من صفحة: 179
إلى صفحة: 200
النص الكامل للبحث: PDF icon 180417-145604.pdf
البحث:

المقدمه

اولا : جوهرة فكرة البحث واهميته :

      يعد التحكيم من الوسائل المهمة التي يلجأ اليها المتعاقدون في كافة العقود وعلى الاخص في عقود الاستثمارات الاجنبية لحل المنازعات التي يمكن ان تثار, ويعود ذلك الى المزايا العديدة التي يتسم  بها والتي تتناسب مع طبيعة عقود الاستثمار الاجنبي, فمن جهة يقلل من مخاوف المستثمرين ما القضاء وما يترتب على ذلك من ضمان حيادية القرار المتخذ لحسم النزاع من خلال ضمان عدم الانحياز الى مصلحة الدولة المضيفة للاستثمار على حساب مصلحة المستثمر الاجنبي, ومن جهة اخرى, يتميز التحكيم بالسرية, الامر الذي يؤدي الى تجنب المساس بمركزهم وبسمعتهم في مجال النشاط الاقتصادي, هذا فضلا عن السرعة في البت في النزاع مما يؤدي الى توفير الوقت.

كما يتمسك المستثمر الاجنبي بالتحكيم نظرا لخصوصية عقود الاستثمار من حيث الاطراف, فعلى الرغم من ان الدولة المضيفة للاستثمار مجرد طرف متعاقد مع المستثمر الاجنبي, الا انها مع ذلك طرف غير عادي نظرا للمزايا السيادية التي يتمتع بها والتي تمكنها فضلا عن امكانية الاخلال بالتوازن الاقتصادي للعقد الاخلال ايضا بالحياد الذي يجب ان يتوفر للسلطة القضائية الوطنية التي يمكن عرض النزاع عليها في حالة نشأته, هذا من ناحية, ومن ناحية اخرى يتمسك المستثمر الاجنبي بشرط التحكيم بسبب تخوفه من تمسك الدولة بالحصانة القضائية اذ تتمتع الدولة بما لها من استقلال وسيادة تجعلها على قدم المساواة مع الدولة الاخرى بالحصانة القضائية التي تغل يد القضاء الوطني لاي دولة اخرى عن نظر المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيه.

فضلا عن اهمية التحكيم في مجالات المعاملات التجارية لكونة يوفر السرية لهذه المعاملات والتي تتضمن اسرار يحرص الخصوم في عقد الاستثمار الاجنبي على بقائها طي الكتمان.

 

ثانيا : اسباب اختيار الموضوع :

  1. اهمية اتفاق التحكيم بالنسبة لعقود الاستثمار الاجنبي, اذ انه اصبح في الوقت الحاضر البديل الناجح للنظام القضائي في حسم منازعات الاستثمار.
  2. اهمية موضوع الاستثمار الاجنبي بصورة عامة في تحقيق التنمية الاقتصادية بالنسبة للدول النامية, اذ اصبح تنافس الدول حثيثا في جذب الاستثمارات الاجنبية الى اراضيها لاسيما في العراق بعد سقوط النظام السابق وظهور الفراغ التشريعي الكبير في جانب الاستثمار.

ثالثا : منهج البحث :

سنتبع في دراستنا لموضوع اتفاق التحكيم في حل منازعات عقود الاستثمار الاجنبي منهج الدراسة المقارنة. اذ سنعتمد المقارنة بين القانون العراقي والمصري والفرنسي من دون اغفال الفقه المقارن ومع الاشارة الى موقف القضاء العراقي والمصري والفرنسي أينما تيسر لنا ذلك.

رابعا : خطة البحث :

سنقسم موضوع البحث على مبحثين نتناول في المبحث الاول تحديد المقصود باتفاق التحكيم وأثاره في عقود الاستثمار الاجنبي والذي سنعالجه في مطلبين, نتناول في المطلب الأول ماهية اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي, في حين سنتطرق لاثار اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي في مطلب ثان.

اما المبحث الثاني سنعالج فيه القواعد الموضوعية والشكلية التي تحكم اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي وسنقسمه على مطلبين, سنبين في مطلب اول القواعد الموضوعية التي تحكم اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي, اما المطلب الثاني سنكرسه لبحث القواعد الشكلية التي تحكم اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي.

تمهيد: التعريف بعقود الاستثمار الاجنبي

المطلب الاول تعريف عقود الاستثمار الاجنبي

الاستثمار لغة مصدر استثمر يستثمر وهو للطلب بمعنى طلب الاستثمار واصله من الثمر , وله معاني عدة منها ما يحمله الشجر وينتجه , ومنها الولد اذ يقال الولد ثمرة القلب , ومنها انواع المال , ويقال ثمر (بفتح الميم) الشجر تمورا أي ظهر ثمره, وثمر الشئ أي نضج وكمل ويقال ثمره ماله أي كثره , وثمر ماله (بضم الميم) كثره , واثمر القوم : اطعمهم الثمر , ويقال استثمر ماله أي استخدمه في الانتاج ([1])

والملاحظ ان الاقتصاديين قد اختلفوا حول تعريف الاشتثمار الاجنبي كما هو الحال بالنسبة للقانونيين , حيث لم يستطع هؤلاء ولا هؤلاء التوصل الى تعريف جامع مانع في هذا الشأن وان كانوا جميعا يلتقون حول مفهوم معين للاستثمار الاجنبي وهو انه"انتقال رؤوس الاموال او لرؤوس الاموال والخبرات الفنية والادارية عبر الحدود من اجل تحقيق مصلحة المستثمر التي تتمثل في تحقيق اكبر ربح ممكن ومصلحة القطر المضيف التي تتمثل في احداث اضافة اقتصادية تضاف الى الثروة القومية لهذا القطر"

لذلك عرف البعض الاستثمار من الوجهة الاقتصادية بانه قيام شخص طبيعي او معنوي في بلد غير بلده باستخدام خبراته او جهوده او امواله في القيام بمشروعات اقتصادية سواه كان بمفرده او بالمشاركة مع شخص طبيعي او معنوي محلي او اجنبي او مع الدولة او مع مواطنيها في انشاء مشروع او مشروعات مشتركة ([2]) كما يسمى الاستثمار عند الاقتصاديين ايضا ب (التوظيف) يعني توظيف النقود لاي أجل , فمعجم المورد يعرف لفظ الاشتثمار بانه"تثمير او توظيف الاموال"([3]) ونجد ان البعض يعرفه بانه"انتقال رؤوس الاموال بين بلدان بقصد توظيفها في عمليات اقتصادية مختلفة كشراء اوراق ماليه او اموال منقولة تدريجيا او امتلاك عقارات تعطي ربحا , او بقصد توظيفها في عمليات ائتمانية مثمره كالاقراض , او في عمليات غير مثمرة كحفظ النقود في مصرف او بيت للايداع تفاديا للاخطار التي قد تتعرض لها في ظروف التوتر السياسي والاقتصادي ([4]) وهناك من عرفه على انه"عملية توظيف الاموال في الفرص الاستثمارية المتاحة وبناءا على الدراسة التحليلية لهذه الفرص واختيار افضلها"([5])

ومن مطالعة التعاريف الاقتصادية اعلاه نلحظ انها لم تعرف الاستثمار الاجنبي وفق نطاق محدد ومعين , اذ انها تجمع على تعريفه بنطاقه الواسع بمعنى ان الاستثمار كما يرى البعض هو"أي توظيف للنقود لاي اجل في أي اصل او ملكية او ممتلكات او مشاركات محتفظ بها للمحافظة على المال او تنميته سواء ارباح دورية او بزيادات في قيمة الاموال في نهاية المدة او بمنافع غير مادية"([6]).

اما عن تعريف الاستثمار الاجنبي من الناحية القانونية فقد حدده البعض بانه"تقديم الاموال المادية والمعنوية والاداءات من شخص طبيعي او معنوي لايحمل جنسية الدولة المستقبلة للمساهمة المباشرة وغير المباشرة في مشروع قائم او سيتم انشاؤه للقيام بنشاط اقتصادي ما خلال مدة معقولة من الزمن"([7]). وكذلك عرف بانه"تحركات رؤوس الاموال من البلد المستثمر نحو البلد المستفيد بغير تنظيم مباشر"([8]). وقد عرفه معهد القانون الدولي بانه"توريد الاموال او ربما الخدمات بهدف تحقيق ربح مادي او سياسي ويمكن ان يتكون الاستثمار من اموال معنوية"([9]).

فالجدير بالملاحظة هنا هو تباين تعريفات الفقه للاستثمار الاجنبي دون ان يفلح احدها في ان يكون تعريفا جامعا مانعا , وعليه قد يكون من الاصح عدم التعويل علي أي من هذه التعريفات كاطار محدد لظاهرة الاستثمار , اذ ان الاستثمار ليس بالواقعة الاقتصادية او القانونية المحددة , بل انه يمثل في الواقع مفهوما متغيرا ومتطورا يتغير ويتطور بتطور الظروف والاوضاع الاقتصادية على المستوى الدولي , فهو مفهوم عام قد يضيق وقد يتسع حسب ظروف البلد السياسية والاقتصادية , فالدولة التي تسعى الى جذب الاستثمارات الاجنبية تميل الى تبني مفهوما واسعا للاستثمار , حتى يمكنها الاستفادة باكبر قدر ممكن من رؤوس الاموال والخبرات الاجنبية في مختلف الانشطة الاقتصادية في اقليمها ([10]) كما في القانون العراقي اذ انه لم يحدد مجالات الاستثمار في قانون الاستثمار العربي الملغي رقم (62) لسنة 2002 ([11]) , بمعنى انه اعتنق المفهوم المرن في تعريف الاستثمار , تحسبا لما قد يستجد من اوجه استثمار اخرى قد تبرز في المستقبل خدمة للاقتصاد الوطني والقومي على حد سواء , في حين انه وبموجب الامر الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة المرقم (39) لسنة 2003 قد بين المقصود بالاستثمار الاجنبي هو الاستثمار في اصل من الاصول المتواجدة في العراق بما بما في ذلك الملموسة وغير الملموسة وحقوق الملكية المتعلقة بها , والاسهم , وغيرها من اشكال  وصكوك المشاركة في الكيان التجاري , كما تعني حقوق الملكية والخبرة الفنية"([12]) , كما انه في الوقت ذاته قد حدد مجالات الاستثمار بصورة مفصلة , متبنيا بذلك مفهوما مضيقا للاستثمار , اما قانون الاستثمار النافذ رقم (13) لسنة 2006 قد عرف الاستثمار بمعناه العام من دون حصره بالاجنبي منه ومن دون تحديد مجالاته على سبيل الحصر وذلك طبقا للمادة (1/ن) التي نصت على ان الاستثمار هو"توظيف المال قي أي نشاط او مشروع اقتصادي يعود بالمنفعة المشروعة على البلد"([13]) , وموقف المشرع العراقي هذا يشاركه فيه بعض من التشريعات المقارنة التي هي الاخرى قد تجنبت ذكر بيان تفصيلي للاموال المستثمرة واعتمدت في تعريفها للاستثمار على وضع معيار عام للمال المستثمر الذي يخضع لاحكام القانون ([14]). في حين ان البعض الاخر من التشريعات الوطنية قد حرصت على وضع بيان تفصيلي للمال المستثمر المراد استخدامه في مجالات الاستثمار كقانون ضمانات وحوافز الاستثمار الأجنبي الصادر في جمهورية مصر العربية رقم (8) لعام 1997 في المادة (1) منه التي حددت مجالات الاستثمار بصورة تفصيلية , واعطى في المادة (2) من القانون ذاته صلاحيات الى مجلس الوزراء باضافة المجالات التي يراها مناسبة لخطة التنمية الاقتصادية ([15]).

والملاحظ على طريقة التعداد الحصري للاموال المستثمرة الخاضعة للحماية التشريعية لا ينسجم مع المرونة اللازمة من اجل مواكبة التطور العلمي والتكنلوجي , فضلا عن ذلك فان المشرع مهما احتاط فانه لا يستطيع ان يستوعب جميع صور الاموال المستثمرة.

واذا كان امر بيان الاستثمار الاجنبي تعريفا , قد تجاذبه اتجاهان بين النص على تعريفه مباشرة وبين تحديده من خلال ما يمكن ان يقع عليه او ما يمثل محلا له , فان ما يمثل ذات الامر يمكن ملاحظته فيما يخص العقود التي تنظم هذه الاستثمارات , مع فرق في اختلاف مواطن هذا التجاذب فقد اختلفت الاراء حول هذه العقود من اجل تحديد ماهيتها , كما ان عدم وجود عقد مسمى يمكن ان نطلق عليه عقد الدولة للاستثمار كان دافعا قويا لعد فكرة هذه العقود اقرب ما تكون الى كونها فكرة معينة تنطبق على مجموعة من العقود التي تتوفر فيها خصائص معينة.

فتعرف انها"عقود للقيام باستعمال الاموال في الانتاج اما مباشرة كشراء الالات والمواد الاولية او بطريقة غير مباشرة كشراء الاسهم والسندات لاجل تحقيق ربح يتم توزيعه على الاطراف بحسب النسب المتفق عليها"([16]).

كما عرفه جانب اخر من الفقه بانها"كل العقود التي تبرمها الدولة مع شخص من اشخاص القانون الخاص الاجنبي والتي تتعلق بمباشرة الانشطة التي تدخل في اطار خطط التنمية الاقتصادية للبلاد"([17]).

وفضلا عما سبق , وصفها احد الاساتذة بانها"عقود تنمية اقتصادية لها اهمية بالنسبة للدولة المضيفة وتخلق نوعا من التعاون الطويل المدة بين الدولة المتعاقدة والطرف الاجنبي , وتتضمن نصوصا تهدف الى تحقيق الثبات التشريعي وعدم المساس بالعقد واخضاعه لنظم خاصة او لقانون الدولي حماية للطرف الخاص المتعاقد مع الدولة من سيادة الدولة التي تستخدمها لتعديل العقد او انهاءه بارادتها المنفردة"([18]).

 وعليه , يمكننا ان نحدد تعريفا شاملا لعقد الاستثمار الاجنبي بالاتي وهو"عقد تبرمه الدولة المضيفة للاستثمار مع طرف اخر اجنبي سواء كان طبيعيا او معنويا عاما او خاصا بموجبه تنتقل رؤوس الاموال الاجنبية والخبرات الادارية والتقنية وادوات التقدم التكنلوجي المتطور مقابل حصول المستثمر الاحنبي على المواد الاولية والاعفاءات الضريبية واجرة الايدي العاملة وتكاليف نقل قليلة وارباح كبيرة".

المطلب الثاني: انواع عقود الاستثمار الاحنبي

ينقسم الاستثمار الاجنبي من الناحية الاقتصادية الى استثمار منتج او غير منتج تبعا للنظرة الى مجموع الخدمات والسلع المنتجة خلال مدة من الزمن هل هي اعلى او ادنى من الكلفة المباشرة. وينقسم من حيث الامد الى استثمار قصير الاجل ذي المدة التي تقل عن سنة والاستثمار المتوسط الاجل وهو من سنة الى خمس سنوات والاستثمار طويل الاجل الذي يزيد عن خمس سنوات. ومن حيث القائم عليه فيقسم الى خاص وهو الذي يقوم به فرد خاص سواء اكان فردا طبيعيا او معنويا , واستثمار عام وهو الذي تقوم به الدولة او احد اجهزتها العامة او جهاز ذي كيان دولي , واستثمار مختلط وهو الذي يحوي النوعين السابقين. الا ان اهم تقسيمات عقود الاستثمار الاجنبي التي شغلت بال الاقتصاديين والقانونيين هو تقسيمة الى استثمار مباشر والى استثمار غير مباشر اذ ان من المهم من ابرام عقد الاستثمار الاجنبي ليس مدته او الشخص القائم به بقدر ما يمكن ان يتريب عليه من ضمان الادارة وتوجيه المستثمر للمشروع الاستثماري([19])

لذلك سوف نتعرض بشئ من الايجاز لاشكال عقود الاستثمارات الاجنبية الى مباشرة وغير مباشرة على النحو الاتي :

الفرع الاول: عقد الاستثمار الاحنبي المباشر

ويعرف هذا النوع من عقود الاستثمار الاجنبي بانه"عقد يتم به انتقال رؤوس الاموال الاجنبية مقترنة بعنصري التنظيم والادارة الى الدولة المضيفة للاستثمار , بحيث يتريب عليه انشاء مشروعات مملوكة ملكية كاملة لمستثمرين اجانب ملكية وحصص تمكنهم من السيطرة , وادارة هذه المشروعات او تعطيهم حق المشاركة في هذه الادارة"([20]).

اما صندوق النقد الدولي فقد عرفه بانه"عقد الاستثمار الذي يتم الحصول على مصلحة مستمرة في مشروع يقوم بعمليات في اطار اقتصادي , خلاف اقتصاد المستثمر الذي يستهدف المستثمر به الحصول على الحق في القيام بدور فعال في ادارة المشروع"([21]).

كما حدد البعض من الاقتصاديين معنى الاستثمار الاجنبي المباشر بانه"تملك المستثمر الاجنبي لجزء من او كل الاستثمارات في المشروع المعين وقيامه بالمشاركة في ادارة المشروع مع المستثمر الوطني في حالة الاستثمار المشترك وسيطرته الكاملة على الادارة والتنظيم في حالة ملكيته المطلقة لمشروع الاستثمار"([22]).

ويلاحظ من هذه التعريفات انها تدور جميعا حول مفهوم معين لعقود الاستثمار الاجنبي المباشر هو ضمان سيطرة المستثمر الاجنبي على ادارة وتوجيه المشروع الاستثماري , في صورة منفردة او في صورة مشروع مشترك مع الدولة المضيفة او مواطنيها.

اما عن اهمية عقود الاستثمار المباشر , فالملاحظ بان هذه الاهمية بدأت تتزايد بعد الحرب العالمية الثانية , حيث اقبل عليه المستثمرون وفضلته الدول النامية لاسباب عديدة , جعلته يفوق في الاهمية الاستثمار غير المباشر الذي كانت له الغلبة قبل ذلك , فبالنسبة للمستثمر الاجنبي فهو يفضل هذا النوع من الاستثمار لانه يعطيه الحق في ادارة وتوجيه المشروع الاستثماري بما يحقق مصلحته الخاصة , فضلا عن انه هو الذي يختار المشروع الذي يستثمر فيه امواله من بين المجالات التي تعرضها الدولة , واختيار شريكه في المشروع واستبعاد شركاء محتملين , كما ان الفرصة المتاحة اكبر لاستثمار راس المال في الاستثمار المباشر الذي يرتكز اساسا على القطاعات الانتاجية , مما يتيح امكانية الربح فيه بصورة كبيرة على المدى الطويل ولا يتأثر بطريق مباشر بالتضخم النقدي , بل انه سلاح اكثر فعالية في محاربة التضخم من الاستثمار الغير المباشر , كما ان فائدة هذا النوع من الاستثمار بالنسبةللدول المضيفة تتمثل في انه يتضمن استيراد المال والخبرة الفنية والادارية من الخارج , كما ان استخدام الخبرة والوسائل الانتاجية الحديثة من شأنه ان يؤدي الى تطوير الاقتصاد الوطني ويخلق فرص عمل جديدة , فضلا عن عدم تحميل الدولة باعباء مديونية في هذا الاستثمار , بخلاف القروض التي يجب سدادها مع فوئدها ([23])

الفرع الثاني : عقد الاستثمار الاجنبي غير المباشر

يتميز هذا الشكل من الاستثمار بان دور المستثمر الاجنبي يقتصر فيه على مجرد تقديم راس المال الى حهة معينة في الدولة المضيفة لتقوم هي بهذا الاستثمار دون ان تكون له اية سيطرة او رقابة على المشروع , وهو ياخذ في الغالب صورة قروض تقدمها الهيئات الخاصة والافراد او صورة شراء الاسهم والسندات الدولية طويلة الاجل ([24]).

وعليه , فان المعيار الذي نستطيع بموجبه ان نميز بين عقود الاستثمار المباشر وغير المباشر هو السيطرة والتحكم في الاستثمار , فالاول يتميز بامكانية قيام المستثمر الاجنبي بالرقابة والسيطرة وامتلاك اصول حقيقية , في حين ان الثاني لا يترتب عليه أي نوع من انواع السيطرة او الرقابة , فهو ليس الا ظاهرة مالية , وتحويل لملكية الموارد من يد الى اخرى.

(لكن اذا كانت التفرقة بين الاستثمار الاجنبي المباشر والاستثمار الاجنبي غير المباشر يقوم على اساس ان الاول منتج بطبيعته , ويضمن الاستخدام الامثل للموارد , حيث لا يقدم المستثمر الاجنبي على استثمار امواله وخبرته في الدول النامية , الا بناءا على دراسات علمية متعمقة عن الجدوى الاقتصادية للمشروع وكافة بدائلة الفنية المتاحة , كما ان هذا الاستثمار هو في حقيقته الات ومعدات على ارقى الاساليب الفنية واحدث التطورات التكنولوجية وبعض المواد الخام , وخبرات تنظيمية ومالية وفنية وادارية وتسويقية , والتي تحتاج اليها الدول النامية اشد الحاجة من اجل التنمية فضلا عما ينتج عنه من منافع اجتماعية , تفوق بكثير تلك المنافع الخاصة التي تعود على المستثمر الاجنبي نفسه , الامر الذي جعله محل تفضيل من جانب الدول النامية لما يؤدي اليه من اقامة اصول راسمالية ذات دخل ثابت , بخلاف الاستثمار الغير المباشر الذي يفتقر الى كل هذه المزايا)([25]).

مبحث اول:  المقصود باتفاق التحكيم واثاره في عقود الاستثمار الاجنبي

تمهيد وتقسيم :

لقد برز التحكيم كوسيلة هي من افضل الوسائل في تسوية منازعات الاستثمار لكونه يمكن اطراف النزاع من تسوية منازعاتهم الاستثمارية عن طريق محكمين يتمتعون بخبرة وكفاءة عالية, الامر الذي يؤهلهم للفصل في هذا النوع من المنازعات بطريقة فاعلة, كما ان التحكيم لايتقيد باجراءات ومواعيد معينه, حيث يكون للاطراف دائما حرية تحديد مكان التحكيم وزمانه بالاضافة الى امكانية تحديد النزاع موضوع التحكيم, مع اختيار القواعد الموضوعية والاجرائية الواجبة التطبيق استجابة لطبيعة النزاع, كما ان استجابة التحكيم لتسوية الخلاف باقل قدر من العلانية في الخصومة يعطي جوا من الصفاء المنشود بين المتنازعين بعيدا عما يمكن ان يتسبب به رفع النزاع الى القضاء العادي مما يعمل على الحفاظ على سمعة المتنازعين واسرار تعاملاتهم وكوسيلة لاستئناف علاقاتهم في المستقبل([26]).

ونظرا لاهمية التحكيم في عقد الاستثمار الاجنبي تجعل من الاهمية بمكان بيان المقصود به من خلال تسليط الضوء على مسألتين : الاولى : بيان تعريف اتفاق التحكيم في عقد الاستثمار الاجنبي والثانية : تحديد اثار اتفاق التحكيم في عقد الاستثمار الاجنبي, وذلك وفق مطلبين على التفصيل الاتي

المطلب الاول: ماهية اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي

على الرغم من أهمية الوسائل البديلة عن التحكيم في تسوية منازعات عقود الاستثمار الاجنبي, فانه مازال يمثل الملاذ النهائي والاخير لحسم منازعاتها اذا ما اخفقت لحله الوسائل الودية والسلمية الاخرى في الوصول الى تسوية وحل النزاع, وعلى نحو يمكن معه القول بان عقود الاستثمار اصبحت لاتتم بغير وجود اتفاق التحكيم من شأنه ان يحيل المنازعات الناجمة عن هذه العقود الى التحكيم.

وبناء عليه, يكون من الاهمية بمكان لفهم واستيعاب مفهوم اتفاق التحكيم في منازعات عقود الاستثمار الاجنبي ان نتعرض لتعريف اتفاق التحكيم في فرع, ثم نبين صوره في فرع اخر, على التوالي :

الفرع الاول: تعريف اتفاق التحكيم في عقد الاستثمار الاجنبي

      التحكيم لغة يعني التفويض في الحكم ومصدره (حكم)([27]) وقد ورد بهذا المعنى من قوله تعالى"فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم"([28]) في الحقيقة يقوم التحكيم على اخراج المنازعات من اختصاص محاكم الدولة بناء على اتفاق الاطراف, أي انه يلزم وجود اتفاق تحكيم, فالقاعدة العامة في هذا الشأن هي انه  "لا تحكيم بدون اتفاق التحكيم"([29]).

ويعرف اتفاق التحكيم بانه"عقد يتفق فيه الطرفان المتعاقدان على التنازل عن مراجعة القضاء العادي والاحتكام الى شخص عادي او اكثر للفصل في النزاع المحتمل او نزاع قائم بينهما"([30]).

كما عرف بانه"اتفاق يعهد بمقتضاه الاطراف الى شخص او عدة اشخاص بمهمة حسم المنازعات المتعلقة بهم عن طريق اصدار حكم ملزم يتمتع بحجية الامر المقضي به"([31]).

كما حرصت بعض التشريعات الوطنية على وضع تعريف لاتفاق التحكيم منها ما نصت علية المادة (10) فقرة (1) من قانون التحكيم المصري حيث ذكرت بانه هو"اتفاق الطرفين على الالتجاء لتسوية بعض او كل المنازعات التي يمكن ان تنشأ بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية اوغير عقدية"([32]) كما بينت المادة (144) من قانون المرافعات الفرنسي النافذ المقصود باتفاق التحكيم والتي نصت على انه  "عقد  يحيل بموجبه اطراف نزاع ناشئ عن هذا النزاع الى تحكيم شخص او اشخاص عدة"([33]).

والملاحظ على التعاريف المتقدم ذكرها انها تعاريف عامة لاتحدد موضوع اتفاق التحكيم ضمن نطاق محدد او مبادئ معينة.

والملاحظ على المشرع العراقي انه قد ابتعد عن وضع تعريف لاتفاق التحكيم اذ اكتفى على النص في المادة (252) من قانون المرافعات المدنية على انه"لايثبت الاتفاق على التحكيم الا بالكتابة"ولعل احجام المشرع العراقي عن ايراد تعريف خاص بالتحكيم سببه موافقة المشرع للاتجاه القائل بأن التعريفات هي من عمل الفقه لا المشرع([34]).

الفرع الثاني:  صور اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي

يتخذ اتفاق التحكيم في عقود الاستثمارات الاجنبية صورتين تتمثل الصورة الاولى بمشارطة التحكيم وهي اتفاق اطراف العلاقة الاستثمارية في عقد مستقل عن عقد الاستثمار الاجنبي على عرض المنازعات التي نشأت بينهم بالفعل على التحكيم لحلها.

اما الصورة الثانية لاتفاق التحكيم هي شرط التحكيم والتي تعني اتفاق اطراف العلاقة الاستثمارية بموجب نص في العقد المبرم بينهم والذي يقضي بعرض المنازعات التي من المحتمل ان تنشأ بينهم مستقبلا عن هذه العلاقة على التحكيم([35]).

والملاحظ ان المشرع العراقي قد وضع كل من شرط التحكيم ومشارطته على قدم المساواة وذلك من خلال التعبير عن كلتا الصورتين ﺒ(اتفاق التحكيم) وذلك وفقا للمادة (251) من قانون المرافعات النافذ وهو ذات المسلك الذي اعتمده المشرع المصري في قانون التحكيم والذي وضع كل من شرط التحكيم ومشارطته تحت مصطلح واحد هو اتفاق التحكيم([36]).

في حين ان قانون المرافعات الفرنسي عرف شرط التحكيم بانه"اتفاق يتعهد بمقتضاة الاطراف في عقد من العقود باخضاع المنازعات التي يمكن ان تنشأ بينهم في المستقبل للتحكيم"([37]) في الوقت الذي اغفل الاشارة الى تحديد المقصود ﺒ(مشارطة التحكيم).

وهنا يثور التساؤل التالي حول ماهي العلاقة بين شرط التحكيم والعقد الاصلي الذي يحتويه, فهل يعد شرط التحكيم شرطا بسيطا ضمن شروط العقد الاخرى ام يجب عدة شرطا مستقلا عن بقية شروط العقد الاخرى؟

للاجابة عن التساؤل اعلاه نذكر ماذهب اليه جانب من الفقه من ان استقلال اتفاق التحكيم يعني ان ننظر الى شرط التحكيم الوارد في العقد على انه يعتبر عقدا قائما بذاته رغم انه ليس الا جزءا من هذا العقد او احد بنوده, وتستند استقلالية الاتفاق التحكيمي الى ان هذا الاتفاق يشكل عقدا ضمن العقد الاخر, أي ان الاتفاق التحكيمي يشكل عقدا معادلا للعقد الاساسي([38]).

ويترتب على القول الانف الذكر انه اذا اعتبرت هيئة التحكيم ان العقد المتضمن لاتفاق التحكيم غير قائم او باطل ولا اثر له فان هذا لايؤدي الى ان يكون اتفاق التحكيم ذاته غير نافذ او باطل ولا اثر له, فضلا عن تقرير الاستقلال القانوني لاتفاق التحكيم عن العقد الاصلي([39]).

هذا ولقد حرصت معظم التشريعات الوطنية الخاصة بالتحكيم على النص صراحة على مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم في علاقته بالعقد الاصلي بهدف مساعدة الاطراف على الوصول الى حل سريع لمنازعاتهم الاستثمارية([40]).

وهذا ما اخذ به المشرع المصري في المادة (23) من قانون التحكيم والتي نصت على ان"يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الاخرى ولايترتب على بطلان العقد او فسخه او انهاءه أي اثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه اذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته".

اما القانون الفرنسي فقد جاء خاليا من أي نص يقرر الاخذ بمبدأ استقلال شرط التحكيم من عدمه, في حين ان القضاء الفرنسي قد حرص على ابراز هذا المبدا في العديد من الاحكام, منها الحكم الذي اصدرته محكمة النقض الفرنسية في سنة 1982 والذي ورد فيه بانه"في مجال التحكيم الدولي يتمتع شرط التحكيم باستقلال كامل تجاه العقد"وكذلك الحكم الصادر من ذات المحكمة عام 1993 والذي جاء فيه"بان استقلالية شرط التحكيم عن العقد الاصلي اصبح من القواعد المادية في القانون الفرنسي"([41]).

المطلب الثاني: اثار اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي

تنتج عن اتفاق التحكيم اثران احدهما ايجابي والاخر سلبي, فاما الاثر الايجابي يتمثل في التزام الاطراف بعرض النزاع او المنازعات التي نشأت او التي يمكن ان تنشأ بينهم على التحكيم, واما الاثر السلبي فيتمثل في امتناع هؤلاء الاطراف عن عرض هذه المنازعات على القضاء الوطني.

وفضلا عما تقدم, فان لاتفاق التحكيم اثرا جليا على التمسك بالحصانة القضائية والتنفيذية للدولة المضيفة للاستثمار.

وعلية سنقسم هذا المطلب على ثلاثة فروع,نتناول في الفرع الاول مبدأ الاختصاص بالاختصاص, وفي الثاني عدم اختصاص القضاء الوطني, اما الفرع الثالث سنخصصه لبحث اثر اتفاق التحكيم على الحصانة القضائية والتنفيذية للدولة المضيفة.

الفرع الاول: مبدأ الاختصاص بالاختصاص

ويقصد بمبدأ الاختصاص بالاختصاص"ان المحكم يختص بتحديد اختصاصه ونظر المنازعات المتعلقة به فهو الذي يقرر ما اذا كان هناك اتفاق تحكيم ام لا([42]) بمعنى ان المحكمين يملكون تحديد نطاق سلطتهم بالنسبة لموضوع النزاع وكما هم الذين يقررون ما اذا كان اتفاق التحكيم الذي يستمدون منه سلطتهم صحيحا ام لا فيما اذا اثار احد الخصوم مسألة عدم صحة او انعدام هذا الاتفاق او كان موضوع الاتفاق مخالفا للنظام العام([43]).

والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو ماهو موقف المشرع العراقي من مبدأ الاختصاص بالاختصاص ؟

في الحقيقة من مراجعة نصوص من المرافعات المدنية العراقي فاننا لانجد فيه نص ينص على مبدا الاختصاص بالاختصاص, ولكن هذا لايعني عدم الاخذ به في حدود, على الاقل عندما تثور مسألة الاختصاص اثناء اجراءات التحكيم خاصة وان طبيعة الامور تقتضي اعطاء الصلاحية للمحكم او الهيأة التحكيمية الفصل بالدفع بعدم اختصاصها.

كما حرص المشرع المصري في قانون التحكيم على الاخذ بمبدا الاختصاص بالاختصاص, اذ نص في المادة 22 منه على اختصاص هيئة التحكيم في ان تفصل في شأن الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم او بناء على اتفاق باطل.

وتطبيقا لذلك قضت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بجلسة 27/1/1998 بعدم قبول الدعوى التي اقامها التلفزيون العربي الامريكي لوقف اجراءات التحكيم في الدعوى التحكيمية رقم 95 لسنة 1995 امام مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي والمقامة من اتحاد الاذاعة والتلفزيون بجمهورية مصر العربية ضد شركة التلفزيون الامريكي([44]).

كما كرس المشرع الفرنسي مبدا الاختصاص بالاختصاص في المادة 1466 من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد والذي ينص على انه :"اذا انكر احد الاطراف على المحكم سلطة الفصل في المنازعة او نازع في نطاق هذه السلطة, فان المحكم يختص بالفصل في صحة وحدود ولايته". كما ان القضاء كان حريصا على التاكيد على هذا المبدأ وذلك من خلال احد قرارات محكمة النقض الفرنسية وذلك في حكمها الصادر في 5/1/1999 والذي جاء فيه"يترتب على مبدأ صحة شرط التحكيم الدولي..... وان المحكم يقضي في شأن مدى اختصاصه وان قضاء الدولة غير مختص بالفصل بصفة اساسية في شأن صحة شرط التحكيم....."([45])

 
الفرع الثاني: مبدأ استئثار هيئة التحكيم بتسوية النزاع

من الاثار المهمة التي تترتب على اتفاق التحكيم هو سلب النزاع من ولاية القضاء الوطني ونقله الى ولاية المحكمين, بمعنى اذا اتفق الاطراف على احالة نزاعهم الى التحكيم فانهم يمنحون بذلك هيئة التحكيم اختصاص الفصل في النزاع, وبالتالي لاتكون محاكم الدولة مختصة بالفصل فيه, حيث يمتنع على الاطراف الالتجاء الى القضاء الوطني لطلب الفصل في المنازعة محل التحكيم([46]).

وفي حقيقة الامر, ان مبدأ استئثار هيئة التحكيم بتسوية النزاع يعتبر تطبيقا لمبدا القوة الملزمة للاتفاق او مبدا العقد شريعة المتعاقدين باعتباره من المبادئ المستقرة في القانون الدولي للعقود([47]).

ومن الجدير بالملاحظة انه تم التأكيد على مبدا استئثار هيئة التحكيم بتسوية النزاع في العديد من التشريعات الوطنية المعنية بالتحكيم. ومن بين هذه التشريعات قانون المرافعات العراقي اذ اقرت المادة 253 منه هذا المبدا اذ ورد في الفقرة الاولى من ذات المادة على انه"اذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما فلايجوز رفع الدعوى امام القضاء الا بعد استنفاد طريق التحكيم".

وهذا يعني ان اتفاق التحكيم في القانون العراقي لاينزع الاختصاص من المحكمة المختصة وانما يمنعها من سماع الدعوى مادام الاتفاق قائما, وعلى هذا فانه يعد مانعا مؤقتا من سماع الدعوى ويجوز اللجوء الى المحكمة المختصة اذا وافق الخصوم على ذلك.

وهذا مااكدته محكمة التمييز العراقية في حكمها الصادر في 30/8/1967 عندما ردت الطعن التمييزي الخاص بوجود اتفاق تحكيم بحجة"ان للمحاكم ولاية النظر في جميع الخصومات حتى ولو ورد اتفاق التحكيم في العقد فانه لايجعل المحكمة غير مختصة اذا اعرض عنه الخصم وفضل اقامة الدعوى امام القضاء مباشرة"([48]).

كما نص القانون المصري على هذا المبدا بموجب المادة (13/ف1) من قانون التحكيم على انه"يجب على المحكمة التي يرفع اليها نزاع يوجد بشانه اتفاق تحكيم ان تحكم بعدم قبول الدعوى ادا رفع المدعى عليه قبل ابدائه اي طلب او دفاع في الدعوى".

كذلك ورد النص على مبدا استئثار هيئة التحكيم بتسوية النزاع في قانون المرافعات الفرنسي, اذ نصت المادة (1458) من هذا القانون على انه"اذا رفع النزاع المعروض على هيأة التحكيم بموجب اتفاق تحكيم على قضاء الدولة, يجب على هذا القضاء ان يقرر عدم اختصاصه واذا لم تكن هياة التحكيم قد اتصلت بعد بالنزاع يجب على هذا القضاء ان يقرر عدم اختصاصه"

ويتضح مما تقدم, ان مبدا استئثار هيئة التحكيم بتسوية النزاع من شانه ان يحقق الفاعلية لعملية التحكيم, اذ انه يكفل استقلال لهيئة التحكيم بنظر النزاع دون  ان تتدخل معها في ذلك أي جهات قضائية.

وعلية, يثار التساؤل الاتي: هل يشترط البدء باجراءات التحكيم قبل رفع النزاع امام المحكمة لامكانية اعمال هذا المبدا ام لا؟

كما يثور تساؤل اخر مفاده: هل يشترط ان يتمسك الطرف الاخر بالتحكيم ام انه يجوز للقاضي ان يقضي بعدم اختصاصه من تلقاء نفسه؟

وللاجابة عن التساؤل الاول نقول انه لايشترط لاعمال هذا المبدا ان تكون اجراءات التحكيم قد بدات بالفعل, اذ ان هذا المبدا اثر من اثار اتفاق التحكيم, ومن ثم فانها تترتب على هذا الاتفاق بمجرد ابرامه وهذا يمكن التوصل اليه بسهولة من خلال متابعة نصوص القوانين الوطنية المتقدم دكرها, اذ انها جاءت بعبارات مطلقة تقرر عدم اختصاص القاضي سواء أكان النزاع قد عرض عليه قبل بدء اجراءات التحكيم ام بعدها([49]).

وفيما يتعلق بالتساؤل الثاني فان الاجابة عليه تكون من خلال مراجعة التشريعات المتعلقة بالتحكيم, والملاحظ من هذه المراجعة انها قد لاعمال هذا المبدا ان يتمسك المدعى عليه باتفاق التحكيم, وهو امر بديهي, لانه اذا حضر المدعى عليه امام المحكمة من دون ان يتمسك بوجود اتفاق التحكيم, فان ذلك يعد تنازلا منه على اللجوء الى التحكيم ومن ثم يكون للمحكمة الاستمرار في نظر النزاع والفصل فيه, ومن هذه التشريعات قانون المرافعات المدنية العراقي اذ نصت المادة 253 منه على انه :

  1. اذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما فلايجوز رفع الدعوى امام القضاء الابعد استنفاذ طريق التحكيم.
  2. ومع ذلك اذا لجأ احد الطرفين الى رفع الدعوى من دون الاعتداد بشرط التحكيم, ولم يعترض الطرف الاخر في الجلسة الاولى جاز نظر الدعوى وعد شرط التحكيم لاغيا.

اما بالنسبة للقنون المصري فقد نصت المادة (13) فقرة (1) من قانون التحكيم على انه"يجب على المحكمة التي يرفع اليها نزاع يوجد بشانه اتفاق تحكيم ان تحكم بعدم قبول الدعوى اذا رفع المدعى عليه قبل ابدائه أي طلب او دفاع في الدعوى". وهذا يعني ان قانون التحكيم المصري قد اشترط تمسك المدعى عليه باتفاق التحكيم.

في حين ذهب المشرع الفرنسي الى اتجاه مغاير لاتجاه المشرع المصري فيما يتعلق بهذا الشان, فقد نصت المادة (1458) من المرافعات الفرنسي على انه".......واذا لم تكن هيأة التحكيم قد اتصلت بعد النزاع يجب ايضا على هذا القضاء ان يقرر عدم اختصاصه", وهذا يعني ان المشرع الفرنسي قد اوجب على القاضي ان يدفع بعدم اختصاصه حتى في حالة عدم تمسك المدعى عليه بالتحكيم.

ويمكننا ان نجد مثالا على مبدا استئثار هيئة التحكيم بتسوية النزاع في قضية (Mobil Oil) ضد حكومة نيوزلندا, اذ انه ورغم تقديم الشركة لطلب التحكيم لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار, فقد حاولت الحكومة استصدار احكام قضائية من المحاكم النيوزيلندية لعرقلة سير النزاع امام هيئة التحكيم, الا انه عند عرض النزاع على المحكمة العليا في نيوزلندا قررت وقف نظر جميع الدعاوي المتصلة بالنزاع لحين انتهاء محكمة التحكيم من عملها اعمالا لشرط التحكيم المبرم بين الطرفين([50]).

وكذلك في قضية اتحاد الاذاعة والتلفزيون بجمهورية مصر العربية ضد شركة التلفزيون العربي الامريكي, فعلى الرغم من تقدم اتحاد الاذاعة والتلفزيون بتاريخ 12/2/1997 الى مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي بطلب تحكيم ضد التلفزيون العربي الامريكي لتسوية الخلاف القائم بينهما اعمالا لشرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بين الطرفين, الا انه بتاريخ 10/10/1997 اقام التلفزيون العربي الامريكي دعوى تعويض امام محكمة كاليفورنيا الابتدائية والتي قضت بعدم اختصاصها واحالت الدعوى الى التحكيم, كما ابدت محكمة استئناف كاليفورنيا هذا الحكم بجلسة 2/12/1997([51]).

الفرع الثالث: اثر اتفاق التحكيم على الحصانة القضائية والتنفيذية للدولة المضيفة للاستثمار

(ان الدولة الطرف في عقود الاستثمار, في سعيها للتخلص من قبولها عملية التحكيم في المستثمر الاجنبي, قد تدفع بما تتمتع به من حصانة كدولة ذات سيادة من الخضوع لقضاء دولة اجنبية للقول بعدم جواز خضوعها للتحكيم, فمن المبادئ المستقرة في القانون الدولي العام, انه تأسيسا على فكرة السيادة والمساواة بين الدول, فان كل دولة تتمتع بالحصانة القضائية في مواجهة قضاء الدول الاجنبية, بمعنى انه لايجوز اخضاع المنازعات التي تكون الدولة او احد الاشخاص المعنوية العامة المنبثقة عنها طرفا فيها لغير قضاء هذه الدولة, الامر الذي يعني عدم اختصاص قضاء دولة اجنبية بنظر تلك المنازعات, سواء اكان ذلك القضاء رسميا في دولة اجنبية ام كان قضاء تحكيميا بنظر تلك المنازعات)([52]).

ومن هنا يبدو جليا مدى خطورة الحصانة القضائية في عقود الاستثمارات الاجنبية, اذ كيف يعد اتفاق التحكيم احد الضمانات التي عول عليها المستثمر الاجنبي في تعاقده مع الدولة المضيفة او من يمثلها في الوقت الذي تستطيع فيه الاخيرة التمسك بحصانتها القضائية, وعليه يعد ذلك اخلالا بالشروط الجوهرية التي قامت عليها العلاقة التعاقدية مما يستوجب معه مساءلة الدولة([53]).

ولكن نظرا لان التحكيم له طابع خاص يتمثل في انه يجد اساسه في ارادة الاطراف, حيث تلجا الدولة الى ادراج شرط التحكيم بالعقد بارادتها الحرة, فمن البداهة اذن التساؤل حول مدى جدوى التمسك من جانب الدولة بالحصانة القضائية امام هيئات التحكيم, على الرغم من انها قد ارتضت في اتفاق التحكيم مبدا فض المنازعات الناشئة او التي يمكن ان تنشا بينها وبين احد اشخاص القانون الخاص بطريق التحكيم([54]).

في الحقيقة يجيب اغلب الفقه([55])عن هذا التساؤل بالقول بان الدولة تعتبر متنازلة عن حصانتها القضائية اذا قبلت شرط التحكيم.

وعليه, فلا يجوز للدولة المضيفة للاستثمار التي تتفق على اللجوء الى التحكيم لتسوية المنازعات الناشئة عن العقد المبرم بينها وبين المستثمر الاجنبي, ان تتمسك بحصانتها القضائية امام المحكم او هياة التحكيم.

فاتفاق التحكيم هو قضاء خاص لاينتمي الى سلطة أي دولة, ومن ثم فهو لايمثل اعتداء على سيادة الدولة الطرف في النزاع, فضلا عن ذلك فان الدولة تدخل في تلك العلاقة القانونية بارادتها المطلقة, وبموجب قانون يسمح لها بذلك, وبرضاء مسبق منها, وبدون هذا الرضا المسبق لايمكن ارغام الدولة على اللجوء الى المثول امام هيئات التحكيم.

وبعبارة موجزة فان الدولة بقبولها التحكيم تكون قد قبلت بارادتها المثول امام هيئة التحكيم فليس لها ان تتمسك بحصانتها امامها, ولكنها لاتكون قد تنازلت عن هذه الحصانة امام جهة اخرى غير جهة التحكيم وهي جهة القضاء([56]).

اما فيما يتعلق بالحصانة التنفيذية فانها تعني عدم تاثر الحكم التحكيمي في مجال الاستثمار بما تصدرة الدولة من تشريعات تؤثر على عدالة هذا الحكم.

ومن المتبادر التساؤل هنا عن اثر اتفاق التحكيم الذي ابرمته الدولة بارادتها على هذه الحصانة, فهل لها ان تتمسك بحصانتها في مواجهة اجراءات تنفيذه ام ان مجرد موافقتها على التحكيم يعتبر تنازلا ضمنيا عن حصانتها, بحيث يتعلق عليها تنفيذ حكم التحكيم عند اضطرار الطرف الاخر الى اتخاذ اجراءات التنفيذ الجبري دون ان يكون لها التمسك بحصانتها؟

في الحقيقة يجيب البعض([57])من الفقة بان اتفاق التحكيم الذي قبلته الدولة يجب ان يمتد في اثارة لشمل تنفيذ حكم التحكيم وذلك تحقيقا لاستقرار المعاملات وتحقيقا لفاعلية اتفاق التحكيم, اذ ان قبول الدولة اللجوء الى التحكيم بالرغم من حصانتها سيكون فارغا من أي معنى اذا هي استطاعت ان تدفع بحصانتها لتعليق تنفيذ حكم التحكيم.

في حين يذهب البعض الاخر([58])بان اتفاق التحكيم بذاته لايفيد في الدلالة التخلي عن حقها في التمسك بالحصانة في مواجهة اجراءات التنفيذ, على اعتبار ان هذه الاخيرة تتمتع باستقلالية وذاتية تحول دون اختلاطها واندماجها في الحصانة القضائية.

ومن جانبنا نؤيد الاتجاه الفقهي الاول لكون ان اتفاق التحكيم الذي تورده الدولة في عقودها مع المستثمرين الاجانب يفيد تنازلها عن حصانتها ضد تنفيذ حكم التحكيم, واذا كانت تنوي غير ذلك فانه يتعين عليها التاكيد منذ البداية على تمسكها بهذه الحصانة ضد تنفيذ حكم التحكيم.

ومن الاحكام القضائية الصادرة بهذا الخصوص حكم التحكيم الصادر في القضية رقم 3879 في عام 1984 في اطار غرفة التجارة الدولية, وتتلخص وقائع هذه القضية في ان كل من مصر والسعودية والامارات وقطر قد ابرمت في عام 1975 اتفاقية بموجبها يتم انشاء الهياة العربية للتصنيع بهدف تطوير صناعة التسليح لمصلحة هذه الدول, ولقد ابرمت الهياة المذكورة مع الشركة الانكليزية ويست لاند للهيلوكوبتر عقدا بموجبه يتم انشاء شركة مختلطة غرضها القيام بتصنيع وبيع الهيلوكوبتر من نوع (Lynx), ولاجل هذا الغرض أبرمت الشركة الانكليزية ويست لاند العديد من العقود مع هذه الشركة في عام 1978, بيد انه في عام 1979 وبناء على قرارات القمة العربية التي عقدت في بغداد قررت الدول الثلاث السعودية, الامارات, قطر, انهاء وجود الهياة بدءا من اول تموز عام 1979 وتشكيل لجنة لتصفيتها واعتبار كل العقود التي ابرمتها لاغية, وعلى اثر ذلك تقدمت الشركة الانكليزية ويست لاند بعريضة تحكيم الى هياة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية, ونظرا لتغيب الاطراف الاخرى عن المشاركة في اجراءات التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية التي اصدرت حكما تمهيديا بشان اختصاصها اكدت فيه انه وفقا للمفهوم السائد فان ابرام اتفاق التحكيم يتضمن التنازل عن الدفع بالحصانة القضائية والتنفيذية([59]).

المبحث الثاني: القواعد الموضوعية والشكلية التي تحكم اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي

تمهيد وتقسيم :

تعد مسالة تحديد القواعد التي تحكم موضوع النزاع الاستثماري المحكم فيه من اهم المسائل التي تواجه المحكم عندما يتصدى للفصل في موضوع النزاع تحكيميا, وذلك لما لهذه المسالة من اهمية تتعلق بصحة ماينتهي اليه المحكم من نتائج, والتي يتبعها تحديد الاجراءات الشكلية والتي تعتبر امر لازم لتطبيق القانون.

وعليه, سنقسم هذا المبحث على مطلبين, سنعقد المطلب الاول لتحديد القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي, والمطلب الثاني سنكرسة لبيان الاجراءات الشكلية اللازم اتباعها للسير بهذه العملية.

المطلب الاول: القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي

في الواقع تعد القواعد القانونية التي تحكم سير المنازعة المطروحة على التحكيم من المسائل الجوهرية في التحكيم في منازعات الاستثمار, فاطراف المنازعة في عقود الاستثمار الاجنبي لايلجاؤون الى التحكيم الا للتوصل الى حل ناجح قد لايحصلون عليه اذا ما اتبعت القواعد الشكلية في القوانين الوطنية, فضلا عن تفاديهم لاحتمال افشاء اسرار منازعاتهم لكون ان اجراءات القضاء الوطني تتسم بالعلانية.

واذا كانت القاعدة المستقرة فقها فيما يخص اجراءات التقاضي هي خضوعها لقانون القاضي, فالامر مختلف تماما بالنسبة لاجراءات التحكيم. اذ ان الاصل هي خضوعها لقانون الارادة او مااتفق عليه اطراف العلاقة الاستثمارية من قواعد اتفاقية, وفي حالة عدم اتفاقهم على قواعد قانونية محددة تطبق على النزاع الاستثماري هنا  القانون الذي يقررة المحكم او قانون التجارة الدولية.

ولبيان تفاصيل ذلك سنخصص ثلاثة فروع للحديث عن ذلك, سنفرد الفرع الاول لقانون الارادة الذي يحكم اتفاق التحكيم, وفي الفرع الثاني سنتكلم عن حرية المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق, اما الفرع الاخير سنخصصه لمدى تطبيق المحكم لقانون التجارة الدولية.

الفرع الاول: قانون الارادة الذي يحكم اتفاق التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي

تقرر معظم التشريعات الوطنية بان الاولوية لارادة الاطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع الاستثماري طالما ان ذلك لاينطوي على أي خروج عن القواعد الامرة والمتعلقة بالنظام العام في الدول المعنية, او يكون هذا الاختيار مشوبا بالغش نحو القانون الذي كان من المفروض تطبيقه على موضوع النزاع([60]).

وهذا وقد اخذ القانون العراقي بقانون الارادة, فقد اعطى الحرية للاطراف في الاتفاق على القواعد القانونية, اذ نصت المادة (265) من قانون المرافعات النافذ على انه"يجب على المحكمين اتباع الاوضاع المقررة في قانون المرافعات الا اذا تضمن الاتفاق على التحكيم,  او أي اتفاق لاحق علية اعفاء المحكمين منها صراحة, او وضع اجراءات  معينة يسير عليها المحكمون"

كما نصت المادة (3)) فقرة (1) من قانون التحكيم المصري النافذ على انه"تطبيق هياة التحكيم على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليها الطرفان"فهذا النص يدل صراحة على اخذ المشرع المصري بقانون ارادة الاطراف وتطبيقه على المسائل التي تتعلق بالتحكيم.

وتطبيقا لذلك قضى المركز الاقليمي بالقاهرة في حكمه الصادر سنة 1987 بشان النزاع الذي حصل بين الشركة النمساوية ووزير الزراعة المصري([61]) بان تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع متروك كقاعدة عامة لارادة الطرفين فيما يخص اجراءات التحكيم([62]).

كما اخذ بذلك قانون المرافعات الفرنسي, اذ نصت المادة (1496) على ان"يفصل المحكم النزاع وفقا للقواعد القانونية التي اختارها الاطراف".

وفي الواقع, هناك تساؤل يتبادر الى الذهن وهو : هل يلزم الاعتداد بارادة الاطراف ان تكون صريحة ام يمكن الاخذ بالارادة الضمنية في مجال التحكيم الخاص بمنازعات الاستثمار ؟

للاجابة عن التساؤل اعلاه لابد من ذكر ماذهب اليه بعض من الفقة من انه لابد ان تكون ارادة الاطراف صريحة وواضحة حتى تقوم بوظيفتها في تحديد القواعد الاجرائية, فاذا كان من الممكن البحث عن الارادة الضمنية للمتعاقدين في مجال العقود, فان الامر في مجال التحكيم على خلاف ذلك, نظرا لاهمية القانون في سير الاجراءات, ممايستوجب ان يكون صريحا من اجل تجنب المشاكل التي قد تثور في هذا الخصوص, ومنها عدم القدرة على تحديد القانون الصحيح الذي انصرفت الارادة الضمنية اليه([63]).

وعلى خلاف ذلك هناك اتجاه اخر يرى بان تطبيق قانون الارادة على المسائل الاجرائية للتحكيم لايعني الزام القاضي فقط بالقانون الذي حددته ارادة الاطراف صراحة, وانما يعني ايضا تخويل المحكم او القاضي فرصة الكشف عن القانون الذي عينته الارادة الضمنية للاطراف حال غياب اختيارهم الصريح له وخصوصا في الاحوال التي يسهو الطرفان عن تحديد القانون صراحة او يعبرون عنه بعبارات غير واضحة او دقيقة في بيان المقصود منه, اذ يبرز دور المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق في ظل غياب الاختيار الصريح لطرفي التحكيم([64]).

ومن جانبنا نؤيد الاتجاه الفقهي الاول الذي يشترط وجود ارادة صريحة ومؤكدة بشان تحديد القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم في مجال منازعات عقود الاستثمار الاجنبي وذلك تفاديا لاي لبس او غموض قد يثور في حالة الاخذ بالارادة الضمنية لاطراف النزاع. وهو مااخذت به بعض احكام التحكيم في مجال المنازعات الاستثمارية منها الحكم الصادر في القضية التي حصلت في عام 1988 والتي تتلخص وقائعها بشان النزاع الذي ثار بخصوص عقد توزيع اجهزة كهربائية بين شركة ايطالية وشركة فرنسية تقوم فيها الاخيرة بتوزيع الاجهزة التي انتجتها الاولى, اذ قررت هياة التحكيم بشان القانون الواجب التطبيق على النزاع الذي لم يوجد اتفاق صريح بشانة بين طرفي العقد تطبيق القانون الفرنسي واستبعاد القانون الايطالي باعتبار ان القانون الفرنسي هو الانسب, وقالت ردا على من قال بتطبيق القانون الايطالي هو المختص, ذلك لان الاشارة الى القضاء الايطالي جاءت بصيغة احتياطية بعد ذكر غرفة التجارة الدولية, كذلك فلا يستفيد منها اتجاة القصد المشترك للمتعاقدين للاخذ بالقانون الايطالي,"كذلك يمكن القول عند الموازنة بين قاعدة التنازع الفرنسية وقاعدة التنازع الايطالية تفوق القاعدة الفرنسية......"([65]).

الفرع الثاني: حرية المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق

قد يصعب على الاطراف في عقود الاستثمارات الاجنبية الاتفاق على قانون معين نظرا لرغبة كل طرف في تطبيق قانونه الوطني او قانون من اختياره وحده, اذ يجهل كل طرف احكام قانون الطرف الاخر وكلاهما يجهل احكام قانون محايد, ومن ثم فلا يكون امامهما من خيار سوى التزام الصمت وعدم الاتفاق على القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع([66]).

وازاء ذلك يقرر الاطراف ترك الحرية للمحكم لتحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع طالما لم يتفق الاطراف على اختيار قانون معين ليحكم موضوع النزاع الاستثماري([67]).

لما كان المحكم في عقود الاستثمارات الاجنبية يختلف عن القاضي الوطني في كون الاخير معين من الدولة ويستمد سلطانه منها, ويمارس هذه السلطة مقيدا باتباع قوانينها التي هي بمثابة قانون اختصاصه بحيث اذا اراد تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع المعروض امامه, فما عليه الا تطبيق قواعد الاسناد الواردة في قانونه الوطني, فان المحكم في عقود الاستثمارات الاجنبية لايستمد سلطانه ولايمارسها من وباسم الدولة, بل من اتفاق الاطراف ومن ثم فانه لايتمتع بما يتمتع به القاضي الوطني من وجود قانون يطبقه اثناء نظر النزاع ضمن اختصاصه([68]).

وعليه فان غياب قانون اختصاص للمحكم في عقود الاستثمارات الاجنبية يمكن ان يحدد على اساس قواعد الاسناد الواردة فيه القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع يثير التساؤل عن القانون الذي سيستلهم منه المحكم في منازعات الاستثمار الاجنبي قواعد اسناده  ليختار على هديها القانون الدي يطبق على موضوع النزاع ؟

وللاجابة على هذا التساؤل يلاحظ وجود طريقتين لذلك التحديد, تمثل الاولى بتطبيق المحكم في عقود الاستثمارات الاجنبية لمنهج التنازع المقرر في القانون, اما الثانية فتكون من خلال الاختيار الصريح والمباشر للقانون الواجب التطبيق([69]).

ومن المقارنة بين الطريقتين نرى ان افضلية الطريقة الثانية نظرا لتعقيد وصعوبة اللجوء الى قواعد تنازع القوانين لتحديد القانون الواجب التطبيق  لكون ذلك مقيد بقانون اختصاص المحكم في حين انه في عقود الاستثمارات الاجنبية لايملك قانون اختصاص, ومن ثم ليس مفروضا عليه اتباع هذا المنهج, هذا من ناحية, ومن ناحية اخرى فان من جملة الاسباب التي دفعت اطراف العلاقة الاستثمارية اللجوء الى التحكيم هي الابتعاد عن المشاكل التي قد  تنتج عن تنازع القوانين لتحديد القانون المطبق على النزاع, لذلك فان التحديد المباشر لقواعد القانون يبعد عن اطراف عقد الاستثمار الكثير من المشاكل.

وهو مااخذت به العديد من القوانين الوطنية ومنها قانون المرافعات العراقي فقد نصت المادة (265) فقرة (1) منه على انه"يجب على المحكمين اتباع الاوضاع والاجراءات المقررة في قانون المرافعات الا اذا تضمن الاتفاق على التحكيم او أي اتفاق لاحق عليه اعفاء المحكمين منها صراحة او وضع اجراءات معينة يسير عليها المحكمون". وبذات الاتجاه اخذ المشرع المصري, اذ نصت المادة (39) فقرة (2) من قانون التحكيم المصري النافذ على انه"اذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هياة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى انه اكثر اتصالا بالنزاع".

وكذلك فعل قانون المرافعات الفرنسي النافذ, اذ نصت المادة (1054) فقرة (2) منه على انه"في حالة عدم اختيار الاطراف القانون الواجب التطبيق تفصل هياة التحكيم وفقا لقواعد القانون التي ترى انها ملائمة في القضية".

الفرع الثالث: تطبيق المحكم لقانون التجارة الدولية([70])

 قد يجد المحكم في عقود الاستثمارات الاجنبية نفسه مضطرا الى حل النزاع على ضوء قواعد من خلق العادات واعراف التجارة الدولية التي تستقل عن القوانين الوطنية, وذلك لقصور القوانين الوطنية واختلاف مفاهيمها اختلافا من شانه ان يعيق تقدم التجارة الدولية بصورة عامة والاستثمار الاجنبي بصورة خاصة, اذ انها تتميز بعدم اتساع مبادئها, اومستوى قواعدها, الا بقدر ما يتطابق مع العلاقات الداخلية([71]).

وقد اجازت العديد من القوانين الوطنية المتعلقة بالتحكيم للاطراف الذين يرغبون في عدم تطبيق قانون وطني اخضاع المنازعات التي يمكن ان تنشا فيما بينهم لاحكام قانون التجارة الدولية, اذ نصت المادة (1496) من قانون المرافعات الفرنسي على انه"على المحكم ان يضع في اعتباره في جميع الحالات العادات التجارية"بمعنى اخر ان النص الفرنسي قد اعطى مكنة اسناد التحكيم الى قانون التجارة الدولية.

كما قرر قانون التحكيم المصري ذلك بموجب المادة (39) فقرة (3) التي نص فيها على ان"يجب ان تراعي هياة التحكيم عند الفصل في النزاع شروط حل النزاع والاعراف الجارية في نوع المعاملة".

اما بالنسبة للقانون العراقي فنلاحظ انه لم يوجد حكم خاص حول القانون الموضوعي الذي يتوجب على المحكم تطبيقة على النزاع المعروض امامة, مما يقتضي الرجوع للقواعد العامة في تنازع القوانين التي تقضي بتطبيق قانون ارادة الاطراف على العلامة التعاقدية, وفي حالة عدم الاتفاق على تطبيق قانون معين يطبق قانون الموطن المشترك, واذا اختلف يطبق المحكم قانون مكان ابرام العقد([72]).

والجدير بالملاحظة في هذا الشان هو تنوع مصادر قواعد التجارة الدولية اذ تختلف باختلاف مجالات التجارة الدولية, الا انها في عقود الاستثمارات الاجنبية قد تقتصر على الاتفاقيات الدولية وشروط العقد محل النزاع والعادات والاعراف التجارية في مجال الاستثمار الاجنبي([73]).

اذ تعد الاتفاقيات الدولية مصدرا مهما من مصادر قانون التجارة الدولية التي يطبقها المحكمون في مجال المنازعات الاستثمارية, بوصفها تشريعات دولية, وان لم تكن ملزمة الا للموقعين عليها, الا ان هدفها الاساسي هو انشاء قواعد مقبولة عالميا لتنظيم التجارة الدولية للاستثمار الاجنبي كما هو الحال في المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بواشنطن الذي يتخصص في نظر المنازعات التي تنشب بين الدول المتعاقدة والمستثمرين الاجانب([74]).

وكذلك بالنسبة لشروط العقد محل النزاع التي لاتحتاج من المتعاملين سوى التوقيع عليها لتصبح ملزمة لهم([75]).

اما العادات والاعراف فهي ناتجة عن تكرار المستثمرين لعادات معينة تتميز بالخصوصية المهنية التي تكون اعراف مستقرة بمرور الزمن يلجأ اليها المحكم في عقود الاستثمارات الاجنبية بوصفها ثمار الممارسات الاستثمارية المهنية المتخصصة حتى لو تعارضت مع نص قانوني غير امر, على اعتبار ان المحكم لايستمد اختصاصه من قانون وطني معين اذ انه يعمل بدون اختصاص وطني محاولا صياغة قانون خاص به([76]).

ومن الاحكام القضائية في مجال منازعات الاستثمار التي طبقت فيها الاعراف التجارية, الحكم القضائي بصدد العقد الذي ابرم بين شركة البانية واحدى الشركات في زيورخ لتكون وكيلة بالعمولة لها في تسويق منتجاتها من الخضروات عام 1982, وكان العقد يتضمن شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية باريس ومكتوبا باللغة الفرنسية, بيد ان المتعاقدين قد اغفلا النص على القانون الواجب التطبيق صراحة, ونظرا للخلاف الحاصل بين الطرفين حول تسليم الثمن مع الفوائد والمصاريف فقد عرض النزاع على هيأة التحكيم التي كان عليها تحديد القانون الواجب التطبيق, اذ قررت تطبيق قانون وعادات بلد القانون السويسري وهذا يتفق مع ما أعلنت عنه الشركة الألبانية بتطبيق القانون الذي تراه هيأة التحكيم معقولا([77]).

المطلب الثاني: الإجراءات الشكلية اللازم إتباعها في اتفاق التحكيم في عقود الاستثمارات الأجنبية

بعد ان نبدأ اجراءات التحكيم وذلك من خلال تقديم طلب التحكيم من اطراف عقد الاستثمار الاجنبي لتشكيل هيئة التحكيم وتحديد المهمة الملقاة على عاتق المحكمين, عندها يبدأ نظر العملية التحكيمية بواسطة المحكم أو هيئة التحكيم في عقود الاستثمارات الاجنبية التي تحقق ادلتها واسانيدها في مواجهة الاطراف لتكوين عقيدتها ورأيها من اجل الفصل فيها. والاصل ان يبدأ النظر في العملية التحكيمية في عقود الاستثمار الاجنبي في حضور الاطراف او في الغالب في حضور ممثلين من اختيارهم, ولكنها في بعض الاحيان قد تسير في غياب الطرف الذي اقيمت عليه, اذ قد يرفض المشاركة في الاجراءات, وهذا وقد يتغيب الطرف الذي اثار النزاع الاستثماري مهملا العملية التحكيمية([78]).

اذ تجري في الحالة الاولى اجراءات التحكيم في عقود الاستثمارات في مواجهة الاطراف, او غالبا في مواجهة من ينيبه الاطراف في تمثيلهم في الاجراءات, اذ لايوجد في الاتفاقيات سواء تلك المتعلقة بالتحكيم بصورة عامة او نزاعات الاستثمار الاجنبي بصورة خاصة او القواعد الوطنية التحكيمية مايمنع اطراف التحكيم في عقود الاستثمار من تعيين ممثلين ينوبون عنهم في العملية التحكيمية في المجال الاستثماري ومن ثم هم يملكون ايضا الحرية الكاملة في تعيين ممثلين ينوبون عنهم في الحضور امام تلك الهياة, وذلك احتراما لحقهم في الدفاع عن انفسهم وهو حق ثابت وجوهري من حقوق اطراف التقاضي والتحكيم([79]).

هذا ولاتوجد قيود على الاشخاص المختارين من قبلهم كممثلين اذ لايشترط توافر صفات معينة في من يعمل ممثلا لاحد الاطراف امام هيئة التحكيم, فيجوز ان يكون محاميا او مستشارا او قانونيا او أي شخص اخر ممثل تمثيلا صحيحا من اطراف العملية التحكيمية, ولكن ينبغي فقط على الطرف الراغب في تعيين من يمثله امامها ان يعلن عزمه هذا الى الطرف الاخر في وقت يسمح له أيضا بتعيين ممثل اذا اراد الاخير ذلك, ومن ثم فان اغفال هذا الاعلان يجعل معه الحق للطرف الاخر ان يطلب من هيئة التحكيم التأجيل في نظرها وعليها الموافقة والا فان الرفض قد يرتقي الى مخالفة القانون([80]).

هذا وفي بعض الاحيان قد يقف المدعى عليه موقفا سلبيا ممتنعا عن الرد على مطالبة المدعى بالتحكيم في الاستثمار رافضا المشاركة في العملية التحكيمية ساعيا وراء التملص من التزامه باتفاق التحكيم واضعا عقبة في طريقه, وهنا فانه من حق المحكم او هيئة التحكيم في عقود الاستثمارات الاجنبية ان ترد عليه قصدة والا تتوقف الاجراءات التحكيمية الاستثمارية بل تستمر في السير فيها حتى اصدار حكم التحكيم في غياب المدعى عليه المتخلف وهذا الحق مقرر في القوانين التحكيمية.

وتطبيقا لذلك جاء القانون العراقي بنص عام يشمل كلا الطرفين, اذ نصت المادة (266) من قانون المرافعات المدنية على انه"يفصل المحكمون في النزاع على اساس عقد التحكيم او شرطه والمستندات وما يقدمه الاطراف لهم وعلى المحكمين ان يحددوا لهم مدة لتقديم لوائحهم ومستنداتهم ويجوز لهم الفصل في النزاع بناءا على الطلبات والمستندات المقدمة من جانب واحد اذا تخلف الطرف الآخر عن تقديم ما لديه من اوجه الدفاع في المدة المحددة".

وكذلك قررت المادة (34) فقرة (2) من قانون التحكيم المصري النافذ من انه"يجب على المدعى عليه الرد بمذكرة بدفاعه خلال المدة المقررة اتفاقا, او التي تعينها هيئة التحكيم, فاذا تخلف عن ذلك وجب على هيئة التحكيم الاستمرار في الدعوى التحكيمية".

اما القانون الفرنسي فلم يشر الى مسالة تخلف المدعى عليه من المشاركة في العملية التحكيمية, ولعل السبب وراء ذلك يكمن في نية المشرع الفرنسي في عدم اعتبار تخلف المدعى عليه عن المشاركة في الاجراءات التحكيمية دليلا على صحة ادعاءات المدعي, بل ان على المحكم ان يمارس مهمته الملقاة على عاتقه كما لو كان حاضرا من دون التأثر بوجهات نظر المدعي, وهذه المهمة هي الفصل في النزاع عن طريق فحص الادلة والوثائق والمستندات والتحقيق في الوقائع سواء عن طريق جلسات مختصرة او عن طريق جلسات متعددة ومطولة حتى يصل في النهاية الى حكم تحكيمي اكثر مراعاة للدقة والعدل.

اما في حالة  تخلف المدعى في منازعات الاستثمار الاجنبي او مستشارية عن الحضور فانة يترتب على ذلك عدم قدرة المدعى علية عن مواصلة السير في العملية التحكيمية, وذلك لعدم علمة فيما اذا كان دفاعة سيؤتى ثمارة ام لا ومن ثم اذا تخلف المدعى ومن ثم المدعى علية عن متابعة سير العملية التحكيمية في هذه المنازعات فللمحكم او لهيأة التحكيم سلطة الحكم بالالغاء الاجراءات التحكيمية, اذ يعد هذا التخلف من المدعى بمثابة تنازل عن اتفاق التحكيم الذي ابرمة ومن ثم لايجوز له المطالبة بحقة عن طريق التحكيم ثانية([81]).

ولعله من نافلة القول انه لايتقيد المحكم او هيأة التحكيم في عقود الاستثمار الاجنبي اثناء المرافعة بالقواعد المعمول بها امام المحاكم الوطنية, بل يمتلك سلطات واسعة عند عدم اتفاق الاطراف على القواعد الواجبة الاعمال التي تمتد لتشمل مسائل الاثبات, اذ يمتلك المحكم سلطة الموازنة بين مختلف الوسائل المقدمة والتقرير حول مدى صحة الدليل وجدواه بالنسبة للقضية المنظورة من اثبات بالوثائق والمستندات او بشهادة الشهود, او باجراء معاينة, او بانتداب خبير, كما قد يرى في اطار التعاون مع المحكمة القضائية المختصة اصدار امر باتخاذ اجراءات وقتية او تحفظية تأمينا لتنفيذ حكم التحكيم في عقود الاستثمارات الاجنبية المنظر اصداره([82]).

وعلى المحكم ان يطبق القواعد الموضوعية والاجراءات الشكلية في القانون المتفق عليه مالم يتفق الخصوم على اعفاءه من هذه الاجراءات, الا ان السؤال الذي يمكن ان يثار هنا هو : أي من الاجراءات الشكلية التي يجب على المحكم تطبيقها ؟ فهل هي الاجراءات المتبعة امام المحكمة ذات الدرجة الاولى او المحكمة ذات الدرجة الثانية على اعتبار ان الدعوى التحكيمية تبدأ بالطريقة نفسها التي تبدأ بها الدعوى القضائية ؟

فبالنسبة للتشريع العراقي وازاء عدم وجود ادنى اختلاف في الاجراءات الشكلية المتبعة امام المحاكم العراقية سواء اكانت هذه المحاكم من الدرجة الاولى كمحاكم البداءة, ام من الدرجة الثانية كمحاكم الاستئناف هذا من ناحية, واذ ان التشريع العراقي ينص على ان قرار المحكم لاينفذ مالم تصادق عليه المحكمة المختصة اصلا بنظر النزاع, الامر الذي يفهم منه انه على المحكم والخصوم اتباع اجراءات المحكمة المختصة بنظر النزاع.

الخاتمة

  1. لاحضنا تباين تعريفات الفقه للاستثمار الاجنبي دون ان يفلح احداها في ان يكون تعريفا جامعا مانعا, وعليه قد يكون من الاصح عدم التعويل على أي من هذه التعريفات كاطار محدد لظاهرة الاستثمار, اذ ان الاستثمار ليس بالواقعة الاقتصادية او القانونية المحددة, بل انه يمثل في الواقع مفهوما متغيرا ومتطورا يتغير ويتطور بتطور الظروف والاوضاع الاقتصادية على المستوى الدولي, فهو مفهوم عام قد يضيق وقد يتسع حسب ظروف البلد السياسية والاقتصادية.
  2. لقد تبين لنا ان المشرع العراقي قد تبنى المفهوم المرن في تعريف الاستثمار لكونه لم يحدد مجالات الاستثمار في قانون الاستثمار النافذ رقم (13) لسنة 2006 وذلك طبقا للمادة (1\ن) التي نصت على ان الاستثمار هو"توظيف المال في أي نشاط او مشروع اقتصادي يعود بالمنفعة المشروعة على البلد".
  3. لقد رأينا ان طريقة التعداد الحصري للاموال المستثمرة الخاضعة للحماية التشريعية لاتنسجم مع المرونة اللازمة من اجل مواكبة التطور العلمي والتكنلوجي, فضلا عن ذلك فان المشرع مهما احتاط فانه لايستطيع ان يستوعب جميع صور الاموال المستثمرة.
  4. لقد امكننا ان نحدد تعريفا شاملا لعقد الاستثمار الاجنبي بالاتي وهو    "عقد تبرمه الدولة المضيفة للاستثمار مع طرف اخر اجنبي سواء اكان طبيعيا او معنويا عاما او خاصا بموجبه تنتقل رؤوس الاموال الاجنبية والخبرات الادارية والفنية وادوات التقدم التكنلوجي المتطور مقابل حصول المستثمر الاجنبي على المواد الاولية والاعفاءات الضريبية واجرة الايدي العاملة وتكاليف نقل قليلة وارباح كبيرة".
  5. اتضح لنا ان مبدأ استئثار هيأة التحكيم بتسوية النزاع من شانه ان يحقق الفاعلية لعملية التحكيم, اذ انه يكفل استقلال هيئة التحكيم بنظر النزاع دون ان تتدخل معها في ذلك أي جهات قضائية.
  6. لقد ايدنا الاتجاه الفقهي الذي يقول بان اتفاق التحكيم الذي قبلته الدولة يجب ان يمتد في اثاره ليشمل تنفيذ حكم التحكيم لكون ان اتفاق التحكيم الذي تورده الدولة في عقودها مع المستثمرين الاجانب يفيد تنازلها عن حصانتها ضد تنفيذ حكم التحكيم, واذا كانت تنوي غير ذلك فانه يتعين عليها التأكيد منذ البداية على تمسكها بهذه الحصانة ضد تنفيذ حكم التحكيم.

كما اننا اتفقنا مع الاتجاه الفقهي الذي يشترط وجود إرادة صريحة ومؤكدة بشان تحديد القانون الذي يحكم اتفاق التحكيم في مجال منازعات عقود الاستثمار الاجنبي وذلك تفاديا لاي لبس او غموض قد يثور في حالة الاخذ بالارادة الضمنية لاطراف النزاع.

 

([1]) ابن منظور , معجم لسان العرب , مجلد الاول , دار بيروت للطباعة , لبنان , 1956 , ص 273.

([2]) د. حاتم فارس الطحان , الاشتثمار اهدافه ودوافعه , بحث منشور في مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة , العدد الرابع عشر , كانون الثاني , 2007 , ص 18.

([3]) منير البعلبكي , المورد , قاموس انكليزي عربي , دار العلم للملايين , بيروت , 2006 , ص 479

([4]) د. محمد علي رضا الجاسم القواعد الدولية في الاقتصاد الدولي , الطبعة الثانية , بيت الحكمه , بغداد ,1967 ص36.

([5]) د. حاكم محسن محمد , تحليل البيئة الاستثمارية للاستثمار المالي الاجنبي في العراق , بحث منشور عن جامعة أهل البيت"ع", العدد السادس , السنة الثالثة , تموز , 2008 , ص 26.

([6]) د. صفوت أحمد عبد العظيم , دور الاستثمار الاجنبي في تطوير احكام القانون الدولي الخاص , دار المطبوعات الجامعية , الاسكندرية , 2005 , ص 20.

([7]) د. جميل الشرقاوي , المقاصد الاساسية في الاقتصاد الدولي , ط 2 , بيت الحكمة , بغداد , 1967 , ص 63.

([8]) نقلا عن : د. دريد محمود السامرائي , الاستثمار الاجنبي المعوقات والضمانات , ط 1 , بيروت , 2006 , ص 50.

([9]) نقلا عن : د. صفوت احمد عبد الحفيظ , مصدر سابق , بند 11 , ص 22.

([10]) المصدر نفسة , ص 22- 23.

([11]) صدر هذا القانون عن مجلس قيادة الثورة المنحل بتاريخ 22/11/2002 ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (3959) في 2/12/2002 وقد الغي هذا القانون بموجب المادة (35) من قانون الاستثمار النافذ رقم (13) لسنة 2006.

([12]) ينظر الفقرة (3) من القسم الاول من الامر رقم (39) الصادر عن سلطة الائتلاف والمنشور في جريدة الوقاءع العراقية العدد 3980 في اذار سنة 2004.

([13]) نشر في جريدة الوقائع العراقية في العدد 4031 في 17 كانون الثاني 2007.

([14]) كالقانون تشجيع الاستثمار الفلسطيني رقم (1) لسنة 1998 حسب نص المادة (1) منه , وكذلك قانون تنظيم راس المال الاجنبي الذي صدر في قطر برقم (13) في سنة 2000 حسب المادة (2).

ينظر مجموعة التشريعات الاستثمارية العربية منشورة على شبكة الانترنيت.

http / www.Arifonet.dataladil.investement countries.html

([15]) انظر للمادة (1-2) من القانون اعلاه وهو النهج ذاته الذي انتجته قانون استثمار رؤوس الاموال الاجنبية الليبي رقم 5 لسنة 2006 في م 8 منه , وكذلك القانون الكويتي للاستثمار رقم (8) لسنة 2001 في المادة (1,2) , ينظر هذه القوانين على شبكة الانترنيت.

http / www.Arifonet.dataladil.investement countries.html

 

([16]) د. احمد حسين جلاب , النظام القانوني لعقد الاستثمار , اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق , جامعة النهرين , 2006 ص11.

([17]) د. عصام الدين القصبي , خصوصية التحكيم في مجال منازعات الاستثمار , دار النهضة العربية , القاهرة , 1993 ,ص6.

([18]) نقلا عن د. بشار محمد الاسعد , عقود الاستثمار في العلاقات الدولية الخاصة , منشورات الحلبي الحقوقية , بيروت , 2006 , ص 13.

 

([19]) اشار الى ذلك : د. صفوت احمد عبد الحفيظ , مصدر سابق , ص32.

([20]) د. بشار محمد الاسعد , مصدر سابق , ص 40.

([21]) نقلا عن"د. صفوت احمد عبد الحفيظ , مصدر سابق , بند 19. ص 33.

([22]) د. عبد السلام ابو قحف , اقتصاديات الاستثمار الدولي , ط 2 , بلا مطبعة ومكان طبع , 1991 , ص21.

([23]) نقلا عن : د. صفوت احمد عبد الحفيظ , مصدر سابق , ص36.

([24]) د. بشار محمد الاسعد , مصدر سابق , ص 39-40.

([25]) د. صفوت احمد عبد الحفيظ , مصدر سابق  ,بند 32 , ص49.

([26]) د. منصور فرج السعيد, النظام القانوني للاستثمار الاجنبي في ظل قانون الاستثمار الجديد (دراسة قانونية اقتصادية مقارنة), بحث منشور من مجلة الحقوق, تقرير مجلس النشر العلمي, جامعة الكويت, العدد الثالث, السنة السابعة والعشرون, ايلول, 2001, ص333.

([27]) العلامة ابن منظور, معجم لسان العرب, دار بيروت للطباعة, لبنان, 1956, ص688.

([28]) سورة النساء, الاية (65).

([29]) نقلا عن : د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص347.

([30]) خالد عزت المالكي, التحكيم, مؤسسة النوري للطبع والنشر, دمشق, 2003, ص25.

([31]) د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص346.

([32]) انظر قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة 1994.

([33]) انظر قانون المرافعات الفرنسي رقم 500/81 الصادر في 12/5/1981 والمنشور على الموقع الالكتروني :

Http : WWW.JUS.UIO.NO IM FRANCE.arbtration.code.of.civil.proced.hurr.1981/doc.

([34]) انظر قانون التحكيم الاردني لعام 2001.

([35]) لمزيد من التفصيل انظر : د.محمود السيد عمر النعيوي, اتفاق التحكيم وقواعده, دار الفكر الجامعي, الاسكندرية, 2002, ص74.

([36]) انظر م.1 من القانون.

([37]) انظر م 1442 من القانون.

([38]) د. ابراهيم احمد ابراهيم, التحكيم الدولي الخاص, ط2, دار النهضة العربية, القاهرة, 1997, ص89.

([39]) المصدر نفسه, ص90.

([40]) انظر م 1057 من قانون المرافعات الهولندي.

والمادة 22 من قانون التحكيم الاردني رقم (31) لسنة 2001.

المادة 61 من قانون التحكيم التونسي رقم (42) لسنة 1993.

([41]) اشارت الى هذه القرارات القضائية د. حفيظة السيد الحداد, الموجز في النظرية العامة للتحكيم, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, 2007, ص22.

([42]) سراج حسين, التحكيم في منازعات البترول, منشأة المعارف, الاسكندرية, 2004, ص361.

([43]) د. عبد الباسط عبد الواسع, النظام القانوني لاتفاق التحكيم, ط1, المكتب الجامعي الحديث, الاسكندرية, 2005, ص91.

([44]) انظر ملخص هذه القضية منشور في مجلة التحكيم العربي, العدد الاول, ايار 1999, ص143.

اشار اليه : د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص401.

([45]) نقلا عن : د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص401.

([46]): د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص401.

([47])د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص401.

([48]) اشار الى هذا القرار القضائي : حميد فيصل الدليمي, القانون الواجب التطبيق على مسائل التحكيم, اطروحة دكتوراه, مقدمة الى كلية القانون, جامعة بغداد, 2006, ص142.

([49]) د. احمد ابو الوفا, التحكيم الاختياري والاجباري, ط5, منشاة المعارف, الاسكندرية, 1988, ص131.

)[50](Delaume (G.R) : ICSID, Arbitration and the Courts, 1983, P.2784.

نقلا عن د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص418.

([51])مجلة التحكيم العربي, لاالعدد الاول, ايار 1999, ص143.

نقلا عن د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص418.

([52]) د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص385.

([53]) في هذا المعنى د. صفوت عبد الحفيظ, مصدر سابق, ص373.

([54]) د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص385.

([55]) د. ابراهيم احمد ابراهيم, التحكيم الدولي الخاص, مصدر سابق, ص121.

    د. حفيظة السيد الحداد, العقود المبرمة بين الدولة والاشخاص الاجنبية, ط1, دار التهضة العربية, القاهرة, 1996, ص278.

   د. عصام الدين القصبي, خصوصية التحكيم في مجال منازعات الاستثمار, منشاة المعارف, الاسكندرية, 1994, ص18.

([56]) د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص386.

([57]) د. بشار محمد الاسعد, مصدر سابق, ص388.

([58]) د. حفيظة السيد الحداد, العقود المبرمة بين الدولة والاشخاص الاجنبية, مصدر سابق, ص383.

([59]) اشار الى هدا القرار :د.سمير فرنان بالي,قضايا التحكيم في الدول العربية,ج1,منشورات الحلبي الحقوقية,بيروت,2008,ص112.

([60]) د. ابو زيد رضوان, الاسس العامة في التحكيم التجاري الدولي, منشاة المعارف, الاسكندرية, 2002, ص120.

([61]) تتلخص وقائع هذه القضية بقيام الشركة النمساوية واسمها (فلوج سرفيس) بعمليات رش القطن بالطائرات لمواسم (سنة 1984 و1985 و1986) واثناء اقلاع احد طياري الشركة في 9ايلول 1985 من مطار اسيوط فوجئ بسيارة بها مدير زراعة اسيوط تقطع ممر المطار بالعرض فحاول هذا الطيار تفادي الحادث بالتخلص من الحمولة من المبيدات فادى ذلك لصعود الطائرة بحدة ثم سقوطها في حقل يسار المهبط وتحطمت بالكامل واصيب الطيار, فطالبت الشركة النمساوية وزير الزراعة المصري بالتعويض بسبب خطا تابعي الوزارة الذي احدث الاضرار المادية التي لحقت الشركة وتتمثل في تحطيم الطائرة وفيما فاتها من كسب بسبب حرمانها من استغلال الطائرة في عمليات الرش عن المدة من 9/9/1985 وحتى 25/9/1987 وهو تاريخ انتهاء العقد, وفيما فاتها من كسب لعدم استغلال الطائرة في الرش لجمهورية السودان وفقا لعقد مبرم في 20 ايلول سنة 1985.

([62]) مشار اليه لدى: د. اشرف عبد العليم الرفاعي, التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية, دار الكتب القانونية, مصر, 2006, ص552.

([63]) نقلا عن : حميد فيصل الدليمي, مصدر سابق, ص76.

([64]) د. جمال محمود الكردي, القانون الواجب التطبيق في دعوى التحكيم, دار الجامعة الجديدة للنشر, الاسكندرية, بلا سنة طبع, ص78.

([65]) اشار اليه : د. صادق محمد الجبران, التحكيم التجاري الدولي وفقا للاتفاقية العربية للتحكيم التجاري لعام 1987, ط1, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, 2006, ص122.

([66]) د. محمود مختار احمد بديري, التحكيم التجاري الدولي, ط1, دار النهضة العربية, القاهرة, 2004, ص135.

([67]) د. جمال محمود الكردي, مصدر سابق, ص66.

([68]) د. هاني محمود حمزة, النظام الواجب الاعمال على العقود الدولية امام المحكم الدولي, ط1, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, 2008, ص255.

([69]) للتفصيل ينظر : د.ابو زيد رضوان, مصدر سابق, ص154.

([70]) يقصد بمصطلح قانون التجارة الدولية"مجموعة المبادئ والنظم القانونية المنتقاة من كل المصادر والتي غذت تدريجيا ولازالت تغذي الهياكل القانونية والسير القانوني بجماعة المتعاملين في مجال التجارة الدولية"

لمزيد من التفاصيل : د. هشام علي صادق, القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية, منشاة المعارف, الاسكندرية, 1995, ص222.

([71]) د. ابو زيد رضوان, الاسس العامة, مصدر سابق, ص166.

([72]) انظر المادة (24) من القانون المدني العراقي.

([73]) د. عاطف محمد الفقي, التحكيم في المنازعات البحرية, دار النهضة العربية, القاهرة, 2004, ص510.

([74]) د. جلال وفاء محمد, التحكيم بين المستثمر الاجنبي والدولة المضيفة, دار الجامعة الجديدة للنشر, الاسكندرية, 2001, ص13.

([75]) د. جمال محمود الكردي, مصدر سابق, ص144.

([76]) د. هاني محمود حمزة, النظام الواجب الاعمال على العقود الدولية امام المحكم الدولي, ط1, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, 2008, ص390.

([77]) د. محي اسماعيل, منصة التحكيم التجاري الدولي, ج1, بدون دار ومكان طبع, 1986, ص385.

([78]) د.مصطفى محمد الجمال ود. عكاشة عبد العال, التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة, ط1, منشاة المعارف, الاسكندرية, 1998, ص629.

([79]) د. عبد الحميد الاحدب, موسوعة التحكيم التجاري الدولي, ج2, ط3, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, 2008, ص4322.

([80]) د. نبيل اسماعيل عمر, التحكيم في المواد المدنية والتجارية, دار النهضة العربية, القاهرة, 2004, ص111.

([81]) د. اسعد فاضل منديل, التحكيم في قانون المرافعات العراقي, رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الحقوق, جامعة النهرين, 2002, ص154.

([82]) د. مصطفى محمد الجمال و د. عكاشة عبد العال, مصدر سابق, ص694.