تصنیف البحث: علوم القرآن
من صفحة: 134
إلى صفحة: 165
النص الكامل للبحث: PDF icon 180526-152340.pdf
خلاصة البحث:

الخلاصة

تناول هذا البحث موقف النضر بن الحارث من الرسول صلى الله عليه وآله والرسالة والقرآن وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وآله معه، وكيف ارشد القرآن النبي صلى الله عليه وآله إلى المواقف الحكيمة المناسبة لثقافتهم ونفسيا تهم وعقولهم مما يسهل عليه مهمته ورسالته التي تدعو الى التوحيد ونبذ الشرك وهدايتهم الى مبادئ الإسلام النيرة،  وتأسيسا  على ذلك تضمن هذا البحث مقدمة عن مكة باعتبارها البيئة التي نزل فيها الوحي، وعاش فيها الرسول صلى الله عليه وآله، وحصلت فيها المواجهة مع النضر بن الحارث وغيره من زعماء قريش، وكذلك احتوى على ثلاثة مباحث، الأول منها تناول بيان المواجهة العامة بين النبي صلى الله عليه وآله وسائر زعماء قريش بما فيهم النضر، بينما تناول المبحث الثاني موقف النضر بن الحارث من النبي صلى الله عليه وآلوالقران الكريم وخصص المطلب الأول منه للبحث عن هوية النضر وشخصيته بينما بينت المطالب الأخرى مواقفه تجاه الرسالة والرسول ، أما المبحث الثالث فتناول موقف القرآن الكريم  والرسول من النضر وقسم إلى مطلبين الأول موقف القرآن من النضر بينما الثاني موقف الرسول صلى الله عليه وآله من النضر لكن ليس معناه هناك فرق او عدم تداخل بين الموقفين النبي صلى الله عليه وآله والقرآن وإنما الموقف واحد والهدف واحد وان النبي يستمد مواقفه من القرآن {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}النجم4، 3 وما هذا التقسيم إلا مسالة تنظيمية لا أكثر لان هناك ادوار عملية لا يمكن أن تصدر إلا عن النبي صلى الله عليه وآله.

Abstract

This nadhar bin Harith's search of the Apostle

This research position nadhar bin Harith of Prophet and the message and the Koran and how to deal with the Prophet and his machine, and how inspired the Quran the Prophet and God to the wise positions appropriate to their culture and psychologically charged, their minds, facilitating the mission and message of tawheed and shirk and guided to the enlightened principles of Islam, and therefore the research introduction to Mecca as the environment where the hostel revelation, he lived the Prophet God and got in The confrontation with the nadhar bin Harith and other leaders of the Quraysh, as well as three detectives, contains the first address a public confrontation between the Prophet and other leaders of quraish including nadhar, while the second episode's nadhar bin Harith of Prophet walwalkran and the first requirement was to search for the identity of nadhar personality while the other demands outlined its positions towards the message and the Messenger, as section III dealt with the position of the Holy Quran and the Prophet of nadhar and divided into two first position The Qur'an of nadhar while the second position of the Prophet and God of nadhar but for...

But one position and one target and that is his Prophet Quran {and only a fancy} {it only inspired suggests} Star 4, 3 and this Division not only organizational issue because there is no process roles can be issued only for the Prophet and God.

البحث:

المقدمة

تعد مكة من المدن المقدسة التي توغلت في القدم و لها تاريخها الخاص الذي يختلف عن أي مدينة في العالم، فهي أول مكان حل فيه الإنسان، وكانت مسكناً لكثير من الأنبياء والأولياء، وهي أقدم قبلة للأديان، ففي بعض الأخبار سكنها آدم واتخذها مسجدا، وما من نبي إلا وقصدها، ولا ولي إلا دعا فيها، يقصدها الداني والقاصي للدعاء ولقضاء حوائجه يقصد مكانها الكثير للتبرك والدعاء، حتى جماعات من الفُرس والهنود وغيرهم يقصدونها للدعاء والتبرك [1]، وقيل لم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم قائمة حتى كان أيام الطوفان في زمان نوح فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة و غرقت الدنيا و لم تغرق مكة فسمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق[2] فلما أمر الله عز و جل إبراهيم أن يبني البيت لم يدر في أي مكان يبنيه فبعث الله جبرائيل فخط له موضع البيت، ولما بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة او جدد بنائها دعى الله ان يبارك لهذا المكان وقال كما جاء في الذكر الحكيم :﴿ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلٰوةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَإبراهيم37، فاستجاب له ربه فصار يقصدها الناس للحج من كل فج عميق ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍالحج27، وصارت مسكناً لأبناء إسماعيل، فسكنت معهم قبيلة جرهم العربية، فتزوج إسماعيل منهم، ثم تواردت عليها أقوام وتزعمها آخرون كالعماليق وخزاعة وغيرهم إلى ان عادت إلى أبناء إسماعيل وانتظمت أكثر وصار قصي زعيمها وقريش سكانها فكانت إدارتها خير إدارة ونظامها أفضل نظام حتى شبهه البعض بالأنظمة الجمهورية المعاصرة، تولى قصي الزعامة بعد أن حكم له عمرو بن عوف بالأحقية في ولاية البيت من خزاعة بعد صراعه على ولايتها معهم، فجمع قومه من الأودية والشعاب والجبال إلى مكة. وابتنى مقرا لرئاسته سمي دار الندوة، يجتمع فيه وجهاء قريش يتشاورون ويقررون ما شاءوا من الأحكام في أمور السلم والحرب والقضايا الاجتماعية المختلفة، ومن جملة التشريعات: عدم أحقية من لم يبلغ الأربعين من العمر أن يدخل هذه الدار، ولما كبر قصي وعلم قرب وفاته قسم أمور مكة بين بنيه، فأعطى عبد الدار السدنة ودار الندوة واللواء، وأعطى عبد مناف السقاية والرفادة والقيادة [3]، وفي الأثناء توسعت التجارة والأسواق فيها، حتى أصبحت أسواقها مركزا تجاريا عالميا للاضطراب الأمني الذي وقع في النقل البحري بسبب الصراع القائم بين الدول العظمى والروم والفرس والأحباش، فأصبح الممر التجاري البري أكثر أمانا فاندفعت آلاف الإبل تنقل البضائع وتحط الرحال في مكة المحطة العالمية الأمينة، لاسيما بعد انهدام الممالك العربية في أطراف الجزيرة ودخول الأحباش لها، ولما كثرت بيوت قريش وصار التنافس على هذه المناصب ابتكرت مناصب جديدة ووجد لها فروع  أخرى لإيجاد الموازنة بين بيوت قريش، وذكرنا شئ من التفصيل في بحث الوليد بن المغيرة انموذجاً.

وبهذا يمكن ان يقال ان قريشا لها نظام متقدم يوازن بين بيوتاتها، فاختلال هذا النظام معناه الصراع و الحروب، فقريش في هذا الوضع تعتبر في أوج عظمتها ومكة في أفضل ازدهارها  الاقتصادي، رجالها من أعظم  التجار وأسواقها من أوسع الأسواق، تجتمع فيها العرب من كل حدب وصوب بين تاجر ومعتمر وحاج وشاعر وكاهن وخطيب،  تلقى فيها الخطب وتقال الأشعار وتتبارى العرب بمفاخرها، ولا يفتخر على قريش مفتخر ولايتقدمها في الفضائل متقدم، وتقدم النذور والقرابين لأصنامها فتنتفع منها قريش ماديا ومعنويا ـ

فقريش تعيش أوج كبريائها وشعورها بالتفوق حتى وضعوا لأنفسهم نظاما خاصا سمي الحُمس، وهذا النظام يتضمن قرارات تعسفية تميز أهل الحرم وهم أهل مكة عن غيرهم في الأكل واللباس وأسلوب الحج والعمرة، هذه القرارات تعبر عن مشاعر التفوق والاستعلاء عند قريش هذا الشعور دفع بعض أشقيائهم ان يتعدى على الضعفاء والغرباء مما اضطر أهل النجدة والنبل منهم أن يعقدوا حلفا لنصرة المظلوم سمي حلف الفضول، ففي هذه البيئة وهذه المشاعر وهذه الأجواء نزل الوحي وبعث محمد صلى الله عليه وآله ليصلح الفاسد ويقيم المعوج ويضيف قيم جديدة ويحول المجتمع من الشرك إلى التوحيد، فلم تقبل منه قريش؛ لأنها ترى أنّ هذا التغيير يضر بمصالحها ويخالف الكثير من قيمها وامتيازاتها ، فوقفت منه موقف المعادي ونابذته واعتدت على أتباعه من المسلمين بأشد ما يكون، لاسيما كبارها وزعماؤها المنتفعين من الوضع المؤتلفين إياه.

وفي هذا البحث نحاول ان نطلع القارئ الكريم على حال أولئك العتاة، الذين وقفوا موقف المعارض من الدعوة الإسلامية ومحاربة النبي صلى الله عليه وآله، ونوضح ردود أفعالهم تجاه رسالة الإسلام والوحي والقرآن، ونبين المعاناة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وآله والعقبات التي وضعوها أمامه وكيف تمكن الرسول أن يتجاوز كل تلك العقبات، وتمكن من أن يؤسس لأمة تقود العالم بأسره بأفضل القيم وأحسن نظام.

فالأنموذج المعارض الذي سوف نطرحه في هذا البحث هو النضر بن الحارث، وهو من أولئك العتاة الذين وقفوا بوجه الرسول صلى الله عليه وآله والرسالة وعانى منه النبي صلى الله عليه وآله وكان مصداقاً لكثير من الآيات التي تندد بالطغاة والعتاة والمردة والشياطين.

تناول المبحث الأول موقف قريش من الرسول صلى الله عليه وآله والرسالة بشكل إجمالي، تلك المواقف التي وقفها معظم زعماء قريش المناوؤن للنبي صلى الله عليه وآله، وكانت تلك المواقف مرت بمرحلتين المرحلة الأولى قبل إعلان الدعوة و المرحلة الثانية بعد إعلانها، وأما المبحث الثاني فأخذنا النضر بن الحارث كأنموذج لتلك المواقف و بشكل تفصيلي، فتضمن هذا المبحث مطالب عدة تظهر مواقفه وتبين أساليبه في مواجهة النبي صلى الله عليه وآله ومعارضته، أما المبحث الثالث فقد تناول موقف الرسول صلى الله عليه وآله والقرآن من النضر بن الحارث وأسلوب مواجهته وحواره وتبكيته، و سبق ان نشرنا بحثنا الأول الذي تناولنا فيه الوليد بن المغيرة أنموذجا أولا وستليه إنشاء الله نماذج أخر.

المبحث الأول:موقف زعماء قريش الإجمالي من الرسول  صلى الله عليه وآله  والرسالة

وفيه مطالب:

المطلب الأول: موقف قريش قبل إعلان الدعوة

سبق وان ذكرنا أن مكة تبوأت المكان العالي بفضل النظام الذي تمتعت به والتجارة التي امتازت بها والأسواق التي اشتهرت بها، مما جعل مكة عامرة ذات أمجاد وشهرة انفردت بها بين جميع مساكن العرب وقبائلهم، فتعددت فيها الزعامات وتنافست فيما بينها البيوتات على الأمجاد والشهرة، فراح زعماؤها يؤسسون الإيلافات مع الملوك والرؤساء التي أمنت لهم الطرق، وسهلت لهم السبل من خلال اتفاقات وعهود مع الملوك والقبائل التي تقع على الطرق التجارية.

ومما قوى شوكة قريش استئمانها على الكعبة وخدمة حجاجها وعمّارها ووجود الكثير من الأصنام فيها على الكعبة والصفا والمروة التي تعود إلى قبائل متعددة وعشائر متباعدة تقوم تلك القبائل بزيارتها وذبح القرابين لها في المواسم وتنذر لها النذور[4] مما دعا تلك القبائل ان يقيموا علاقات طيبة وصلات حسنة مع قريش حفاظاً على تلك الأوثان والمشاركة في الأسواق بأمان. وقريش من جهتها تريد ان تحافظ على هذا الوضع الذي يضمن لها سيادتها وتجارتها وأسواقها ومنافعها الأخرى، فلا شك أن كل تغيير لهذا الوضع وتبديل لهذه الحال سوف يزعزع توازن قريش ويخل في نظرهم بسمعتها ويضيع عليها امتيازاتها[5]، ومما لاشك فيه سوف تقف بوجهه بشدة وتحاربه بعنف.

لذلك نجد أن زعماء قريش لم يعبئوا بادئ الأمر بدعوة النبي صلى الله عليه وآله مادامت لا تشكل خطراً على تجارتهم وموقعهم أمام القبائل الأخرى، ولم تتجاوز الخطوط الحمراء التي رسموها ضماناً لمصالحهم وحفاظاً على امتيازاتهم، لذا لم تنل من النبي صلى الله عليه وآله في بادئ الأمر شيئاً ولم تتعرض للنبي صلى الله عليه وآله بسوء، نعم هناك بعض البيوتات من قريش تتحسس من هذا الأمر الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله على أساس انه نوع من التنافس بين بيوتات قريش، فبعض البيوتات تخشى ان يرفع هذا الأمر من شأن بني هاشم على حساب البيوتات الأخرى بسبب تنافس قديم وتنافر تاريخي معروف([6])، فهم يخشون أن يسود محمد صلى الله عليه وآله و تصبح له الزعامة المطلقة لما عرفوا عنه من كفاءات ومؤهلات كافية لأن توصله إلى السيادة العامة فيسود بني أبيه فيه.

ومما يؤخر المواجهة كون محمد صلى الله عليه وآله تحت حماية أعظم زعمائهم أبي طالب، ولأبي طالب مكانة خاصة في قريش وله زعامة عامة لا تريد قريش ان تتجاوزه او تغضبه و النبي صلى الله عليه وآله يملك الحصانة التامة من أبي طالب ومن قبله عبد المطلب لذلك لم تواجهه بشئ يذكر في هذه الفترة.

ثم أن النبي صلى الله عليه وآله في أول أمره حرص على أن لا يستفز قريش ويثير حفيظتها ويؤجج نار عصبياتها، هو الخبير بوضع قريش وطبيعة منافساتها ومنافراتها وحكمها وحكامها، فأتخذ من الدعوة السرية ساتراً والدعوات الفردية ملاذاً وطريقاً في التبليغ ثلاث سنوات، لا بمعنى أن قريش لا تعلم بدعوته نهائياً ولا تلحظ تحركاته إطلاقاً، نعم تعلم بوجود دعوى من قبل محمد صلى الله عليه وآله بنحو إجمالي وتلحظ تحركاته بلا ريبة؛ لأنها لا تعلم بتفاصيلها التشريعية والعقائدية وموقفه مما هم عليه من عبادة الأوثان وعاداتهم وعباداتهم؛ لأنه صلى الله عليه وآله يحاول أن لا يصل إلى قريش ما يستفزها وينفرها، حيثما تتقوى الدعوة ويكثر الأنصار ويعمق الإيمان كما تشير إلى ذلك بعض الأخبار والروايات، ففي خبر عن كنز العمال عن إبن مسعود أنه قال: «أول شئ علمته من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أني قدمت مكة مع عمومة لي فأرشدونا إلى العباس إبن عبد المطلب فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا أبيض تعلوه حمرة، له وفرة جعدة إلى أنصاف أذنيه، أقنى الأنف، براق الثّنايا، أدعج العينين، كث اللحية، دقيق السرية، شئن الكفين والقدمين، عليه ثوبان أبيضان، كأنه القمر ليلة البدر يمشي على يمينه غلام أمرد حسن الوجه مراهق أو محتلم، تقفوه امرأة فقد سترت محاسنها، فقصد نحو الحجر فأستلمه، ثم استلمه الغلام واستلمته المرأة ثم طاف بالبيت سبعاً والغلام والمرأة يطوفان معه، فقلنا: يا أبا الفضل إن هذا الدين لم نكن نعرفه فيكم. أو شئ حدث؟ قال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله، والغلام هو علي ابن أبي طالب، والمرأة امرأته خديجة، أما والله ما على وجه الأرض من أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة»[7] وهذا يدل على عدم اكتراث العباس ولا غيره بهذا الفعل وهذا الدين.

ومع أن الدعوة سريّة فقد سربت أخبارها، ولكن المكّيين في تلك المرحلة لم يتحسسوا بأخطارها، ولعلهم ظنّوا أن حديثها لا يزيد عن أحاديث الكهان والمتألهين أمثال قس بن ساعدة وزيد بن عمرو وأمية بن أبي الخلف و غيرهم ممن تركوا عبادة الأصنام و خرجوا من مكة يبحثون عن دين تقبله عقولهم[8].

والواقع أن أصل الدعوة كان معلوماً لدى قريش إلا أن تفاصيلها غير معلومة و خاصة ما يخص نبذ آلهتهم.

فقد ذكر اليعقوبي أقام رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث سنين يكتم أمره وهو يدعو إلى التوحيد لله عزّ وجلّ وعبادته والإقرار بنبوّته، فكان إذا مر بملأ من قريش قالوا أن فتى ابن عبدالمطلب ليكلم من السماء[9]، وهذا يدل على علمهم الإجمالي بالدعوة ولم تكن معهم مواجهة.

وذكر ابن إسحاق بعد ذكر ممن أسلم قبل الدعوة العلنية يقول: ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من النساء والرجال وتحدث به، فلما أسلم هؤلاء النفر وفشا أمرهم بمكة أعظمت ذلك قريش وغضبت له وظهر فيهم لرسول الله البغي والحسد[10]، ومنه يظهر أن كثرة عدد المسلمين كمّاً ونوعاً هو الذي أغضب قريش.

وفي نص ابن هشام الذي يرويه عن ابن إسحاق يقول: فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وآله قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يروا عليه_ فيما بلغني _ حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته[11] وربما ذكر الآلهة التي تمثل القبائل العربية فيهم يخشون التعرض لها عداء أصحابها من القبائل فتفسد عليهم تجارتهم وأسواقهم فلم يعد بإمكانهم السفر بأمان عبر هذه الصحراء البعيدة فتتعرض قوافلهم إلى تحرشات تلك القبائل.

والواقع أن التصعيد كان تدريجياً، وكان في أوجه عندما صدع بالرسالة وأعلن مبادئها التي اعتبرها المبادئ الصحيحة دون غيرها فشعروا أنها تهدم كل أمجادهم وتضيع عليهم تجارتهم وزعامتهم المعنوية وشرفهم الذي ذاع في الأصقاع.

المطلب الثاني: أساليب المواجهة بعد أن صدع الرسول (ص) بدعوته

بعد ان عرفت قريش مبادئ الدعوة وحقيقة الرسالة التي صدع بها الرسول صلى الله عليه وآله بأمر من الله ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الحجر94، واجهته قريش ولاسيّما زعمائها بمختلف الأساليب ونابذته بكل الوسائل وسخرت كل قواها ورجالها للحيلولة بين الرسول صلى الله عليه وآله ونشر رسالته، فمن هذه الأساليب هي:

الحوارات والوساطات

اجرى زعماء قريش بادئ الأمر مع النبي صلى الله عليه وآله الكثير من الحوارات للتعرف على أهدافه، ومن ثم إقناعه للإعراض عنها، ولما علموا انه لا تنفع معه هذه الحوارات التجأوا إلى  الوساطات، لاسيما إلى عمه ابي طالب بإعتباره حامي الرسول واقرب الناس اليه وزعيم قريش، والمؤثر الأول عليه وعلى قريش فهي لا تتجاوزه ولا تأخذ رأياً من دونه، والواقع ان هذا الحوار مر بمراحل عدة واستعملت عدة أساليب بين اللين والشدة والإغراء والحرمان جماعات ووحدانا منها:

المرحلة الأولى: أسلوب الحوار الإغرائي

وفي هذه المرحلة تصور زعماء قريش أن محمداَ صلى الله عليه وآله كإنسان عادي يحمل المشاعر التي يحملونها والأطماع التي يتوقون إليها والطموحات التي يحلمون بها والأحلام التي ينشدوها فعليه لو تحققت هذه الأهداف والأحلام والطموحات سوف يعرض عن دعوته ويترك رسالته، وهذا في الواقع من وحي طموحاتهم ونفسياتهم وآمالهم وأحلامهم المادية، فإنهم تصوّروا أن طموحات محمد صلى الله عليه وآله، لا تتعدى طموحاتهم، وآمالهم لا تختلف عن آمالهم ونفسيته لا تتعدى نفسياتهم، لذلك قدموا له العروض والخيارات المغرية التي هي في الواقع عبارة عن أعلى طموحاتهم وآمالهم، وهي الجاه، النساء، المال، وتصوّروا أن هذه دوافع دعوته وسبب نشاطه وعلة همته، فإذا وفرناها له فقد بلغ هدفه ووصل الغاية فعندها لم يبق مبرر لإستمراره بالدعوة وبذلك إنشغل بما لديه وكف عن سب آلهتهم ونبذ عقائدهم وحلت المشكلة، ولعل البعض يرى أن هذه طموحات كل إنسان فعندها حتى لو لم تكن هذه او بعضها من طموحاته المحركة فإن هذه العروض مغرية وكافية لثنيه عن دعوته وحركاته الأصلية، ولذلك إعتقدوا أن مثل هكذا إنسان لا تؤثر به هذه العروض فهو إنسان غير طبيعي إستثنائي، وفي نظرهم الإستثناء السلبي لا الإيجابي، ولما جاء جوابه صلى الله عليه وآله مغايراً لكل توقعاتهم وبعيد عن كل طموحاتهم  فقد حسم الأمر بقوله صلى الله عليه وآله المشهور: «والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر حتى أنفذه أو أقتل دونه[12]»، وأنه مصر على دعوته ولم تؤثر به كل هذه العروض الإغرائية التي عرضوها من مال وملك ونساء عندها بدءوا يفكرون بأساليب أخرى ووسائل غيرها.

المرحلة الثانية: المطالب التعجيزية

ففي هذه المرحلة قدمت للرسول صلى الله عليه وآله مجموعة من المطالب والأسئلة هي في نظرهم تعجيزية بالنسبة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وإن كان ظاهرها طلبات واقعية وحاجة ملحة لمكة وإن  إجابتها تثبت نبوة محمد صلى الله عليه وآله وتلبي حاجة مكة وتخلص أهلها من معانات ليس هو بعيد عنها، وبذلك حققت الهدفين إثبات النبوة ورفاه مكة، وقد ذكر القرآن الكريم تلك المطالب وأجاب عليها بقوله تعالى: ﴿ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً ﴿90﴾ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ﴿91﴾ وَ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً ﴿92﴾ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ﴿93﴾الإسراء، أو ﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَـٰــئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ الحجر7.

ولعل من جملة أهدافهم ان يثيروا مشاعر المكيين عليه وبيان عجزه وكذبه، لكنه صلى الله عليه وآله لم يستجب لمطالبهم لا عجزاً ولا رغبة ولا أنفة ولا بخلاً، إنما المبادئ التي تحملها رسالته وحكمة الأساليب المكلف بإتباعها في دعوته، ومصلحة مجتمعه وأمته التي كان عليها حريصاً، فلا يريد أن يكون سبباً الى نهايتهم وطريقاً لإبادتهم كما أبيدت الأمم الأخرى من قبلهم، فهو رحيم بهم حتى سميت أمّته الأمّة المرحومة، وسميت خير أمة بأفضل دين، أما المشركون من قومه فواجهوه بهذه المطالب التي في ظاهرها مصلحة أهل مكة وسعادتهم لو تمكن محمد صلى الله عليه وآله من تحقيقها ليتعاطف معهم عموم اهل مكة وسكانها، وهم في قرارت أنفسهم يعتقدون أنها مطالب تعجيزية وأمور غير قابلة للتحقيق، وفي حالة عدم إستجابته أشاعوا انه عاجز كذاب ليس نبي وليس له علاقة في السماء، فلهم الحجة البالغة عندئذٍ ان يتصرفوا مع محمد صلى الله عليه وآله بما شاءوا من طرد او إبعاد أو قتل او حبس او حجر او تصفيد او...، وكأنها مقدمة للإجتماع الذي حصل بعد وفاة أبي طالب للتآمر لقتل النبي صلى الله عليه وآله والتخلص منه، فتوحدت كلمتهم على ذلك وأجمعوا أمرهم على إنهائه، ولكن هؤلاء لم يعرفوا أبعاد الرسالة ولم يعلموا غاياتها ولا من يرعاها فأجابهم رسول الله على قدر عقولهم وبما يتناسب ونفسياتهم جواباً واحداً لكل الأسئلة التي طرحت عليه كما ذكر ذلك القرآن الكريم ﴿ قلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ﴾الإسراء93، ولما طلب منه نزول الملائكة كما ذكر القرآن الكريم في سورة الحجر ﴿وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴿6﴾ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿7﴾الحجر، فكان جوابه كما ذكره القرآن في نفس السورة ﴿ مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ ﴿8﴾ فنزول الملائكة معناه نهايتهم، لأن الحجة سوف تتم عليهم فلم يعد لهم عذر اذا ما خالفوا فيستحقوا العذاب وهي سنة جرت على الأمم السابقة والأقوام السالفة كقوم نوح وعاد وثمود وقوم صالح وما قوم لوط عنهم ببعيد فلما إستجاب لهم رسلهم لما أرادوا ومع ذلك لم يطيعوا جاءهم العذاب من حيث لا يعلمون، ورسول الله يعلم ان أسئلتهم ومطالبهم ليست استفهامية ولا بحثاً عن الحقيقة وإنما لتعجيز النبي صلى الله عليه وآله هذا ظنهم، وهذا ما لا يريده الرسول لهم لأن فيه نهايتهم والنبي صلى الله عليه وآله جاء رحمة للعالمين، لا نقمة للآخرين، ومن جهة ثانية مقتضى الابتلاء والامتحان حيث أن الله سبحانه وتعالى يمتحن عباده في تصديق الرسل بأمور من خلالها يعرف صدق إيمانهم وعمقه، وهل هو عن تفكر وتأمل وإستنتاج وتعقل بما يقدم لهم من الأدلة والبراهين؟ فلو كشف الغطاء لبطلت الحكمة من الابتلاء وضاعت الفائدة من الامتحان فلا تفاضل ولا درجات، ولذلك كانت إجابته واحدة على كل ما عرضوه عليه من مطالب كما مر وعبر عنه بلسانه، كما في الرواية وهو قوله صلى الله عليه وآله: «ولكني بعثني بشيراً ونذيرا، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم[13]»، فلو استجاب لمطالبهم لضاعت الحكمة، فإذا استجاب لمطالبهم ولم يذعنوا أبيدوا وهلكوا والرسول لديه مهمة إبلاغ الرسالة الخاتمة لكل البشر في كل الأجيال، والإنسان لابد له من امتحان فلا يعطى ما يريد إلا بعد الامتحان.

المرحلة الثالثة: الحرب النفسية

هذه المرحلة إتّصفت برمي النبي صلى الله عليه وآله بكثير من التّهم الكاذبة والصفات السيئة كالجنون والسحر والكهانة والشعر وأضغاث أحلام وإفتراء وكذب، كما ذكر ذلك القرآن الكريم ﴿ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا ءالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍالصافات36، وقال تعالى:﴿ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌالذاريات2، وقال تعالى: ﴿ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ص4، وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَالزخرف 49، وقال تعالى: ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ يونس2، قال تعالى: ﴿ وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الحجر6، وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌالدخان14، وقال تعالى:﴿ وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌالقلم51، قال تعالى: ﴿ بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَالأنبياء 5، وقال تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِالطور30، وغيرها من التّهم التي تعتبر من الحرب النفسية لزعزعة ثقة الناس به أو أنهم يظنون أنهم يضعفوا إرادة الرسول أو يفتوا في عضده أو يبعثوا في نفسه اليأس من إستجاب قريش له فأجابهم الرسول صلى الله عليه وآله كما ذكر القرآن الكريم: ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍالطور29، وقال تعالى: ﴿ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ الحاقة42، وقال تعالى: ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَالحاقة 41، وقال تعالى: ﴿ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍالقلم2، وقال تعالى: ﴿ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍالتكوير22، فبين القرآن ان هذه المسؤولية نعمة، وتبليغها نعمة، وقبولها نعمة، ثم توجه الى المناوئين ورد كل تخرصاتهم ومدعياتهم فلا هو كاهن ولا شاعر ولا ساحر ولا مفتري ولا كاذب ولا تابع ولا مجنون.

ومن جملة الحرب النفسية إدعاؤهم بأنهم أرادوا ان يطببوا النبي صلى الله عليه وآله ويعالجوه مما هو فيه فقالوا له: إن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئى تراه قد غلب عليك،      وكانوا يسمون التابع من الجن رئي ــــ فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منهُ، أو نعذر فيك، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: «ما أدري ما تقولون، ما جئتكم به لطلب أموالكم، ولا شرف فيكم، ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليّ كتاباً، وأمرني أني لكم بشيراً ونذيراً فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوا عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم[14]»، فكان الجواب واحد من النبي صلى الله عليه وآله إصراره على مواصلة المسيرة والصبر على كل ألوان الأذى والأقاويل.

فوضعوا التطبيب ـــ كما يدعون ـــ احد الحلول، بعد ان وضعوا لكل احتمال حلً في تقديرهم، فأبدوا استعدادهم ان يبذلوا كل ما يستطيعون من مال من أجل تطبيبه من هذه الحالات التي يدعونها كونه مجنوناً او مسحوراً وما شاكل ذلك ووراء ذلك حرب نفسية حاولوا ان يفتّوا من عضد النبي ويفرقوا الناس عنه، وفي الواقع هذا الإحتمال ضعيف في نظرهم ولا يؤمنون به في دواخلهم لما عرفوه من شخصية محمد صلى الله عليه وآله، وما عرفوه من الجن والكهانة والسحر والشعر فلا ينطبق عليه، لذا لا نجد من يؤمن بهذا الحل، ولكن ربما طرحه بعضهم لإستقراء كل الإحتمالات التي يمكن ان تكون سبباً للمشكلة لتكون الحجة تامة نظرياً لإكتمال الاستقراءات الممكنة او لإظهار تعاطفهم معه ليرد التعاطف بالتعاطف او حرباً نفسية، وطرحت هذه الإحتمالات بعد الإجابة السلبية من قِبل النبي صلى الله عليه وآله على كل العروض السابقة والإغراءات الكبيرة، فتطبيب النبي صلى الله عليه وآله الذي ظاهره تعاطف وحرص على النبي صلى الله عليه وآله، لكنه يستبطن أكثر من هدف وغرض لقريش لعل بعضها الإستخفاف بالنبي صلى الله عليه وآله وتضعيف موقفه أمام الناس والازدراء بشخصيته لإبعاد الناس عنه، وهو جزء من الحرب النفسية والإعلامية التي شنها زعماء قريش لمواجهة النبي صلى الله عليه وآله وكان النضر بن الحارث من أكثر الذين استعملوا الإشاعات والحرب النفسية، فقابل النبي صلى الله عليه و آله هذ5 الحرب باللامبالاة وعدم الاكتراث ليرد الصاع صاعين  من خلال تكراره لجواب واحد في جملة مقتضبة كما ذكرنا سابقا ، وبهذا فقد هزمهم نفسيا وإعلاميا قبل أن ينالوا منه شيئا.

المبحث الثاني:موقف النضر بن الحارث من الرسول والرسالة

استعملت قريش_ كما مر_  كل الأساليب المختلفة  لمعارضة النبي صلى الله عليه و آله وجميع  الطرق  للوقوف بوجهه، وشتى الوسائل  للحئول دون تبليغ رسالته، وأصناف العقبات لمنعه من الوصول إلى  هدفه،  فلم تترك أسلوبا للمواجهة إلا اتبعته، ولا طريقا إلا سلكته،  ولا وساطة إلا دفعتها خوفا على مصالحها وعنادا وعصبية لجاهليتها،  وكذلك النبي صلى الله عليه و آله لم يترك طريقا لهدايتهم إلا سلكة،   ولا أسلوبا إلا واستعمله،  ولا حكمة إلا وعمل بها يستمد ذلك من السماء  وبتوجيه من مرسله كما قال تعالى  : (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2} وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى النجم الآية 2ـ5 وقوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} الأنعام 106

ومن جملة الأساليب المتبادلة : الحوار مع زعماء قريش بشكل فردي، بدعوة منه او منهم تارة بلين و أخرى بشدة ، وهذا النضر بن الحارث واحد من أولئك الزعماء الذين واجهوا النبي بمختلف الأساليب، واجرى معه حوارات متعددة واستعمل وسائل كثيرة لمواجهة النبي صلى الله عليه و آله ومحاربته ، من هنا سوف نعرض تلك المواقف وسائر أساليبه وخططه التي عارض بها الرسول صلى الله عليه و آله وكيف واجهها الرسول صلى الله عليه و آله بالاستعانة بالقرآن.

المطلب الأول: هوية النضر وثقافته

قبل أن نعرض مواقفه وأساليبه في المواجهة علينا ان نتعرف على هويته وشخصيته الثقافية والقيم التي تسيره والأفكار والأخلاق التي يتبناها ، أما هويته فهو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار يكنى أبا قائد، ، وكان صاحب أحاديث، ونظر في كتب الفرس، خالط النصارى واليهود وقرأ  كتبهم ، وهو ابن خالة النبی صلى الله عليه و آله، اما ثقافته  إذا كان رجل من قريش يحمل بعض المعارف فهو النضر بن الحارث، فكان ذا رواية لأحاديث الناس و أشعارهم كما ورد ذلك عن أبي جعفر الطبري[15] ، فهو بالإضافة إلى  مطالعاته كانت لهُ أسفار يتتفع بها للاطلاع على أحوال الأمم و عاداتهم و أعرافهم و قصصهم. فقد ذكروا أن النضر بن الحارث كان يختلف إلى  الحيرة فيسمع سجع أهلها و كلامهم [16]. و كذلك كان يتجر فيخرج إلى  بلاد فارس فيشتري أخبار الأعاجم و يحدث بها قريشاً بأحاديث رستم و إسفنديار و أخبار الأكاسرة [17]. وكان يلقب شيطان قريش، و قد أخذ الطب والفلسفة مع أبيه في الحيرة ، وكذلك تعلم ضرب البربط[18]، وغنى غناء أهل الحيرة، وعلم ذلك قوماً من أهل مكة. وكان غناؤهم قبل ذلك النصب، واشترى قينتين للغناء[19] ،  وقالوا لم تكن قريش تعرف من الغناء إلا النصب، حتى قدم النضر بن الحارث بن كلَدَة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي من العراق وافداً على كسرى بالحِيرَةِ؛ فتعلم ضرب العود والغناء عليه؟ فقدم مكة فعلّم أهلها، فاتخذوا القينات[20]، وقيل أن النضر بن الحارث على ما كان يدعيه من علم تلقاه من مدرسة جند يسابور كان يعلمهم أخبار الفرس فقط [21].

وقيل انه تعلم هذه الأحاديث بعد ما كان النضر بن الحارث يختلف تاجرًا إلى  فارس، فيمرّ بالعِباد وهم يقرءون الإنجيل ويركعون ويسجدون. فجاء مكة، فوجد محمدًا صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه وهو يركع ويسجد، فقال النضر: "قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا!"، للذي سَمِع من العباد. فنزلت الآية[22] {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ}الأنفال31.

وفي قول آخر نقله القرطبي في تفسيره  كان النضر  خرج إلى  الحيرة في التجارة فاشترى أحاديث كليلة ودمنة، وكسرى وقيصر، فلما قص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبار من مضى قال النضر: لو شئت لقلت مثل هذا[23]،.ويمكن ان تكون له اكثر من رحلة وفي كل مرة يتعلم شيئا يحاول أن يوظفه في معارضته للنبي صلى الله عليه وآله[24].

اما موقفه  فقد كان أشد قريش مباداة للنبي صلى الله عليه آله بالتكذيب والإشاعة والادعاء و سوف نعرض ذلك في المطالب التالية.

المطلب الثاني: دور النضر في مواجهة الرسول صلى الله عليه وآله

سبق وان تحدثنا عن  شخصية النضر الثقافية ورحلاته المتعددة  إلى  الكثير من الأصقاع والأمصار واطلاعه على بعض العقائد والأفكار،  مما جعل منه وسيلة دعائية ضد النبي صلى الله عليه و آله، و استفادت قريش منه  تدفع به للمواجهة وجدال النبي صلى  الله عليه و آله ومعارضته ، و من هذه  محاكاته في مجلسه وبث الدعاية و الأكاذيب والإشاعات التي تشوه شخصية النبي صلى الله عليه و آله  وتشين الى سمعته، إلا انه لم يوفق في كل ذلك فالتجأ إلى  التشويش والاستهزاء و بث الدعايات المعادية للنبي صلى الله عليه و آله والتحريض عليه، فوظف كل إمكاناته لمواجهة الرسول صلى الله عليه ولكن بفضل حكمة النبي وإسناد الوحي خاب وخسر الدنيا والآخرة  و هذه بعض أفعاله:

اولا: جلوس النضر مجلس النبي صلى الله عليه و آله وتقليده بقصصه وأحاديثه

كَانَ النضر  إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللّه - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلّمَ - مَجْلِسًا فَذَكّرَ فِيهِ بِاَللّهِ وَحَذّرَ قَوْمَهُ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْأُمَمِ مِنْ نِقْمَةِ اللّهِ، خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إذَا قَامَ ثُمّ قَالَ أَنَا وَاَللّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أحسن  حَدِيثًا مِنْهُ فَهَلُمّ إلَيّ فَأَنَا أُحَدّثُكُمْ أحسن  مِنْ حَدِيثِهِ ثُمّ يُحَدّثُهُمْ عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَرُسْتُمَ واسفنديار، ثُمّ يَقُولُ بِمَاذَا مُحَمّدٌ أحسن  حَدِيثًا مِنّي[25]   ولعل بعض الناس لا يميز بين حكمة القرآن ولهو النضر، والبعض الآخر  ما يهمه ان يشغل نفسه بلهو الحديث  بعيدا عن الجد والمسؤولية والبحث عن الحقيقة ، لكن في العرب وقريش الكثير ممن يميز بين الحكمة واللهو والكلام البليغ واللغو   والحقيقة والخيال، فهؤلاء لم تنطل عليهم  خيالات النضر ولا قصصه وأوهامه ولغوه ولكن المصالح والمطامع والخوف على الجاه والسمعة يمنعهم من قول الحق والإصحار به ، وقد رد القرآن  الكريم على جلوسه هذا وتخرصاته على النبي صلى الله عليه و آله في أكثر من آية، وسنعرض تلك الآيات في مطلب خاص.

لكن أين قصص النضر وأساطيره من القصص القرآني المملوء بالحكمة والموعظة الحسنة  والعبر والاعتبار وما فيه من حقائق تاريخية وعلمية واقعية خالية من الشك والوهم والافتراء.

ثانيا:  مواجهة النبي من خلال مدعيات كاذبة :

اـ ادعاؤه الملائكة بنات الله

ثم أن النضر يبدو انه كثيرا ما يتفاخر بمعارفه على أبناء جلدته ليضللهم فراح يدعي دعاوي عريضة يحاول ان يظهر فيها انه أكثر معرفة من النبي صلى الله عليه وآله واكثر خبرة واطلاع ،   فمن جملة ذلك انه ادعى ان الملائكة بنات الله  كما في الرواية التي يرويها مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ قَالَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حِينَ نَزَلَتْ {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوّلُ الْعَابِدِينَ} الزّخْرُفِ 81 ] وَكَانَ النّضْرُ قَدْ قَالَ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ الرّحْمَنِ فَلَمّا سَمِعَ الْآيَةَ قَالَ أَلَا تَرَاهُ قَدْ صَدّقَنِي، فَقَالَ لَهُ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ - وَكَانَ أَفْصَحَ مِنْهُ - لَا وَاَللّهِ بَلْ كَذّبَك، فَقَالَ مَا كَانَ لِلرّحْمَنِ مِنْ وَلَدٍ [26].

ب ـ ادعاؤه انه أحسن  حديثا من محمد صلى الله عليه وآله

في اكثر من مرة يدعي انه أحسن حديثا من النبي صلى الله عليه وآله لذا كان يجلس مجلس النبي صلى الله عليه وآله وكان يحدث، ثم يقول: أينا أحسن  حديثا، أنا أم محمد[27] ؟ وقد مر في الفقرة السابقة  وتكررت منه أكثر من مرة  وذكر ذلك أصحاب التاريخ والحديث والمفسرون كثيرا

ج ـ ادعاؤه ان القرآن أساطير الأولين

فكان يقول: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين. فنزلت فيه عدة آيات توبخه وأمثاله من يدعون هذا الادعاء منها: " وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين[28] " هذا شعار يبدو ان النضر أطلقه واخذ يردده الكثير من المشركين في مناسبات متعددة لبيان ان محمد صلى الله عليه وآله لا يمتاز عن غيره، فهذا النضر يسرد لكم من الأقاصيص المثيرة والاخبار الغريبة  التي تجلب الانتباه وتشد السامعين ولم يدعي نبيا ولا يكلم من السماء ولا يأتيه وحي ولا يسب الأجداد ولا ينكر الآلهة، فنزلت جملة من الآيات توبخ هذا النوع من التفكير ومن يحمل هذا الادعاء.

ثالثا : النضر يخالف تعهده من إتباع النبي الذي توقع ظهوره

ومما امتاز به النضر انه أثناء مخالطته اليهود والنصارى ولما سمع منهم ان نبيا على وشك الظهور عندها أعطى عهدا أن يكون أول من يؤمن به، لكنه لم  يوافه الحظ بل وقف موقف المناوئ للنبي صلى الله عليه و آله  والمعادي له وممن يصده عن أداء رسالته، فذكره القرآن بذلك وندد بموقفه المخالف لعهده،

يذكر إبن الأثير في الكامل[29]. كان النظر بن الحارث ينظر في كتب الفرس و يخالط اليهود و النصارى و سمع بذكر النبي صلى الله عليه و اله و سلم و قرب مبعثه فقال إن جاءنا الذكر لنكون أهدى من إحدى الأمم   فنزلت فيه  {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ{ الأنعام109 وبدل من وفائه لقسمه وإيمانه في الرسول ونصرته وتأييده له راح يدعي ان ما يقوله محمد هي أساطير الأولين وهو قادر ان يقول أحسن  منه، وبذلك استحق هذا التقرِيع  والتنديد به نتيجة  لموقفه المخالف لما تعهد به من اتباع الرسول صلى الله عليه وآله ، والمفروض ان من لديه هذا الاطلاع وهذه المعرفة  ان يكون اول المهتدين،  بعد ان  تهيأت له الفرصة للاطلاع المسبق من أهل الكتاب بالرسول صلى الله عليه و آله وعلمه بظهوره ،وهو الآن يعاينه ويعرف ان محمدا صلى الله عليه وآله صادقا وأهل مكة يسمونه الصادق الأمين وهو الذي بشرت به اليهود والنصارى ، لكنه راح يخبط في معارفه وعهوده خبط عشواء، همه ان يشار إليه بالبنان، ويتحدث عنه في أندية قريش انه عارض محمدا وتحداه ، من غير ان ينظر في عواقب الأمور من انه خالف عهده ونقض مسؤوليته وابتعد عن الأعراف السائدة عند العربي ومن أبرزها الوفاء بما عهد على نفسه، ، لكنه كما يبدو خضع للقرار القرشي القاضي بمحاربة النبي بكل السبل والوسائل والوقوف بوجه من يتهاون مع النبي او يبد له لينا أو تأييدا أو قبولا؛ هذا القرار  ولد عقلا جمعيا_ تبناه زعماء قريش ووافقهم سائر الناس_ ضاغطا على النضر وغيره يمنعهم من التقرب من النبي صلى الله عليه وآله وسماع قوله وتصديق دينه فراحو يتيارون أيهم اشد على الرسول صلى الله عليه وآله اذا ، وأيهم أعظم تقريعا، هذا الذي أنسى النضر عهوده والغى مواثيقه.

رابعا : النضر يحاول ان يقتل النبي صلى الله عليه و آله

اكثر من طاغية من طغاة قريش حاول قتل النبي صلى الله عليه وآله وباءت جهودهم بالفشل وكان الله لهم بالمرصاد لانهم {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}التوبة32 {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}الصف8 فواحدة من المحاولات الخسيسة التي قام بها النضر لقتل النبي صلى الله عليه وآله كما يرويها عروة بن الزبير حيث قال: « كان النضر بن الحارث ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله ويتعرض له فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله يوما يريد حاجته نصف النهار في حر شديد فبلغ أسفل من ثنية الحجون وكان يبعد إذا ذهب لحاجته فرآه النضر بن الحارث فقال: لا أجده أبدا أخلى منه الساعة فأغتاله قال: فدنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم انصرف راجعا مرعوبا إلى منزله فلقيه أبو جهل فقال: من أين الآن ؟ فقال النضر: أتبعت محمدا رجاء أن أغتاله وهو وحده ليس معه أحد فإذا أساود تضرب بأنيابها على رأسه فاتحة أفواهها فهالتني فذعرت منها ووليت راجعا فقال أبو جهل: هذا بعض سحره »[30] وهذه الحالة تكررت أكثر من مرة قام بها أكثر من واحد ومنهم ابو جهل وفي كل مرة يحميه الله بالعناية الخاصة كي تكون رادعا و حجة عليهم ودليلا وبرهانا على نبوته.

خامسا : النضر رسول قريش إلى أهل الكتاب

بناءً على ثقافة النضر وعلاقته بأهل الكتاب والفرس كما بينا سابقا، فصار معتمد قريش في المسائل المعرفية. وبعد ان عجزت كل الوسائل لثني الرسول صلى الله عليه وآله عن رسالته او تحجيمه او إيقافه عند حده، أقدمت على  خطوة جديدة وهي استطلاع أمر محمد صلى الله عليه وآله من اهل الكتاب، فهم اكثر خبرة وأوسع اطلاع لما عندهم من الكتب المقدسة والآثار القديمة التي ربما وجدوا الحل فيها ، فذكرت الروايات ان قريشا بعد حوارهم الطويل مع النبي صلى الله عليه و اله و سلم وما قدموه من إغراءات وتهديد و وساطات ووعيد مع كل ذلك لم يتمكنوا من ان يثنوا النبي صلى الله عليه و آله عن تبليغ رسالته ولا أن يصلوا إلى نتيجة ترضيهم او يفتوا في عضده ، او ينالوا من عزيمته هذا من جهة، ومن جهة أخرى التصريحات الخطيرة من بعض زعمائهم التي تعبر عن ضعفهم أمام النبي صلى الله عليه و آله وإعجابهم بالقرآن وبلاغته حتى كاد بعضهم أن يصبو إلى النبي صلى الله عليه و آله كالوليد وعتبة وأبو احيحة وحتى النضر نفسه ، وهو عمدتهم الفكرية فقد قال مرة لقريش : فأنهُ و الله لقد نزل بكم أمر عظيم [31]. كل هذا يعبر عن العجز الذي وصلت اليه قريش أمام النبي صلى الله عليه و آله وأمام القرآن، مما دفعهم إلى ان يستطلعوا امر محمد صلى الله عليه و آله من أهل الكتاب حيث يعتقدون أنهم اعلم منهم ، فأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ النّضْرَ وَابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إلى أَحْبَارِ يَهُودَ يَسْأَلَانِهِمْ عَنْ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله وهذا نص الرواية:

قَالُوا لَهُمَا: سَلَاهُمْ عَنْ مُحَمّدٍ وَصِفَا لَهُمْ صِفَتَهُ وَأَخْبِرَاهُمْ بِقَوْلِهِ فَإِنّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأُوَلِ وَعِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَوَصَفَا لَهُمْ أَمْرَهُ وَأَخْبَرَاهُمْ بِبَعْضِ قَوْلِهِ وَقَالَا لَهُمْ إنّكُمْ أَهْلُ التّوْرَاةِ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبِنَا هَذَا. فَقَالَتْ لَهُمَا أَحْبَارُ يَهُودَ سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنّ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنّ فَهُوَ نَبِيّ مُرْسَلٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرّجُلُ مُتَقَوّلٌ فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ. سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ مَا كَانَ أَمْرُهُمْ فَإِنّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجَبٌ وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا مَا كَانَ نَبَؤُهُ وَسَلُوهُ عَنْ الرّوحِ مَا هِيَ ؟ فَإِذَا أَخْبَرَكُمْ بِذَلِك فَاتّبِعُوهُ فَإِنّهُ نَبِيّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوّلٌ فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ. فَأَقْبَلَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ حَتّى قَدِمَا مَكّةَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ قَدْ أَخْبَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ أَمَرُونَا بِهَا، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ عَنْهَا فَهُوَ نَبِيّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرّجُلُ مُتَقَوّلٌ فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ[32] ، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا: فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبركم غدا بما سألتم عنه". ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، لا يُحدث الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل، عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليوم خمسَ عشرةَ قد أصبحنا فيها، لا يُخبرنا بشيء عما سألناه عنه. وحتى أحزنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكثُ الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل، عليه السلام، من عند الله، عز وجل، بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخَبَر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء:85] [33].ذكرنا الرواية بطولها لأنها في الواقع تعكس الحالة التي يعيشها زعماء قريش وتبين موقف النبي صلى الله عليه و آله بشكل واضح ولعل الرواية فيها الكثير من المسائل العقائدية والمعرفية وترد عليها الكثير من الأسئلة ليس هذا محلها وإنما الشاهد فيها اضطراب قريش في أمر النبي صلى الله عليه و آله واعتمادها على النضر في مثل هذه المسائل.

و في رواية أخرى و لعلهُا في رحلة ثانية أن قريشاً أرسلوا النضر بن الحارث و عقبة بن معيط و العاص بن وائل إلى نجران[34] ليستعلموا من علماء النصارى مسائل يسألونها عن رسول الله صل الله عليه و اله و سلم. وكان مما طلب النصارى من الوفد ان يسالوا من محمد متى تقوم الساعة ، فأنزل الله سبحانه {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} الأعراف 87 1[35].

ووردت روايات متعددة في خصوص بعثة النضر لا باس من الاطلاع عليها لأنها تساعد ان تعطي رؤيا عن حالة الصراع والجدل بين زعماء قريش والنبي صلى الله عليه و آله والموقف القرآن والنبي صلى الله عليه و آله من هذا الصراع والجدل فمن تلك الأخبار هي:

عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث بن علقمة وعقبة ابن أبي معيط وغيرهما إلى يهود يثرب وقالوا لهم: سلوهم عن محمد، فقدموا المدينة فقالوا: أتيناكم لأمر حدث فينا، منا غلام يتيم حقير يقول قولاً عظيماً يزعم أنه رسول الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة، قالوا: صفوا لنا صفته، فوصفوا لهم، قالوا: فمن تبعه منكم؟ قالوا: سفلتنا، فضحك حبر منهم وقال: هذا النبي الذي نجد نعته ونجد قومه أشد الناس له عداوة [36].وهذه الرواية تحتاج إلى وقفة حيث نفهم منها على ان مواصفات النبي صلى الله عليه وآله معلومة عند أهل الكتاب ومن صفاته ان قومه من يقف بوجهه ومن يتبعه هم الضعفاء، ومعنى ذلك ان موقف زعماء قريش السلبي ومن ضمنهم النضر وأشباهه دليل من أدلة صدق الرسول صلى الله عليه و آله وعلامة من علامات نبوته فهو حجة على أهل الكتاب وعلى قومه.

ومن مجموع هذه الروايات سواء كانت رحلة واحدة أو رحلتين أو أكثر و سواء كانت إلى المدينة أو إلى نجران او غيرها من المدن فإنها تتفق على ان النضر على رأسها وهو المتكلم فيها لأن هذا الرجل شبه متخصص في قضايا العقائد و الأديان والأعراف خارج نطاق مكة لما له من الرحلات والسفر إلى خارج مكة، و لذلك انتخب لهذه المهمة، و المتوقع منه ومن أشباهه أن يكون أول المؤمنين به المؤيدين له لأنهُ من أهل الاختصاص. والتحليل النفسي لموقفه هذا يقضي انه يسير خلاف عقله وأحاسيسه، لذا حاول ان يبتعد عن واقعه إلى عالم آخر بعيد عن الواقع والمسؤولية الملقاة عليه، فهرب إلى  الموقف المعادي والمكذب للرسول وبالغ في هذا العداء حتى يبتعد أكثر ويأتلف اختياره الخاطئ وفي نفس الوقت يسترضي عموم قريش لذا التجأ إلى هذه التخرصات من قوله إنما بأتيكم محمد بأساطير الأولين وقال لما سمع كلام النبي صلى الله عليه و اله و سلم و القران فقال سمعنا مثل هذا لو نشاء لقلنا مثل هذا يحسبه مثل سجع العباد أو أحاديث رستم و اسفنديار و الأكاسرة وغيرها من التخرصات ويبدوا انه لا يملك الشجاعة الكافية التي تدفعه لإتباع الحق.

سادسا: نصيحة النضر إلى قريش

مع كل الذي أبداه النضر من مواقف معاديه للنبي صلى الله عليه و آله ومع كل تخرصاته لم يتمكن من الصمود أمام بلاغة القرآن وتأثيره ومشاهداته لأفعال النبي صلى الله عليه و آله ولصدق النبي صلى الله عليه و آله واستجابة دعائه في كثير من المواطن و شعوره بالحماية الإلهية، الخاصة التي دفعت الطاغية أبا جهل أن يتراجع عن قتل النبي صلى الله عليه و اله و سلم لما لاقاهُ من أمر عجيب أمام مرأى ومسمع النضر وغيره من زعماء قريش فكانت ردة فعل النضر بن الحارث على ذلك أن قدم نصيحة مهمة لقريش فقال: يا معشر قريش، إنهُ و الله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له لحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم، و أصدقكم حديثاً، و أعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، و جاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر لا و الله ما هم بساحر، لقد رأينا السحرة و نفشهم و عقدهم و قلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن قد رأينا الكهنة و تخالجهم، و سمعنا سجعهم، و قلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر و سمعنا بهزجه و زجره، و قلتم مجنون، لا والله ما هو المجنون، لقد رأينا الجنون فما هو يخنقه، و لا وسوسته، و لا تخليطه، يا معشر قريش فانظروا في شأنكم و الله لقد نزل بكم أمر عظيم[37]، ـوهذا الكلام كما مر ينسب إلى الوليد ولعل النضر أخذه منه وكرره لان الوليد ابلغ من النضر، و لكن قريش لم تنتفع من صحوة الضمير هذه و النصيحة بل استمرت في مواقفها المعادية للنبي والوقوف بوجه من يخالف هذا الإجماع فتبكته وتعيره حتى يرجع عن موقفه، فكان ردها على موقف النضر المتراجع في نضرهم ان بعثوه و بعثوا معهُ عقبه بن أبي معيط إلى أحبار يهود المدينة و في رواية إلى نجران. كما أسلفنا يسألوهم عن أمر النبي صلى الله عليه و اله و سلم، لان في ذلك تذكير بالنضر بأهميته في قريش واعتداده بنفسه لان قريشا لم تفلح في هذه المرة كسابقاتها في صد النبي صلى الله عليه وآله عن أداء رسالته.وقد تصدى القرآن للرد على التساؤلات التي أملاها أهل الكتاب على الوفد في سورة الكهف ببلاغة القرآن المعهودة فأسقطت ما في أيديهم ورد كيدهم إلى نحورهم و قد خاب من افترى.

سابعا: النضر يمنع أبا أحيحة من نصيحة قريش

كان أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية من وجوه قريش وعظمائها وله تاثير على قريش واحترام خاص،تذكر بعض الروايات التاريخية ، كان ابو احيحة إذا اعتم، لم يعتم أحد بمكة بعمامة على لون عمامته إعظاماً له وتكريما ، فكان يدعى ذا التاج. وفيه يقول أبو قيس بن الأسلت، واسمه صيفي بن عامر بن جشم، من الأوس:

وكان أبو أحيحة قد علمتم
إذا شد العمامة ذات يوم
فقد حرمت على من كان يمشي
وبيتكم رفيع في قريش منيف
وسطت ذوائب الفرعين منهم
كريم من سراة بني لؤي

 

 

بمكة غير مهتضم ذميم
وقام إلى المجالس والخصوم
بمكة غير ذي دنف سقيم
في الحديث وفي القديم
فأنت لباب فرعهم الصميم
كبدر الليل راق على النجوم [38]

 

 

ولما راى أبو احيحة من كرامات النبي وسمو أخلاقه وقوة برهانه وجاذبيته فعلم أن لهذا الرجل شأن عظيم تمنى على قريش أن لا تقف بوجهه فكان يقول: دعوا محمداً ولا تعرضوا له، فإن كان ما يقول حقا، كان فينا دون غيرنا من قريش. وإن كان كاذبا، قامت قريش به دونكم. فكان النبي صلى الله عليه وآله يمر باحيحة. فيقول: إنه ليكلم من السماء[39]. ان هذا الموقف من ابي احيحة لم يعجب قريش وخشيت من انه لو صبا لمحمد صبا أهل مكة، وكان النضر له علاقة متينة معه فاستفاد النضر من تلك العلاقة حتى أتاه. فقال له: إنه يبلغني أنك تحسن القول في محمد؛ وكيف ذلك وهو يسب الآلهة، ويزعم أن آباءنا في النار، ويتوعد من لم يتبعه بالعذاب ؟ فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذمه، وعيب ما جاء به، وجعل يقول: ما سمعنا بمثل ما جاء به، لا في يهودية ولا نصرانية [40]. وبهذا التسويل من قبل النضر أدى إلى تراجع ابو احيحة من موقفه وانقلابه إلى محارب ومعاند للرسول،فقويت أنفس المشركين حين رجع عن قوله الأول ، وهذا الصد صدر من أكثر من واحد من زعماء قريش ومنهم النضر نفسه نصح قريش ان يتركوا النبي وشانه وكاد ان يؤمن لولا تأثير ابي جهل عليه؛ لكنه في هذه المرة النضر يصد ابا احيحة ويمنعه من ان يقف موقفا ايجابيا من النبي صلى الله عليه وآله ثم يأتيه شاكراً له على استجابته لضلاله.

وهکذا کلما أراد احد من زعماء قريش ان يصبوا إلى الحق تصدى له من شياطينهم ما يحرفه من الحق إلى الباطل، لكن الله متم نوره ولو كره المشركون فكانت نهايتهم الخزي والعاقبة للمتقين.

ثامنا:مشاركات النضر المشركين في المواقف المعادية للنبي صلى الله عليه وآله

ا ـ شارك النضر مع المشركين في الوفود التي تذهب إلى أبي طالب لتحاوره في شان النبي محمد صلى الله عليه وآله منها:

قال المفسرون أن أشراف قريش و هم خمسة و عشرون منهم الوليد بن المغيرة و هو أكبرهم و أبو جهل و أبي و أمية ابنا خلف و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و النضر بن الحارث......... أتوا أبا طالب و قالوا أنت شيخنا و كبيرنا و قد أتيناك لتقضي بيننا و بين ابن أخيك فإنه سفه أحلامنا و شتم آلهتنا فدعا أبو طالب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قال يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك فقال ما ذا يسألونني قالوا دعنا و آلهتنا ندعك و إلهك فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ تعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب و العجم فقال أبو جهل لله أبوك نعطيك ذلك عشر أمثالها فقال قولوا لا إله إلا الله فقاموا [41].

ومنها كما في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: لما حضر أبا طالب الموت قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحيي أن نقتله بعد موته فتقول العرب: كان يمنعه فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان و أبو جهل و النضر بن الحارث و أمية و أبي ابنا خلف و عقبة بن أبي معيط و عمرو بن العاص و الأسود بن البختري، و بعثوا رجلا منهم يقال له المطلب فقالوا: استأذن لنا على أبي طالب فدخلوا فلم يستجب لهم ورجعوا خائبين[42].

ب ـ وشارك المشركين في التآمر على قتل النبي صلى الله عليه وآله بعد أن اجتمعوا في دار الندوة واتخذوا قرارا حاسما بتصفية النبي صلى الله عليه وآله ونزل ( وإذ يمكر بك الذين كفروا) [43] والقصة معروفة أدت إلى هجرة النبي صلى الله عليه و آله إلى يثرب.

ج ـ وشارك في الإعداد لمعركة بدر وكان احد المطعمين لجيش المشركين وصاحب لوائهم ببدر وفي هذه المعركة كانت نهايته قتل بعد ان كان اسيرا[44]

د ـ وشارك في المقاطعة في شعب ابي طالب فكان هو وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات التي تدخل مكة، فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا ، ويحذرونه إن باع شيئا أن ينهبوا ماله [45]

المبحث الثالث:موقف الرسول والرسالة من النضر بن الحارث

المطلب الأول :الموقف القرآني

بعد أن ذكرنا هوية النضر وطبيعة مواقفه النابعة من ثقافته، وتردده بين صحوة الضمير وضلال الهوى، و بين ما يمليه عليه ضميره والحقائق التي وصل إليها فحاول ان يجهر بها ينصح قريشا أن لا يتعرضوا لمحمد صلى الله عليه وآله فقد جاء بشئ عظيم لقريش فيه رفعة ومصلحة، ومن جهة أخرى هواه وهوى قريش التي ترى ان مصالحها مهددة من قبل محمد صلى الله عليه و آله وما جاء به فلم تقبل منه النصيحة بل اتهمته بالضعف أمام محمد صلى الله عليه وألهم ما اثار عصبيته وأهاج غروره ونفخ في شموخه فازداد تعنتا وتهورا حتى وصل به الأمر ان يحاول قتل النبي صلى الله عليه و آله، و كان المؤثر الأول على النضر هو القرآن الكريم ببلاغته التي ابهرته ومعارفه التي أذهلته والحقائق التي كاد ان يصبو لها لولا التعصب، جعلت منه في موقف الإعجاب والذهول ولكن الهوى والتعصب وشياطين الإنس حالت بينه وبين هداه ورجحت الهوى على العقل فحسم امره باختيار الضلال فنال تلك العاقبة السيئة من خلال المواقف الدنيئة وقد وصف لنا القرآن الكريم بعض تلك المواقف لتكون عبرة لكل إنسان  وميزان تقاس به المواقف. من هنا

نحاول آن نذكر بعض تلك الآيات التي نزلت وكان النضر ومواقفه مصداقها الأظهر وكأنها تخاطبه مباشرة وتختص به فتؤثر به تأثيرا بليغا، ولعل بعض مواقفه تذكر من  أسباب النزول ويختلف مضمون تلك الآيات من تهديد له أو توبيخ أو بيان لموضوع او حجة آو إجابة لسؤال أو إخبار عن أمر أو إجابة لمسألة عقائدية او تاريخية غيبية او مستقبلية، و من سمات الآيات القرآنية تبقى حية تخاطب كل من يسلك سلوكه ويقتفي اثره وهذا شأن القرآن لأنه رسالة عالمية لكل العصور والأمصار.

فمن هذه الآيات التي يقال انها نزلت في النضر أو هو مصداقها الأكبر هي:

اولا : قوله تعإلى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}لقمان6 قيل نزلت في النضر بن الحارث وكان النضر ذا رواية لأحاديث الناس وأشعارهم [46] وهو الذي علم قريش لهو الغناء وعلمهم الألحان وهو الذي كان يجلس مجلس الرسول ليلهي الناس بقصص الأكاسرة وغيرهم ويشتري كتبهم ،فاستحق هذا التوبيخ وهذا التهديد.

ثانيا : ونزلت فيه {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}المعارج،1 في هذه الآية اقوال عديدة فمنها إن هذا السائل هو الذي قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية و هو النضر بن الحارث بن كلدة  وأيد هذا القول رواية عن ابن أبي حاتم عن السدي: " قال. الآية نزلت بمكة في النضر بن الحارث بعد ان قال: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" و كان عذابه يوم بدر[47]، بعد ان كان أسيرا يوم بدر فقتل صبرا.وكذا ما ورد في تفسير نور الثقلين وكثير من التفاسير ان سأل سائل اجابة لآية أخرى وهي إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أوائتنا بعذاب أليم [48].

لكن في هذه الآية كلام آخر فقيل ان الآية نزلت في المدينة بعد بيعة الغدير والنضر كما بينا قتل يوم بدر ولم يكن حيا في ذلك الوقت حتى يقول هذا المقال او يجاب بهذه الاجابة. لذلك فهناك أشخاص اخر يذكرهم المفسرون والإخبارية هم المعنيين بالآية فاختلفوا في اسم الجاحد, فمنهم من قال : انه جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة[49], وهذا مما لا يستبعد في صحته , لان النضر قد قتله امير المؤمنين صبرا يوم بدر الكبرى بأمر من النبي صلى الله عليه وآله , كما بينا و ذكره الاميني في التعليقات من غديره [50] نقلا عن سيرة ابن هشام , وتاريخ اليعقوبي والطبري. ولعل انكاره ذلك بسبب الحقد تتيجة لتلك القضية التي جرت على ابيه حيث قتل صبرا في بدر ، وقيل الحارث بن النعمان الفهري[51] وهناك اقوال أخرى نحن في غنى عنها.

ثالثا:. ونزلت فيه:} وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}لقمان20 ، قيل انه هو النضر بن الحارث  كان كثير الجدل كثير الادعاءات كثير العناد كثير التعصب ففضل إتباع آبائه الجهلة بوحي من الشيطان على إتباع الرسول الذي يوحى اليه من السماء فقاده هذا التعصب وأمثاله إلى جهنم، ففي تفسير القمي عن الباقر عليه السلام هو النضر بن الحارث قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: اتبع ما أنزل إليك من ربك. قال: بل أتبع ما وجدت عليه آبائي[52].

رابعا : ونزلت {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} الأنفال22

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} الأنفال55.

ان شر الدواب اي الحيوان الذين يسمعون آيات الله التي تجلي كل حق وتبين كل غامض وتنير كل جهل ومع ذلك لايدركون الحقيقة ولا يبصرون نور الحق ويصرون على الضلال ولا ينطقون بالصدق فهؤلاء شر الدواب صم بكم لا يبصرون ، قال الباقر (عليه السلام) نزلت الآية في بني عبد الدار لم يكن أسلم منهم غير مصعب بن عمير و حليف لهم يقال له سويبط و قيل نزلت الآية في النضر بن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار بن قصي[53].

خامسا : قوله سبحانه{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً}مريم73 نديا أي مجلسا، و إنما تفاخروا بالمال و زينة الدنيا و لم يتفكروا في العاقبة و لبسوا على الضعفة بأن من كان ذا مال في الدنيا فكذلك يكون في الآخرة ثم نبههم سبحانه على فساد هذا الاعتقاد قال ابن عباس: إن المعني بالآية النضر بن الحارث {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً}مريم74 و ذووه و كانوا يرجلون شعورهم و يلبسون خز ثيابهم و يفتخرون بشارتهم و هيأتهم على أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأجابهما الله تطييبا لخاطر المؤمنين بالمستقبل السئ الذي ينتظر هؤلاء[54] {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}الأنعام110

سادسا: : قوله تعإلى : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}لقمان7 نزلت في النضر بن الحارث كما في تفسير نور الثقلين [55]وغيره

سابعا : ونزل فيه {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}الزخرف86 ذلك أن النضر بن الحارث و نفرا من قريش قالوا إن كان ما يقوله محمد حقا فنحن نتولى الملائكة و هم أحق بالشفاعة لنا منه[56] فنزلت الآية.

وقد ذكر الطبري أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث، لقوله: إنّ اللات والعزى يشفعان لهُ عند الله يوم القيامة[57]

ثامنا: ونزل في النضر ثماني آيات من القرآن كل منها تقول :( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) [58]فصارت شعار ودعاية إعلامية ضد النبي صلى الله عليه وآله يرددها هو وباقي طغاة قريش في منا سبة وفي غير مناسبة و الآيات هي:

1 - {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} الانعام 25 ذكر ان هذه الآية نزلت توبخ النضر وأمثاله وتبين حالهم من الجهل والعمى والجدل العقيم وادعائهم هذا القرآن الذي بهر عقولهم انه أساطير الأولين كذبا وافتراءا وخلافا لإحساساتهم وهذا هروب عن الحقيقة التي صكت أسماعهم وأحرجت ضمائرهم وبهرت عقولهم فخالفوا ذلك كله، وذكر بعض من المفسرين انها نزلت في شان النضر[59].

2 - {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} الانفال31 قيل قائله النضر بن الحارث [60] من خلال جلوسه بعد مجلس الرسول وحديثه قصص كسرى ورستم فيتصور ان حديثه هذا لا يختلف عن حديث الرسول وفي الآية شئء من التهكم بقوله لان الفرق الشاسع يعرفه السامع وخاصة قريش الذين هم أهل البلاغة والبيان فلا ينطلي عليهم ذلك وهذه المواقف ذكرته الكثير من كتب التاريخ فضلا عن كتب التفسير[61].

3 - {وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ النحل 24 يبدو ان هذه الإشاعة التي ابتدعها النضر[62] أخذت طريقها إلى الناس وأثرت تأثيرا سلبيا خاصة بين الجهلة والمتعصبين فرد القرآن هذه التخرصات في أكثر من آية

4 - {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} المؤمنون83 وهذا قول النضر[63] وغيره من الذين لا يؤمنون بالآخرة فلا يؤمنون بالنشور والحساب ، فيدعون ان هذا الوعد وعد آباؤنا فلم نرى منهم من اخبرنا بذلك فالنتيجة ان هذا الكلام أساطير الأولين

5ـ قوله تعالى : {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [64] النمل 68 وهذه الاية تكررت في سورة المؤمنين وهو عذر وهروب عن الإيمان بالآخرة وما يترتب عليها من مسؤوليات فكما وعد آبائنا بذلك ولم نرى شيئا ملموسا منه فكذلك نحن ثم استشهدوا بهذه الإشاعة التي مهدها النضر بن الحارث.

6 - {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفرقان5 ذكر بعض المفسرين انه هو قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة [65] ، ، قال: أساطير الأولين أكتتبها محمد، فهي تملى عليه بكرة وأصيلا من قبل بعض الأشخاص من اهل الكتاب وفي آية اخري تتوافق مع هذا الافتراء على النبي انه يعينه ويساعده في ذلك أهل الكتاب قوله تعإلى{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً}الفرقان4 وفي رواية عن أبي جعفر (عليه السلام)، وأعانه عليه قوم آخرون " يعنون أبا فكيهة، وحبراً، وعداساً، وعابساً مولى حويطب[66]. إذا فهذه التهمة من ضمن الإعلام القرشي لتضليل الناس والقدح بشخصية النبي صلى الله عليه واله والقرآن الكريم، فندد القرآن بهؤلاء الذين يفترون على النبي صلى الله عليه وآله ويزورون الحقائق، والكذب من اخطر الأفعال التي تحول بين الإنسان  وبين الوصول إلى الحقيقة.

7 - {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} الاحقاف15 وهذه هي الإشاعة الرئيسية التي انطلق بها النضر[67] ليشوش على دعوة النبي صلى الله عليه وآله ويضلل الناس بها ورددها الآخرون.

8 - {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} المطففين13

وقال الطبري في تفسيره وكل ما ذُكِر فيه الأساطير في القرآن. فالنضر مصداقها [68]

وقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيمَا بَلَغَنِي: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا – ايد نزول ثمان آيات فيه فهو يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي: نَزَلَ فِيهِ ثَمَانِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلُ اللّه - عَزّ وَجَلّ -: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوّلِينَ}. وَكُلّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْأَسَاطِيرِ مِنْ القرآن [69]

هذه جملة من الآيات التي نزلت في شان النضر او انه احد مصاديقها.

المطلب الثاني : موقف الرسول صلى الله عليه وآله من النضر بن الحارث

لا تختلف مواقف الرسول صلى الله عليه وآله من معارضيه ومخالفيه والمعاندين له، لان النبي صلى الله عليه وآله صاحب رسالة ومبادئ ثابته يعمل بها مع الجميع ، وهمه الوحيد تبليغ رسالته للناس كافة وأداء مهمته، ويتناسب موقفه من الأشخاص بما يناسب و مواقفهم من الرسالة, و طبيعة شخصاياتهم الثقافية والنفسية والعرفية وادراكاتهم العقلي واستيعابهم للأمور والأعراف التي يؤمنون بها والبيئة التي تربوا وعاشوا فيها ، وعلى أساس أسلوب معارضتهم وشدة عنادهم، ثم ان هناك تناسق بين الأسلوب القرآني وأسلوب الرسول صلى الله عليه وآله في مواقفه، فان النبي صلى الله عليه وآله لا يقف موقف ولا ينطق بكلمة إلا واستمدها من القرآن فهو القرآن العملي  وما ينطق عن الهوى الا هو وحي يوحى والقرآن الكريم يقول له ولكل الدعاة {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أحسن إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}النحل125 فهذا أسلوب النبي صلى الله عليه وآله وهذه طريقته فهو القرآن العملي ، ولما كان النضر من أولئك المعاندين وقد مر بنا مواقفه و ثقافته ونفسيته وأسلوبه و تبين موقف القرآن منه من خلال ما نزل في حقه من الآيات، ومانزل فيه من التقريع والتهديد والوعد والوعيد فعلى أساس ذلك سوف يكون موقف النبي صلى الله عليه وآله منه ، وسنبين اهم تلك المواقف إنشاء الله تعإلى.

اولا: حوار النبي صلى الله عليه وآله مع النضر

جاء في سيرة ابن هشام: «جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فيما بلغني مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم في المجلس، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أفحمه ثمّ تلا عليه وعليهم: ({إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}الأنبياء98 ثمّ قام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)[70] ، و في تكملة الرواية ان عبدالله بن الزبعري السهمي عندما اقبل واخذ مجلسه ، قال له الوليد بن المغيرة: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفاً وما قعد، وقد زعم محمّد أنّا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبدالله: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمّداً: أكلُّ ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيراً، والنصارى تعبد عيسى بن مريم (عليهما السلام)، فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبدالله بن الزّبعري، ورأوا أنّه قد احتجّ وخاصم، فذكر ذلك لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من قول ابن الزبعري، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): ردا لشبهة ابن الزبعرى «إن كل من أحبّ أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده، إنّهم إنّما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته» فليس في الواقع العبادة لعزير وعيسى حتى يكونوا حصب جهنم ولا حتى للأوثان وإنما كانت عبادتهم للشيطان بطاعتهم إياه وبذلك استحقوا والشيطان جهنم  وأوضح معاني العبادة هي الطاعة.

ثانيا: دعاء النبي صلى الله عليه وآله على النضر

دعا النبي صلى الله عليه وآله على بعض المستكبرين فأجاب الله دعاءه فيهم، وممن دعا عليه لشدة مكره وعداوته هو النضر ، و كان ممن دعا عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم حضوره بدرا فسأل الله أن يكفيه أمره فقال: اللهم اكفني نوفل بن خويلد فقتله أمير المؤمنين (عليه السلام). و زمعة بن الأسود و الحارث بن زمعة، و النضر بن الحارث بن عبد الدار، وذكر آخرين كلهم قتلوا [71] ومنهم النضر بن الحارث حيث قتل بعد أسره من قبل المسلمين ولم يقبل النبي فديته كباقي الأسرى لشدة مكره وخبثه.

ثالثا : النبي صلى الله عليه وآله يامر بقتل النضر

لما كان النضر من  المتكبرين  والمعاندين  للنبي صلى الله عليه و آله من الذين استيقنوا بها وجحدتها أنفسهم  فمن مثله لاتنفع معه المواعظ والدلائل والبراهين ففي قتله   الكثير من العبر للناس أجمعين،  منها انه غالبا ماتكون نهاية  الطاغية  تتوافق مع موقفه الأكثر سوءا والأشد تأثيرا فكان النضر يستخف  بالنبي صلى الله عليه و آله ويستهزئ به ويستعلي عليه ويعرف الحق وينكره ، فكما راى الحقيقة شاخصة أمامه وأعطى عهدا لإن أرسل النبي صلى الله عليه وآله ليتبعنه، وخالف ذلك تبعا لعصبيته وهواه ، جاءت نهايته على يد النبي صلى الله عليه و آله عيانا وبشكل واضح وضوح نبوته لدى النضر، لان النظر أسر أرادته الشيطان وسفه عقله غروره واستعبدته العصبيات دون الله العلي العظيم ، فلما أسره النبي صلى الله عليه استحق القتل نتيجة لعناده حيث لم تنفعه معارفه وعقله وخبرته، ففی رواية عن سعيد بن جبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرًا: المطعم بن عديّ، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، قال: فلما أمر بقتل النضر، قال المقداد بن الأسود: أسيري، يا رسول الله! قال: إنه كان يقول في كتاب الله وفي رسوله ما كان يقول! قال: فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغْن المقداد من فضلك! وكان المقداد أسر النضر[72]. والذي قتله علي بن ابي طالب وكان النضر طلب من النبي صلى الله عليه وآله ان يعامله كغيره من الأسرى ولكن النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) ابى، وفي رواية ان النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يا علي علي بالنضر أبغيه فأخذ علي بشعره و كان رجلا جميلا له شعر فجاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا محمد أسألك بالرحم بيني و بينك إلا أجريتني كرجل من قريش إن قتلتهم قتلتني و إن فاديتهم فاديتني فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا رحم بيني و بينك قطع الله الرحم بالإسلام قدمه يا علي فاضرب عنقه فضرب عنقه[73] والسبب في هذا الإصرار من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يبدوا بسبب مواقفه الخبيثة وشدة أذاه للرسول والعقبات التي وضعها للنبي إمام تبليغ الرسالة بأساليبه الشيطانية التي أثرت على الكثير من الناس ومنعتهم من دخول الإسلام وشدة عناده مع معرفته بالحقيقة لانه سبق وان سمع من أهل الكتاب بان نبيا على وشك الظهور وتعهد بأنه سوف يكون أول المهتدين فلم تبق حجة يمكن ان يهتدي بها فيطلق سرحه لأجلها، فلو فاداه كغيره من الأسرى لأثر تأثيرا سلبيا على قريش لأنه مع وضوح الرؤية عنده يملك هذا العناد فلم يعد هناك أمل بهدايته فاستحق القتل الفوري كي لا يفسد في الأرض ثانيتا أكثر مما افسد.

وقيل قالت أخته تخاطب النبي صلى الله عليه وآله في أبيات قالت فيها:

يا راكباً إن الأثيل مظنةٌ... من صبح خامسةٍ وأنت موفق

أبلغ به ميتاً فإن تحيةً... ما إن تزال بها النجائب تخفق

مني إليه. وعبرةً مسفوحةً... جادت لمائحها وأخرى تخنق

هل يسمعن النضر إن نادبته... بل كيف يسمع ميتٌ لا ينطق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشه... لله أرحامٌ هناك تشقق

قسراً يقاد إلى المنية متعباً... رسف المقيد وهو عانٍ موثق

أمحمد ولدتك خير نجيبةٍ... في قومها والفحل فحلٌ معرق

ما كان ضرك لو مننت وربما... من الفتى وهو المغيظ المحنق

فالنضر أقرب إن تركت قرابةً... وأحقهم إن كان عتقٌ يعتق[74].

وفي رواية هناك من يرى أن النضر لم يقتل صبرا وإنما أصابته جراحة، فامتنع عن الطعام والشراب مادام في أيدي المسلمين، فمات[75]. والأولى هي الأشهر.

النتيجة

يمكن إيجاز النتائج التي وصلنا اليها من خلال سيرة النضر ومواقفه وموقف القرآن والنبي صلى الله  عليه وآله منه  بالنقاط التالية:

اولا: هناك نوع من توزيع المواقف بين زعماء قريش و المناوئين للنبي محمد صلى الله  عليه وآله كل حسب قدراته واختصاصاته وإمكاناته.

ثانيا : الدور المميز للنضر هو التشويش ومحاكاة النبي صلى الله عليه وآله في تصرفاته التبليغية وحاولت قريش مواجهة النبي صلى الله عليه وآله بالضد النوعي من خلال النضر بن الحارث.

ثالثا: قتل النبي صلى الله عليه وآله النضر بن الحارث بعد اسره في معركة بدر وعدم قبول الفداء منه كباقي الأسرى يدل على مدى خطورة هذا الرجل وشدة اذاه للرسول والرسالة واليأس من هدايته

رابعا: القرآن الكريم تابع تصرفات النضر بن الحارث وواجهها بشكل صارم ليقطع الطريق أمامه قبل ان يصل الى مرامه من التأثير على القرشيين بأفكاره الهدامة.

خامسا : هناك ظاهرة وهي كلما اراد زعيم من زعماء قريش ان يصبوا الى النبي صلى الله عليه وآله تعرض له الآخرون لمنعه من يأخذ بما وصل اليه عقله وما حاسبه عليه ضميره فكان النضر ممن اوصله عقله وأضله آخرون فأضل آخرين عندما أوشكوا على الهداية.

سادسا: الحكمة التي نأخذها من هذا الصراع ان المصلح ومن يريد التغيير أول من يواجهه أصحاب المنافع ومن له موقع اجتماعي حفاظا على موقعه وحسدا لمن ساد اكثر مما ساد، ومن فعلى كل عامل مصلح ومغير ان يحذر هؤلاء ويجابههم بما يتناسب ونفسياتهم ومصالحهم وان يتخذ من الصبر جلبابا في المواجهة.

المصادر

1ـالقرآن الكريم

(ا)

2ـ أبو طالب حامي الرسول صلى الله عليه وآله نجم الدين العسكري مطبعة الآداب النجف الاشرف.

3ـ الاحتجاج أحمد بن علي الطبرسي ت560ه تحقيق السيد محمد باقر الخرسان منشورات دار النعمان.

4ـ أحكام القرآن لإبن العربي أبي بكر محمد بن عبدالله ت 543ه ـالطبعة الاولى 1387ه مطبعة أمير.

5ـاخبار مكة لأبي الوليد محمد بن عبد الله بن احمد لأزرقي طبع سنة 1408ه دار الثقافة مكة المكرمة.

6ـ الإرشاد إلى حجج الله في العباد للشيخ المفيد محمد بن النعمان العكبري البغدادي ت413هـ تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث العربي قم المقدسة إيران.

7ـ أسباب النزول لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت468) توزيع دار الباز للنشر والتوزيع عباس أحمد الباز مكة المكرمة.

8ـ الإشتقاق والتعريب عبدالقادر المغربي مطبعة الهلال بالفجالة مصر.

9ـ اضواء البیان في إیضاح القرآن بالقرآن محمد الأمين بن محمد بن المختار الشنقیطي طبع سنة 1415ه دار الفكر للطباعة والنشر بيروت.

10ـ الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء خيرالدين الزركلي ت1410ه دار العلم للملايين بيروت.

11ـ أعلام النبوة للماوردي أبوالحسن علي بن محمد بن حبيب تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي الطبعة الأولى سنة1987مدار الكتاب العربي بيروت.

12ـأعلام الوری بأعلام التقى، الفضل بن الحسن الطبرسي ت548هـ؛ مؤسسة آل البیت لإحياء التراث قم المقدسة إيران.

13ـ الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ت356ه دار الكتب بيروت.

14ـاقحام الأعداء والخصوم بتكذيب ما افتروه على سيدتنا ام كلثوم عليها السلام تأليف العلامه الكبير السيد ناصر حسين الموسوي الهندي تحقيق وتعليق الدكتور محمد هادي الأميني مكتبة نينوى الحديثه طهران ايران.

16ـ أنساب الأشراف البلاذري احمد بن يحيى بن جابر ت 779 هـ، حققه وعلق عليه الشيخ محمد باقر المحمودي مؤسسة الأعلمي بيروت لبنان.

17ـ أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للمؤلف جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري الطبعة الخامسة 1424ه/2003م الناشر مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة المملكة العربية السعودية.

18ـ إيمان ابي طالب الشيخ المفيد ت313 طبع سنة 1372ه النجف الاشرف.

(ب)

19ـ بحار الانوار العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ت1111 دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان.

20ـالبداية والنهاية لإبن كثيرأبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي ت 774هالمحقق علي شيري الطبعة الأولى 1408ه/1988م دار إحياء التراث العربي بيروت.

21ـ ـبلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب محمود شكري الألوسي تحقيق محمد بهجت الطبعة الثانية دار الكتب العلمية بيروت.

(ت)

22ـ ـتاج العروس من جواهر القاموس محمد بن محمد بن عبد الرزاق المرتضى الزبيدي طبعة الكويت.

20ـ تاريخ ابن خلكان (المعروف وفيات الاعيان) شمس الدين احمد بن محمد ت681 تحقيق احسان عباس دار الثقافة بيروت.

23ـ تاريخ الإسلام السيوطي عبدالرحمن بن الكمال جلال الدين ت911 هـ.

24ـ تاريخ الامم والملوك المعروف بتاريخ الطبري أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ت310ه الطبعة الرابعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت.

 25ـ تاريخ بغداد ابوبكر محمد بن احمد بن علي الخطيب البغدادي ت462هـ ؛ دار الكتب العلمية بيروت.

26 ــ تاريخ قريش تاريخ قريش حسين مؤنس الدار السعودية للنشر والتوزيع سنة 1408ه/1988م.

27ـ تاريخ اليعقوبي احمد بن ابي يعقوب بن جعفر اليعقوبي ت284هالطبعة الاولى دار الفكر بيروت.

28ـ التحرير والتنوير الطبعة التونسية الشيخ محمد الطاهر بن عاشور 1997م عدد الأجزاء 30 دار سحنون للنشر والتوزيع تونس.

29ـ التعريف بطبقات الاممِ للقاضي أبي القاسم صاعد بن أحمد بن صاعد الأندلسي ت462هـ بتحقيق الدكتور حسين مؤنس سنة 1993م مكتبة دار المعارف مصر.

30ـ تفسير القمي لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي الطبعة الثانية 1387هـ مطبعة النجف الاشرف.

ـ31ـ التفسير والمفسرون 11:10 المؤلف :الأستاذ المحقق الشيخ محمد هادي معرفة لناشر:الجامعة الرضوية للعلوم الاسلامية.

(ث)

32ـ ثمار القلوب في المضاف والمنسوب المؤلف عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي المحقق محمد أبوالفضل إبراهيم الناشر المكتبة العصرية سنة النشر 1424ه/2003م.

(ج)

33ـ جامع البيان في تفسير القرآن أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، دار المعرفة بيروت 1406ه.

34ـ الجامع لأحكام القرآن ابوعبدالله محمد بن احمد شمس الدین القرطبي ت671ه دار عالم الكتب الریاض.

35ـ جواهر الحسان في تفسير القرآن المسمى بتفسير الثعالبي عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف ابي زيد المالكي الثعالبي دار إحياء التراث العربي بيروت.

(ح)

36ـ حلية الابرار في احوال محمد وآله الاطهار تأليف العلم العلامة السيد هاشم البحراني مؤسسة المعارف الإسلامية.

(د)

37ـ الدر المنثور عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي عدد الأجزاء8 سنة1993م دار الفكر بيروت.

38ـ دلائل النبوة لأبي بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي المتوفى سنة 301 ه دار الكتب العلمية 1405ه بيروت.

(ر)

39ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، ابو الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي 1217-1270هـ، 1802-1854م).

40 ـ الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبوالقاسم عبدالرحمن بن عبدالله بن أحمد السهيلي (المتوفى : 581هـ) المحقق : عمرعبدالسلام السلامي الناشر : دارإحياء التراث العربي، بيروت: الطبعة الأولى، 1421هـ/ 2000م

(س)

41ـسيرة ابن إسحاق السير والمغازي ، محمد بن إسحاق بن يسار ت151ه دار الفكر بيروت.

42ـ السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين ت 1044هـ دار المعرفة  بيروت 1400هـ.

43ـ ـالسيرة النبوية إبن هشام، ابو محمد عبدالملك بن هشام المعافري ت213 هـ، دار الجيل بيروت.

(ش)

44ـ شرح الاخبار في فضائل الائمة الاطهار عليهم السلام القاضي المغربي ت363ه المحقق محمد الحسيني الجلالي مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم المقدسة.

45ـ شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد المعتزلي ت 656ه مؤسسة الاعلمي بيروت لبنان.

(ط)

46ـ الطبقات الكبرى لإبن سعد ت230هـ؛ طبعة لیدن.

(ع)

47ـ العقد الفريد، احمد بن عبدالله بن عبد ربه الاندلسي ت328هـ؛ تحقيق محمد سعيد العريان طبع دار الفكر بيروت.

48ـ عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب لإبن عنبة احمد بن علي بن المهنا ت828 ه تحقيق محمدحسن الطباطبائي الطبعة الثالثة الطبعة الحيدرية النجف الاشرف.

49ـ عيون الاثر في فنون السيروالمغازي والشمائل لأبي الفتح محمد بن عبدالله بن يحي بن سيدالناس ت734هـ.

50ـ عيون الأخبار ابن قتيبة ابو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ت376 دار الكتب العلمية

(غ)

51ـ الغدير في الكتاب والسنة والأدب عبد الحسين الاميني مؤسسة الإعلام بيروت.

52ـ غرر التبيان لمبهمات القرآن المؤلف قاضي القضاة شيخ الإسلام العلّامة بدر الدين محمد الحموي الشافعي ت733هـ.

(ف)

53ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 1407هـ دار الريان للتراث.

54ـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني ت1250ه دار الفكر بيروت.

(ك)

55ـالتفسير الكاشف محمد جواد مغنية دار العلم للملايين بيروت لبنان.

56ـ الكامل في التاريخ إبن الأثير دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان.

57ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للإمام محمود بن عمر الزمخشري المعتزلي ت 528 هـ؛الطبعةالثالثة سنة 1407ه دار الريان للتراث.

58ـ الكشف والبيان للنيسابوريْ ابوإسحاق احمد بن محمد بن ابراهيم النيسابوريْ تحقيق ابي محمد بن عاشور دار احياء التراث العربي بيروت.

59ـ كنز العمال وسنن الاقوال والافعال علاءالدين بن حسامﺍلدين المتقي الهندي مؤسسة الرسالة بيروت 1409ه/1989م.

(م)

60ـ مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي دار المعرفة لبنان.

61ـ المحبّر محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي، أبو جعفر البغدادي ت245ه؛ دار الآفاق الجديدة بيروت.

62ـ المحرر الوجيز لابن عطية مؤسسة دار العلوم للطباعة والنشر الدوحة 1403هـ.

63ـ مختصر السیرة عبدالله التمیمی القاهرة مصر سنة 1319هـ.

64ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر علي بن الحسين المسعودي ت346ه؛ تحقيق محمد محي عبد الحميددار المعرفة بيروت.

65ـ معالم التنزيل (تفسير البغوي) المؤلف أبومحمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي تحقيق محمد عبدالله النمر، عثمان جمعة ضميرية، سليمان مسلم الحرش؛ سنة 1409 ه/ 1989م دار طيبة.

66ـ معجم البلدان ابو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي البغدادي 626م طبع الخانجي 1323 ه‍.

67ـ مفاتيح الغيب المؤلف الإمام العلامة الكبير فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي الطبعة الأولى 1421ه/2000م دار الكتب العلمية بيروت.

68ـ مفاهيم اسلامية الأستاذ الدكتور أحمد شلبي.

69ـ المفصل في تاریخ العرب جواد علي الناشر دار الساقي.

70ـ موسوعة التاریخ محمدهادی الیوسفی.

71ـ موسوعة العتبات المقدسة جعفر الخليلي الطبعة الثانية سنة 1987م بيروت.

72ـ الميزان في تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائي مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت لبنان.

73ـمصنف ابن ابي شيبة عبدالله ابن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خُوَاسْتَى " ،أبوبكر العبسي مولاهم الكوفي.

 (ن)

74ـ النكت والعيون (تفسير الماوردي) لأبى الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري ت 450هـ الطبعةالاولى سنة 1413ه دار الصفوة مصر.

75ـ النهاية في غريب الحديث ابن كثير.

76ـ نثر الدر لأبي سعد منصور بن الحسين الآبي تحقيق: محمد علي قرنة مراجعة:علي محمد الجاوي الهيئة المصرية العامة للكتاب.

(و)

77ـ الوجيز للواحدي تحقيق صفوان الداوودي الطبعة الاولى 1415هـ دار القلم دمشق.

 

[1]- مروج الذهب المسعودي242:2.

[2]- تفسير مجمع البيان الطبرسي 354:1.

[3]- أخبار مكة للازرقي66 ، موسوعة العتبات المقدسة جعفر الخليلي قسم مكة 40.

[4]- تاريخ اليعقوبي احمد بن ابي يعقوب 254:1، بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب محمد شكري الآلوسي 202:2 و203، القول المبين في سيرة سيد المرسلين محمد الطيب النجار الناشر دار الندوة الجديدة بيروت – لبنان57:1.

[5]- القول المبين في سيرة سيد المرسلين محمد الطيب النجار الناشر دار الندوة الجديدة بيروت – لبنان116:1.

[6]- مناقب آل ابي طالب ابن شهر آشوب 74:1.

[7]- كنز العمال المتقي الهندي 7:57، مجمع الزوائد للهيثمي 223:9.

[8]- السيرة النبوية ابن هشام 225:1.

[9]- تاريخ اليعقوبي 344:2.

[10]- سيرة ابن اسحاق تحقيق الدكتور سهيل زكار ص144.

[11]- سيرة ابن هشام 1/282.

[12]- مجمع البيان الطبرسي 303:8، نور الثقلين للحويزي409:4.

[13]- سيرة إبن إسحاق ص 197 ـ 199، سيرة إبن هشام 1: 315.

[14]- سيرة إبن إسحاق ص 197 ـ 199. سيرة إبن هشام 1: 315.

[15]- المحرر الوجيز في تحرير القرآن العزيز ابن عطية الاندلسي 387:3، الاعلام خير الدين الزركلي 33:8، تاريخ الامم والملوك الطبري:13: 238

[16]- تاريخ الامم والملوك الطبري13: 238، تاريخ ابن کثير:46:4

[17]- تاريخ الامم والملوك الطبري:13: 23

[18]- البربط آلة موسيقى ذات اوتار

[19]- تاريخ الامم والملوك ـالطبری:13: في الهامش\ص238

[20]- مروج الذهب للمسعودي122:2

[21]- اتاريخ الفكر الديني الجاهلي محمد إبراهيم الفيومي (المتوفى: 1427هـ)الناشر: دار الفكر العربي الطبعة: الرابعة 1415هـ-212:15

[22]- تاريخ الفكر الديني الجاهلي محمد إبراهيم الفيومي 212:1

[23]- الجامع لاحكام القرآن القرطبی:41:7

[24]- الجامع لأحكام القرآن القرطبي 397:7

[25]- سيرة ابن اسحاق محمد بن يسار بن اسحاق 182:4 ، سيرة ابن هشام 195:1،239،السيرة النبوية ابن كثير 52:2

[26]- الجامع لاحكام القرآن القرطبي 15:12

[27]- حليف مخزوم صدر الدين شرف الدين 50، جامع البيان الطبري 242:18.

[28]- الميزان في تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائي83:9

[29]- الكامل في التاريخ ابن اثير 73:2

[30]- مناقب آل ابي طالب ابن شهر آشوب 68:1 ، إمتاع الأسماع المقريزي 122:4، دلائل النبوة ابي نعيم 204:1

[31]- سیرة ابن هشام1: 299

[32]- سیرة ابن هشام 200:1

[33]- رواه الطبري في تفسيره 15:127.تفسیر ابن کثیر 5: 136

[34]- تفسير نور الثقلين: المحدث الشيخ عبد على بن جمعة العروسى الحويزى المتوفى (سنة 1112) 3: 246 ،تفسير الصافي الفيض الكاشاني244:3

[35]- الميزان في تفسير القرآن الطباطبائي لاحظ تفسيرا لآية

[36]- الطبقات الکبری لابن سعد:165:1

[37]- سیرة ابن هشام1: 299

[38]- انساب الاشراف للبلاذري 62:1

[39]- المصدر نفسه 62:1

[40]- المصدر نفسه 62:1

[41]- مجمع البيان الطيرسي 302:8

[42]- تفسير الميزان الطباطبائي180:7

[43]- نور الثقلين الحويزي21:2

[44]- انظر الكامل في التاريخ 2: 49، والأعلام للزركلي 8: 33.التفسير الاصفى الفيض الكاشاني 157:3

[45]- حلية الأبرار السيد هاشم البحراني77:1، بحار الأنوار المجلسي19: 2

 

[46]- تفسير نور الثقلين الحويزي 208:4

[47]- تفسير الميزان الطباطبائي 20:5

[48]- تفسير نور الثقلين الحويزي 22:2

[49]- الغدير عبد الحسين احمد الأميني النجفي 1: 241 ،مجمع البيان اللطيرسي104:10

[50]- الغدير عبد الحسين احمد الأميني النجفي 1: 241

[51]- شواهد التنزيل لمن خص بالتفضيل عيدروس بن احمد السقاف العلوي المعروف بابن رويش الاندونيسيي14:5

[52]- تفسير الصافي الفيض الكاشاني149:4 ، تفسير القمي لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي 2: 166

[53]- تفسير مجمع البيان الطبرسي 399:4

[54]- نفسيرالطبری:13: 238، مجمع البيان الطبرسي396:6

[55]- تفسير نور الثقلين الحويزي 208:4

[56]- مجمع البيان الطبرسي89:9

[57]- تفسير ـالطبري:13 رقم الحديث13573

[58]- التفسير والمفسرون الشيخ محمد هادي معرفة لناشر:الجامعة الرضوية للعلوم الاسلامية 11:10.

[59]- تفسير الصافي الفيض الكاشاني265:2، مجمع البيان الطيرسي 25:4

[60]- تفسير الصافي الفيض الكاشاني 468:1

[61]- الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف: علي بن أحمد الواحدي أبو الحسن1: 418

لْكَامِل في التاريخ لِابْنِ الْأَثِير، طبعة بيروت 2: 73، والأعلام للزركلي 8: 357 تفسير الميزان الطباطباثي 45:9

[62]- مجمع البيان الطبرسي 122:6

[63]- التفسير الأصفى الفيض الكاشاني 487:1

[64]- تفسير في ظلال القرآن سبد قطب3: 177.

[65]- تفسير الصافي الفيض الكاشاني156:2، نور الثقلين 5:7

[66]- تفسير القمي لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي 2: 111.

[67]- التفسير الامثل مكارم شيرازي 26:20

[68]- ـتفسيرالطبری:13: 238

[69]- سیرةابن هشام 200:1

[70]- سيرة ابن هشام، 1: 385

[71]- سيرة ابن هشام، 1: 385، الميزان في تفسير القرآن الطباطبائي 17:9

[72]- تفسير الطبری:13: 506

[73]- الکامل فی التاريخ: 1: 262، مجمع البيان في تفسير القران الطبرسي403:4

[74]- الإصابة في معرفة الصحابة (ت: 889،) 4: 490 ،والأعلام للزركلي 5: 190، والروض الأنف 3: 134، والبداية والنهاية ابن اثير 3: 306، وديوان الحماسة 1: 477، وسيرة ابن هشام 2: 42]. كشف المحِجة لثمرة المهجة السيد ابن طاووس الحسني لمتوفى 664 هج197:1 للناشر منشورات المطبعة الحيدرية في النجف 1370 هج - 1950 ،الحاوي الكبير الماوردي أبو الحسن الماوردى دار النشر / دار الفكر ـ بيروت 1038:8

[75]- الأعلام للزركلي 8: 33.