تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 354
إلى صفحة: 365
النص الكامل للبحث: PDF icon 5-14.pdf
خلاصة البحث:

هذه دراسة أدبية، تحليلية لظاهر الحنين إلى الوطن في شعر أحمد الوائلي، ومن خلال حديثي تطرقت عن هذه المظاهر في حديث مركز إلى مفهوم الوطن والوطنية متمثلة بالحنين والتغني والمناجاة من وجهة النظر الأدبية، وخصوصاًً النصوص الشعرية التي مازالت حبيسة في الديوان، فاقدة حسها الفني المرهف وأبعادها الأدبية والشعرية، فلم تتحسها الأمة من هذا الجانب الوظيفي الذي هو الأساس في وجودها وفاعليتها بوصفها تمثل رمزا وطنياً سامياً ومثلاً أعلى يحرص عليه شاعرنا، وتومئ إلى تحريك وجدان الإنسان لملامسة عالم الفضائل النبيلة فضلا عن تحقيق الاستكمال الوطني الذي غايته الولاء للوطن. وبذلك أكون فتحت بابا جديدة في دراسة الجانب الوطني لشعر الوائلي، ومعالجة نصوصه الشعرية ومعالجة أدبية جديدة، تناسب رؤية العصر الحديث وروح المعاصرة.

البحث:

 

خلاصة البحث:

هذه دراسة أدبية، تحليلية لظاهر الحنين إلى الوطن في شعر أحمد الوائلي، ومن خلال حديثي تطرقت عن هذه المظاهر في حديث مركز إلى مفهوم الوطن والوطنية متمثلة بالحنين والتغني والمناجاة من وجهة النظر الأدبية، وخصوصاًً النصوص الشعرية التي مازالت حبيسة في الديوان، فاقدة حسها الفني المرهف وأبعادها الأدبية والشعرية، فلم تتحسها الأمة من هذا الجانب الوظيفي الذي هو الأساس في وجودها وفاعليتها بوصفها تمثل رمزا وطنياً سامياً ومثلاً أعلى يحرص عليه شاعرنا، وتومئ إلى تحريك وجدان الإنسان لملامسة عالم الفضائل النبيلة فضلا عن تحقيق الاستكمال الوطني الذي غايته الولاء للوطن. وبذلك أكون فتحت بابا جديدة في دراسة الجانب الوطني لشعر الوائلي، ومعالجة نصوصه الشعرية ومعالجة أدبية جديدة، تناسب رؤية العصر الحديث وروح المعاصرة.

Conclusion:

This is literary research, investigating the phenomena of inclination to the homeland in the poetry of Ahmad Alwa’ili. Through this research such phenomena is investigated in detailed through notions such as country, nationality represented by willingness and desire from a literary point of view; especially the poetic samples which are still confined in that diwan loosing its literary features so it is not recognized by the people from this side which is the essence of its occurrence because it represents a national symbol which aims at motivating the peoples thoughts to fulfill the aim of loyalty to one’s homeland.

By this the researcher tries to light a new gate aiming at studying the national side in the poetry of Ahmad Alwa’ili.

مقدمة البحث

بادئ ذي بدء يحسن بنا – ونحن بصدد الحديث عن مظاهر الحنين الى الوطن في شعر الوائلي – أن نقف عند المدلول اللغوي للفظة الوطن والصورة الاصطلاحيه لهذه اللفظة لنكون على بينة من المدلولين

لفظة (الوطن) في اللغة تعني مكان اقامة الانسان ومقره ولدَ به أم لم يولد.(1)

والوطن في الاصطلاح الحديث تعني:-القطر الذي ينتسب اليه المرء من حيث جنسيته أو تابعيته والوطنية هي:-ارتباط الفرد بوطنه وتعلقه به بوصفه مثوى آبائه وأجداده(2) ومن ثم فالمظاهر هي:- المعايير الفعالة المعبرة عن وعي لمفهوم الوطنية ,وتبيان ما أثارت من شعور وطني , وايقظت من موروثات ووجدت من شعور. ووجهت الى اهداف بعيدة الأثر في الحياة الوطنية. وهذه المظاهر لاتنشأ بمعزل عن قائلها وبيئتــه , ولا عن الحركة الفكرية والاجتماعة,ولا عن التطور العام الناشئ من الأحتكاك , وانما تأخذ كل هذا مثلما تمس غير هذا حتى تبدو لنا في هذه الصورة النابضة المشحونة بهذه الطاقة الدافعة,التى تجمع بين مجد الماضي , وجهاد الحاضر وامل المستقبل. لذلك كان طبعيا ان يعبر الوائلى عن هذه المظاهر المتعلقة بحب وطنه والمتمثلة بالحنين الى الوطن والتغني به على الرغم من مغادرته له , ومعاناته الطويلة , وعذاباته المستديمه ومرضه العضال ,

لن يفقد شاعرنا وفاءه وحبه لوطنه)فقد ظلت وطنيته متقده في نفسه وضميره ولا تخضع لأية شكوك حولها((3)ومن اجل هذا كان شعره الوطني من أكثر ما تطرب أليه النفوس ,وأحسن ما قاله.ولعل المرجاني لم يخطئه الصواب عندما وصف شعره بقوله:-) وإذا قرأت شعره تهتز النفوس طربا وخصوصا شعره الوطني ((4) وهذا دليل على نزعته الوطنية واستقامته خلقه, وطهارة مولده واثر من آثار البيئة العلمية والدينية التي نشأ فيها وتربى , وهو في مجموعة ينسجم مع شخصيته الوطنية ويتفق مع اتجاهه الوطني و الفكري. ولم لا يكون كذلك, وهو من أسرة معروفة بنزعتها الوطنية وبثقلها الاجتماعي في تأريخ الأسر النجفية,إذ فيها الوطني والأديب والشاعر والخطيب والمفكر والمصلح. وهو معدود في سلسلة من شعراء مدرسة النجف الكبار الذين عرفوا بنزعتهم الوطنية , تلك هي مدرسة محمد رضا الشبيبي واحمد الصافي ألنجفي ومحمد مهدي ألجواهري ومحمد سعيد الحبوبي والشيخ علي الشرقي والفرطوسي و اليعقوبي. ولو أمعنا النظر في قصائده الوطنية , لوجدنا بوضوح تام ما امتازت به من عمق الحـــس الوطني وكأنه يشير إلى أن الوطنية تشكل احدى ارفع القيم في النتاجات الشعرية ومن - هنا – كان قد وعى نفسه ,على نحو عميق ,شاعرا وطنيا مرتبطا بوطنه ,لا يستطيع الانعزال عن هذا الارتباط ما استطاع الى ذلك سبيلا وقد ذكره المرجاني بقولـــه:-) وهو معروف بنزعته الوطنية((5)

ولذلك كثر حديثه عما يصور غربته , ويصح ان نقول ان معجم الوائلي هو معجم كل وطني مبتلى وقع في مثل غربته , فأننا نلحظ في شعره كثرة العبارات والألفاظ من مثل:- موطني , بلدي ,الرملة السمراء,بلدي الحبيبة,الغُربة,الحنين,ضفاف الفرات ,شرق , غرب , جرف الفرات , بغداد, وادي الغري (النجف العزيزة) نينوى, سومر, بابل,الخورنق , لهيب مشاعر, وطني,اور, سرجون, حمورابي. وما إلى ذلك من الفاظ و تعابير تمثل نزعته الوطنية ,وهي الفاظ دلت من دون ريب على الحالة الشعورية التى تنتاب الوائلي نحو وطنه ولا يهم اذا كان هذا الوطن صحراء جرداء لا ماء فيها ولا نبات أنما المهم الارض التي انجبته- فكيف وهو ابن الفراتين وارض السوادين,فترعرع عليها وشب فيها وله في بيئتها المتواضعة ذكريات الطفولة واحلام الصبا ,وهو ما يشده اليها ويجعله يخصها بحبه وولائه ووفائه ,وهي مشاعر وطنية نبيلة حتى يحملنا على الإعجاب بها , وقيم للانسان المطبوع على رعاية الود وحفظ الجميل. وغالبا ما كانت هذه الالفاظ رقيقة غنية الايحاء في نفس الوائلي,أثيرة المحتوى ,لأنها حملت إحساسه الوطني , ولكونها جاءت عفوية منبثقة من معاناة نفسية واجتماعية عاشها الوائلي جراء الاغتراب والشعور بالمرارة والألم لغربته, فضلا عن امتلالها القدرة على صياغة الوجدان الوطني لدى الإنسان العربي , ولذا نجد الوائلي دائم الحنين إلى وطنه ليخفف من تلك الآلام والعذاب النفسي الذي يعاني منه.وقد هدتني دراسة النصوص الشعرية الى تقسيم مظاهر الحنين في شعره على مظاهر ثلاثة هي:-

الحنين إلى الوطــن:-

جاء في لسان العرب الحنين:-الشديد من البكاء و الطرب, وقيل:-هو صوت الطرب كان ذلك عن حزن أو فرح.

والحنين:-الشوق وتوقان النفس والمعنيان متقاربان.وجفت الإبل:-نزعت إلى أوطانها وأولادها,والناقة تحن في اثر ولدها حنينا تطرب مع صوت , وقيل حنينها نزاعات بصوت و بغير صوت والأكثر إن الحنين بالصوت وتحتنت الناقة على ولدها :- تعطفت(6).

وقد اتخد الحنين قبمة وطنية ترمز إلى الوطن , والشوق للإنسان , فامتزجا وصارا كلا موحداً يعني الوطن وسا كينة, ومما يؤكد حب الأوطان والحنين لها قول الله عز وجل حين ذكر الديار يخبر عن مواقعها في قلوب عباده , فقال:-( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا نفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه الا قليل منهم )(7) , فسوى بين قتل انفسهم وبين الخروج من ديارهم.(8) ومما جاء عن الحنين الى الوطن في الاقوال الماثورة:- اذا شئت ان تعرف وفاء الرجل , وحسن عهده , وكرم اخلاقه, وطهارة مولده , فانظر الى حنينه الى اوطانه,وتشوقه الى اخوانه, وبكائه على ما مضى من ازمانه.(9)

فأحب الوائلي الأرض التي عاش فيها سواء أكانت قاحلة أم منبتة ,جميلة ,لأنها رافقت عهداً من عهود حياته وعرفت شطرا من أيام عمره ,فحن إليها وهو بعيد واشتاق اليها وهو غريب ,فأنشد فيها شعره حنينا وحرقة , وامتدح فيها الخيروالبركة والنعيم وهي كذلك حقـــا.

والوائلي لايخفي مشاعر الحنين إلى وطنه الذي يمثل دار احبته وطفولته وشبابه:-

وطنــي وأفلاذي ودار حبائبي
 

 

وطفولتي في لبوها وشبابي (10)
 

ويبقي حنين الوئلى يحمل دلالات الوفاء سجية,ويحاول ان يخفف وقع الحنين على نفسه,فيخاطب وطنه بأن يبعث قليلا من شذاه , فهو جزء من ترابه:-

يا كل اهلي والحنين سجيــة
ابعث قليلا من شذاك فانـــــي
أنا بعض تربك بُنت عنه برهة
 

 

للكـل تسكن فطـــرة الاجــزاء

استاف عطر رمالك العفـــراء
وغدا يطـول لدى ثراك ثوائي(11)
 

ولم تكن صور الوطن وحدها التي تثير فيه مشاعر الشوق والحنين , فصور حسن الرمال السمراء, والقباء الشماء, ومحاريب العبادة والتقى , وما كان له فيها من هوى يجذبه اليه هي الأخرى كانت تبعث فيه تلك المواجــــع:-

وادي الغري وحق رملك وهو مـا
لو تستبين على العباد مشاعــري
وصبابتي وانأ العصي عن الحمى
لحزنت لي ولحـــن رملك مثلمـا
فأنا أبنكِ البر الوفــــي و فطــــرة
اتــرى وطيفكِ يستبـــد بمقلتي
فانــا لهيب مشاعر وصبابـــة
الى محاريب العبـــــادة والتُقــــى
وببطن تربك لــــي جذور اوغلـت
 

 

اشتاقة في غدوتــي ومسائــي
ملهوبة كالجمـر في الظلمـاء
وبمقلتــــي تلفـــــت الغربـــاء
ضـــج الحنين بأدمعي ودمائـي
عطـف الأب الحاني على الأبناء
انســاكِ لا ورمالك السمـــراء
تواقــــــــــــة لقبائك الشمــــاء
ولخشعـــة من راهب بكــــــاء
من اعظم الأجـــداد والأبنـــــاء(12)
 

ومثل هذا الاحساس نجده ونشعر به في قولـــه:-

فــداء رمالك لا تقطعـــــــي
فانــــي بإيحائه والـــــرؤى
ساهفـو لرملك وسط الجنان
واجثــــو لديك وهل مر في
 

 

حديثك للعين والمسمــع
اهـوم في عالــــم ممتــع
وان كنت في وسط بلقع
رحابـك فكر ولم يخشـــع(13)
 

ويتخذ الحنين الى الوطن مسارا يتخفى الوائلي تحت مسماه الاصلي , متمثلا بحنينة الى احبائه , وشكواه قسوة الغربه:-

احباي ما اقسى على البعد غربتي
ومن فقد الاتراب عاش بغربــــــة
 

 

واعنف وقع الحزن ممااصور
وضاق به ما كان بالامس يكبر(14)
 

ويسلك الوائلي السبيل نفسه متواريا خلف صديقه ليعلن حنينه:-

يوم كنا برملة النجف السمراء
صبحنـا لو ذكـرت فكر وعلم
يا حنينـــي لــــه فرب فقيــــــــر
 

 

عوداً لوت صباه الدبـور
ومسانـا طرائـف وسمير
يتمنى حياته سابـــــــور(15)
 

وكني الوائلي عن حنينه برفيقة عمره حينما رثاهـــــــــا:-

هنيئـــاً بمثواك الكريم بتربــــــــة
دفنت به اهلي و رهطـي فكلهـم
سأبقى إلى أن نلتقي بثرى الحمى
 

 

بحيث مجير جاره لايسلــم
لدى تلعات بالغرين نــــوم
وقلبـــي لصيق بالتراب متيم(16)
 

فلا غر وان نجد من الامثلة الشعرية الاخرى , التي تفيض وجداً ينساب متدفقا من وجدان الوائلي , وتزخر بالاحساس اللاعج الذي يعتصر القلب اعتصاراً ويكاد يُشير العبرات في العيون ومثل هذا الاحساس نجده ونشعر به في قولــــه:-

فـؤادي رعاك الله اتعبك الســرى
ارح واسترح فالضرع جف ولم يعد
 

 

وشرق فيك الأنتجاع وغربا
به من بقايا الدر شي ليحلبا(17)
 

وقولـــــه:-

جلالي اترابي واهلي ومعشري(18)
 

 

وفاء ا و إشراقا ووجها مؤشيا
 

وقريب من هذا المعنى قوله:-

حنيني الى وادي الغري وقبــــــة
عليها لعاب الشمس تبر وتحتها
فلا زلت يا وادي الغري خميلـة
 

 

يغازلها نجم السما ويلاعـــب
ائمة عرفان وحبر وراهــــب
تمر عليها الفاديات السواكب(19)
 

ومن هنا نلمس أن الحنين عند الوائلي قيمة وطنيه عليا تتمثل بوفاء الوائلي وحبه حتى اتسم حب الأوطان بالوفاء لأنه ثابت لاسبيل الى تغيره في قلب المحب , ولولا هذا الحب لهجرت البلدان وخربت, حتى قال النبي محمد 6:- لولا حب الوطن لخربت بلاد السوء(20), وقيل لولا حب الناس الاوطان لخسرت البلدان(21), وحب الوطن من طيب المولد (22) , وبحب الاوطان عمرت البلدان (23).

التغني بحب الوطن:-

ليس التغني بحب الوطن غريبا عن الوائلي.فهو عاطفه ملتصقة بالوجدان ,ومناجاة تنشد فيها حب الوطن ومن فيه وما فيه رائقة تعانق ما في الوطن من جمال وما فيه من احلام فتستهوى النفس فلا تملك غير الهيام الطافح , والوائلي يزيدنا تغنياً في اسباب حب الوطن مبيناً العلة التي يحب لها الوطن:-

ولي وطن فيه اذوب وصببية

 

بنيتهم من ادمعي ودمائي (24)
 

والتغني بالوطن كقيمة وطنية عليا ولا تعدو أن تكون عاطفة ولكنها عند الوائلي تبدو احيانا وكانها الهام يستيقظ دونما سبب واضح وتتسع حتى لتوشك أن ترى تراب الأوطان ربيع اخضر ويظهر هذا الإحساس النبيل في قوله:-

تـــراب اوطاني ربيع اخضر
صافحته بالخد عند ولادتي
 

 

ولو أنها في بلقع جـــــــرداء
ورسمت منه بجبهتي طغرائي(25)
 

وقريب من هذا المعنى قوله:-

يا سحر شلال الأصيــل بموطنـــي

ويطاح ناعمة الرمـــال صعيدهـــا

 

والأفـــق يلبس منـــــه أي رداء
سمـــــــوه يوما وجنة العـــذراء(26)
 

وهو يزيد على التغني بالوطن ما فيه من جمال الطبيعة , و الطبيعة لا شك أنها التجسيــد الحـــي للجمال ومصدر من مصادره الذي أودعه الله سبحانه وتعالــــى في هذا الكــون , وعشـــق الوائلي للجمال نابـــع من خلال تجربته النفسية وهذا يرجع إلى الإحساســـــات الجمالية التي يتمتع بها , وكان هذا الاحساس ذا اثر عظيم في استظهــار القيم الجمالية متمثلة بالوطن وما فيه من جمال (جداول عذبه , ملاعب للسنا,النخيل السامقات, مواويل تلهب, سجع البلابل, مطارح العصفور,الشجيرات الخضيلة)

فلنستمع للوائلي ينشد أروع الشعر في جمال العراق, والوائلـي عراقي بحب وطنه ويعتزبسخاء الطبيعة عليـــه:-

بلدي جداول عذبة رقراقـــــة
رؤى السهــول العاريات ولفهــــا
فـإذا البقاع اليابســــات عرائــس
وإذا الروابي الجرد روض يزدهي
وإذا الشجرات الخضيلـــــة السن
 

 

جاد الفرات بها فأي عطــــــــاء

من خصبة وخضيلة بغـــــــطاء
مجلوة بملاءة خضــــــــــــــراء
بجنائن وسنابل شقــــــــــــــراء
شكـــرن ما للمــــــــاء من ألاء(27)
 

ويهيم الوائلي بالوطن , وهو يتغنى ببغداد ووصفها حيث رسم لها صورة يرى فيها زهو الربيع:-

بغداد يا زهور الربيع على الربى
يا الف ليلـــــة ما تزال طيوفــها
يا لحن (معبد) والقيان عيونــــها
 

 

بالعطــر تعبق والسنــا تتلــــــفع
سُــــمراً على شطان دجلة يمــتع
وصل كما شاء الهوى تمنـع(28)
 

ولم يغفـــل الوائلـي التغني بجمال نهر(الفـــرات) وكيف كــان وسيلــــة من وسائل بنـاء الحضارات ؟ وبذلك يعيد إلى الأذهان حضارة إنسانها العراقي من خلال ايراد الوائلـــي لمفردات وألفاظ منبثقة عن طبيعة الحضارة وخصوصا المفردات ذات الدلاله الحضارية. كمفردات ) نينوى, أور, سومر, بابل, سرجون, حمورابي , بانيبال, سميراميس, الخور نق (. ولم يكن استخدام الوائلي لمثل هذه المفردات استخداما اعتياديا و إنما حملها شحنــــات حضارية , وهي ألفاظ اومات من دون شك إلى الحضارات التي اختص وتميز بها وطنه دون غيــــره:-

ايها الأسمر المعســل يامـــــن
عشت تمشي بجنب دجلتك البيضــاء
تصنعان الحياة جسما و روحــــــــــا
في نسيج من المهارة و الإتقــــــــان
فإذا (نينوى) سـمت طاولتــــــــــــــها
اوزهت (سومر) بــروض خضيــــــل
وتلاقي (سرجون) جنب (حمورابي)
وعلى سفح (أور) حيث (سميراميس)
هكذا عاشــــت الفنون بواديـــــــــــــك
 

 

لا فاويقـــه التحيات تهـــدى
عبـــــر السنين نــــدا ونــــدا
وتمدانهـــــا من الخصب مدا
يمتــاز صــورة ومــــــــؤدى
(أور) تبني من الحضـارة فندا
صنعت (بابـل) أغـض وأنـدى
إلــى(بانيبال) يبنون مـــــجدا
في شرفة(الخورنق)هنـــــدا
سمـــــوا وروعة لن تحــــدا(29)
 

ويتعدد التغني بحب الوطن ,عند الوائلي فهو بلد الفصاحة والسماحة والندى ومعرس الإبرار و أبو فوارس.وفي مثل هذه القيم التي يبدو استحضار التغني المتمثل بالحب فيها ضربا من استكمال عناصر الصورة الجميلة:-

بلد الفصاحة والسماحة والنــــدى
و أبو الفوارس لو سبرت كفاحهـم
 

 

ومعرس الإبرار و الفقهـــــــاء
لقرأت فخر ملاحم الهيجـاء(30)
 

ولا يرتضي شاعرنا أن يتغنى إلا بالفرات و ماءه, والنخيل الذي يناغيه الهوى ,فإنها مطالع الشمس يحبها. ولا ينسى دجلة الذي ان يسبى عيونه, والرمال هي الأخرى بأكناف الغري تنث عليها السحائب بالعبير:-

ولا ارتضي إلا الفرات وماءه
مطالع شمس بالفرات أحبهــا
ورمل بأكناف الغري مذهــب
 

 

ونخلا يناغيــه الهوى ويداعــــــب
وفي دجلة تسبي عيوني المغارب
تنث عليه بالعبيـــــر السحــــائب(31)
 

ويبدو ان استخدام مثل هذه الألفاظ:-(الفرات ,النخيل,دجلة,الرمال) لها إبعاد قيمة وطنية ووظائف اجتماعية.

وذلك من خلال ترسيخ المفاهيم الوطنية,و المثل الخلقية الرفيعة المتمثلة بالوفاء للوطن والتغني به في نفوس أجيالنا,وان مثل هذه الألفاظ تدل دلالة قاطعة على شدة الالتزام بها بوصفها تمثل رمزا ساميا ومثلا أعلى يحرص عليه شاعرنا وان اقتران القيم الوطنية بتلك الألفاظ تؤمي إلى تحريك وجدان الإنسان لملامسة عالم الفضائل النبيلة فضلا عن تحقيق الاستكمال الوطني الذي غايته الولاء للوطن.وعلى هذا النحو كلما أمعنا النظر في ديوان الوائلي وجدناه يكتظ بمشاعر التغني بالوطن وما فيه , وقد دفعه ذلك الى استظهار جماله والتغني به غناء لا يجف معنية. ولايكون التغني بالربوع إعجابا بالحجر أو الصخر والماء والشجر و الجداول والنخيل, وإنما يكون لما ينعكس منها في النفس , وينسكب في الروح ويجري مجري الدم , فيتجسم الخيال , وتسمو كما يملى الحب. ناهيك لما تُشير في التغني المحبة والعزة , ويعمق الوجدان الوطني ويرفد بزخات وطنية تكمن أهميتها من عمق أثرها في صياغة الوجدان الوطني لأجيالنا العربية بوصفها المدخل المنطقي للمواطنة الصالحة.

مناجـــاة الوطن:-

المناجاة قيمة وطنية عليا ينشد فيها حب الوطن التي صاغ الحنين والشوق والرقة كلماتها ويمتزج فيها الإحساس العميق,والحب الصادق,وتتواصل فيها تنهدات العاشق, وتتلاحق أنفاس اللهفة ففي المناجاة تطمئن القلوب , وترتاح النفوس فيه ويرتاح البال , وهي نزعة إنسانية عريقة عرفتها الشعوب , واصل في تراثنا العربي , لما يعبر عنها من مشاعر جياشة ناجمة عن طبيعة الإنسان االعربي , وقميه الأخلاقية والإنسانية والروحية, والتي تحسسها الوائلي من خلال ايمانه بالوطن. واحسب أن مثل هذا الإحساس أنما يمثل قمة الشعور بالمواطنة. وكان من الطبيعي ان يجره حبه للوطن إلى مناجاته بما يمتزج فيها الإحساس المرهف , والحب النزيه وليست هذه غير عاطفه مبكرة تفضي إلى إيمان انعكس في ادبه منذ ان ظهرت بوادر شاعريته , ونحن نراها منبثة في ثنايا قصيدته الرائعة يتناول فيها (بغداد) وما لحق بها من جور الطغاة, وكيف كانت وكيف عادت اسماً ليس له معنى بعد أن اغتيل مجدها , فلا عندليب على غصن , ولا مواويل فلاح:-

بغــداد يا نبت كل الرافديــــــن بمــا
بثي لا ترابــك الإخبار واروي لهــا
قولي لهم كيف عدت اسما وليس له
لاعند ليب على غصن وسرب قطـا
ولا مــواويل فلاح يرندحـــــها
 

 

جادا وما أنقا منها وما خلقــــــــا
مانـــال معناك من جور ومالحقــا
معنى ومجدك كيف اغتيل أو محقا
يطارح الافق حتى يطرب الشفقا
ناي له يسكر الشاطــي اذا شهقا(32)
 

ومن خلال هذه المناجاة جسد القيم الوطنية , وجعلها المعبرة عن وعي لمفهوم المناجاة , وطبقا لهذه القيم وإعتزازت بها يقف شاعرنا سائلا بغداد:-

بغداد أين طيوف الأمس مترعة
بغداد اين سرايانا يرف لها نجم
بغداد اين كنوز الفكر نمنحهـــا
 

 

مجدا وتيه فتوحات وما نسقا
ويعشب إذ تجتـــاز رمل نقـــا
للفكر نهجا وللإبداع منطلقــا(33)
 

ولا ينسى ان يناجي بعد ذلك )مجالي الفرات( وما اوحت إليه , من دون ان ينسى آلاءه الغد , وماله من فضل عليه لايستطيع رده , بأسلوب فني رائع يدخل إلى أعماق النفس الإنسانية:-

يا مجالي الفرات شكرا فقد أوحييتِ
أنا سجلـت بعض ألائك الغــــــــير
ومن الشكر والوفاء بــــــــــــــاني
فانا منك ما استقــــيت ومــــــا
 

 

لي مـا رددتــه لك حمـــــــدا
ولم استطيــــع لفضــلك عدا
أتوخـــى لبعض فضــلك ردا
غذيت جسمي به وما أتردى(34)
 

ولنا بعد ذلك أن نتصور الاثرالذي يمكن ان تتركه مثل هذه النصوص الشعرية في الانسان وما يمكن ان تعمله في ايقاظ المشاعر الوطنية والعواطف , واحسب أن مثل هذه المظاهر الوطنية انما تمثل الزيادة الحقيقية التي هيأت الاذهان لظهور افكار وطنية تتخذ تُتخذ تلك المظاهر وسيلة إلى لم شعت الوطن وان لايصاب بمُثـله العليا و قيمه, و الوائلي بهذا انما يمثل قيمة الشعور بالمسؤولية وقيمة الشعور بالمأساة, كما صرح نفسة بذلك اذ قال:- (فان الأمم لا تصاب بمصيبة أعظم من مصابها بمثلها العليا وقيمها)(35) , من هنا أحس أن عليه دوراً ينبغي أن يؤديه مادام يملك هذا التأثير المباشر في هز مشاعر الناس , فإذا عجز عن الإثارة فلا اقل من أن ينبه أو يحمس أو يذكر, ولا اقل من أن يدعو نقسه الى الحنين والتغني والمناجاة, فراح يعرض لجيله و للأجيال اللاحقة عصارة هذه القيم, حتى تكون عاملاً هاما للتغير وحتى يهيئ الأذهان عقليا ونفسيا ويهز المشاعر الوطنية , في وقت بدأت فيه الموجات الو افده تفرغ الوطنية من محتواها, حينما بدأت العولمة الجديدة بفرض حضارة معينه على الحضارات الأخرى وإلغاء الآخر لذا كانت نظرات الوائلي الى الوطن مشبعة بمشاعر الكرامة الوطنية ومفعمة بالاحترام نحوه , واعد الوطنية الرابطة التي يمكن ان تستوعب كل من ينضوي تحتها بصرف النظر عن الاختلافــات و بهذا كان يعي مدى اثر تلك القيم فوضع نفسه في وسطها وفي دائرتها ليهيئ النفوس لتقبل مثل هذا الشعور المشترك مبتدءاً بالحنين حيث رأينا , وملاحقاً بالتغني وعارضاً للمناجاة , لأنها مما يقول:-

(ان الكلمة الشريفة النظيفة في مادتها وغايتها ستظل رسالة الفكر الشريف وستسهم مع رصيفاتها من الوسائل الأخرى في بناء الصرح الحضاري للامة التي تتحدد معالمها من حضارتها)(36)، واعتقد ان ما عرفناه على قلته يكفي لان نقول:- ان الوائلى شاعر وطني استوعب حب وطنه ,لإن اصله الذي نشا على ترابه وتغذى من خبراته, ولابد ان يذكر فضله عليه, وان يسعى لصالحه, لما له من حضارة واسعه ومتميزه لها خصائصها ومعاييرها واُسسها في جميع الميادين العلمية والثقافية والفكرية.هكذا يكون الشاعر العربي الوطني عنصرا فعالا على المستوى الوطني وشاعرا صادقا اميناً يحمل في حناياه شعره دائماً وابدأ وفيهِ حنين الوطن والتغني به والايمان بالمثل العليا للامة التي احبه.

خلاصــــــة البحث

هذه دراسة أدبية , تحليله لمظاهر الحنين الى الوطن في شعر احمد الوائلي، ومن خلال حديثي تطرقت عن هذه المظاهر تطرفت في حديث مركز الى مفهوم الوطن والوطنية متمثلة بالحنين والتغني والمناجاة من وجهة النظر الادبيه , وخصوصا النصوص الشعرية التي ما زالت حبيسه في الديوان ,فاقدة حسها الفني المرهف وابعادها الادبية والشعرية, فلم تتحسها الامة من هذا الجانب الوظيفي الذي هو الاساس في وجودها وفاعليتها بوصفها تمثل رمزا وطنيا ساميا ومثلا اعلى يحرص عليه شاعرنا , وتومئ الى تحريك وجدان الانسان لملامسة عالم الفضائل النبيلة فضلا عن تحقيق الاستكمال الوطني الذي غايته الولاء للوطن. وبذلك اكون فتحت بابا جديدة في دراسة الجانب الوطني لشعر الوائلي , ومعالجة نصوصه الشعرية معالجة ادبية جديدة , تناسب رؤية العصر الحديث وروح المعاصرة.

الهوامــــش

1- لسان العرب جـ13 مادة وطن.

2- التجاهات الوطنية – ص 8

3- جريدة الصباح العدد 592 لسنة 2005

4- خطباء المنبر الحسيني جـ 1 ص 117

5- المرجع نفسه ص 117

6- لسان العرب، جـ13،مادة حنن.

7- القرآن الكريم، صورة النساء، آية 66

8- الحنين الى الوطن ص 10

9- مطالع البدور في منازل السرور، جـ 1، ص292

10- حياة وفصول لخدمة آل الرسول، ص50

11- ديوان الوائلي، ص85

12- حياة وفصول لخدمة آل الرسول، ص53

13- المرجع نفسه، ص54

14- ديوان الوائلي، ص123

15- المرجع نفسه، ص117

16- المرجع نفسه، ص111

17- المرجع نفسه، ص 94-95

18- المرجع نفسه، ص96 –97

19- المرجع نفسه، ص 95

20- المحاسن و الاضداد، ص118

21- رسائل الجاحظ، جـ2، ص389

22- محاضرات الادباء ومحاورات الشعراء والبُلغاء، ص620

23- المحاسن و الاضداد، ص118

24- ديوان الوائلي، ص17

25- المرجع نفسه، ص85

26- المرجع نفسه، ص85-86

27- المرجع نفسه، ص86

28- المرجع نفسه، ص87

29- المرجع نفسه، ص45

30- المرجع نفسه، ص88

31- المرجع نفسه، ص89

32- المرجع نفسه، ص39

33- المرجع نفسه، ص40

34- المرجع نفسه، ص46

35- حياة وفصول لخدمة آل الرسول، ص68

36- ديوان الوائلي، ص8

المصـــادر والمراجــــع

1. القرآن الكريم

2. الاتجاهات الوطنية في الادب المعاصر، د. محمد حسين، القاهرة ، مطبعة الآداب، 1954م

3. جريدة الصباح، العدد 592 لسنة 2005.

4. الحنين الى الوطن – الجاحظ (ابو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب) ت255هـ، تحقيق الشيخ طاهر الجزائري، القاهرة، المطبعة السلفية 1351هـ.

5. حياة وفصول لخدمة آل الرسول، رشيد القسام، النجف الاشرف (د.ت).

6. خطباء المنبر الحسيني – حيدر المرجاني، جـ1،(د.ت).

7. ديوان الوائلي، احمد الوائلي، النجف الاشرف، مؤسسة النبراس للطباعة، ط2، (د.ت)

8. رسائل الجاحظ – الجاحظ (ابو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب) ت255هـ، تحقيق عبد السلام هارون، مصر، مكتبة الخانجي، 1965 م.

9. لسان العرب، ابن منظور، بيروت، دار صادر، 1955م.

10. لسان العرب، ابن منظور، بيروت، دار صادر، 1955م.

11. المحاسن والاضداد،الجاحظ،(ابو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب) ت255هـ، القاهرة، مطبعة السعادة، 1324 هـ.

12. محاضرات الادباء ومحاورات الشعراء والبُلغاء – الراغب الاصفهاني، جـ4، بيروت، منشورات دار مكتبة الحياة، 1961 م.

مطالع البدور في منازل السرور، علاء الدين علي بن عبد الله الغزولي، جـ2، القاهرة، مطبعة ادارة الوطن، 1299هـ.