من صفحة: 32
إلى صفحة: 60
النص الكامل للبحث: PDF icon 180423-083752.pdf
البحث:

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الغرّ الميامين ومن سار على هديه إلى يوم الدين.

فقد كان القرآن الكريم وما زال منهلا عذبا يَرِده الدارسون بشغف؛ لإظهار سمات إعجازه وبلاغته وإن الإسهام في هذا العمل المقدس شرف ومسؤولية.

الخطاب بشكل عام هو الكلام الموجه للآخر على وجه الإنشاء أو الإخبار, أما الخطاب في القرآن الكريم هو كلام الله الموجه للمكلفين بوساطة الوحي على لسان نبيه محمد  صلى الله عليه وآله طلباً ونهياً، وترغيباً وترهيباً، ووعداً ووعيداً، وإخباراً وتذكيراً، واعتباراً وإنذاراً، إلى  غير ذلك من العبارات التي تدل على تعدد وتنوع الخطابات القرآنية، مما يدفعنا للوقوف عليها وبيان أنواعها في هذا البحث.

والرسول محمَّد   صلى الله عليه وآله هو المثل الأعلى, لما تميز به  عن غيره من البشر في الخلق والأخلاق، فأكب العلماء والدارسون على فهم شخصيته وتحليلها، سواء أكانوا مسلمين أو مستشرقين، وقد أثرت هذه الشخصية الخالدة فيهم فمنهم من يدرس أخلاقه، ومنهم من يتطرق لورعه، وعدالته، ونفسيته وعالمية رسالته.

 لقد خاطب الله الرسول  صلى الله عليه وآله بعدة  أنواع من الخطابات, فخطاب الله الموجه إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله على مستويات وحيثيات واعتبارات متعددة، فبعضه يخص ذات الرسول الشريفة، وبعض يخص المسلمين، وبعض يخص به المشركين, وبعضه يخص المسلمين ولكن الخطاب موجه إلى الرسول  صلى الله عليه وآله؛ فلأجل ذلك وجب على المفسر أن يكون موضوعياً في معرفة لمن وجه الله الخطاب من خلال معرفة استخدام الأسلوب المناسب وللشخص المعين, فربما كان التعريض والتلويح والأسلوب غير المباشر  أفضل من  التصريح والأسلوب والتوجيه المباشر.

 هذا فيما يخص الخطابات بشكل عام أما الخطاب الموجه في الآية محل البحث, فهل المقصود هو الرسول أم غيره, وهل  يجوز على النبي أن يخاطب بأسلوب اللوم والعتاب, سوف يستعرض البحث لتوضيح ذلك , في مدى بهتان هذه الاتهامات.

مع ملاحظة أن هناك إجماع فيمن أُنزلت, ولكن الاختلاف جاء لمن توجيه الخطاب ومن هو المقصود في الخطاب, هل هو النبي؟ أم أحد من الصحابة؟, اتفق مفسرو السنة عن بكرة أبيهم وهو ما جاء في مصنفاتهم التفسيرية والمجاميع الكبرى للحديث الشريف  ومراجع السيرة النبوية الشريفة، على أن الذي عبس وتولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام وأجمعوا على أن الأعمى هو ابن أم مكتوم, وأن  توجيه الكلام إليه  صلى الله عليه وآله بأسلوب الغيبة لحكم ونكت بلاغية ربما تغيب عن ذهن من لم يتذوق أساليب اللغة العربية وبلاغتها, فقوله تعالى: {عبس وتولى } بأسلوب الإخبار عن الغائب فيه تعظيم له وتكريم فكأن الكلام موجه لغيره, ثم يلتفت ويأتي بأسلوب الخطاب {وما يدريك لعله يزكى }, تأنيساً له  صلى الله عليه وآله, ثم إن عبوس وجه  صلى الله عليه وآله بسبب هذه الحادثة أو غيرها لا يتنافى مع ما جاء في حسن خلقه والأمر بالاقتداء به، فهو  صلى الله عليه وآلهأحسن الناس خلقاً وهو وحده الأسوة الحسنة، لكنه بشر يعتريه ما يعتري البشر من الأعراض كالغضب والسرور والمرض والصحة, ويظهر ذلك على جسده وملامح وجهه، فكان  صلى الله عليه وآله يتغير وجهه عندما يرى ما يكره, ويظهر عليه السرور عندما يرى ما يحب, ولكن الأمر مختلف عند الشيعة وما طرحته مصنفاتهم من روايات وتفاسير, وهو تبرئة الرسول  صلى الله عليه وآله كونه معصوماً, وأنه نبي الرحمة, لأن الآيات ليست ظاهرة الدلالة على أن المراد بها هو النبي  صلى الله عليه وآله بل خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه بل فيها ما يدل على أن المعني بها غيره؛ لان العبوس ليس من صفات النبي  صلى الله عليه وآله مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين, ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة كما عن المرتضى رحمه الله. وقد عظم الله خلقه  صلى الله عليه وآله إذ قال: وهو قبل نزول هذه السورة  { وإنك لعلى خلق عظيم }, والآية واقعة في سورة " ن " التي اتفقت الروايات المبينة لترتيب نزول السور على أنها نزلت بعد سورة أقرء باسم ربك، فكيف يعقل أن يعظم الله خلقه في أول بعثته ويطلق القول في ذلك ثم يعود فيعاتبه على بعض ما ظهر من أعماله الخلقية ويذمه بمثل التصدي للأغنياء وإن كفروا والتلهي عن الفقراء وإن آمنوا واسترشدوا, ومما تجدر الإشارة إليه هنا: أن بعض أعداء الإسلام حاول أن يتخذ من قضية عبس وتولى وسيلة للطعن في شخصية وقدسية الرسول الكريم  صلى الله عليه وآله,  ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

وتأسيساً على ذلك فأن البحث سوف  يتناول في التمهيد معنى الخطاب على المستوى اللغوي والاصطلاحي, والخطاب في المفهوم القرآني, وأسس الخطاب الديني, وأهمية الخطاب ودوره, ثم المبحث الأول: أقسام الخطاب في القرآن الكريم سواء الموجَّه للرسول   صلى الله عليه وآلهأو لغيره, المبحث الثاني: منهجية الخطاب الموجه للنبي محمد صلى الله عليه وآله, وجاء المبحث الثالث: ليبين خصائص الخطاب الموجه للرسول صلى الله عليه وآله, وأخيرا المبحث الرابع: دراسة تحليلية للأية 1-10  من عبس وتولى محل البحث, ثم الخاتمة, فالهوامش والمصادر

 تمهيد   

معرفة الخطاب

لغةً: مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبةً وخطاباً، وهما يتخاطبان. وفصل الخطاب: أن يفصل بين الحق والباطل ويميّز بين الحكم وضده([1]) , أو هو الكلام الذي يُقصد به الإفهام، إفهام من هو أهلٌ للفهم، والكلام الذي لا يقصد به إفهام المستمع، فإنه لا يسمى خطاباً([2]).

اصطلاحاً: وعرف بأنه (كل نطق أو كتابة تحمل وجهة نظر محددة من المتكلم أو الكاتب، وتفترض فيه التأثير على السامع أو القارئ، مع الأخذ بعين الاعتبار مجمل الظروف والممارسات التي تم فيها)([3]), فهو إيصال الأفكار إلى الآخرين بواسطة الكلام المفهوم، واللغة في ذلك هي الأداة.

شروطه: وجود منشئ ومتلقي، ويكون لدى المتكلم مقصد التأثير في الآخر على نحو ما, بالسلطة والرغبة للمنشئ في السيطرة على قلوب وعقول المتلقين, بلحاظ مكانة المنشئ والمتلقي، وهذه السمات الاجتماعية للمكانة، وفهم الظروف المحيطة في إنتاج الخطاب، ويتم ذلك بمعرفة مفهوم المكانة، والذي يساهم من قبل المنشئ وتقبله من المتلقي. وهذه المقومات هي لاشك مقدمات من الفهم الذي يخلق نوعا من الانجذاب([4]).

على مستوى المفهوم القرآني:       
وردت في القرآن الكريم مشتقات خَطْب تسع مرات، وورد لفظ خطاب ثلاث مرات، والذي يعنينا منها الآن مما يناسب المقام هو قوله تعالى: { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} ص:23, وفي قوله تعالى:{وشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } ص:20, ونلاحظ في سياق ورود لفظ "خطاب" في هذه الآية الكريمة أن الخطاب مقرون بالحكمة.وهنا مجالٌ فسيحٌ للتأمل والاستبصار والتدقيق في استكناه المعنى العميق للفظ "خطاب"، مما يخرج به عن المفهوم اللغوي بحسبانه مراجعةً للكلام، أو الكلام الذي يقصد به الإفهام، ويرتقي به إلى مستوى أرفع شديد اللصوق بمعنى الحكمة التي هي وضع الأمور في حاقِّ موضعها وتدبيرها على ما ينبغي لها.ويَتَلاقَى المفهومان اللغوي والقرآني، في التأكيد على الدلالة السامية للخطاب، على اعتبار أن "فصل الخطاب" لا يتم على الوجه الأفضل، إلاَّ إذا اقترن بالحكمة، وكان القصد منه تبيان وجه الحق على أكمل الوجوه وأتمها,  وفي قول تعالى: { رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا } النبأ:37

ويمكننا أن نعرف الخطاب الإسلامي تعريفاً أوَّليًّا بأنه: الخطاب الذي يستند لمرجعية إسلامية من أصول القرآن والسنة، وأيٍّ من سائر الفروع الإسلامية الأخرى، سواء أكان منتج الخطاب جماعة إسلامية أم مؤسسة دعوية رسمية أو أهلية أم أفراداً متفرقين, جعلُ الاستناد للدين وأصوله مرجعيـةً لرؤاهم, إذن, هو الوسيلة والمنهاج الذي يتم من خلاله مخاطبة مسلمي العالم، ويصوغون أفكارهم وآراءهم ومواقفهم بالمفهوم العميق والشامل([5]).

 فالخطاب في هذا المقام ليس مجرد أسلوب للتبليغ، وطريقة للتعبير عن الرأي والموقف.. لكنه، أيضاً، الوعاء المعبّر عن العقيدة والروح والفلسفة والمذهب.وينطبق هذا المفهوم أيضاً، على الخطاب الثقافي، والخطاب الأدبي، والخطاب الفني، والخطاب الإعلامي، وإن كان الخطاب الإعلامي أكثر استيعاباً للمضامين الواسعة، بحيث يمكن أن يستوعب المستويات الخطابية جميعاً، فيكون الخطاب الإعلامي الديني، والخطاب الإعلامي الفلسفي، والخطاب الإعلامي السياسي, وإلى هذا المعنى تنصرف الأذهان عند الحديث عن الخطاب الإسلامي، باعتبار أنّ المقصود هو الوسيلة التي يخاطب بها المسلمون العالم، والمنهاج الذي يصوغون من خلاله أفكارهم وآراءهم ومواقفهم التي يريدون إيصالها إلى القطاع الأوسع من الرأي العام العالمي، وذلك عبر وسائط الإعلام والتواصل المختلفة، من مقروءةٍ ومرئيـةٍ ومسموعة. إنّ الخطاب الإسلامي هو الإطار الأوسع للدعوة الإسلامية بالمفهوم العميق والشامل.

يعد الخطاب الإسلامي أحد العوامل المؤثرة على نفس وعقل المسلم, ويعد مصدراً أساسياً للإعلام, وأهميته في كونه وسيلة التواصل مع البشر فهو أيضا الوسيلة لتوجيه المسلمين وتغيير مجتمعهم, ولأهميته ودوره وأثره الفاعل جعله الله حلقة الوصل بينه وبين المسلمين ولإقامة الحجة عليهم. إن عدم فهم الخطاب الشرعي أدى إلى تدهور الحضارة الإسلامية وبالتالي أدت إلى فرقة المسلمين, وضعف استيعابهم الثقافي والفكري العقلاني الذي أنعكس على التوجهات الفقهية([6]).

يتكون الخطاب الإسلامي من المنشئ سواءً قرآناً كان أم سنة. والمتلقي البشري لا يحيط بكل معاني ومضامين المنشئ إحاطة كاملة, لان تحديد خصائص الخطاب دون الاستناد إلى مرجعية منهجية, والتأثر بالرغبات الشخصية, والخضوع إلى مسار فكري أو مذهبي معين ً مخل بالموضوعية يؤدي إلى مغايرة  قصد الخطاب الإسلامي, ولكن المراد هو تحقيق الغاية في معرفة الخطاب الإسلامي ويتجلى ذلك من خلال الموضوعية وبعلمية متحررة من أي فكر أو انحراف مذهبي([7]).

إن الخطاب الإسلامي قد أضفى عليه مصدره الإلهي ميزات عن المستويات البشرية في الشمولية والثبات المتصف بالمرونة، والصلاحية لمختلف الأزمنة والأحوال([8]), يهدف الخطاب الإسلامي في كل المجالات الإسلامية من فقه وتوحيد وتفسير وحديث وقرآن إلى توعية المجتمع الإسلامي ويسعى لزيادة وعي المسلم وإعداده ([9]).

أسس الخطاب الديني

الوحي  وأول هذه المصادر هو:الكتاب الكريم، وهو القرآن، وهو كلام الله عز وجل وهو المصدر الأول للتشريع، قال تعالى:  {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} الإسراء:9, السنة النبوية، وهي كل ما صدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير, والسنة هي المصدر الثاني للتشريع والاستدلال بها كالاستدلال بالقران تماما لا فرق بينهما من ناحية الاحتجاج، قال الله تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً},النساء:59، ويكون الرد بعد وفاة الرسول بإتباع سنته من بعده، قال تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ},الحشر:7، الإجماع وهو يكشف عن دليل لم يصل إلينا بوجود صوم مع المجمعين.العقل, وهي بمجموعها تشكل الأساس الأول الذي يقوم عليه الخطاب الإسلامي، ثم الوسيلة لوصول الخطاب وهي اللغة العربية,  وهي لغة الإسلام ووعاء أفكاره ومعارفه، وهي جزء جوهري في إعجاز القران، والقرآن لا يكون قرآنا إلا بها، ونحن متعبدون بلفظه

أهمية الخطاب ودوره

فالخطاب هو خلق وإبداع، وبناء في داخل النص، يعمل على تفجير اللغة بكل ما تحمل من دلالة مرجعية وثقافية وحضارية ويكون منها رموزا لأشياء غائبة وحاضرة  تقبع داخل النص وإذا أردنا بعث التراث العربي وإحيائه وابتكار طريقة جديدة في التعامل معه، فلا يكون في نسخه وإعادته كما هو، وإنما بعثه في ثوب جديد نلمسه في التناص حيث يتلاقح نص قديم مع نص جديد ويبقى الماضي متزامنا مع الحاضر في اتجاه المستقبل.

فهوبالإضافة إلى كونه وسيلة التواصل مع البشر، أفراداً وجماعات، ولمختلف الأغراض فإنه يعد العامل الخارجي الأهم في تشكيل البنية الذهنية أو التكوين العقلي للبشر كما يعد أحد المؤثرات الأساسية على النفس البشرية. وبخصائصه العامة تلك، كان الخطاب ومازال هو الوسيلة لأساسية وأحياناً الوسيلة الوحيدة المتاحة لتوجيه الأفراد وتغيير المجتمعات. وقد شرّف الله الخطاب بأن أختاره ليكون وسيلته للتواصل مع البشر وأشار إلى أهمية أثره ودوره بان جعله كافياً لإقامة حجته على الناس أجمعين. ولا غرو والأمر كذلك أن يصبح الخطاب، وخاصة في عصرنا هذا، أهم وسيلة للتنافس أو الصراع الدائر على عقول البشر.

وإذا كان الأمر كذلك، يبدو جلياً أن لا سبيل لإعادة تكوين العقل الإسلامي وإصلاح حال المسلمين وإعادة بناء الحضارة الإسلامية وتصحيح وتحسين وعي الأخر بالإسلام وصولاً لتزكية العلاقة بالأخر، أفراداً وجماعات وحضارات، دون إحداث ما يلزم من التغيير أو الإصلاح في الخطاب الإسلامي السائد([10]).

المبحث الأول:

أقسام الخطابات في القرآن الكريم سواء كانت للرسول صلى الله عليه وآله أو لغيره

أ - الخطابات بلحاظ التوظيف البلاغي

تتنوع الخطابات في القرآن، بلحاظ الوظائف البلاغية فالمتتبع المختص البلاغي يجدها على النحو التالي: 

  1. خطاب الجنس، نحو قوله سبحانه: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ }, فإن المراد جنس الناس، لا كل فرد؛ إذ من المعلوم أن غير المكلف، لا يدخل تحت هذا الخطاب.
  2. خطاب النوع، نحو قوله تعالى: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ }, سورة البقرة:40، فالخطاب هنا موجَّه لنوع معين من الناس دون غيرهم.
  3. خطاب التشخيص والمراد عين الشخص، نحو قوله تعالى: { يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا }, هود:8، وقوله سبحانه: { يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا }, هود:76، وقوله تعالى: { يَا مُوسَى لَا تَخَفْ }, النمل:10.
  4. خطاب المدح، نحو قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ }, فهذا خطاب موجه للمؤمنين لكونهم متصفين بالإيمان، وهو من باب المدح لهم. 
  5. خطاب الذم، نحو قوله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا }, التحريم:7، وقوله تعالى: {  قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}, الكافرون:1, وهذا خطاب للكافرين بما هم متصفون به من الكفر.  وهو من باب الذم لهم.
  6. خطاب الكرامة، كقوله تعالى: { ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ }, الحجر:46، خطاب موجه للمؤمنين بما وُعِدهم الله به من الأمن والسلم.
  7. خطاب الإهانة، نحو قوله سبحانه: { اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ }, المؤمنون:108، خطاب للمعرضين والكافرين بما وعدوا به من الذل والمهانة.
  8. خطاب التهكم، كقوله تعالى: { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ },  الدخان:49، فالخطاب هنا موجه إلى من أراد الله إهانته  والاستهزاء  والاستخفاف به من المقصرين.
  9. خطاب الجميع بلفظ الواحد، كقوله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ },  الانشقاق:6، فالمراد بالإنسان هنا الجميع، بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ! إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا },  العصر:2-3.
  10. خطاب الواحد بلفظ الجمع، كقوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ },  هود:14، فالخطاب في الآية للنبي صلى الله عليه وآله، بدليل قوله سبحانه قبلُ: { قُلْ فَأْتُوا }, هود:13, وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}, آل عمران:177.
  11. خطاب الاثنين بلفظ الواحد، كقوله تعالى: { فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ َفتَشْقَى}طه:117، فأخبر أن الشقاء حاصل لآدم، مع أن مخالفة الأمر حصل منه ومن زوجه, وقوله تعالى: { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } الشعراء:116.
  12. خطاب الجمع بعد الواحد، من ذلك قوله تعالى: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا } يونس:61، فالخطاب للنبي  صلى الله عليه وآله: فـ"ما تكون وما تتلو"، وإنما جاء بالفعل الثالث بصيغة الجمع: "وَلاَ تَعْمَلُونَ"، تفخيماً له وتعظيماً, وكذا قوله تعالى: { أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ }يونس:87. 
  13. خطاب موجه للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به غيره، كقوله سبحانه: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِين} الأحزاب:1، فالخطاب للنبي  صلى الله عليه وآله والمراد المؤمنون، لأنه  صلى الله عليه وآله  كان تقياً، ومن هذا القبيل، قوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } يونس:94، وقوله تعالى: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ }, الزمر:65، وقوله: { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم } البقرة:120.
  14. خطاب الاعتبار، كقوله تعالى: { فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ }, الأعراف:79, فالخطاب موجه من النبي صالح  عليه السلام إلى قومه على سبيل الحكاية، خاطبهم بعد هلاكهم للاعتبار.
  15. خطاب موجه للنبي صلى الله عليه وآله، ثم العدول إلى غيره، كقوله تعالى: { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ }، فقوله سبحانه: { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ }, خطاب للنبي صلى الله عليه وآله ثم قال للكفار: { فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ }، بدليل قوله في ختام الآية: { فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ }، هود:14. 
  16. خطاب التنويع، كقوله سبحانه: { حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ }،  يونس:22، فجاء الخطاب أولاً بصيغة المخاطبين  "كنتم"، ثم أتبعه بخطاب الغائبين  "وَجَرَيْنَ بِهِم", ويسمى هذا النوع من الخطاب بـ "الالتفات".
  17. خطاب موجه لمن لا يعقل خطاب بأسلوب الخطاب الموجه لمن يعقل، نحو قوله تعالى: { فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا }، فصلت:11، فالخطاب في الآية للسماء والأرض، ونحوه قوله سبحانه: { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ }،  النحل:68.
  18. خطاب التهييج، كقوله سبحانه: { وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  }، المائدة:23، الخطاب هنا للحث في التوكل على الله، وليس فيها دلالة على أن غير المتوكل على الله غير مؤمن,  ونحو هذا قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  }، البقرة:278, فوَصَفَهُم سبحانه بالإيمان عند الخطاب، ثم قال: "إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ "، حثاً لهم على ترك الربا.
  19. خطاب التشجيع والتحريض، وهو خطاب موجه للحث على الاتصاف بالصفات الجميلة، كقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ }،  الصف:4، وقوله سبحانه: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ }،  النساء:104

خطاب الحزم والتأني، وهذا مقابل لما سبقه، كقوله سبحانه: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ } الأنفال:60، فالآية خطاب للمؤمنين بالاستعداد وأخذ الأُهْبَة لمواجهة الصادين عن سبيل الله. 

  1. خطاب التنفير، من ذلك قوله سبحانه: { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا } الحجرات:12، فالآية خطاب للمؤمنين تفيد التنفير من الغيبة, ومن هذا القبيل قوله: { وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا }, القصص:60، فالآية من باب التنفير عن الدنيا: أي: ما أعطيتم من الغنى والسعة في الرزق فإنما هو زائل.
  2. خطاب التحنن والاستعطاف، كقوله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا }, الزمر:53. فالخطاب موجه من الله للمتولين عنه بالحث على الإقبال لله، وكونه سبحانه رحيم بعباده لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم التوبة.  
  3. خطاب التحبيب، نحو ما جاء في خطاب إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّ }, وقول لقمان لابنه: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ }, لقمان:17.
  4. خطاب التعجيز، نحو قوله تعالى: { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ }, البقرة:23، وقوله سبحانه: { فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ }, آل عمران:168.
  5. خطاب موجه للنبي صلى الله عليه وآله تشريفا له بأن خاطبه الله بـ"عبده" قال تعالى:الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير }, الإسراء:1{  الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا }, الكهف:1
  6. خطاب اللوم والعتاب, ومنه مخاطبا على لسان نبيه ويراد به غيره, كما في قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى !  أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى ! وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ! أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى! أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى! فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى! وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى! وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى! وَهُوَ يَخْشَى! فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}, الآية محل البحث ([11]).
ب- بلحاظ التوجيه النحوي:

الكلمات التي خوطب فيه  صلى الله عليه وآله بألفاظ يمكن تصنيفها إلى عدة أصناف بلحاظ التوجيه النحوي, وهي فيما يأتي:

  1. صنف الضمائر, ضمير المخاطب المتصل والمنفصل والغائب, فالكلمات التي خوطب فيها  صلى الله عليه وآله بلفظ ضمير المخاطب " أنت" وما يضاف لها من سوابق, وكاف المخاطب المتصل بكلمات تخص رسول الله  صلى الله عليه وآله مثل ذكر نفسه ووجهه وعينيه وقلبه وصدره ولسانه وعنقه وجناحه ويمينه وأهله وقومه وأزواجه وبناته وباقي عشيرته, وقريته وبيته وصلاته وقبلته وصبره وذكره وعمله وحسابه ومنامه, وما يتصل كاف الخطاب مع الأسماء مثل خيانة وخلاف وشانئ وذنب, وما يتصل كاف الخطاب بالأفعالً الماضية مثل أرسلنا وآتينا وثبتنا وكفينا وجعلنا وأرى وجعلنا ورجع وأصاب وسأل وجاء واتبع, وما أتصل بالأفعال المضارعة مثل نتوفى وينسي ويعطي ويجد ويهدي ويسأل ويبعث وغيرها, وكاف الخطاب المتصل بالظروف مثل حول وعند وقبل, وكاف الخطاب المتصل بالحروف مثل إن وأن وإلى وعن وعلى ومع واللام والباء, كما ورد الخطاب بالكاف بصيغة الجمع خطابًا له  صلى الله عليه وآله وليشمل من معه مثل لفظ أعمالكم وأيديكم وقلوبكم وأنفسكم والأفعال التي تخاطب الجمع مثل يأتيكم وأنشأكم, وحروف جر تضاف إلى خطاب الجماعة مثل عليكم وإليكم وبكم, و صيغة الخطاب التي تأتي بإلحاق تاء المخاطب التي تضاف للفعل الماضي مثل رأيت وأحبت وأمرت وسألت وأقمت وفعلت وكنت ولست وأمرت, وكذلك الخطاب بصيغة الفعل المضارع المبتدئ بالتاء مثل تبتغي وتبلغ وتترك وتحرص وتدري وترضى وترى وما شابه ذلك, والخطاب بصيغة الأمر الموجه للرسول  صلى الله عليه وآله في فعل الأمر "قل" أو "وقل", منها آيات ابتدأت بلفظ وآيات احتوت على لفظ "قل" في مواضع غير أولها, كما اشتملت آيات تجيب الكفار على أسئلتهم أو اعتراضاتهم بلفظ "قل",أو  وبغيرهما, بألفاظ  مثل أقم وأمهل وأنذر واتق واحكم واصبر واستغفر وانظر وبشر وبلغ وجاهد وسبح واستمسك  وقم واسأل وعظ وغير ذلك. كما تضمنت أفعالاً أتت على السنة الكفار أو المنافقين خطابًا له  صلى الله عليه وآله مثل ائذن وراعنا, كما تضمنت أفعال أمر موجهة بلفظ الجمع أي خطابًا له عليه الصلاة والسلام ولأصحابه مثل فاقرأوا واعتزلوا واستقيموا وأقيموا وأحصوا وما شابهها([12]).
  2. صنف الضمائر, ما ورد عن لسانه  صلى الله عليه وآله بصيغة المتكلم وأولها بلفظ ضمير المتكلم: أنا , وما ورد بلفظ فعل معه تاء المتكلم مثل كنتُ وآمنتُ وأسلمتُ وتوكلتُ.

وقد وردت كلمات أسماء مضافة لياء المتكلم مثل أجري وديني وربي ونفسي وعملي وقومي ووجهي, كما وردت ياء المتكلم مضافة إلى أفعال مثل أرادني وأروني وأهلكني وجاءني وتنظروني كما وردت مضافة إلى حروف مثل إليّ وإني وعليّ وبي ومعي وغيرها, كما ورد لفظ المتكلم بضمير الجمع: نحن و نا منفردًا أو مضافا إلى أسماء مثل أعمالنا وأبناءنا وربنا أو إلى أفعال مثل آمنا أو تحسدوننا وتوكلنا وجئنا وهدانا أو مضافا إلى حروف مثل إلينا وبنا ولنا ومعنا,كما وردت الأفعال المضارعة بصيغة المتكلم على لسانه  صلى الله عليه وآله مثل أبتغي وأتلو وأتبع وأخاف وأعبد وأعوذ وأكون. وقد جمعت الأفعال التي وردت بصيغة النفي مثل لا أقول ولا أعبد ولا أشهد, وقد وردت أفعال أخرى بصيغة المتكلمين مثل نبتهل ونؤمن ونعبد وغيرها.

  1.  صنف الضمائر بصيغة ضمير الغائب وأولها ضمير الغائب المنفصل: هو أو هما وهم اللتان تشملانه  صلى الله عليه وآله كما وردت هاء الغائب مثل أزواجه واسمه وربه ومولاه ونفسه ومضافة للفعل مثل جاءه وعلّمه وأظهره واتبعوه ويعلمه وما إلى ذلك, وكذلك الحروف مثل إليه وعليه وكذلك الضمير المتصل بصيغة الجمع, وهناك أسماء الإشارة مثل هذا و أسماء الموصول التي تشير إليه عليه الصلاة والسلام مثل الذي.

وقد ورد ضمير الغائب المستتر مثل أسرَّ وجاء وجاهد ورأى ويستحي وقال ونهاكم  ونبأها وصدَّق ويمشي ويقول ويريد وما يشبه ذلك, وكذلك ضمير الغائب المستتر بصيغة الجمع([13]).

  1. صنف بصيغ أخرى مثل لفظ الرسول والصيغ المشابهة التي تلحق بها الضمائر مثل رسوله ورسولنا وكذلك مجتمعًا مع إخوانه من الرسل في مثل رسله ورسلنا والمرسلين, كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}, الانفال:1, وقال تعالى: {هوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا},الفتح:3 
  2.  وما ورد بصيغة نبي مثل النبي أو النبيين, كقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}, الانفال: 64, وقوله تعالى: { يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}, التحريم:1. 
  3.  أو ما ورد بمحمد وأحمد أو طه ويس وما ورد من أو ما ورد  بوصفه  صلى الله عليه وآله مثل عبده وعبد الله وعبدنا أو المدثر والمزمل والأمي وثاني اثنين وداعي الله وكريم ومبين وشاهد ومبشر وبشير ونذير ورؤوف ورحيم وسراج, وما ورد وصفه مع المؤمنين في مثل آمنين ووصف غير مباشر له مثل ما زاغ البصر, وما ورد على ألسنة الكفار من أوصاف مثل مجنون وشاعر وكاهن وساحر ورجل ومعلَّم, قال تعالى:ومَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}, آل عمران: 144, وقال تعالى: {ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}, سورة الأحزاب: 40..([14])
ج- الخطابات بلحاظ  التوجيه الدلالي:

1- خطاب عامٌّ يراد به عموم الناس، كقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ }, فاطر:3, فالخطاب يشمل جميع الناس المؤمن والكافر، والغني والفقير، فهو عامًّ له ولغيره, وفي قوله تعالى: { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ },  البقرة: 91,أي: قل يا محمد، وقل يا مَن يريد جدالهم (فَلِمَ) الفاء: جواب شرط مقدر، التقدير: إن كنتم آمنتم بما أنزل عليكم فلم  تَقْتُلُونَ أَنبِيَآءَ اللَّه([15]).  وفي قوله تعالى: {  قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا },  آل عمران: 84.أي: قُل يا محمَّد أنت وأمَّتك  آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا([16]). 

2-  خطاب خاصٌّ يُراد به الخصوص، فهو خاص به، ومن أمثلته: قوله تعالى: {  قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً }, الأعراف: 158, وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ }, الكهف: 110, وقوله تبارك وتعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ}, الشرح:1 -2، ومثاله أيضاً قوله تعالى: { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً }النساء: 79 

 3- خطاب خاصٌّ يراد به عموم المكلفين، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}, الطلاق:1، فالخطاب موجه للنبي  صلى الله عليه وآله، فالخطاب موجه للرسول  صلى الله عليه وآله وللأمة.

4- خطاب عامٌّ يُراد به الخصوص، من ذلك قوله سبحانه: {  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ },النساء:1، فالخطاب يشمل في طياته كل الناس كبيرهم وصغيرهم  ولكن بضميمة من كان صالحا للتكليف.

المبحث الثاني:

منهجية الخطاب الموجه للنبي محمد صلى الله عليه وآله:

قبل تحليل الآية محل البحث لابد لنا في البداية من معرفة المنهج الإلهي للخطاب الموجه للرسول  صلى الله عليه وآله وتوضيحه, من خلال  بيان الأغراض المترتبة في عرض النماذج الواردة في القرآن الكريم, قد يستخدم المولى عز وجل في خطابه مع الأنبياء أسلوب الشدة بالتحذير والوعيد,  في بعض المواضع التالية:

1-منهج الشدة في توجيه الخطاب:

 قال تعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسرَى حَتَّى يُثخِنَ فِي الأَرضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ! لَّولاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم فِيمَا أَخَذتُم عَذَابٌ عَظِيمٌ}, الأنفال:67- 68, وقال تعالى: { وإِن كَادُوا لَيَفتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوحَينَا إِلَيكَ لِتَفتَرِيَ عَلَينَا غَيرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ! وَلَولا أَن ثَبَّتنَاكَ لَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئاً قَلِيلاً ! إِذاً لأذَقنَاكَ ضِعفَ الحَيَاةِ وَضِعفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينَا نَصِيرا} الإسراء:86-87

والمتسائل في أول وهلة هل أن الله سبحانه وتعالى استخدم أسلوب شديد اللهجة مع الرسول  صلى الله عليه وآله في توجيه خطاباته أم أن هناك أمرا آخر أراده الله, وكان لا يعني نبيه بالذات فنأخذ على سبيل المثال مسألة الأسرى في معركة بدر, قال تعالى: { لَّولاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم فِيمَا أَخَذتُم عَذَابٌ عَظِيمٌ}, ثم يستخدم المولى أسلوب أشد مع الرسول  صلى الله عليه وآله في مسألة الركون الى الكفار حيث قال تعالى: { وَلَولا أَن ثَبَّتنَاكَ لَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئاً قَلِيلاً}, فهل هذا الخطاب يخص الرسول صلى الله عليه وآله, فالظاهر من هذا الخطاب الموجه اسلوب  الشدة والتهديد والوعيد للرسول صلى الله عليه وآله, مع العلم أن الخطأ لم يتحقق في فعله وتبعا لذلك لم تتحقق المعصية, لسبب وهو أن أمر الأسرى لم يكن أمرا تشريعي, كما أن الفعل لم يحصل بدليل الآية من قوله تعالى: { لولا كتاب من الله  سبق },الذي كان سيؤدي إلى سخط الله وغضبه ومن ثم سيصيبهم عذاب عظيم في حال ارتكابهم الخطأ, وبعد ذلك يأتي تدارك الله في توجيه خطابه  للرسول صلى الله عليه وآله في الآية الثانية, حيث قال تعالى{:ولولا أن ثبتناك لكدت تركن إليهم شيئا قليلا}, وهذا التدارك للتنبيه؛ إذا فالخطأين في الآيتين لا يمكن أن نصفهما بالخطأ لأمرين, الأول إن الذي قام به الرسول صلى الله عليه وآله مبني على حسن النية وليست نية الفعل المعلوم والمنهي عنه, والثاني لم يتحقق فعل العمل ولا نتيجته, وهنا تتحقق العصمة للرسول  صلى الله عليه وآله وهو امر واجب ومحتم فإن هذا النبي سيكون دستورا شاملا  يجب أن يقتدى به فقد بعث للناس كافة ولا نبي بعده ودينه خاتم الأديان وجامعها, وعليه يجب أن يكون خاليا من الشوائب([17]).

 فهل هذا هو المطلوب في تبرئة النبي  صلى الله عليه وآله, أم هناك أمرا آخراً المتحقق والواضح من لفظ الآية على أن النبي  صلى الله عليه وآله لا يشاركهم في العتاب؛ لكون العتاب في الآية متعلق بأخذ الأسرى وليس فيها ما يشعر بأنه استشارهم فيه أو رضي بذلك ولم يرد في شئ من الآثار أنه  صلى الله عليه وآله وصاهم بأخذ الأسرى ولا قال قولا يشعر بالرضا بذلك بل كان ذلك مما أقدمت عليه عامة المهاجرين والأنصار على قاعدتهم في الحروب إذا ظفروا بعدوهم أخذوا الأسرى للاسترقاق أو الفداء, فقد ورد في الآثار أنهم بالغوا في الأسر وكان الرجل يقى أسيره ان يناله الناس بسوء , فمعنى الآيات:ما كان لنبي ولم يعهد في سنة الله في أنبيائه, أن يكون له أسرى ويحق له ان يأخذهم ويستدر على ذلك شيئا حتى يثخن ويغلظ في الأرض ويستقر دينه بين الناس (تريدون) أنتم معاشر أهل بدر - وخطاب الجميع بهذا العموم المشتمل على عتاب الجميع لكون أكثرهم متلبسين باقتراح الفداء على النبي  صلى الله عليه وآله عرض الدنيا ومتاعها السريع الزوال (والله يريد الآخرة) بتشريع الدين والامر بقتال الكفار, ثم في هذه السنة التي أخبر بها في كلامه, (والله عزيز) لا يُغلب (حكيم) لا يلغو في أحكامه المتقنة([18]).

ولولا كتاب من الله سبق) يقتضى ان لا يعذبكم ولا يهلككم, وإنما أبهم لان الابهام أنسب في مقام المعاتبة ليذهب ذهن السامع كل مذهب ممكن, ولا يتعين له فيهون عنده أمرهلمسكم فيما أخذتم:(أي في أخذكم الاسرى فإن الفداء والغنيمة لم يؤخذا قبل نزول الآيات وإخبارهم بحليتها وطيبها (عذاب عظيم) وهو كما تقدم يدل على عظم المعصية لان العذاب العظيم إنما يستحق بالمعصية العظيمة, أما آية الركون, فان التهديد والوعيد متوجه الى النبيّ  صلى الله عليه وآله على تقدير الركون, ولمّا لم يحصل الركون لتثبيته من قبل الله تعالى فلا يحصل الوعيد, فالوعيد هنا افتراضي([19]).

2-منهج  التعريض في الخطابات الموجه للرسول الكريم  صلى الله عليه وآله:

هناك خطاب موجه للمتلقي يعلمه يكون أوقع في نفس مَن وصل إليه الخطاب مما لو كان هو المُخاطَب ابتداءً, وخصوصاً إذا كان المُخاطَب يحظى بموقعٍ متميز في نفوس المعنيين بالخطاب, فالفظ الدال على الشيء عن طريق الكناية, أو هو المعنى المدلول عليه بالقرينة دون اللفظ, أو هو لفظ استعمل في معناه للتلويح بغيره, ومن أمثلة التعريض في القرآن الكريم قال تعالى: { قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ! قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ},  الانبياء:62-63, فقد قصد إبراهيم  عليه السلام بهذا تعريضا لهم, فهو لم يقصد أن  ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم إنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريض يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم([20]).  

فالقرآن الكريم كثرت فيه مثل هذا الاستخدام وهو التعريض بدلا من التصريح,  قال تعالى: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}, الزمر:65,  فالرسول  صلى الله عليه وآله فالغرض من توجيه الخطاب إليه هو التعبير عن خطورة ارتكاب هذا الذنب من قبل المؤمنين, فالرسول  صلى الله عليه وآله ليس المعني  بهذا الخطاب, فان النبي صلى الله عليه وآله معصوم من الذنب فيكون ابعد عن ذلك, ولكن  اللَّه يخاطب الأمة من خلال الرسول صلى الله عليه وآله، ويأمرها من خلاله  صلى الله عليه وآله.

3-منهج خطاب الله للنبي نفسه:

 في هذا الخطاب الموجه للنبي  صلى الله عليه وآله نفسه، فالله تعالى يقصد به  ذات الرسول صلى الله عليه وآله للسمو به شخصياً، و لتثبيت قلبه وطمأنتها في دعوته وخاصة مع قومه العتاة الجفاة([21]).

قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَﴽجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ! وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا  ! وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا }, الآيات: 78-80.

4-منهج خطاب الله للأمة من خلال النبي:

وهو ما يسمى التنقل  بـ(الالتفات), وهو خطاب المفرد بالجمع أو العكس, فبعض الخطابات جاءت بضمير المخاطب الفرد (الكاف – أنت) الذي ظاهره يخص الرسول  صلى الله عليه وآله، وبعضه الآخر جاء بضمير المخاطب الجمع (كُم - أنتم) الذي يشمل الصف المؤمن كله، مثل قوله تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كرِيمًا ! وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا},  23- 24, فتوجيه ضمير المخاطب المفرد في معظم هذه الآيات إلى أن المقصود بها مجموع الأمة وليس النبي وحده  صلى الله عليه وآله, ولحكمة من ذلك أن  تنويع الخطاب إفادة لجميع المسلمين، فضلا عن استشعار الفرد المسلم أنه مخاطب خطاباً مباشراً بضمير المفرد، وهو الإعجاز في البلاغة في التأثير البليغ ([22]).

5-منهج خطاب الله الموجه لنبيه مع المشركين والكتابيين:

لقد ربى الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم أكمل تربية بدليل قول الرسول  صلى الله عليه وآله: " أدبني ربي فأحسن تاديبي"([23]) وهذا الإشراف الإلهي المباشر من قبل الله لنبيه الأكرم حتى يكون  رسوله مسلحا  بالحكمة وأصول الحجاج مع المشركين والكتابيين في خوض معركة التوحيد ورد الأباطيل, قال تعالى: {  قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ! أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا},  الإسراء:56 -57.

وقال تعالى: { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا},  الإسراء: 73.

المبحث الثالث: خصائص الخطاب الموجه للرسول صلى الله عليه وآله:

  1. لكون هذا القرآن نزل على صدر محمد  صلى الله عليه وآله فبديهي أن تكون الخطابات موجه له أو عن طريقه, وتبعا لذلك كثر استخدامه لفظ (قلْ) صريحاً, وتلويحا بأفعال الأمر والنهي، والضمائر سواء كان عن طريق ضمير المخاطب أو الغائب أو المتكلم, أو اسمه أو صفته.
  2. بطبيعة شروط الخطاب أن يتكون من طرفين منشيء ومتلقي وهكذا الحال في الخطابات الموجه للرسول صلى الله عليه وآله.
  3. طبيعة الخطابات الإلهية الموجه للرسول صلى الله عليه وآله أنها على مستويات، مستوى يخاطب النبي صلى الله عليه وآله نفسه مباشرة لتزكيته وتثبيته وتقوية قلبه، ومستوى تلقينه الحجج في معركته الرسالية أمام المشركين والكتابين، ومستوى يريد  يكون فيه الخطاب موجها إلى المسلمين أو المشركين.
  4. مناسبة الخطاب وانسجامه مع موضوع السورة.
  5. المتكلم الأول والمنشئ هو الله أما المتلقي فهو الرسول  صلى الله عليه وآلهوهو برهان على صدق هذا القرآن، وأنه من عند الله, وليس من عند الرسول.
  6. إسلوب توجيه الخطاب  عن طريق ضمير المخاطب بلا شك يخص شخص الرسول صلى الله عليه وآله، وهذا ما يشعر السامع أن الأمر لا يخص الرسول صلى الله عليه وآله فقط وإنما الخطاب  يكون موجها للجميع.

المبحث الرابع: دراسة تحليلية للأية (1-10)من عبس وتولى محل البحث

الخطابات الموجه للرسول صلى الله عليه وآله تملأ القرآن الكريم وهي متنوعة بحسب الأغراض والوقائع وحسب الشخوص والأسباب وبعدة أساليب استلزمت أن يكون الخطاب بهذا المنهج أو ذلك, فقوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى !  أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى !  وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى !  أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى !  أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى !  فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى !  وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى !  وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى !  وَهُوَ يَخْشَى ! فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}, أن الذي عبس وتولى هو عثمان بن عفان وأدلته الوحي كان ينزل على رسول الله وكان يخاطب الرسول  صلى الله عليه وآله فالمفروض أن تأتي الآية محل البحث بأسلوب (عبست وتوليت) وليس عبس وتولى هذا إذا كانت الآية نزلت موجه للرسول صلى الله عليه وآله, ونضرب بعض الأمثلة على الآيات التي كانت تخاطب الرسول صلى الله عليه وآله { يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} وقوله تعالى {أنا أعطيناك الكوثر}, فالكاف هو ضمير يعود إلى الرسول  صلى الله عليه وآله, فضلا عن أن الله سبحانه وتعالى يقول: {وإنك لعلى خلق عظيم} كيف يكون على خلق عظيم إذا كان يعبس في وجه الغير, وقوله: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} الأحزاب:21، إذاً رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل الخلق طرا فكيف يعبس؟ نأتي أولا إلى عرض الروايات من  كلا الطرفين ثم نستعرض أقوال المفسرين تبعا لتلك الروايات, ثم نصل بعد ذلك إلى نتيجة في آخر المطاف.

روايات الطرفين وأقوال المفسرين

طريق السنة:

حدثنا محمد بن مهدي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس في قوله عبس وتولى جاء بن أم مكتوم إلى النبي  صلى الله عليه وآله وهو يكلم أبي بن خلف فأعرض عنه فأنزل الله عبس وتولى قال فكان النبي بعد ذلك يكرمه

 حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد حدثنا أبي قال هذا ما قرأنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أنزل عبس وتولى في بن أم مكتوم الأعمى أتى إلى رسول الله  صلى الله عليه وآله فجعل يقول يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله  صلى الله عليه وآله من عظماء المشركين فجعل النبي  صلى الله عليه وآله يعرض عنه ويقبل على الآخرين فيقول أترون بما أقول بأسا فيقولون لا ففي هذا أنزلت عبس وتولى([24]).

أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا عبد الله بن عمر الجعفي قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أنزلت عبس وتولى في بن أم مكتوم الأعمى قالت أتى النبي  صلى الله عليه وآلهفجعل يقول يا نبي الله أرشدني قالت وعند النبي  صلى الله عليه وآله رجل من عظماء المشركين فجعل النبي  صلى الله عليه وآله يعرض عنه ويقبل على الآخر فقال النبي  صلى الله عليه وآله يا فلان أترى بما أقول بأسا فيقول لا فنزلت عبس وتولى([25])

وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال أنزلت  عبس وتولى  في عبد الله بن أم مكتوم  جاء إلى رسول الله  صلى الله عليه وآله فجعل يقول يا محمد استدنيني  وعند النبي  صلى الله عليه وآله رجل من عظماء المشركين فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول يا فلان هل ترى بما أقول بأسا فيقول لا والدماء (ما أرى بما تقول بأسا فأنزلت:{ عبس وتولى أن جاءه الأعمى }..)([26]).

هشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال نزلت  عبس وتولى  في عبد الله بن أم مكثوم جاء إلى رسول الله  صلى الله عليه وآله فجعل يقول يا محمد استدنني وعند النبي  صلى الله عليه وآله من عظماء المشركين فجعل النبي عليه السلام يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول يا فلان هل ترى بما أقول بأسا فيقول لا والدمى ما أرى بما تقول بأسا فأنزلت {عبس وتولى أن جاءه الأعمى } وهذا الحديث لم يختلف الرواة عن مالك في إرساله وهو يستند من حديث عائشة من رواية يحيى بن سعيد الأموي ويزيد بن سنان الزهاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ومالك أثبت من هؤلاء ورواه ابن جريج عن هشام بن عروة (بمثل حديث مالك وروى وكيع عن هشام عن أبيه) عن أبيه عروة في قوله: { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } ([27]).

أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا عبد الله بن عمر الجعفي، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه, عن عائشة قالت: نزلت { عبس وتولى }، في ابن أم مكتوم الأعمى. قالت: أتى النبي صلى الله عليه وآله  فجعل يقول: يا نبي الله أرشدني، قالت: وعند النبي  صلى الله عليه وآله رجل من عظماء المشركين، فجعل النبي  صلى الله عليه وآله يعرض عنه ويقبل على الآخر، فقال النبي  صلى الله عليه وآله: يا فلان، أترى بما أقول بأسا ؟ فيقول: لا. فنزلت([28]).

حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي قال حدثني أبي قال هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: " أنزل عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى أنى رسول الله  صلى الله عليه وآله, فجعل يقول يا رسول الله أرشدني. وعند رسول الله  صلى الله عليه وآله رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله  صلى الله عليه وآله يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول: أترى بما أقول بأسا ؟ فيقول لا. ففي هذا أنزل ". هذا حديث حسن غريب وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أنزل عبس وتولى في ابن أم مكتوم ولم يذكر فيه عن عائشة ([29]).

حدثنا  علي بن عيسى الحيري ثنا الحسين بن محمد بن زياد ثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ثنا أبي عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى فقالت أتى إلى رسول الله  صلى الله عليه وآله فجعل يقول أرشدني قالت وعند رسول الله  صلى الله عليه وآله من عظماء المشركين قالت فجعل رسول الله  صلى الله عليه وآله يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول أترى بما أقول بأسا فيقول لا ففي هذا أنزلت عبس وتولى هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فقد أرسله جماعة عن هشام بن عروة([30]).

أخبرنا  أبو العباس المحبوبي ثنا سعيد بن مسعود ثنا عبد الله بن موسى أنبأ إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال أول من قدم من المهاجرين مصعب بن عمير ثم قدم علينا بعده عمر وابن أم مكتوم الأعمى, (حدثنا) جعفر بن نصير الخلدي رحمه الله تعالى ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس ثنا مسعر عن أبي البلاد عن الشعبي قال دخلت على عائشة وعندها ابن أم مكتوم وهي تقطع له الأترج يأكله بعسل فقالت ما زال هذا له من آل محمد  صلى الله عليه وآله منذ عاتب الله فيه نبيه  صلى الله عليه وآله وإنما أرادت أم المؤمنين رضي الله عنها نزول سورة عبس وتولى([31]).

حدثنا  أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ثنا الحسين بن محمد القباني وإبراهيم بن أبي طالب قالا  ثنا أبو موسى ثنا أحمد بن بشير الهمداني ثنا أبو البلاد عن مسلم بن صبيح قال دخلت على عائشة رضي الله عنها وعندها رجل مكفوف وهي تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل فقلت من هذا يا أم المؤمنين فقالت هذا ابن أم مكتوم الذي عاتب الله تبارك وتعالى فيه نبيه  صلى الله عليه وآله قالت أتى النبي  صلى الله عليه وآله ابن أم مكتوم وعنده عتبة وشيبة فاقبل رسول الله  صلى الله عليه وآله عليهما فنزلت عبس وتولى ان جاءه الأعمى ابن أم مكتوم ([32]).

سبب النزول:

 كان الرسول  صلى الله عليه وآله يدعو احد كفار قريش للإسلام, وجاء رجل أعمى اسمه عبد الله بن أم مكتوم, يريد التفقه بالدين وكان يقاطع الرسول  صلى الله عليه وآله  ويسأله فعبس بوجهه الرسول  صلى الله عليه وآله و اجابه عن سؤاله وأكمل دعوة الرجل,  فيعرض عنه النبي  صلى الله عليه وآله  ولم يرى ابن أم مكتوم إعراض النبي  صلى الله عليه وآله عنه لأنه أعمى لانشغاله بدعوة السادات, فجاء القرآن يعاتب النبي عليه الصلاة والسلام على الأعراض الذي لم يره الأعمى ولكن الله رآه فنزلت الآية تأنيب للرسول  صلى الله عليه وآله.

أقوال المفسرين من الجمهور

 ونتيجة لذلك اتفق المفسرون عن بكرة أبيهم وهو ما جاء في دواوين السنة ومراجع السيرة النبوية الشريفة، على أن الذي عبس وتولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام وأجمعوا على أن الأعمى هو ابن أم مكتوم.. أتى رسول الله ابن أم مكتوم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم، فقال للنبي  صلى الله عليه وآله  أقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك فكره رسول الله  صلى الله عليه وآله  قطعه لكلامه وأعرض عنه فنزلت هذه الآية، وكان رسول الله  صلى الله عليه وآله  إذا رآه يقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، ويقول هل لك من حاجة ولا شك أن في استخلافه للمدينة إكراماً له([33]).

أما بالنسبة لأنه أحسن البشر خلقا فلا شك بذلك ولكنه بشر وكل البشر خطاءون  والله يغفر,  بعد ذلك ذكر الله سبحانه وتعالى نبيه بقوله: {وما يدريك لعله يزكى ! أو يذكر فتنفعه الذكرى}
 وتفسير الآية على ما قاله مفسرو السنة: أي لا تدري يا محمد قد يكون هذا الأعمى خيرا من هذا الرجل التام البنية.

وهناك التفاتة بالنسبة لم قال عبس ولم يقل عبست و انه من باب عتاب لطيف للنبي  صلى الله عليه وآله؛  لان وقع كلمة عبس أهون واخف من كلمة عبست, وهو ليس هناك فرق بين "عبس وتولى" وعبست وتوليت, عندما قال الله لنبيه محمد  صلى الله عليه وآله: عبس وتولى,هذا يعني في الزمان الماضي بشكل غير مباشر يعني حدث الفعل منه وانتهى, ولما تقول عبست وتوليت, وهذا أيضا في الزمان الماضي بشكل,  وقيل في بعض الروايات: كان إذا لقيه بعد ذلك رحب به ويقول: أهلاً بمن عاتبني فيه ربي.

وأما توجيه الكلام إليه  صلى الله عليه وآله  بأسلوب الغيبة فإنه لحكم ونكت بلاغية ربما غابت عن ذهن من لم يتذوق أساليب اللغة العربية وبلاغتها, فقوله تعالى: {عبس وتولى} بأسلوب الإخبار عن الغائب فيه تعظيم له وتكريم فكأن الكلام موجه لغيره, ثم يلتفت ويأتي بأسلوب الخطاب { وما يدريك لعله يزكى} تأنيساً له  صلى الله عليه وآله، وضمير عبس وما بعده للنبي  صلى الله عليه وآله, وفي التعبير عنه عليه الصلاة والسلام بضمير الغائب إجلال له  صلى الله عليه وآله  لإيهام أن من صدر عنه ذلك غيره؛ لأنه لا يصدر عنه  صلى الله عليه وآله  كما أن في التعبير عنه  صلى الله عليه وآله  بضمير الخطاب في قوله سبحانه وما يدريك لعله يزكى ذلك لما فيه من الإيناس بعد الإيحاش والإقبال بعد الإعراض والتعبير عن ابن أم مكتوم بالأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام الرسول  صلى الله عليه وآله  وتشاغله بالقوم, ولما كان صدور ذلك من الله لنبيه  صلى الله عليه وآله  لم يشأ الله أن يفاتحه بما يتبادر منه أنه المقصود بالكلام فوجهه إليه على أسلوب الغيبة ليكون أول ما يقرع سمعه باعثاً على أن يترقب المعنى من ضمير الغائب فلا يفاجئه العتاب وهذا تلطف من الله برسوله  صلى الله عليه وآله  ليقع العتاب في نفسه مدرجاً وذلك أهون وقعاً, ثم جيء بضمائر الخطاب على طريقة الالتفات, وإن الله تعالى أعلم رسوله  صلى الله عليه وآله  أن ذلك المشرك الذي محضه نصحه لا يرجى منه صلاح وأن ذلك المؤمن الذي استبقى العناية به إلى وقت آخر يزداد صلاحاً تفيد المبادرة به لأنه في حالة تلهفه على التلقي من رسول الله  صلى الله عليه وآله  أشد استعداداً منه في حين آخر([34]).

ثم إن عبوس وجه النبي  صلى الله عليه وآله  بسبب هذه الحادثة أو غيرها لا يتنافى مع ما جاء في حسن خلقه والأمر بالاقتداء به، فهو  صلى الله عليه وآله  أحسن الناس خلقاً وهو وحده الأسوة الحسنة، لكنه بشر يعتريه ما يعتري البشر من الأعراض كالغضب والسرور والمرض والصحة, ويظهر ذلك على جسده وملامح وجهه، فكان صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه عندما يرى ما يكره, ويظهر عليه السرور عندما يرى ما يحب, وقد ورد ذلك في أحاديث كثيرة صحيحة، وسبب عبوس وجهه  صلى الله عليه وآله  إلحاح ابن أم مكتوم وهو معذور؛ لأنه لا يرى حال النبي  صلى الله عليه وآله  وانشغاله عنه، فهذه الحادثة وما نزل فيها من معجزات النبي  صلى الله عليه وآله  ودليل على صدقه.([35])

وهناك رأي آخر فقوله: { عبس وتولى أن جاءه الأعمى }, الجواب إنه ترك الأولى مما يليق بخلقه العظيم([36]), قال ابن عباس رضي الله عنهما نزل القرآن على إياك أعني فاسمعي يا جارة([37]).

أو أن العبوس؛ لأن جاءه الأعمى أو أعرض لذلك, وقرئ أأن جاءه بهمزتين وبألف بينهما وقف على عبس وتولى، ثم ابتدئ على معنى ألان جاءه الأعمى فعلى ذلك إنكارا عليه, وروى أن ما عبس بعدها في وجه فقير قط ولا تصدى لغنى, وفى الأخبار عما فرط منه ثم الإقبال عليه بالخطاب دليل على زيادة الإنكار كمن يشكو إلى الناس جانيا جنى عليه ثم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجها له بالتوبيخ وإلزام الحجة، وفى ذكر الأعمى نحو من ذلك كأنه يقول: قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى، وكان يجب أن يزيده لعماه تعطفا وترؤفا وتقريبا وترحيبا، ولقد تأدب الناس بأدب الله في هذا تأدبا حسنا، { وما يدريك },  وأي شئ يجعلك داريا بحال هذا الأعمى { لعله يزكى },  أي يتطهر بما يتلقن من الشرائع من بعض أوضار الإثم { أو يذكر } أو يتعظ - فتنفعه  ذكراك، أي موعظتك وتكون له لطفا في بعض الطاعات، والمعنى: أنك لا تدرى ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر، ولو دريت لما فرط ذلك منك، وقيل الضمير في لعله للكافر: يعنى أنك طمعت في أن يتزكى بالاسلام أو يذكر فتقر به الذكرى إلى قبول الحق، وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن، { تصدى } تتعرض بالاقبال عليه والمصاداة المعارضة, أي تعرض، ومعناه: يدعوك داع إلى التصدي له من الحرص والتهالك على إسلامه، وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالاسلام إن عليك إلا البلاغ { يسعى } يسرع في طلب الخير { وهو يخشى } الله أو يخشى الكفار وأذاهم في إتيانك، وقيل جاء وليس معه قائد فهو يخشى الكبوة {تلهى } تتشاغل من لهى عنه والتهى وتلهى ومعناه: إنكار التصدي والتلهي عليه: أي مثلك خصوصا لا ينبغي له أن يتصدى للغنى ويتلهى عن الفقير (كلا) ردع عن المعاتب لعليه، وعن معاودة مثله { إنها تذكرة } أي موعظة يجب الاتعاظ بها والعمل بموجبها { فمن شاء ذكره } أي كان حافظا له غير ناس وذكر الضمير لان التذكرة في معنى الذكر والوعظ([38]).

وفي تفسير آخر: أن ابن أم مكتوم كان يستحق التأديب والزجر، فكيف عاتب الله رسوله على أن أدب ابن أم مكتوم وزجره ؟ وإنما قلنا: إنه كان يستحق التأديب لوجوه أحدها: أنه وإن كان لفقد بصره لا يرى القوم، لكنه لصحة سمعه كان يسمع مخاطبة الرسول  صلى الله عليه وآله أولئك الكفار، وكان يسمع أصواتهم أيضا، وكان يعرف بواسطة استماع تلك الكلمات شدة اهتمام النبي  صلى الله عليه وآله بشأنهم، فكان إقدامه على قطع كلام النبي  صلى الله عليه وآله وإلقاء غرض نفسه في البين قبل تمام غرض النبي إيذاء للنبي  صلى الله عليه وآله، وذلك معصية عظيمة وثانيها: أن الأهم مقدم على المهم، وهو كان قد أسلم وتعلم، ما كان يحتاج إليه من أمر الدين، أما أولئك الكفار فما كانوا قد أسلموا، وهو إسلامهم سببا لإسلام جمع عظيم، فإلقاء ابن أم مكتوم، ذلك الكلام في البين كالسبب في قطع ذلك الخير العظيم، لغرض قليل وذلك محرم وثالثها: أنه تعالى قال: { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} الحجرات: 4 , فنهاهم عن مجرد النداء إلا في الوقت، فههنا هذا النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الإيمان وكالقاطع على الرسول أعظم مهماته، أولى أن يكون ذنبا ومعصية، فثبت بهذا أن الذي فعله ابن أم مكتوم كان ذنبا ومعصية، وأن الذي فعله الرسول كان هو الواجب.

 ولكن هناك أسئلة تطرح وهو كيف عاتبه الله تعالى على ذلك الفعل؟ والسؤال الآخر: أنه تعالى لما عاتبه على مجرد أنه عبس في وجهه، كان تعظيما عظيما من الله سبحانه لابن أم مكتوم، وإذا كان كذلك فكيف يليق بمثل هذا التعظيم أن يذكره باسم الأعمى مع أن ذكر الإنسان بهذا الوصف يقتضي تحقير شأنه جدا,السؤال الثالث: الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام كان مأذونا في أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة، وأنه عليه الصلاة والسلام كثيرا ما كان يؤدب أصحابه ويزجرهم عن أشياء، وكيف لا يكون كذلك وهو عليه الصلاة والسلام إنما بعث ليؤدبهم وليعلمهم محاسن الآداب، وإذا كان كذلك كان ذلك التعبيس داخلا في إذن الله تعالى إياه في تأديب أصحابه، وإذا كان ذلك مأذونا فيه، فكيف وقعت المعاتبة عليه؟

  الجواب على ذلك: إن ظاهر الواقعة يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وانكسار قلوب الفقراء، فلهذا السبب حصلت المعاتبة، ونظيره قوله تعالى: { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأنعام: 52، هذا من جهة ومن جهة أخرى لعل هذا العتاب لم يقع على ما صدر من الرسول  صلى الله عليه وآله من الفعل الظاهر، بل على ما كان منه في قلبه، وهو أن قلبه عليه الصلاة والسلام كان قد مال إليهم بسبب قرابتهم وشرفهم وعلو منصبهم، وكان ينفر طبعه عن الأعمى بسبب عماه وعدم قرابته وقلة شرفه، فلما وقع التعبيس والتولي لهذه الداعية وقعت المعاتبة، لا على التأديب بل على التأديب لأجل هذه الداعية, والجواب عن السؤال الثاني أن ذكره بلفظ الأعمى ليس لتحقير شأنه، بل كأنه قيل: إنه بسبب عماه استحق مزيد الرفق والرأفة، فكيف يليق بك يا محمد أن تخصه بالغلظة وإن القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام تمسكوا بهذه الآية وقالوا: لما عاتبه الله في ذلك الفعل، دل على أن ذلك الفعل كان معصية، وهذا بعيد فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين لا بحسب هذا الاعتبار الواحد، وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا كان كذلك، كان ذلك جاريا مجرى ترك الاحتياط، وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنبا البتة أما الجواب الثالث: أنه كان مأذونا في تأديب أصحابه لكن ههنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وكان ذلك مما يوهم ترجيح الدنيا على الدين، فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة, وبإجماع المفسرين على أن الذي عبس وتولى، هو الرسول  صلى الله عليه وآله وأجمعوا على  أن الأعمى هو ابن أم مكتوم، وقرئ عبس بالتشديد للمبالغة([39])

طريق الشيعة:

ليست الآيات ظاهرة الدلالة على أن المراد بها هو النبي  صلى الله عليه وآله  بل خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه بل فيها ما يدل على أن المعني بها غيره؛ لان العبوس ليس من صفات النبي  صلى الله عليه وآله  مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين المسترشدين, ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة, وقد عظم الله خلقه  صلى الله عليه وآله, إذ قال: وهو قبل نزول هذه السورة  {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }, القلم:4, والآية نزلت بعد سورة العلق، فكيف يعقل أن يعظم الله خلقه في أول بعثته ويطلق القول في ذلك ثم يعود فيعاتبه على بعض ما ظهر من أخلاق  ويذمه بها كالتصدي للأغنياء وإن كفروا والتلهي عن الفقراء وإن آمنوا واسترشدوا, وقال تعالى أيضا في أوائل الدعوة: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ! وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }الشعراء: 215 فأمره بخفض الجناح للمؤمنين والسورة من السور المكية النازل, فكيف يتصور منه  صلى الله عليه وآله  العبوس والإعراض عن المؤمنين وقد أمر باحترام إيمانهم وخفض الجناح, على أن قبح ترجيح غنى الغني, وليس ملاكا لشئ من الفضل على كمال الفقير وصلاحه بالعبوس والإعراض عن الفقير والإقبال على الغني لغناه قبح عقلي مناف لكريم الخلق الإنساني لا يحتاج في لزوم التجنب عنه إلى نهي لفظي, وما روي عن الصادق  عليه السلام أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي  صلى الله عليه وآله فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه([40]).

ومعنى قوله تعالى: { عبس وتولى }أي: قبض وجهه وأعرض، فالعبوس تقبض الوجه عن تكره، ومعنى (تولى) أعرض وذهب بوجهه عنه فصرفه عن أن يليه يقال: تولى عنه بمعنى أعرض عنه، وتولاه بخلاف تولى عنه، فان تولاه بمعنى عقد على نصرته، وتولى عنه أعرض، وإن إعراض النبي  صلى الله عليه وآله عنه كراهية أن تكره القوم إقباله عليه فعاتبه الله على ذلك, وقيل: إن ابن أم مكتوم كان مسلما، وإنما كان يخاطب النبي  صلى الله عليه وآله وهو لا يعلم أن رسول الله مشغول بكلام قوم، وهذا فاسد؛ لأن النبي  صلى الله عليه وآله قد رفع الله قدره عن هذه الصفات، وكيف يصفه بالعبوس والتقطيب، وقد وصفه بأنه { على خلق عظيم } وقال: { ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك }, وكيف يعرض عمن تقدم وصفه مع قوله تعالى: { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } ومن عرف النبي  صلى الله عليه وآله وحسن أخلاقه وما خصه الله تعالى به من مكارم الأخلاق وحسن الصحبة حتى قيل إنه لم يكن يصافح أحدا قط فينزع يده من يده، حتى يكون ذلك الذي ينزع يده من يده,  فمن هذه صفته كيف يقطب في وجه أعمى جاء يطلب الإسلام، فالرسول  صلى الله عليه وآله منزه عن مثل هذه الأخلاق وعما هو دونها لما في ذلك من التنفير عن قبول قوله والإصغاء إليه وقال قوم: إن هذه الآيات نزلت في رجل من بني أمية كان واقفا مع النبي  صلى الله عليه وآله، فلما اقبل ابن أم مكتوم تنفر منه، وجمع نفسه وعبس في وجهه وأعرض بوجهه عنه فحكى الله تعالى ذلك وأنكره معاتبة على ذلك.

 وقوله: { وما يدريك } خطاب للنبي  صلى الله عليه وآله وتقديره (قل) يا محمد { وما يدريك لعله يزكى }.وإنما أضاف العبوس إلى النبي  صلى الله عليه وآله من أضاف { وما يدريك } أنه رآه متوجها إليه ظن أنه عتب له دون أن يكون متوجها إليه على أن يقول لمن فعل ذلك ويوبخه عليه.

 ومعنى قوله { يزكى } أي يتزكى بالعمل الصالح، فأدغم التاء في الزاي، كما أدغمت في الذال في قوله (يذكر) ومعناه يتذك، ولا يجوز وإدغام الزاي في التاء، لأنها من حروف الصفير، وهي الصاد والسين والزاي. وقوله { أو يذكر } معناه أو يتذكر ما أمره الله تعالى به، ويفكر فيما أمره بالفكر فيه. وقد حث الله تعالى على التذكير في غير موضع من القرآن فقال: { وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين}..([41]).

وهناك أمرا في أننا لو سلمنا جدلا أن الخطاب موجها إلى الرسول  صلى الله عليه وآله فهل أن العبوس ذنبا أم لا ؟ فالجواب: إن العبوس والانبساط مع الأعمى سواء، إذ لا يشق عليه ذلك، فلا يكون ذنبا، فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيه  صلى الله عليه وآله، ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق، وينبهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد، ويعرفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه، أولى من تأليف المشرك، طمعا في إيمانه، وقال الجبائي: في هذا دلالة على أن الفعل يكون معصية فيما بعد، لمكان النهي, فأما في الماضي، فلا يدل على أنه كان معصية قبل أن ينهى عنه، والله سبحانه لم ينهه إلا في هذا الوقت, وقيل:إن ما فعله الأعمى نوعا من سوء الأدب، فحسن تأديبه بالإعراض عنه، إلا أنه كان يجوز أن يتوهم أنه أعرض عنه لفقره، وأقبل عليهم لرياستهم، تعظيما لهم، فعاتبه الله سبحانه على ذلك, وقوله: { كلا } فيه دلالة على أنه ليس له أن يفعل ذلك في المستقبل, وأما الماضي، فلم يتقدم النهي عن ذلك فيه، فلا يكون معصية([42]).

وهناك رأي أن الخطاب موجه إلى عثمان وابن أم مكتوم، وكان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله  صلى الله عليه وآله، وكان أعمى، وجاء إلى رسول  صلى الله عليه وآله وعنده أصحابه وعثمان عند، فقدمه رسول الله صلى  صلى الله عليه وآله على عثمان، فعبس عثمان وجهه وتولى عنه, وأما ما اشتهر من تنزيل هذه الآيات في النبي صلى الله عليه وآله دون عثمان، فيأباه سياق هذه المعاتبات وما ذكر بعدها من الآيات، كما لا يخفى على العارف برتبة النبوات وأساليب المخاطبات، ويشبه أن يكون من مختلقات أهل النفاق، خذلهم الله ([43]).

في الآيات الأربع عتاب شديد ويزيد شدة بإتيان الآيتين الأوليين في سياق الغيبة لما فيه من الإعراض عن المشافهة والدلالة على تشديد الإنكار وإتيان الآيتين الأخيرتين في سياق الخطاب لما فيه من تشديد التوبيخ وإلزام الحجة بسبب المواجهة بعد الإعراض والتقريع من غير واسطة. وفي التعبير عن الجائي بالأعمى مزيد توبيخ لما أن المحتاج الساعي في حاجته إذا كان أعمى فاقدا للبصر وكانت حاجته في دينه دعته إلى السعي فيها خشية الله كان من الحري أن يرحم ويخص بمزيد الاقبال والتعطف لا أن ينقبض ويعرض عنه, وقيل: بناء على كون المراد بالمعاتب هو النبي  صلى الله عليه وآله, أن في التعبير عنه أولا بضمير الغيبة إجلالا له لإيهام أن من صدر عنه العبوس والتولي غيره  صلى الله عليه وآله لأنه لا يصدر مثله عن مثله، وثانيا بضمير الخطاب إجلالا له أيضا لما فيه من الإيناس بعد الايحاش والإقبال بعد الإعراض,  وفيه أنه لا يلائمه الخطاب في قوله بعد: " أما من استغنى فأنت له تصدى " إلخ والعتاب والتوبيخ فيه أشد مما في قوله: " عبس وتولى " إلخ ولا إيناس فيه قطعا ([44])

وفي الآية " ما " نافية والمعنى وليس عليك بأس أن لا يتزكى حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض والتلهي عمن أسلم والإقبال عليه. وقيل: " ما " للاستفهام الإنكاري والمعنى وأي شئ يلزمك إن لم يتطهر من الكفر والفجور فإنما أنت رسول ليس عليك إلا البلاغ. وقيل: المعنى ولا تبالي بعدم تطهره من دنس الكفر والفجور وهذا المعنى أنسب لسياق العتاب ثم الذي قبله ثم الذي قبله. قوله تعالى: " وأما من حاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى " السعي الإسراع في المشي فمعنى قوله: " وأما من جاءك يسعى " بحسب ما يفيده المقام: وأما من جاءك مسرعا ليتذكر ويتزكى بما يتعلم من معارف الدين ([45]).

مناقشة واستدلال:

 تبين الآيات المباركة عتاب الله تعالى بشكل إجمالي، عتابه لشخص قدم المال والمكانة الاجتماعية على طلب الحق  أما من هو المعاتب فقد اختلف فيه المفسرون، لكن المشهور بين عامة المفسرين وخاصتهم، إنها نزلت في عبد الله بن أم مكتوم، إنه أتى رسول الله  صلى الله عليه وآله وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأبي وأمية بن خلف يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم فإن في إسلامهم إسلام جمع من أتباعهم، وكذلك توقف عدائهم ومحاربتهم للإسلام والمسلمين، فقال: يا رسول اله، أقرئني وعلمني مما علمك الله  فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد، إنما أتباعه العميان والعبيد، فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم، فنزلت الآية. وكان رسول الله  صلى الله عليه وآله بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه قال: " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي "، ويقول له: " هل لك من حاجة ". واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين .

والرأي الثاني في شأن نزولها: ما روي عن الإمام الصادق  عليه السلام: " إنها نزلت في رجل من بني أمية، كان عند النبي، فجاء ابن أم مكتوم، فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه عبس وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه ذلك، وأنكره عليه " . وقد أيد المحقق الإسلامي الكبير الشريف المرتضى الرأي الثاني([46])

ونتيجة لما تقدم أجمع المفسرون، وأهل الحديث، بأن المخاطب هو الرسول  صلى الله عليه وآله, باستثناء رأي الإمامية الذي يقول:  أنها قضية مفتعلة، لا يمكن أن تصح, وذلك:

 أولا: لضعف أسانيدها، لأنها تنتهي إما إلى عائشة، وأنس، وابن عباس، من الصحابة، وهؤلاء لم يدرك أحد منهم هذه القضية أصلا، لأنه إما كان حينها طفلا، أو لم يكن ولد,  أو إلى أبي مالك، والحكم، وابن زيد، والضحاك، ومجاهد، وقتادة، وهؤلاء جميعا من التابعين فالرواية مقطوعة، لا تقوم بها حجة.

ثانيا: تناقض نصوصها  حتى ما ورد منها عن راو واحد، فعن عائشة, في رواية: إنه كان عنده رجل من عظماء المشركين، وفي أخرى عنها: عتبة وشيبة,وعنها أيضا في مجلس فيه ناس من وجوه قريش، منهم أبو جهل، وعتبة بن ربيعة. وفي رواية عن ابن عباس: إنه  صلى الله عليه وآله كان يناجي عتبة، وعمه العباس، وأبا جهل. وفي التفسير المنسوب إلى ابن عباس: إنهم العباس، وأمية بن خلف، وصفوان بن أمية , وعن قتادة: أمية بن خلف, وفي أخرى عنه: أبي بن خلف. وعن مجاهد: صنديد من صناديد قريش، وفي أخرى عنه: عتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، عدا عن تناقض الروايات مع بعضها البعض في ذلك، وفي نقل ما جرى، وفي نص كلام الرسول  صلى الله عليه وآله، ونص كلام ابن أم مكتوم.

ثالثا: إن ظاهر الآيات المدعى نزولها في هذه المناسبة هو أنه كان من عادة هذا الشخص وطبعه، وسجيته، وخلقه: أن يتصدى للغني، ويهتم به ولو كان كافرا ويتلهى عن الفقير ولا يبالي به أن يتزكى، ولو كان مسلما, لأننا نعلم أن هذا لم يكن من صفات وسجايا نبينا الأكرم  صلى الله عليه وآله, ولا من طبعه، وخلقه, كما أن العبوس في وجه الفقير، والإعراض عنه، لم يكن من صفاته  صلى الله عليه وآله حتى مع أعدائه، فكيف بالمؤمنين من أصحابه وأودائه. بل لقد كان من عادته  صلى الله عليه وآله مجالسة الفقراء، والاهتمام بهم، حتى ساء ذلك أهل الشرف والجاه وطالبه الملا من قريش بان يبعد هؤلاء عنه ليتبعوه، وأشار عليه عمر بطردهم، فنزل قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}الأنعام:52.

رابعا: إن الله تعالى يقول في الآيات: { وما عليك ألا يزكى }، وهذا لا يناسب أن يخاطب به النبي  صلى الله عليه وآله، لأنه مبعوث لدعوة الناس وتزكيتهم, قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} الجمعة:2.

خامسا: إنه ليس في الآية ما يدل على أنها خطاب للنبي  صلى الله عليه وآله، بل الله سبحانه يخبر عن رجل ما أنه: { عبس وتولى ! أن جاءه الأعمى }, ثم التفت الله تعالى بالخطاب إلى ذلك العابس نفسه، وخاطبه بقوله: { وما يدريك لعله يزكى}.

سادسا: أن المصلحة الشرعية في التفضيل وعدمه ليس هو الغنى والفقر، وإنما هو الأعمال الصالحة، والسجايا الحسنة، والفضائل الرفيعة, وهذا حكم عقلي وجاء به الدين الحنيف، فكيف جاز له  صلى الله عليه وآله أن يخالف ذلك، ويميز الكافر لما له من وجاهة على المؤمن ؟, والقول: بأنه إنما فعل ذلك لأنه يرجو إسلامه، وعلى أمل أن يتقوى به الدين، وهذا أمر حسن، لأنه في طريق الدين، وفي سبيله لا يصح، لأنه يخالف صريح الآيات التي تنص على أن الذم له كان لأجل أنه يتصدى لذاك الغني لغناه، ويتلهى عن الفقير لفقره ولو صح هذا، فقد كان اللازم أن يفيض القرآن في مدحه واطرائه على غيرته لدينه، وتحمسه لرسالته ؟ فلماذا هذا الذم والتقريع إذن. أنه يمكن القول بان الآية خطاب كلي مفادها: أن النبي  صلى الله عليه وآله  كان إذا رأى فقيرا تأذى وأعرض عنه. والجواب: أولا: إن هذا يخالف القصة التي ذكروها من كونها قضية في واقعة واحدة لم تتكرر.. وثانيا: إذا كان المقصود هو الاعراض عن مطلق الفقير ؟ فلماذا جاء التنصيص على الأعمى ؟ !. وثالثا: هل صحيح أنه قد كان من عادة النبي  صلى الله عليه وآله ذلك. المذنب رجل أخر: فيتضح مما تقدم: أن المقصود بالآيات شخص اخر غير النبي   صلى الله عليه وآله, ويلاحظ  أن الخطاب في الآيات لم يوجه أولا إلى ذلك الرجل, بل تكلم الله سبحانه عنه بصورة الحكاية عن الغائب: إنه عبس، وتولى، أن جاءه الأعمى, ثم التفت إليه بالخطاب، فقال له مباشرة "وما يدريك", ويمكن أن يكون الخطاب في الآيات أولا للنبي  صلى الله عليه وآله، من باب: إياك أعني واسمعي يا جارة, والأول أقرب، وألطف ذوقا.

وإن اتهام عثمان في بعض الرويات بهذه القضية، وانه هو الذي جرى له ذلك مع ابن أم مكتوم  ولكننا نشك في هذا الامر، لان عثمان قد هاجر إلى الحبشة مع من هاجر , فمن أين جاء عثمان إلى مكة، وجرى منه ما جرى, إلا أن يقال: إنهم يقولون: إن أكثر من ثلاثين رجلا قد عادوا إلى مكة بعد شهرين من هجرتهم كما تقدم، وكان عثمان منهم ثم عاد إلى الحبشة وعلى كل حال، فإن أمر اتهام عثمان  أو غيره من بني أمية، لاهون بكثير من اتهام النبي المعصوم، الذي لا يمكن أن يصدر منه أمر كهذا على الاطلاق. وإن كان يهون على البعض اتهام النبي  صلى الله عليه وآله بها أو بغيرها، شريطة أن تبقى ساحة قدس غيره منزهة وبريئة([47])

مناقشة  لبعض الروايات عن هشام بن عروة عن أبيه قال أنزلت عبس وتولى وصله الترمذي من طريق سعد بن يحيى الأموي عن أبيه عن هشام عن أبيه عن عائشة في عبد الله بن أم مكتوم اسم أبيه زائدة وقيل قيس وقيل شريح بن قيس بن زائدة واسم أم مكتوم عاتكة رجل من عظماء المشركين في مسند أبي على من حديث أنس انه أبي بن خلف وفي تفسير بن جرير من حديث بن عباس انه كان يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب ومن مرسل قتادة وهو يناجي أمية بن خلف فأنزلت عبس وتولى زاد أبو يعلى عن أنس فكان النبي  صلى الله عليه وآله بعد ذلك يكرمه وأخرج بن جرير عن بن زيد قال كان يقال لو أن رسول الله  صلى الله عليه وآله كتم من الوحي شيئا كتم هذا عن نفسه([48])

وأما حديث أبي الزناد فمرسل ولا حجة في مرسل ولفظه منكر جدا لان فيه أن رسول الله  صلى الله عليه وآله عاتبه ربه في آية المحاربة وما يسمع فيها عتاب أصلا لان لفظ العتاب إنما هو مثل قوله تعالى: { عفا الله عنك لم أذنت لهم }, ومثل قوله تعالى: { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } الآيات، ومثل قوله تعالى: { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم }، وأما آية المحاربة فليس فيها أثر للمعاتبة([49])؛ لأن النبي مع غاية قربه لله تعالى إذا كان حاله على تقدير هذا الفعل كذلك فكيف يكون حال غيره، كما ورد أنه نزل القرآن بإيابك أعني واسمعي يا جارة([50]).

الخاتمة

الخطابات توكد  بعدم تدخل الرسول صلى الله عليه وآله في صياغة القرآن الكريم؛ لأن الخطاب بلفظ (قُل) موجه للنبي  صلى الله عليه وآله لا غير، يلقِّنه ربه تعالى حجته على خصمه ويأمره فيها بتبليغ وحيه، وهو توكيد على أنه لا دخل للنبي  صلى الله عليه وآله في صياغة اللفظ القرآني بل هو متبع للوحي يبلغه كما أمره به ربُّه تعالى، فعبارة (قُل) مغزى لطيف يفهمه العربي بالسليقة وهو توجيه الخطاب للرسول  صلى الله عليه وآله وتعليمه ما ينبغي أن يقول, فهو لا ينطق عن هواه بل يتبع ما يوحى إليه، ولذلك تكررت عبارة (قُل) أكثر من ثلاثمائة مرة في القرآن؛ حتى يكون السامع على يقين أن القرآن ليس من صنع محمد  صلى الله عليه وآله, وأنه  صلى الله عليه وآله لا دخل له في الوحي فلا يصوغه بلفظه ولا يلقيه بكلامه وإنما يلقى إليه الخطاب إلقاء فهو مخاطَب لا متكلِّم, حاكٍ ما يسمعه، لا معبر عن شي يجول في نفسه.

الآية محل البحث في رأي الجمهور, تبدأ الخطاب بعتاب يتحدث عن الغائب وكأنه بذلك يريد أن يرسم الصورة لرسوله على لوحة يراها أمام عينيه على وجه غير وجهه، لتكون الصورة واضحة القسمات، بينة المعالم، فالمرء لا يرى وجه نفسه، ثم اتجه العتاب إلى الخطاب في رفق قريب من العنف مبينا ما لعله يرجى من الخير من هذا الأعمى السائل ثم عقد موازنة بين من عنى به النبي ومن أعراض عنه، فهذا مستغن لا يعنيه أن يصغي إلى الدعوة أو يطيعها، والآخر مقبل تملأ قلبه الخشية ويدفعه الإيمان وقد سجل القرآن معاملة الرسول صلى الله عليه وآله لهما هذا العتاب يحمل في ثناياه عذر الرسول صلى الله عليه وآله  فهو ما تصدى لمن استغنى إلا أملا في هدايته وإرشاده

مذهب أهل البيت: في تفسير هذه الآية مبني على أن المخاطب بالآيات المباركة شخص آخر كان حاضراً في المجلس، والشواهد على ذلك من نفس الآيات المباركة كثيرة جداً:منها إن الصفات المذكورة في الآيتين الكريمتين تضمّنت بعض الصفات الأخلاقية الذميمة، التي لا يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وآله هو المعني بها؛ لأن العبوس والصدّ عن الفقراء مع الإقبال على الأغنياء ـ كما هو صريح الآيات اللاحقة في السورة المباركة ـ ليس من صفات النبي صلى الله عليه وآله ولا تشبه أخلاقه الكريمة وتحننه وعطفه وسماحته مع أصحابه.

إنّ الله تعالى قد أشاد بخلق النبي صلى الله عليه وآله وعظمه، إذ قال قبل نزول سورة عبس{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فهذه الآية نزلت في بداية البعثة المباركة، وقوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ! وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}  الشعراء: 214ـ215,  وهذه الآية أيضا في سياق نزلت في أوائل الدعوة الإسلامية، وعليه فكيف يتصور أنه  صلى الله عليه وآله خالف تلك الأوامر الإلهية بالعبوس في وجوه المؤمنين والإعراض عنهم والإقبال على المشركين، الذي يتنافى مع خفض الجناح للمؤمنين والإعراض عن المشركين، وقد أُمر صلى الله عليه وآله بهما.فكيف يعقل أن يعظم الله خلقه في أول بعثته بإطلاق القول في ذلك، ثم يعود ثانية فيعاتبه عتاباً شديداً على سوء بعض أعماله وصفاته الخلقية ويذمه على ذلك.

مضافاً إلى أن الإعراض عن الفقراء وتقطيب الوجه في استقبالهم مع الإقبال على الأغنياء من المشركين قبيح لدى العقل والعقلاء ومناف لكرائم الخلق الإنساني، ولا نحتاج لبيان وجوب التجنب عنه إلى نهي صريح في القرآن الكريم، فكيف يخالف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ويرتكب أمراً واضح القبح والذم عند العقل والعقلاء.

فالصفات الذميمة التي سطرتها الآيات العشر الأول من سورة (عبس)، إنما هي من فعل شخص ثالث كان جالساً بحضرة النبي صلى الله عليه وآله، وقد خاطبه الله تعالى بالذم والعتاب الشديد، تارة بتوجيه الخطاب إليه مباشرة عن طريق ضمير الغائب، وأخرى بتوجيه الخطاب إليه عن طريق مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله؛ لتشديد الإنكار عليه ولبيان أنه لا يستحق أن يخاطبه الله تعالى مباشرة، وإن كان الخطاب في سياق الذم, وقد نص على هذه الحقيقة بعض المفسرين وغيرهم من أعلام الطائفة السنية([51]).

كما يلاحظ الآيات الشريفة لا يجد فيها أي شيء يدل على أن المقصود بها هو شخص رسول الله  صلى الله عليه وآله بل فيها ما يدل على أنها لا تليق به  صلى الله عليه وآله فلماذا الإصرار على ذلك,‍ من قبل البعض، وبشكل لا يقول به حتى من يدعي نزولها في النبي صلى الله عليه وآله

 قوله تعالى: { وما يدريك } ليس خطابا لرسول الله، وإنما هو التفات من الغيبة إلى الخطاب، مع العابس نفسه.

قوله تعالى: {فأنت له تصدى}لا يدل على أنه كان يتصدى له لأجل الدين، فلعله كان يتصدى للأغنياء لأهداف دنيوية، ولعل ذلك العابس يتظاهر بأنه مهتم بنشر هذا الدين، وقد جاء مع أولئك الأغنياء مظهرا حرصه على إيمانهم، فكان يتلهى بالحديث معهم، مظهرا الضيق والإشمئزاز من ذلك الفقير.

قوله تعالى: {وما يدريك لعله يزكى} ليس فيه أن الغني سوف يزكى على يد ذلك العابس، فلعله يتزكى على يد شخص آخر غيره، ممن هم في ذلك المجلس، كالنبي  صلى الله عليه وآله

روي عن أهل البيت : أن الآيات قد نزلت في رجل من بني أمية، وبعض الروايات قد صرحت باسمه، وروى الطبرسي أيضا عن الإمام الصادق  عليه السلام: (أن رسول الله كان إذا رأى ابن أم مكتوم قال: مرحبا مرحبا، لا والله، لا يعاتبني الله فيك أبدا، وكان يصنع به من اللطف، حتى كان يكف عن النبي  صلى الله عليه وآله  مما يفعل به. والظاهر أنه  صلى الله عليه وآله  كان يريد بهذا الفعل التعريض بمن صدر منه ذلك في حق ابن أم مكتوم, كأنه يقول له: والله أنا لا أعاملك كما عاملك فلان, هذا بالإضافة إلى أن دعوى نزول الآيات في النبي  صلى الله عليه وآله  إنما وردت في روايات غير الشيعة واغترار البعض بها، وقبوله لها وترك ما روي عن أهل البيت :، لا يعلم له وجه صحيح، علما أن بعض مفسري العامة، ومنهم الفخر الرازي في رسالته في عصمة الأنبياء قد طرح هذه الروايات، وعلل ذلك بأنها أخبار آحاد ومخالفتها للقواعد العقلية.

إن تسويغ نزول الآية في النبي  صلى الله عليه وآله بأن ابن أم مكتوم كان أعمى، وليس في العبوس إساءة له، لأنه لا يرى، فهو تسويغ غير سديد، لأن الله سبحانه قد طالب العابس بهذا الأمر، واعتبره أمرا يستحق اللوم والعتاب, وإذا كان ابن أم مكتوم لا يرى العبوس، فان الحاضرين قد رأوه وأدركوه، واستقر في أنفسهم أن العابس غير مرتاح من ذلك الأعمى.

كيف يمكن أن تمرير اتهام الرسول  صلى الله عليه وآله إنه لا يعرف الأهم من المهم، وإنه يستغرق فيما هو مضيعة للوقت، ويفوت الفرص، ويفرط في تنمية المعرفة الإيمانية لدى المؤمنين، وإنه يجهل بحقيقة مسؤولياته، ويخطئ في تشخيص تكليفه، وأي نبي هذا الذي أرسله الله وفيه كل هذه العلل ,الخطأ غير المقصود للنبي  صلى الله عليه وآله, ويتحدث ذلك البعض عن الخطأ غير المقصود لنبينا محمد  صلى الله عليه وآله، فيورد احتمالا يقول: {عفا الله عنك}  وهذا أسلوب في العتاب لا يعنف في المواجهة، بل يرق ليخفف من وقع الخطأ، انطلاقا من عدم الإطلاع على مواقفهم الحقيقية، مما يؤدي إلى تصديقهم فيما يقولون.

المصادر والمراجع

  1. ابن أبي حاتم الرازي(327هـ) تفسير ابن أبي حاتم

تحقيق: أسعد محمد الطيب,المطبعة: صيدا - المكتبة العصرية,الناشر: المكتبة العصرية

  1. إبن جرير الطبري(310هـ) ,جامع البيان

تحقيق: تقديم: الشيخ خليل الميس / ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار,سنة الطبع: 1415 - 1995 م,الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان

  1. ابن حبان (354هـ), صحيح ابن حبان

تحقيق: شعيب الأرنؤوط,الطبعة: الثانية,سنة الطبع: 1414 - 1993 م,الناشر: مؤسسة الرسالة

  1. ابن حجر أحمد بن علي  العسقلاني (ت 852 هـ).فتح الباري, في شرح صحيح البخاري.

منشورات دار المعرفة للطباعة والنشر. الطبعة الثانية. بيروت - لبنان.

ابن حزم (456ه),المحلى

الناشر: دار الفكر

  1. ابن طاووس(664هـ), سعد السعود

سنة الطبع: 1363,المطبعة: أمير – قم,الناشر: منشورات الرضى - قم

  1. ابن عبد البر (463هـ),الاستذكار

تحقيق: سالم محمد عطا-محمد علي معوض, الطبعة: الأولى, سنة الطبع: 2000م,المطبعة: بيروت - دار الكتب العلمية,الناشر: دار الكتب العلمية

  1. ابن عطية الأندلسي(546 هـ), لمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز

تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد,الطبعة: الأولى,سنة الطبع: 1413 - 1993م,المطبعة: لبنان - دار الكتب العلمية,الناشر: دار الكتب العلمية

  1. ابن منظور(711هـ)، لسان العرب

1405,الناشر: نشر أدب الحوزة - قم – ايران

  1. أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفومي, الكليات, معجم في المصطلحات والفروق اللغوية

دار النشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - 1419هـ - 1998م،تحقيق: عدنان درويش - محمد المصري

  1. أبو الليث السمرقندي (383 هـ),  تفسير السمرقندي

تحقيق: د.محمود مطرجي,المطبعة: بيروت - دار الفكر,الناشر: دار الفكر

  1. أبو حيان الأندلسي (745هـ), تفسير البحر المحيط

تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ علي محمد معوض، شارك في التحقيق 1) د.زكريا عبد المجيد النوقي 2) د.أحمد النجولي الجمل,الطبعة: الأولى,سنة الطبع: 1422 - 2001م,المطبعة: لبنان/ بيروت - دار الكتب العلمية,الناشر: دار الكتب العلمية

  1. أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين(399هـ), تفسير ابن زمنين

تحقيق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة - محمد بن مصطفى الكنز,الطبعة: الأولى,سنة الطبع: 1423 - 2002م,المطبعة: مصر/ القاهرة - الفاروق الحديثة,الناشر: الفاروق الحديثة

  1. أحمد بن علي بن المثنى التميمي (210 - 307 ه‍), مسند أبي يعلى المولي

حققه وخرج أحاديثه حسين سليم أسد دار المأمون للتراث دمشق ص - ب 4971 – بيروت

  1. اسلام ويب موقع المصدرislamweb.net-  

‏الآلوسي: أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود (ت1270هـ), تفسير الآلوسي, "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني".

ط2-دار الكتب العلمية- بيروت.

الإيجي(756هـ) المواقف

تحقيق: عبد الرحمن عميرة,الطبعة: الأولى,سنة الطبع: 1417 - 1997م,المطبعة: لبنان - بيروت - دار الجيل,الناشر: دار الجيل

  1. الترمذي (279هـ) , سنن الترمذي

تحقيق: تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف,الطبعة: الثانية,سنة الطبع: 1403 - 1983 الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان

  1. التمهيد - ابن عبد البر

تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري,سنة الطبع: 1387,المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية,الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية

  1. الثعلبي (427هـ), تفسير الثعلبي

تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي,الطبعة: الأولى,سنة الطبع: 1422 - 2002م,المطبعة: بيروت - لبنان - دار إحياء التراث العربي,الناشر: دار إحياء التراث العربي

  1. جعفر مرتضى, الصحيح من سيرة النبي الأعظم  صلى الله عليه وآله

الطبعة: الرابعة,سنة الطبع: 1415 - 1995 م,الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان / دار السيرة - بيروت - لبنان

  1. جلال الدين السيوطي (911هـ), تنوير الحوالك

سنة الطبع: 1406 - 1364 ش - 1986 م,الناشر: مكتبة الحقيقة - إستانبول - تركيا

  1. الحاكم النيسابوري (405هـ),المستدرك

تحقيق: إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي,دار المعرفة , بيروت-لبنان

  1. الحسناوي - موقع رابطة ادباء الشام
  2. الحويزي(1112هـ), تفسير نور الثقلين

تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي,الطبعة: الرابعة,سنة الطبع: 1412,المطبعة: مؤسسة إسماعيليان,الناشر: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع - قم

  1. خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن-محمد زكي محمد خضر

الرازي(606هـ) التفسير الكبير

الطبعة الثالثة

  1. الزمخشري: محمود بن عمر بن محمد (ت538هـ). الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.

تحقيق محمد عبد السلام شاهين- دار الكتب العلمية- ط3-1424هـ-بيروت.

  1. سعيد إسماعيل علي الخطاب -التربوي الإسلامي, .afaqdubai.com  على موقع 
  2. سليمان الشواشي, إبطال ابن خلدون للفلسفة: .almothaqaf.com
  3. الطباطبائي (1412هـ),تفسير الميزان

لناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة

الطبرسي(548 هـ), تفسير مجمع البيان

تحقيق: تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين,الطبعة: الأولى,سنة الطبع: 1415 - 1995 م,الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت – لبنان

  1. الطوسي(460هـ),التبيان

تحقيق: تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي,الطبعة: الأولى,سنة الطبع: رمضان المبارك 1409

المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي,الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي, ملاحظات: دار إحياء التراث العربي

  1. عبد العزيز بن عثمان التويجري, الخطاب الإسلامي بين الأصالة والمعاصرة,على موقع futureislam.com/arac
  2. عبدالرحمن الحبيب , مؤسسات المجتمع المدني ليست زخرفة -على موقع ..aalkanhal.com
  3. عصام البشير- سمات الخطاب الإسلامي المعاصر, على موقع h.nokhbah.net 
  4. في تحليل الخطاب/ لسانيات النص- .almaktabah.net
  5. الفيض الكاشاني (1091هـ), التفسير الأصفى

تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية, الطبعة: الأولى, سنة الطبع: 1418 ,المطبعة: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي,الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي

  1. القرطبي (671هـ), تفسير القرطبي

تحقيق: تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني,الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان,مؤسسة التاريخ العربي

  1. متعب عالي القرني- سمات الخطاب الإسلامي -الحوار المتمدن - العدد: 3186 – 2010. 

المجلسي(1111هـ),  بحار الأنوار

الطبعة: الثانية المصححة,سنة الطبع: 1403 - 1983 م,الناشر: مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان

ملاحظات: دار إحياء التراث العربي

  1. مححد الحسيني القزويني- قصة الحوار الهادئ
  2. محمد مصابيح, مفهوم النص والخطاب على موقع: .nashiri.net/component

موقع  بحوث ومقالات

  1. ناصر مكارم الشيرازي ,الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الاعلمي-بيروت-لبنان-2007م

  1. الهيثمي (807 هـ)  موارد الظمآن

تحقيق: حسين سليم أسد الداراني, الطبعة: الأولى, سنة الطبع: 1411 - 1990 م, دار الثقافة العربية

www.aqaed.com/مركز الابحاث العقائدية

 

[1]- ظ:ابن منظور، لسان العرب: 2/ 856.

[2] -ظ:أبو البقاء الكفَوي- الكليات: 419.

[3] -ظ:نفسه

[4] -ظ:مفهوم النص والخطاب-محمد مصابيح: http://www.nashiri.net/component

في تحليل الخطاب/ لسانيات النص- http://www.almaktabah.net

[5] - عبد العزيز بن عثمان التويجري- الخطاب الإسلامي بين الأصالة والمعاصرة,

http://www.futureislam.com/arac

[6] - عصام البشير- سمات الخطاب الإسلامي المعاصر - http://www.nokhbah.net +

 سعيد إسماعيل علي الخطاب -التربوي الإسلامي, http://www.afaqdubai.com+

 مؤسسات المجتمع المدني ليست زخرفة -عبدالرحمن الحبيب. http://www.aalkanhal.com

[7] -سليمان الشواشي-إبطال ابن خلدون للفلسفة: http://www.almothaqaf.com

[8] - عصام البشير -سمات الخطاب الإسلامي المعاصر - http://www.nokhbah.net

[10] - سمات الخطاب الإسلامي المعاصر - عصام البشير 

[11] - خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن-محمد زكي محمد خضر

-[12] ­ بحوث ومقالات

-[13] ­ بحوث ومقالات

-[14] ­ بحوث ومقالات

[15] - أبو حيان الأندلسي - تفسير البحر المحيط : 1 / 263 .

[16] - ابن عطية الأندلسي - المحرر الوجيز : 1 / 485 .

[17] - www.aqaed.com/مركز الابحاث العقائدية

[18] - الطباطبائي -تفسير الميزان:9/134.

[19] - www.aqaed.com/مركز الابحاث العقائدية

[20] - الزمخشرى :3/73.

[21] - رابطة ادباء الشام -الحسناوي

[22] - رابطة ادباء الشام -الحسناوي

[23] - المجلسي:108/222

[24] - مسند أبي يعلى - أبو يعلى الموصلي : 5 / 431 – ج 8 - ص 261

[25] - صحيح ابن حبان - ابن حبان : 2 / 293 - 294

[26] - الاستذكار - ابن عبد البر : 2 / 493 - 495

[27] - التمهيد - ابن عبد البر : 22 / 324 - 326

[28] - موارد الظمآن - الهيثمي : 5 / 449

[29] - سنن الترمذي - الترمذي : 5 / 103 - 104

[30] - المستدرك - الحاكم النيسابوري : 2 / 514

[31] - المستدرك - الحاكم النيسابوري : 3 /634 - 635

[32] فتح الباري - ابن حجر : 8 / 530 - 531

[33] - الرازي:التفسير:31/54.

[34] - روح المعاني:30/39.

[35] - المصدر//www.islamweb.net/

[36] - المواقف - الإيجي : 3 / 424

[37] - المواقف - الإيجي : 3 / 425

[38] - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري : 4 / 218 - 219

[39] - تفسير الرازي - الرازي : 31 - 54 –  57, تفسير ابن زمنين - أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين : 5 / 93 – 95, تفسير الثعلبي - الثعلبي : 10 / 130, تفسير القرطبي - القرطبي : 19 / 211 – 215 , تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي : 8 / 418 – 419, جامع البيان - إبن جرير الطبري : 30 / 64 - 65 جامع البيان - إبن جرير الطبري - : 30 / 64 – 65و تفسير ابن أبي حاتم - ابن أبي حاتم الرازي : 10 / 3399, تفسير السمرقندي - أبو الليث السمرقندي : 3 /524

[40] - سعد السعود - السيد ابن طاووس : 249 وتفسير الميزان - السيد الطباطبائي : 20 / 203 – 204و

[41] - التبيان - الشيخ الطوسي : 10 / 268 - 270

[42] - تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي : 10 / 267

[43] - التفسير الأصفى - الفيض الكاشاني : 2 / 1405 – 1406, تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي : 5 / 508

[44] - تفسير الميزان - السيد الطباطبائي : 20 / 200

[45] - تفسير الميزان - السيد الطباطبائي : 20 / 200 - 201

[46] - الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 19 - ص 410 - 412

[47] - الصحيح من سيرة النبي الأعظم 6 - السيد جعفر مرتضى - ج 3 - ص 157 - 164

[48] - تنوير الحوالك - جلال الدين السيوطي - ص 214

[49] - المحلى - ابن حزم - ج 11 - ص 311

[50] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 17 - ص 37

[51] -مححد الحسيني القزويني- قصة الحوار الهادئ:264