
كم لفرات الحب مشدودة
فاحرفي بالنهر موصولة

 

 

تملأ كل اكؤس الحب
وتمتمات زورق اللعب
بالشجر الماسي عن قرب
روحي وكم منجذب قلبي
تسبح في شعاعه الذهبي"([40])

 

 

اما (فرات الحب) فكان الفرات فيها يرمز للوطن وتعبر عن معاناة الشاعر والمه و رفضه للاحتلال:

لا تذبحوا الفرات

فوردة الصباح في ضميره بليغة

بها تجلت قبلة الصلاة

لا تطفئوا قنديله الساطع بالحب

فهل بغيره تأتلق الحياة ؟

ثم يقول:

تبا لمن حرض غيلان الدجى

نحو فرات الوطن الجميل

كيف يموت نهرنا

وهو نشيد المجد    والنصر على الطغاة ؟"([41])

وتشترك قصيدة (الفرات) مع اختها في انها ترمز للوطن لكنه هذه المرة الوطن الجميل بحبه ونخله و وروده وغزله:

"عسلي الرؤى

موغل في طقوس الحياة

في تجليه تزهر تفاحة الامنيات

فالفرات البهي بورد الحنين

نهر حب يفيض بنجوى اليمام

وشوق النخيل

يتدفق بالعطر

والغزل السلسبيل"([42])

ومن الجدير بالذكر ان الفرات قد حظي باهتمام كبير وشكل حضورا في التراث العربي"وقد اقترن ذكر العراق بذكر رافديه نهريه العظيمين دجلة والفرات، اللذين جعلا سمة له فهو ارض الفراتين أي دجلة والفرات وبلاد ما بين النهرين ويظهر للمتتبع لما ذكر عن هذين النهرين ان الفرات حظي باهتمام اكبر من دجلة اذ ورد في سفر التكوين وهو عند المسلمين نهر مقدس"([43]) اتذكر حديثا نسب الى اهل البيت  عليهم السلام  مضمونه ان الفرات نهر يحبنا ونحبه لكني لم اجده في كتب الحديث فيما بحثت بل تسرب الى ذاكرتي من المنبر.

2-القضية الفلسطينية:

اخدت القضية حصة لابأس بها في (فضاء المعنى) وقد كانت بعض عنوانين القصائد تدل دلالة مباشرة على ان موضوعها يدور حول هذا المحور مثل (قدس الهدى-زيتونة القدس) الا ان هناك قصائد اخرى لا يدل عنوانها على موضوعها الا ان عند ازاحة الستار عن النص الذي يمارس العنوان معه دورا تمويهيا يوضح لنا مناسبة العنوان للقصيدة بتمام المناسبة فمثلا هناك قصيدة بعنوان (وردة الفجر) كتبها الشاعر كما عرّفها اسفل عنوان القصيدة (الى الطفل الفلسطيني شاهد النصر محمد الدرة) يقول فيها:

"لم تزل وردة الفجر في دمه تستغيث

لم تزل تستحث خطى الثائرين

فالحليب المهدد بالقتل...

لم يكتمل حلمه...

والبراءة في ظل زيتونة الحب مذعورة

لم تذق بعد طعم الملاذ الامين"([44])

واعتقد ان وظيفة هذه الجملة التعريفية التي وضعت تحت عنوان القصيدة تشابه وظيفة العناوين الثانوية التي"توضع لزيادة الايضاح وتوجيه القارئ المستهدف"([45])اما القصيدة الاخرى (شاهدة الحب) التي كتبت (الى الشهيدة الفلسطينية وفاء ادريس) ويقول فيها:

"وفاء

    لحبك

      يا قدس

اهدت وفاء

اليك بيوم اللقاء الجميل

كريستالها

       وهواها النبيل

واهدت بنفسجة العمر

غارقة بالدماء

وفاء"([46])

3-الحب:

(هو الحب – شاهد الحب- لغة الحب) ثلاثة عناوين شكلت مفردة(الحب) عاملا مشتركا بينها وكأنها تدور في فلك واحد لكن عندما ندقق النظر نجد ان لكل منها وجهة معينة ف(شاهد الحب) كتبت في رثاء شاعر كربلائي هو احمد ادم وقد كتب هذا الاسم تحت عنوان القصيدة من  دون الاشارة الى الرثاء لكنه يتضح من قراءة القصيدة:

"قبل ان تتفتح

        سوسنة الفجر

               في دمه...

غاب طفل الفرات

          وفي قلبه

              لوعة

                الزمن

                   المستباح

                      الرديء

غاب لكنه ساطع

      في رؤى

          حبه السومري النبيل"([47])

اما (لغة الحب) فقصيدة وطنية بامتياز يقول فيها:

"مجدك العالي نضار الاعصر
يا عراقا في دمي احرفه
و رؤاه البكر في قافيتي
كل ما فيه جميل رائع

 

 

وهواك العذب نجوى وتري
لغة الحب ومعنى المطر
بهجة الشمس وعرس القمر
ومضيء كالصباح المزهر"([48])

 

 

اما قصيدة (هو الحب) فهي تدور حول مشاعر الحب وقدسيتها ونبلها وكيف يتمتع صاحبها بالصبابة والهيام لكن الشاعر لم يذكر لمن مشاعر الحب هذه هل هي الى الوطن ام المحبوبة ام غيرهما....لعلها موجهة الى الجميع يقول فيها:

"طقوس الحب ميراث التسامي
وفاض بلؤلؤ النجوى غناء
واشرق بالمنى صبح جميل
طقوس دمي يؤرخها حنين
انا ابن النخلة العذراء قلبي

 

 

بمعناها جرى ذهب الكلام
شجي كابتهالات الحمام
ليغسل بالشذى ورد المنام
طفولي الى عسل الغمام
غني بالصبابة والهيام"([49])

 

 

4-الطبيعة:

لاحظنا فيما مضى ان الشاعر مولع باستخدام الفاظ الطبيعة في شعره مما زاده رقة و شاعرية لكنه لم يكتف بذلك بل ضمن بعض عناوين قصائده الفاظا مستمدة من وحي الطبيعة وعالمها منها(وردة الروح- الزنبقة- ابجدية الصباح- مدار الهديل) اما قصيدة الزنبقة فتوحي لي انها قصيدة غزل لكن بحكم البيئة المحافظة التي تربى الشاعر فيها ونشأ لا نجد دلالة صريحة على ذلك والمعنى في قلب الشاعر اولا واخيرا.... يقول فيها:

"زنبقة الفرات

تنجذب الروح الى معناك

حين يسطع المدى

            بلونك الجميل

تنجذب الروح بشهوة انطلاق

تطير كالعصفور في عالمك الفسيح

فلتمنحيها رشفة انعتاق

فحزنها الاخضر سمفونية النخيل

على ضفاف حلمك الانيق يستريح"([50])

اما قصيدة (مدار الهديل) فكانت كما كتب تحت عنوانها (الى الراحل منذر الجبوري) وقد اختار الشاعر صوت الحمام الهديل لما فيه من انين وحزن يليق بالرثاء يقول فيها:

"غادرتنا جسدا...

وروحك في ضمير الماء

يافعة

تظللنا

بوارف حبك الاصفى

وتمسح حزننا كالورد

بالمرح الجميل"([51])

يتضح لنا بلحاظ ما سبق ان القراءة الفاحصة للعنوان لا تكفي وحدها لفك شفرته ومعرفة مغزاه بل لابد احيانا من العودة للنص الاكبر وهو القصيدة للاقتراب من ذلك لنحصل على علاقة تربطهما معا –النص وعنوانه – والسبب في ذلك واضح وهو ان العنوان بنية لغوية مكثفة تفتقر الى التفصيل الذي نستجليه من مدلول العنوان الا وهو النص([52]).

الخاتمة

بعد هذه الجولة في قراءة شعر الشاعر نستطيع ان نوجز عددا من النتائج  التي توصل اليها البحث وهي:

1-مثل عنوان المجموعة الشعرية اول لمحة اشارية تجذب انتباه المتلقي ويمثل رسالة مزودة بشفرة لغوية يحللها المستقبل ويؤولها بلغته الواصفة.وقد كان العنوان مأخوذا من قصيدة اسماها احد الباحثين قصيدة الديوان وقد كانت تمثل فعلا خلاصة تجربة الشاعر التي تمثلت بالمجموعة المدروسة.

2- اتصل عنوانان بالعنوان الاصلي للديوان وقد اشتركا معه بمفردة (المعنى) وتركيب الجملة فهما كالعنوان يتكونان من مركب اضافي كان المضاف اليه فيهما المفردة المشتركة وهما زهرة المعنى وبلاغة المعنى.

3-مثلت العناوين المباشرة ذات الحس الوطني نسبة عالية بالمجموعة حيث يشير عنوان القصيدة بوضوح انها قصيدة وطنية وكانت اكثر القصائد الوطنية في الديوان قد نظمت بالطريقة العمودية لنظم الشعر.

4- اما العنوان المباشر الذي تضمنته المجموعة كان عن قصيدة حسينية اسماها الشاعر تجليات الشهادة الا ان القصيدة ليست رثائية بالمعنى الصريح  لان الجانب المأساوي لم يكن يغلب على طابعها العام وانما كان الشاعر يحاول استجلاء ذلك الحدث الذي غير مسار التأريخ الا وهو استشهاد الامام الحسين  عليه السلام .

5- شكلت العناوين الفرعية التي لا تشير مباشرة الى موضوع القصيدة نسبة اعلى من المباشرة ولعل ذلك لنزعة الغموض التي شكلت هي الاخرى سمة بارزة في شعره.

6-شكلت مفردة الفرات حضورا ملفتا في المجموعة الشعرية وقد جمعت العناوين المندرجة تحت هذا العنوان فكانت مفردة الفرات جزءا من بنية العنوان او تضمنت مفردة لها علاقة بالنهر كالضفاف مثلا.

7-اخذت القضية الفلسطينية حصة لا بأس بها في (فضاء المعنى) وقد كانت اغلب القصائد التي تحدثت عن القضية تحمل دلالة تمويهية ولا تشير الى موضوعها مباشرة.

8-كان الشاعر مولعا باستخدام الفاظ الطبيعة في شعره مما زاده رقة وشاعرية ولم يكتف بذلك بل ضمن بعض عناوين قصائده الفاظا مستمدة من وحي الطبيعة وعالمها.

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

  1. الادب العربي في كربلاء /د. عبود جودي الحلي / منشورات جامعة اهل البيت  عليهم السلام  بيروت 2014م
  2. البنى الاسلوبية دراسة في (انشودة المطر للسياب) حسن ناظم – طبعة المركز الثقافي العربي.
  3. تاريخ كربلاء قديما وحديثا /سعيد رشيد زميزم /بيروت 2010
  4. سيمياء العنوان بسام قطوس–وزارة الثقافة عمان ط1 2001م
  5. سيميائية الالوان في القرآن الكريم –كريم شلال الخفاجي –دار ومكتبة البصائر بيروت لبنان – ط1 2012م.
  6. سيميائية النصوص (عرض وتطبيق منهجي) للاستاذ الدكتور جمال حضري –طبعة مؤسسة مجد المؤسسة الجامعية  للدراسات والنشر والتوزيع بيروت ط1 2015 م
  7. الطبيعة والشاعر العربي للدكتور حسين نصار دار مصر للطباعة القاهرة 1972م.
  8. عتبات النص البنية والدلالة –عبد الفتاح الحجمري–منشورات الرابطة الدار البيضاء ط1 1996م.
  9. عتبات من النص الى المناص – جيرار جينيت– ترجمة عبد الحق بلعابد–منشورات الاختلاف ط1-2008م.
  10. العنونة والعلامة النقدية
  11. فضاء المعنى (مجموعة شعرية) للشاعر كاظم ناصر السعدي سنة الطبع 2008م.
  12. في تحليل الخطاب رؤية منهجية ونماذج تطبيقية للدكتور حمدي النورج–عالم الكتب- القاهرة –ط4 2014م
  13. لسان العرب لابن منظور تحقيق عبد الله علي الكبير –محمد احمد حسب الله –هاشم محمد الشاذلي.
  14. معايير تحليل الاسلوب مايكل ريفاتير ترجمة د حميد لحياني منشورات دراسات سال –دار النجاح الجديدة المغرب ط1 1993م
  15. معجم رجال الفكر والادب في كربلاء /سلمان هادي طعمة /بيروت 1999م
  16. معجم المؤلفين والكتاب العراقيين (1970-2000) /د. صباح نوري المرزوك /بغداد2002 م
  17. المهذب في علم التصريف للدكتور صلاح مهدي الفرطوسي والدكتور هاشم طه شلاش –الناشر العطار –ط1 2014م   
  18. موسوعة اعلام وعلماء العراق /حميد المطبعي /ط1 بغداد 2011م
  19. الهوية والحرية في شعر ادونيس (المدن العربية في شعر ادونيس) للدكتور جان نعوم طنوس – دار المنهل اللبناني ط1 2009م

الرسائل والاطاريح الجامعية

  1. الترميز في شعر البياتي اطروحة دكتوراه تقدم بها الطالب حسن عبد عودة الخاقاني اشراف الاستاذ الدكتور علي كاظم اسد كلية الاداب جامعة الكوفة
  2. دور السيميائية اللغوية في تأويل النصوص الشعرية  شعر البردوني نموذجا –اطروحة ماجستير تقدمت بها الطالبة هيام عبد الكريم عبد المجيد علي –اشراف الاستاذ الدكتور سمير ستيتية– كلية الدراسات العليا الجامعة الاردنية.
  3. الطبيعة في الشعر العراقي الحديث رسالة ماجستير تقدم بها الطالب حسين عبود حميد اشراف د. قصي سالم علوان كلية الاداب جامعة البصرة
  4. المصدر الميمي في القرآن الكريم دراسة صرفية دلالية رسالة ماجستير تقدم بها الطالب عبد الله حسن ذنيبات- اشراف د. محمد امين الروابدة  -قسم اللغة العربية جامعة مؤتة.

الجرائد والدوريات

جريدة الدستور العراقية العدد2114 -23 كانون الثاني 2010م.

والعدد 3056 13 نيسان 2014م.

والعدد 3083 19 ايار 2014م

 

 

 

[1]- الادب العربي في كربلاء :56

[2]- ينظر :م ن

[3]- ينظر : تاريخ كربلاء قديما وحديثا :263 ومعجم رجال الفكر والادب في  كربلاء :174

[4]- ينظر :معجم المؤلفين والكتاب العراقيين (1970-2000): ج6-266

[5]- موسوعة اعلام وعلماء العراق : ج1 -652

[6]- لقاء بالشاعر في بيت والدي د.عبود الحلي عصر يوم الثلاثاء 8/4 /2015 م

[7]- عتبات من النص الى المناص :63

[8]- في تحليل الخطاب :147

[9]- لسان العرب مادة فضا

[10]- م ن مادة عنن

[11]- ينظر في تعريفه :المهذب في علم التصريف :281

[12]- ينظر: المصدر الميمي في القرآن الكريم :54

[13]- من حوار مع الشاعر اجراه منذر عبد الحر نشرته جريدة الدستور العدد2114 _23كانون الثاني 2010م :8

[14] - دور السيميائية اللغوية في تأويل النصوص الشعرية :216

[15]- فضاء المعنى 90

[16]- فضاء المعنى:92

[17]- سيميائية الالوان في القرآن الكريم :75

[18]- عتبات النص البنية والدلالة :18

[19]- فضاء المعنى :9-10

[20]- الطبيعة والشاعر العربي: 32

[21]- سيميائية النصوص : 105

[22]- فضاء المعنى: 23

[23]- م ن

[24]- سيميائية النصوص :263

[25] - من مقال كتبه حسين البزاز عن الشاعر تحت عنوان (الابداع بأعلى درجات الاداء) نشرته جريدة الدستور في عددها 3056 بتاريخ 13-نيسان 2014

[26]- فضاء المعنى :72

[27]- كان هذا ضمن الحوار الذي اشرت اليه في المبحث الاول هامش رقم 7

[28]- الهوية والحرية في شعر ادونيس :14

[29]- فضاء المعنى :67

[30]- فضاء المعنى :79

[31]- م ن

[32]- م ن :82

[33]- ينظر: الترميز في شعر البياتي :316

[34]- العنونة والعلامة النقدية :100

[35]- ينظر : (عندما يكون نهر الفرات وطنا) مقال ل عبد علي اليوسفي نشرته جريدة الدستور العدد 3083 بتاريخ 19 ايار 2014م

[36]- البنى الاسلوبية في شعر السياب :49

[37]- معايير تحليل الاسلوب :77

[38]- فضاء المعنى: 4-5

[39]- لسان العرب مادة قصب

[40]- فضاء المعنى :27

[41]- فضاء المعنى 43

[42]- م ن 70

[43]- الطبيعة في الشعر العراقي الحديث :77

[44]- فضاء المعنى :7

[45]- عتبات من النص الى المناص :125

[46]- فضاء المعنى :19

[47]- م ن: 68

[48]- فضاء المعنى :53

[49]- م ن :16

[50]- فضاء المعنى :47

[51]- م ن :62

[52]- ينظر :سيميائية العنوان :43