الباحث: محمد عامر
تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 166
إلى صفحة: 193
النص الكامل للبحث: PDF icon 3-8.pdf
خلاصة البحث:

صار من الطبيعي عند الباحثين أنهم إذا أرادوا أن يدرسوا مصطلحا أو ظاهرة ما، بدأوا بدراسة تسمية هذه الظاهرة أو المصطلح في ضوء المعجمات (في اللغة)، ثم ينطلقون منه إلى المعنى الاصطلاحي؛ لكي تتضح لهم جوانب الدراسة كافة، فعند دراسة (المدارس النحوية) على سبيل المثال، فلا بد للدارس في بحث المعنى اللغوي لكلمة (مدرسة) ثم المعنى الاصطلاحي الذي وضعت له هذه الكلمة …ولذا صار لزاما علينا أن نعرف ما هو المعنى اللغوي لمصطلح (الحرف) من خلال مراجعة أهم المعجمات العربية المتقدمة والمتأخرة.

البحث:

 

المبحث الأول: الحرف في المعجمات العربية

صار من الطبيعي عند الباحثين أنهم إذا أرادوا أن يدرسوا مصطلحا أو ظاهرة ما، بدأوا بدراسة تسمية هذه الظاهرة أو المصطلح في ضوء المعجمات (في اللغة)، ثم ينطلقون منه إلى المعنى الاصطلاحي؛ لكي تتضح لهم جوانب الدراسة كافة، فعند دراسة (المدارس النحوية) على سبيل المثال، فلا بد للدارس في بحث المعنى اللغوي لكلمة (مدرسة) ثم المعنى الاصطلاحي الذي وضعت له هذه الكلمة …ولذا صار لزاما علينا أن نعرف ما هو المعنى اللغوي لمصطلح (الحرف) من خلال مراجعة أهم المعجمات العربية المتقدمة والمتأخرة ـ ما دمنا ندرس مصطلح الحرف في كتاب سيبويه ـ قبل أن نتجه لفهم المصطلح في كتاب سيبويه؛ ليكون ذلك عدة لنا في بحثنا هذا

لقد أجمع المعجميون العرب ومنهم الخليل والأزهري وابن فارس وابن دريد والصاغاني وغيرهم على معان معينة جاءت بها كلمة (الحرف)، فاتفقوا أن المعنى الأصلي له هو الطرف والجانب والحد والشفير([1])، فحرف الجبل جانبه([2])، وحرف السيف حده([3])، وحرف السفينة جانب شقها([4])، وحرفا الرأس شقاه([5]). والحرف الناقة، فقيل الضامرة([6])، وقيل الضخمة([7]) ولذاك صلة بأصل المعنى، وإنما قيل للناقة الضامرة حرفا تشبيها لها بحرف السيف([8])، وإنما قيل للناقة الضخمة حرفا تشبيها لها بحرف الجبل([9]). قال عدي بن الرقاع([10]):

حرف تشذر عن ريان مغتمس
 

 

مستحقب رزاته رحمها الجملا
 

وقال الراجز([11]):

وتحت رحلي زفيان ميلع
 

 

حرف إذا ما زجرت تبوع
 

والحرف: اللغة، وكذا جاء حديث الرسول 9مصداقا لهذا المعنى في أن القرآن أنزل على سبعة أحرف([12]).

والحرف القراءة في القرآن([13]) كقولهم: هو يقرأ على حرف ابن مسعود. أي على قراءة ابن مسعود([14]).

ولكن أحدا من المعجمات العربية المتقدمة لم يشر إلى أن مفهوم (الحرف) هو ما اصطلح عليه الكوفيون بـ(الأداة) باستثناء عدد من المعجمات وهي العين للخليل، وتهذيب اللغة للأزهري، والمحكم لابن سيده، وأغلب الظن أن ما جاء في هذه المعجمات بهذا المفهوم ليس من الحقيقة في شيء باستثناء المحكم لابن سيده، وسنفصل القول فيه وفي صاحبيه وكالآتي:

1 ـ كتاب العين:

أكبر الظن أن النص الذي في كتاب العين الذي يذكر هذا المعنى لكلمة (الحرف) هو ليس من صلب كتاب العين، وإنما هو نص دخيل عليه، يقول الخليل أو لنقل: يقول النص ((وكل كلمة بنيت أداة عارية في الكلام لتفرقة المعاني تسمى حرفا وإن كان بناؤها بحرفين أو أكثر مثل حتى وهل وبل ولعل))([15]).

أغلب ظني أن هذا النص إنما وضعه الوراقون والنساخون، أو أن أحد النحاة أو اللغويين من نقلة هذا الكتاب (من رواته) قد حاول أن يضع شرحا لبعض المشكل فيه أو بعض التعليقات عليه، فلما وضع هذه التعليقات أو الشروح ضاعت في صلب الكتاب، ولم يميز الصواب من الدخيل. والذي دعانا إلى مثل هذا الكلام أمور منها:

أ ـ أن هناك شكوكا في نسبة كتاب العين أو بعض نصوصه للخليل([16])، وقد كتب في هذه الشكوك والآراء الشيء الكثير فلا فائدة لحديثنا عنها في هذا الموضع.

ب ـ أن سيبويه ـ وكما سنفصل بعد حين ـ استعمل كلمة (الحرف) ليس بالمعنى الذي ذكره الخليل؛ ولكنه استعمل هذه المفردة للدلالة على الجنس العام للكلمة. فمرة يقصد بها الكلمة، ومرة الاسم، وثالثة الفعل، وقد يريد بها الجملة، وقد يريد بها أيضا الأداة، وكثيرا ما أراد بها حرف الهجاء. ولو كان المعنى الذي في كتاب العين من صلب ما جاء به الخليل لكان من الجدير بسيبويه أن يكون أول الآخذين به.

ج ـ إن مصطلح (الحرف) لم يستقر حتى عند المبرد وتلاميذه، فالمبرد في كتابه (المقتضب) يقول: ((فالكلام كله: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى))([17]) فكما أن سيبويه قرن الحرف بجملة ((جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل))([18])، فقد قرن المبرد المصطلح نفسه بجملة (جاء لمعنى) المختصرة من جملة سيبويه، فإن كان المصطلح لم يستقر عند المبرد وتلاميذه على المفهوم الذي جاء في كتاب العين. فكيف استقر عند الخليل وهو قبلهم بثلاث أو أربع طبقات من النحاة.

ولما كان كتاب سيبويه قد ثبت يقينا أنه لسيبويه وليس هنالك شكوك حول ذلك، ولما كان كتاب العين مشكوك النسبة في بعضه أو في كله إلى الخليل فقد دعانا ذلك إلى القول بعدم أصالة هذا المفهوم للحرف، وإنما هو نص دخيل على كتاب العين.

2 ـ كتاب تهذيب اللغة للأزهري:

أما بالنسبة للمفهوم الذي جاء به كتاب الأزهري فلا يؤخذ به أصلا؛ لأن المؤلف أخذه من كتاب العين ونقله نقلا حرفيا، ونحن قد فصلنا القول في الأخير.

3 ـ كتاب المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده:

وهذا الكتاب لا يخفى أنه جاء بالمفهوم وهو نفس المفهوم الذي جاء به كتاب العين، ولكن هذا النص لا اعتراض عليه، لأنه ذكر هذا المفهوم بعدما استقر وأخذ به النحاة، فوفاة ابن سيده كانت سنة 458 هـ كما تذكر كتب التراجم([19]).

المعجمات المتأخرة

أما المعجمات المتأخرة فقد جرت على مسار المعجمات المتقدمة ونقلت منها حرفيا ولم تذكر معنى جديدا لهذه المفردة (الحرف) فقالوا: الحرف هو القراءة وهو اللغة وهو الناقة وهو الطرف والشفير والحد وهو واحد حروف الهجاء، وهو الوجه والطريق، وفصلوا القول في ذلك كله نقلا عن اللغويين الأوائل كأبي عبيد والأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد والسجستاني وغيرهم إلا أن أحد المعجمات المتأخرة يذكر شيئا عن عبارة سيبويه، إذ قال الفيروزآبادي في قاموسه المحيط: ((الحرف من كل شيء …وعند النحاة: ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل وما سواه من الحدود فاسد))([20])، فالفيروزآبادي فهم المعنى المتأخر للحرف ولم يرتض له تعريفا إلا تعريف سيبويه وعد ما سواه من التعريفات فاسدا.

وعند إلقائنا النظر في (لسان العرب) نجد أن ابن منظور قد أعاد الجملة التي جاءت في كتاب العين([21])، فقد نقلها نقلا نصيا ـ إن صح التعبير ـ وهنا لا يعترض عليها؛ لأنا كما قلنا قبل قليل نقلت حرفيا من كتاب العين، كما أن المصطلح قد استقر وثبت عند النحاة ليس في عهد ابن منظور ولكن قبله بقرون.

المبحث الثاني: الحروف قبل سيبويه

1 ـ عند المفسرين

من المعلوم أن مفهوم الحرف عند المفسرين منطلق من وجود هذه المفردة في القرآن الكريم؛ ولذا نقول أن مفردة (الحرف) وردت في القرآن الكريم مرة واحدة([22]) في قوله تعالى: )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ(([23]) واختلف المفسرون في دلالة هذه المفردة ضمن الآية، فقد ذكر ابن كثير في تفسيره بإسناد طويل أن ابن عباس (رض) قال عن هذه الآية: ((كان الرجل يقدم المدينة، فان ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله، قال: هذا دين صالح. وان لم تلد امرأته ولم تنتج خيله، قال: هذا دين سوء)) ثم يسند إلى ابن عباس (رض) خبرا آخر يقول فيه: ((كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، قالوا: إن ديننا هذا لصالح. وإن وجدوا عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا: ما في ديننا هذا خير، فانزل الله على نبيه )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ( ([24]) ومن هاتين الروايتين يتضح أن الحرف في حديث ابن عباس (رض) هو الوجه أو الحالة، فمن نزلت فيه الآية في هاتين الروايتين يعبد الله في حالة الخصب والخير.

أما الحسن فان له رأيا آخر إذ أنه يرى ((أن المرء في باب الدين معتمده القلب واللسان فهما حرفا الدين فإذا وافق أحدهما الآخر فقد تكامل في الدين وإذا أظهر بلسانه الدين لبعض الأغراض وفي قلبه النفاق جاز أن يقال فيه على وجه الذم يعبد الله على حرف))([25])، أي أن الحسن يرى أن الحرف هو الجزء أو البعض، فهو حين يفسر الآية يقول إن المسلم إذا آمن بلسانه دون قلبه فهو على حرف لأن الحرفين هما اللسان والقلب فكأنما آمن بجزء منهما أو ببعضهما، ولم يكن الحسن قد قال ذلك إلا انه يعرف جيدا بان الجزء أو البعض أو القلب أو اللسان كل منهم له أطراف وحدود.

وفي تفسير مجاهد وقتادة لهذه الآية يتفقان أن الحرف هنا إنما معناه الشك ويفسر قتادة هذا الشك بذكره الرواية التي رواها ابن عباس (رض)([26]).

وتوافق الروايات التي جاء بها الضحاك ما رواه ابن عباس (رض) لتفسير هذه الآية([27])، وذلك طبيعي، فهم إنما ينقل الواحد منهم عن الآخر رواياته.

أما الروايات التي تنقل لنا عن أبي سعيد الخدري (رض) فتقول إنه (رض) كان يفسر هذه الآية بقوله: ((إن رجلا من اليهود أسلم فأصابته مصائب فتشاءم بالإسلام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقلني، فقال: إن الإسلام لا يقال فنزلت))([28]).

ويذكر رواية عن ابن زيد يقول فيها: ((هذا المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وان فسدت عليه دنياه وتغيرت، انقلب))([29]).

من هذه الروايات يتضح لنا أن المفسرين قبل سيبويه فسروا هذه الآية بكيفيات مختلفة، فمنهم من فسرها ناقلا للرواية في سبب نزولها، كما جاء في رواية ابن عباس وأبي سعيد الخدري والضحاك (رض)، ومنهم من فسر الآية بذكر من نزلت بحقه الآية وذكر أفعاله، كما روي عن أبن زيد، ومنهم من فسر الآية بذكر الصفة التي يتصف بها من نزلت بحقه الآية، وجعل دلالة هذه الصفة دلالة لكلمة (الحرف) في الآية كما في روايات مجاهد وقتادة والحسن.

وسواء كان التفسير في سبب نزول الآية أو في من نزلت بحقه الآية أو في ذكر صفة هذا المقصود بالآية فان دلالات الحرف في هذه الآراء والروايات يقترب بعضها من البعض الآخر، فان كانت دلالة الحرف الحالة أو الوجه أو أن كانت البعض والجزء أو إن كانت الشك فهي إنما تقترب من معناها اللغوي وهو الطرف.

وبعد هذا نرى أن الحرف عند المفسرين قبل سيبويه لم يكن مستقرا وإن كانت دلالته بينهم متقاربة.

2 ـ عند المحدثين

أما عند المحدثين فقد كانت للحرف مدلولات مختلفة انطلقت من وجود هذه المفردة في الحديث النبوي الشريف، وسنورد هذه المدلولات في هذا الموضع:

أ ـ فقد ذكرت كتب الصحاح ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف بطرق مختلفة وبنصوص مختلفة، منها: ((حدثنا احمد بن منيع أخبرنا الحسن بن موسى أخبرنا شيبان عن عاصم عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرئيل، فقال: يا جبرئيل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط، قال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف))([30]) وجاء في رواية أخرى ((وحدثني حرملة بن يحيى …حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: اقرأني جبريل عليه السلام على حرف فراجعته، فلم أزل استزيد فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف. قال ابن شهاب: إن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام))([31]) ونقلت روايات مثل هذه كلها تشير إلى نزول القرآن الكريم بسبعة أحرف، ومها ما نقل عن أبي بن كعب وأخرى عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) وملخصهما أن كلا منهما لقي رجلا في المسجد يقرأ بقراءة أخرى غير قراءته فيذهب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخبره أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف([32]).

اختلف في مفهوم الحرف في متن هذه الأحاديث وما شابهها، ففريق قال إن الأحرف هنا المقصود بها القراءات السبعة([33])، وفريق قال إن المقصود هنا هو اللغات([34])، وقول ثالث ورابع حتى بلغ الحد بهم أن وصلت آراؤهم خمسة وثلاثين وجها وبلغ آخرون أربعين وجها([35]).

ب ـ وذكرت كتب الحديث أيضا قول الرسول 9بأن ثواب قراءة الحرف من القرآن عشر حسنات ((حدثنا محمد بن بشار …سمعت عبد الله بن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف))([36])، ومفهوم من هذا الحديث أن الحرف هنا يراد منه حرف الهجاء في القرآن الكريم.

ج ـ ونجد في حديث آخر أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يستخدم هذه المفردة بمعناها الأصلي، إذ يقول في قصة مع موسى (عليها السلام) بإسناد الخبر عن ابن عباس (رض) يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خبر طويل: ((…كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر…))([37])، ولا يخفى أن مفهوم الحرف في هذا الحديث الشريف إنما هو المعنى الأصلي للمفردة وهو الطرف أو الحد أي أن العصفور وقع على طرف من السفينة أو على حدها.

د ـ وجاء في سنن ابن ماجة حديث قد وردت فيه مفردة الحرف في رواية من الروايات وهذا الحديث هو: ((حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر…عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم…)) وروي أيضا((..على حرف جهنم …))([38]) والحرف هنا جاء على الأصل وهو الطرف أو الجانب، أي على طرف جهنم أو على جانب منها.

هـ ـ وجاء في الصحاح أيضا: ((وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار … عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقرأ هذا الحرف (فهل من مدكر)))([39])،والحرف هنا معناه ـ على اغلب الظن ـ هو الموضع أو الجملة أو الآية.

و ـ وقد وردت هذه المفردة في أحاديث أخرى([40]) بمعنى حرف الهجاء

يتضح لنا من كل ذلك أن مفهوم الحرف كان يحيل إلى معان عديدة منها الطرف أو الجانب، ومنها القراءة ومنها اللغة، ومنها الوجه، ومنها الموضع والجملة، ومنها حرف الهجاء، بل إن أهل الحديث اختلفوا في مفهوم الحرف في الحديث الواحد، كما مر ذكره. ونستدل من كل ذلك أن مفهوم الحرف كان غير مستقر في الحديث الشريف وعند أهل الحديث.

3 ـ عند اللغويين

لقد كان اللغويون العرب يستمدون علمهم باللغة من خلال كلام العرب وأشعارهم؛ لذا خرجوا إلى البوادي لجمع الأشعار وسماع الأعراب للإفادة من هذا الكلام، وهذه الأشعار في العلوم التي تخدم القرآن الكريم ولغته سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة؛ ولأن اللغويين كانوا يستمدون لغتهم على الأغلب من أشعار العرب، فقد حاولنا جمع بعض الشواهد الشعرية التي وردت فيها مفردة (الحرف) ذلك أن النصوص اللغوية التي وردت فيها مفردة الحرف قبل سيبويه قليلة جدا، وسنورد في هذا الموضع هذه الشواهد ثم نذكر النصوص اللغوية التي استطعنا جمعها. جاء في كتاب سيبويه قول الشاعر([41]) وقيل إنه ابن قاصد([42]):

ورد جازرهم حرفا مصرمة
 

 

ولا كريم من الولدان مصبوح
 

وقال عدي بن الرقاع([43]):

حرف تشذر عن ريان مغتمس
 

 

مستحقب رزاته رحمها الجملا
 

وقال الراجز([44]):

وتحت رحلي زفيان ميلع
 

 

حرف إذا ما زجرت تبوع
 

وروى الخليل قول الشاعر([45]):

جمالية حرف سناد يشلها
 

 

وظيف أرج الخط ريان سهوق
 

وروى صاحب مقاييس اللغة قول أوس([46]):

حرف أبوها أخوها من مهجنة
 

 

وعمها خالها قوداء مئشير
 

إن القارئ المتمعن في هذه الأبيات يجد أن الحرف لم يأت إلا بمعنى الناقة، وإذا قرأنا ما جاء من كلام اللغويين الذي شمل بين طياته مصطلح الحرف نجد أن الحرف لديهم كان أيضا الناقة، فأبو عمرو بن العلاء حين يسأل عن الحرف، كان يقول: ((الحرف الناقة الضامر …))([47])، وكان الخليل يقول: ((والحرف الناقة الصلبة …))([48])، اما الأصمعي فكان يقول: ((الحرف الناقة المهزولة…))([49]).

إذا فأقوال اللغويين في الحرف كانت تجمع أن الحرف هو الناقة، ولكن هذا الاتفاق لم يدم في وصف هذه الناقة، فمنهم من قال إنها الناقة الضامرة، ومنهم من قال إنها الصلبة، ومنهم من قال إنها المهزولة، وآخر قال إنها الضخمة. وان دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الحرف لم يستقر أيضا عند اللغويين.

4 ـ عند النحاة

من المعروف أن النحاة الأوائل قبل سيبويه هم أبو الأسود الدؤلي في طبقته، وتلاميذه أمثال نصر بن عاصم وعنبسة الفيل ويحيى بن يعمر وطبقتهم، ثم تلامذتهم كابن أبي اسحق وطبقته، ثم تلامذتهم كالخليل ويونس وطبقتهما، وهؤلاء جميعا، ومن الصعب الحصول على أقوالهم في (الحرف) لأن كتبهم لم تصل الينا ـ إن كانت لهم كتب ـ إلا كتاب العين للخليل، وهو كتاب لغوي لا نحوي، أي أن عدم وصول كتبهم إلينا جعل من الصعب علينا أن نعرف مفهوم الحرف لديهم، ولذا استعنا بالروايات التي نقلت عنهم في هذه المسألة سواء كانت الرواية في صلب قضية الحرف ومسألة تقسيم الكلام، أو بورود مفردة الحرف في كلامهم، وفي الحقيقة أن الروايات في ذلك لم تكن إلا روايات قليلة، ولكنها قد تفي لهذا الموضع.

كانت أولى الروايات التي وردت فيها قضية الحرف ما نقل عن أبي الأسود الدؤلي (ت69هـ) في كلامه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب7، إذ يقول ((دخلت على أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ فرأيته مطرقا مفكرا، فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين ؟ فقال: سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية. فقلت له: إن فعلت أبقيت فينا هذه اللغة العربية، ثم أتيته بعد أيام، فألقى إلي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل))([50]).

عند إنعام النظر في الرواية يتضح أن هناك تقسيما منطقيا وتعريفا منطقيا في وقت مبكر من حياة العرب الفكرية، وهذا لا يستبعد عن عقلية فذة كعقلية الإمام علي (عليه السلام)، ولكن فلننعم النظر ثانية في تعريف الحرف، نجد أن مفهوم الحرف في هذه الرواية إنما هو مفهوم متأخر، فالحرف عند سيبويه غير مستقر على حال ـ وهذا ما سنتكلم عنه تفصيلا في المبحث القادم ـ ولكنه في تقسيم الكلام يقول: ((…وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل))([51]) وهو عند المبرد في تقسيم الكلام ((حرف جاء لمعنى))([52])، أي أننا نجد أن الحرف لم يستقر مفهومه عند المبرد؛ ولكنه بدأ يستقر في القرن الرابع الهجري ـ وسنذكر ذلك في موضعه ـ فكيف أن الحرف لم يستقر إلا منذ القرن الرابع، وهو مستقر في رواية نقلت عن القرن الأول بل في نصفه الأول، لذا نرى من الحري بنا أن نقول إن هذه الرواية ـ على الظن الغالب ـ هي رواية ضعيفة، مع القول إن الإمام علي (عليه السلام) إن كان هو الذي أسس هذا العلم ـ وهذا هو الظاهر في أكثر الروايات ـ أو لا، فان ذلك لا ينقص من فضله وزن جناح ذبابة.

وفي كتاب (أخبار النحويين البصريين ومراتبهم) لأبي سعيد السيرافي ترد رواية تخبرنا أن أبا الأسود لقي ابن صديق له فسأله عن أبيه ثم قال له: ((…فما فعلت امرأته التي كانت تزاره وتماره وتشاره وتضاره؟ قال طلقها وتزوج غيرها فحظيت عنده ورضيت وبظيت، قال أبو الأسود: فما معنى بظيت؟ قال حرف من اللغة لم تدر من أي بيض خرج ولا من أي عش درج …))([53]) فمفردة الحرف التي وردت في كلام الرجل جاءت بمفهوم الكلمة المطلقة، ومع ذلك فأبو الأسود يتقبلها ويفهم ما يرمي إليه القائل، ويتضح من هذا أن أبا الأسود كان يعرف أن مفردة الحرف لا يقتصر مفهومها على الأدوات التي في النحو، وإنما كان مفهومها عاما شاملا لمطلق الكلمة، فما أطلق (الحرف) في هذه الرواية إلا على الفعل الذي هو (بظيت).

وهناك رواية أخرى تحملها لنا كتب الطبقات والكتب المؤرخة للنحو، ومفادها أن أبا الأسود لما أراد إعراب القرآن اختار رجلا من عبد القيس ليساعده على هذه المهمة، وقال له: ((خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، وإذا كسرتها فاجعل النقطة في أسفله …))([54])، ومفهوم أن الحرف هنا إنما عني به حرف الهجاء.

وجاء في طبقات فحول الشعراء ((أخبرني يونس بن حبيب، قال الحجاج لابن يعمر: أتسمعني ألحن ؟ قال: الأمير أفصح الناس ـ قال يونس وكذلك كان ـ ولم يكن صاحب شعر ـ قال: تسمعني ألحن ؟ قال: حرفا. قال: أين ؟ قال: في القرآن. قال: ذلك أشنع له ! فما هو ؟ قال: تقول ((قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ….أحب إليكم من الله ورسوله))قرأها بالرفع …والوجه أن يقرأ (أحب إليكم)) بالنصب …))([55]) فقد أتى ابن يعمر بمفردة الحرف في كلامه وعنى بها الموضع فكأنما قال له (في موضع واحد) أو (في مقولة واحدة).

وفي الكتاب نفسه (طبقات فحول الشعراء) نجد ما يأتي: ((…فكان سراة الناس يلحنون ووجوه الناس، فوضع باب الفاعل والمفعول به والمضاف وحروف الرفع والنصب والجر والجزم))([56])، ويبدو هنا أن الحروف جاءت في هذا الموضع لتدل على الحركات، أي حركات الرفع والنصب والجر والجزم؛ إذ إن الحركات أبعاض الحروف، وكما أن الحروف قد حددت وأظهرت وميزت فان الحركات حددت وأظهرت وميزت.

وروى أبو عبيدة عن يونس قوله: ((كان أبو عمرو يقول في واحد (الهدي): هدية، تقديرها جدية السرج، والجميع الجدي مخفف. قال أبو عمرو: ولا أعلم حرفا يشبهه))([57]).

والظاهر من كلام أبي عمرو أن الحرف هنا أراد به كلمة من اللغة، وكأنه قال: لا اعلم كلمة تشبه ما ذكرت.

وجاء في مقدمة كتاب العين للخليل: ((قال الخليل: اعلم أن الحروف الذلق والشفوية ستة …))([58]) والمقصود بالحرف في كلام الخليل هذا وفي مواضع كثيرة من مقدمة العين هو الصوت، وسنذكر ذلك عند سيبويه أيضا فيما بعد.

وجاء في كتاب (مجالس العلماء) للزجاجي أن الكسائي قد عاد عيسى بن عمر الثقفي في علته، فقال له عيسى: ((أنت الكسائي ؟ فقال له: نعم. فقال له كيف تقرأ هذا الحرف: (أرسله معنا) ماذا ؟ فقال له (يرتع ويلعب) فقال له عيسى: لم لم تقرأها يرتعي ويلعب …))([59]) وهنا في كلام عيسى بن عمر ـ وهو أحد شيوخ سيبويه ـ جاء الحرف بمعنى الموضع أو الجملة أو الآية.

وفي النهاية نجد أن مفهوم (الحرف)لم يكن مستقرا أيضا عند النحاة قبل سيبويه، فهو مرة يراد به الفعل كما في رواية أبي الأسود مع الرجل، ومرة يراد به حرف الهجاء كما في رواية أبي الأسود في إعراب القرآن الكريم، وثالثة يراد بها الموضع أو الجملة أو المقولة كما في رواية ابن يعمر مع الحجاج ورواية عيسى بن عمر مع الكسائي، ورابعة يراد بها الكلمة المطلقة كما في رواية أبي عبيدة عن أبي عمرو، وخامسة يراد به الصوت كما في كتاب الخليل.

المبحث الثالث: مصطلح الحرف عند سيبويه

لقد كان كتاب سيبويه ولا يزال قبلة الدارس وملاذه في النحو العربي، فهو أول كتاب يصل إلينا في النحو، ومع ذلك فقد كان الغاية في هذا العلم، لم يأت كتاب بعده إلا كان دونه، وقد يستفهم عن ذلك الكثيرون، فيقولون: كيف كان كتابا كافيا وافيا شافيا وهو لا يزال الكتاب الأول فيه ؟ والقول في ذلك أن كتاب سيبويه كان حصيلة علم الخليل والعلماء الذين سبقوه والذين عاصروه، فضلا عن آراء سيبويه، أي أن الكتاب الذي عرف بين الدارسين باسم سيبويه كان الصيغة النهائية لنظرية النحو العربي التي تدارستها طائفة كبيرة من العلماء الأوائل كان الخليل أبرزهم.

فإذا كان هذا الكتاب حصيلة جهود علماء متعددين ومنهم سيبويه، فان هذا الكتاب لا يعد الكتاب الأول في موضوعه، وإنما يعد التدوين الأول الذي جمع كل هذه الجهود.

إن الدارس لهذا الكتاب والباحث المتخصص يجد أن سيبويه في كتابه هذا كان دقيقا كل الدقة في عباراته، لم يأت بشيء اعتباطا، فكمل الكتاب منهجا ومصطلحا وتعبيرا ومادة، ومن هذه العبارات التي كان فيها سيبويه دقيقا دقة قد تصل إلى حد الإبهام وعدم الفهم، فجاء العلماء بعده فقصروا في هذه العبارة وبدلوا وغيروا، وفهموها فهما خطأ هذه العبارة هي: ((الكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل))([60]).

إن سيبويه حينما قال ((…وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل)) قد يكون قصد بالحرف هنا الأداة التي نعرفها حتى يومنا هذا ـ وهي أنواع الحروف العاملة ـ ولكنه قصد الأداة حينما ذكر الجملة بكاملها، أي أنه جعل جملة (حرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل) بمنزلة الكلمة الواحدة للدقة التي يتوخاها ولكنه قصد بالحرف جنس الكلمة العام، ثم استثنى من هذا الجنس العام الاسم والفعل بقوله (…ليس باسم ولا فعل)، فقد يذكر سيبويه هذا المصطلح (أي الحرف) في كتابه ويريد به اسما لا أداة، وقد يريد به فعلا في مرة أخرى، وقد يريد به جملة أو أداة أو حرف هجاء أو اسم فعل في بعض الأحيان.

إن الجملة التي لحقت بكلمة (حرف) في عبارة سيبويه ما جيء بها إلا ليؤكد أن هناك نوعا ثالثا من الكلم هو ليس اسما ولا فعلا، بدليل أنه عندما فصل الكلام بعد ذلك قال:

((فأما الاسم …

وأما الفعل …

وأما ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل مثل …))([61]).

ويقول بعد ذلك: ((…وللحروف التي ليست بأسماء ولا أفعال، ولم تجيء إلا لمعنى))([62])، ويقول أيضا: ((والفتح في الحروف التي ليست إلا لمعنى وليست بأسماء ولا أفعال …))([63])، فهو في النص الأول لا يذكر اسم الحرف، وفي الثاني والثالث يأتي بالجملة وكأنه يأتي بكلمة واحدة، لا يمكنه اختصارها لئلا تفهم خطأ.

ولكن الذين جاءوا بعد سيبويه بدأوا يفهمون هذا المصطلح وهذه العبارة فهما خطأ، وحتى إن كانوا فهموا ما أراد سيبويه فانهم بدأوا يقصرون من جملة سيبويه هذه فجاء المبرد وقال عن الحرف ((…وحرف جاء لمعنى))([64]) وجاء غيره علماء تباينوا في هذه المسألة فمنهم من قال ((…وحرف جاء لمعنى في غيره))، ومنهم من قال إن الكلام اسم وفعل وحرف، وسنتعرض لذلك تفصيلا في المبحث القادم، كما أن النحاة العرب المتأخرين عند نظرهم في كتاب سيبويه، وجدوا أنه يقسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، ولم ينتبهوا إلى الجملة التي تبعت كلمة (الحرف) وفعلوا مثل ذلك في كتب النحو التي بعد سيبويه كالمقتضب، وظل اهتمامهم منصبا هل أن الحرف له معنى في نفسه أم في غيره. بل إن الدارسين العرب المحدثين قد فهموا ذلك فهما خطأ كما حدث للمتأخرين، ودليل ذلك أن محقق كتاب (المقتضب) للمبرد، حينما عرض إلى قضية تقسيم الكلام في كتاب المقتضب همش لها وقال: ((في كتاب سيبويه: الكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى))([65])، أي انه ركز على الاسم والفعل والحرف، وأغفل الجملة ـ ولو أنه ذكر بعضها ـ ولكن عدم ذكره للجملة بتمامها يدل على عدم تفهم هذه العبارة وهذا المصطلح (الحرف) بوجه كاف، وكذا فعل محقق كتاب (الأصول في النحو) لابن السراج، حيث قال في الهامش ((في الكتاب ج1 /2 ((فالكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى))([66])، وهذا يدل على الفهم الخطأ لهذه العبارة وهذا المصطلح.

لقد أراد سيبويه بالحرف الكلمة على وجه العموم من دون تحديد هل كانت هذه الكلمة اسما أو فعلا أو أداة أو اسم فعل أو قد تأتي بمعنى الجملة في بعض الأحيان وهو عندما يأتي في كتابه إنما يريد بها أحد تلك الأصناف، وهذه بعض الأمثلة على ذلك:

1 ـ قال سيبويه: ((ومثل قولهم: من كان أخاك، قول العرب: ما جاءت حاجتك، كأنه قال: ما صارت حاجتك، ولكنه ادخل التأنيث على ما، حيث كانت الحاجة، كما قال بعض العرب: من كانت أمك حيث أوقع من على مؤنث، وإنما صير (جاء) بمنزلة (كان) في هذا الحرف وحده لأنه بمنزلة المثل))([67]) حيث أراد بالحرف هنا الجملة.

2 ـ قال سيبويه: ((فأما سميت وكنيت …فهذه الحروف كان أصلها في الاستعمال…))([68]) فإنما أراد بالحرف هنا الفعل وهو الفعل (سمى) أو الفعل (كنى).

3 ـ قال سيبويه: ((…فمن تلك الحروف: حسبك وكفيك وشرعك وأشباهها))([69]) إذ أراد بالحرف هنا اسم الفعل.

وهناك مواقع أخرى كثيرة ليس هذا موضعها، وقد أفردت لمعاني مصطلح الحروف الذي ورد في ثنايا الكتاب موضعا خاصا بها وجعلتها ملحقا للبحث.

لا بل أننا عندما نقرأ باب عدد الحروف العربية، ومخارجها ومهموسها ومجهورها …في كتاب سيبويه نكاد لا نجد فرقا بين مصطلحي (الحرف) و(الصوت) عند سيبويه في هذا الموضع فهو يذكر الحرف ويريد به الصوت في أكثر من مرة كقوله ((فاصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفا))([70]) فهذه العبارة قد يفهم منها أن الحرف هنا هو حرف الهجاء ولكنه عندما يقول ((وتكون خمسة وثلاثين حرفا بحروف هن فروع …وهي كثيرة يؤخذ بها وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار وهي النون الخفيفة والهمزة التي بين بين …))([71])، ثم يقول ((وتكون اثنين وأربعين حرفا بحروف غير مستحسنة ولا كثيرة في لغة من ترتضى عربيته ولا تستحسن في قراءة القرآن، ولا في الشعر وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف …))([72]) فهو بهذا كله يقصد الأصوات لا حروف الهجاء، وهذا ما كان قد جاء به الخليل في مقدمة كتاب (العين) فقد كان يذكر الحرف ويقصد به الصوت.

إن البون الذي حصل بين المصطلح ودلالته عند سيبويه، بل وتعدد هذه الدلالات لمصطلح واحد هو الذي دفع المتأخرين من العلماء إلى فهم هذا المصطلح فهما خطأ، وكذا كان الحال بالنسبة للباحثين المحدثين.

بل إني أزعم أن سيبويه ما ذكر مصطلح الحرف إلا وأراد به جنسا عاما، وإن كان قد ذكر في كتابه مصطلح (حرف الجر) أو (حرف الإضافة) أو (حرف الإعراب) أو (حرف المد) أو (حرف المد واللين) وما إلى ذلك، فانه عنى بالحرف جنسا عاما ثم خصص هذا الجنس بإضافته إلى اسم آخر، فهو عند قوله (حرف جر) إنما أراد بها الكلمة التي تجر الاسم بدليل أنه لم يستقر على هذا المصطلح، فمرة يقول (حرف جر) ومرة أخرى يقول (حرف إضافة).

المبحث الرابع: مصطلح الحرف بعد سيبويه

1 ـ عند النحاة

أما عند تجاوزنا لسيبويه وكتابه، نجد أن المصطلح ما زال باقيا على المفهوم الذي كان عليه، سواء كان هذا المصطلح عند البصريين أو عند الكوفيين، فها هو الأخفش سعيد بن مسعدة (ت215هـ) يأتي بالمصطلح في عدة مواضع من كتابه (معاني القرآن) كقوله: ((…إلا انه يجوز في (هيهات) أن تكون جماعة، فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي لتأنيث، ويجوز ذلك في (اللات)؛ لان (اللات) و(كيت) لا يكون مثلهما جماعة؛ لان التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف، فان جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد))([73])، وكقوله ((…ومن العرب من لا يصرف المؤنث إذا كان وسطه ساكنا نحو: هند وجمل ودعد. قال الشاعر:

وإني لأهوى بيت هند وأهلها
 

 

على هنوات قد ذكرن على هند
 

وهو يجوز في هذه اللغة أو يكون سماها بالحرف والحرف مذكر…))([74])، وكقوله: ((وقد قرئ (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرهُمْ) جزم … وقال ((وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّر عَنْكُمْ) جزم ورفع على ما فسرت. وقد يجوز في هذا وفي الحرف الذي قبله النصب …))([75])، وكقوله ((وهذا الحرف قد قريء نصبا ورفعا: ((وأما ثمود فهديناهم))([76])، وكقوله: ((وقد قريء هذا الحرف (إنكم لذائقو العذاب الأليم) …))([77]) وكذا في مواضع أخرى من هذا الكتاب([78]). فهو في هذه المواضع لم يقصد الحرف بما نفهمه نحن في هذا العصر (أي الأداة)، وإنما قصد به اسما أو فعلا أو جملة أو غير ذلك، فهو في المثال الأول قصد به الكلمة جنسا عاما، وفي الثانية أراد به الفعل، وفي الثالثة أراد بالحرف الآية أو الموضع من الآية كذا الحال بالنسبة للمثال الرابع والخامس.

أما عند أبي زكريا الفراء (ت207هـ)، وهو تلميذ الأخفش لكنه إمام من أئمة النحو الكوفي ـ فالمصطلح عنده كما كان عند سيبويه، ويظهر ذلك في مواضع كثيرة في كتابه (معاني القرآن) وهاك بعض الأمثلة:

1 ـ قوله: ((وقوله (ذَلِكَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ) رفعه حمزة والكسائي، وجعلا الحق هو الله تبارك وتعالى، لأنها في حرف عبد الله (ذلك عيسى بن مريم قال الله) …))([79]) فهو هنا يذكر الحرف ويريد به القراءة. وهو يريد ذلك في مواضع أخرى([80]).

2 ـ قوله ((ولو قال: بمن مررت ؟ لم تقل: زيد؛ لان الخافض مع ما خفض بمنزلة الحرف الواحد))([81])، وأراد بالحرف هنا الكلمة كونها جنسا عاما.

3 ـ قوله ((…وأشياء في موضع خفض لا تجرى. وقد قال فيها بعض النحويين: إنما كثرت في الكلام وهي (أفعال) فأشبهت (فعلاء) فلم تصرف، كما لم تصرف حمراء، وجمعها أشاوى ـ كما جمعوا عذراء عذاراى، وصحراء صحارى ـ وأشياوات ـ كما قيل حمراوات ولو كانت على التوهم لكان أملك الوجهين بها أن تجرى؛ لان الحرف إذا كثر به الكلام خف…))([82]) وإنما أراد بالحرف هنا الكلمة أيضا.

4 ـ قوله ((قلت: قبله ضمير يرفعه بمنزلة قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) المعنى والله أعلم: هذه براءة من الله. وكذلك (سورة أنزلناها) وكذلك كل حرف مرفوع مع القول ….))([83]) لقد أراد بالحرف هنا جنس الكلمة، كما أن الضمير هنا مقصود به المبتدأ.

5 ـ قوله ((وقوله (والمحصنات من النساء …) المحصنات: العفائف … وقد روى علقمة: (المحصنات) بالكسر في القرآن كله إلا قوله (والمحصنات من النساء …) هذا الحرف الواحد؛ لأنها ذات الزوج من سبايا المشركين))([84])، وهنا قصد بالحرف الموضع.

6 ـ قوله ((…(وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) فأخذ بذلك الكسائي فأجراها في النصب. ولم يجرها في الخفض ولا في الرفع إلا في حرف واحد، قوله: (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُود)…))([85])، وإنما قصد بالحرف هنا الموضع أو الآية أيضا.

7 ـ قوله ((ويجوز في ليس خاصة أن تقول: ليس أحد إلا وهو هكذا؛ لان الكلام قد يتوهم تمامه بليس وبحرف نكرة …))([86]) وإنما أراد بالمصطلح هنا الاسم.

وهناك مواضع كثيرة أخرى وردت في معاني القرآن للفراء ذكر فيها الحرف وأريد به غيره([87]).

هذا في ورود مصطلح الحرف عند الفراء، ولكننا عند نظرنا إلى تقسيم الكلام عند الكوفيين ـ ومن أئمتهم الفراء ـ سنرى أنهم كانوا يقسمون الكلام إلى اسم وفعل وأداة، أي أنهم لم يعرفوا الحرف قسما من أقسام الكلام بل عرفوه جنسا عاما للكلمة.

فلننظر إلى المصطلح عند الأخفش والفراء فيما سبق، الم يكن قد جاء على وفق ما جاء في كتاب سيبويه وهما معاصران له فالأول تلميذه، والآخر رآه وعاصره وناظره، ولكن فلنر كيف كان المصطلح بعد الأخفش والفراء.

جاء عن المازني أنه سئل عن بيت شعر:

أظليم أن مصابكم رجلا
 

 

أهدى السلام إليكم ظلم
 

فقيل له: أين خبر (إن) ؟ فقال: ((ظلم: الحرف الذي في آخر البيت))([88]) ومن المعروف أن (ظلم) اسم، ولذا فقد ذكر المازني الحرف وأراد الاسم.

أما المبرد فقد كان المصطلح عنده كما كان قبله، ولكنا نلحظ تغيرا بسيطا عند المبرد في قضية تقسيم الكلام، وإذا أردنا الدقة فانه لم يغير في أقسام الكلام نفسها ولكنه قصر أو اختصر الجملة التي قالها سيبويه ليبين بها مفهوم الحرف فقال المبرد: ((فالكلام كله: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى))([89]) قد يكون هذا التغيربسيطا، ولكنه قد يؤدي إلى شيء من عدم الفهم.

وجاء في المقتضب أيضا: ((وتقول: هذا ابوه، فاعلم (فألقى موسى عصاه) …وإن شئت ألحقت الياء والواو على الأصل؛ لان الهاء حرف متحرك في الحقيقة، وذلك قولك على قول العامة: عليهي مال، وعلى قول أهل الحجاز: عليهو مال …))([90])، فالهاء التي قال عنها أنها حرف إنما هي ضمير، والضمائر من الأسماء، ومع ذلك قال إنها حرف.

وجاء أيضا: ((فأما ما كان من هذه الحروف التي جاءت لمعان، فهي منفصلة بأنفسها مما بعدها وقبلها …))([91]) والمبرد هنا وصف الحروف بأنها (جاءت لمعان) كما قال في تقسيم الكلام حيث وصف الحرف بأنه (جاء لمعنى) وكأنه يجعل عبارة (حرف جاء لمعنى) ككلمة واحدة لا يمكن الاستغناء عن بعضها لئلا تفهم خطأ، وقد كرر ذلك عدة مرات([92])، وهو بذلك يذكرنا بسيبويه حينما جعل عبارة (حرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل) جعلها كالكلمة الواحدة.

وجاء أيضا: ((ومن الحروف ما يستجمع فيه معان: فمن ذلك (من) لها أربعة مواضع …))([93]) ومن المعروف أن (من) هي اسم دائما، فأما أن تكون اسم استفهام، أو أن تكون اسم شرط، ومع ذلك قال عنها حرفا.

وجاء أيضا: ((…وما تصرف منه إذا كان قبلها حرف من حروف الإطباق.

وحروف الإطباق الصاد والضاد والطاء والظاء. وذلك قولك مصطبر ومضطهد ومظلم وهو مفتعل من الظلم … وما تصرف منه إذا كان قبلها حرف مجهور من مخرجها …))([94]) والمبرد هنا يقصد بالحرف الصوت، فالصوت هو الذي يوصف بالجهر أو الهمس وهو الذي ينعت بالإطباق أو عدمه، وليس سواه.

وجاء أيضا: ((فاما قراءة من قرأ (معائش) فهمز فانه غلط، وإنما هذه القراءة منسوبة إلى نافع بن أبي نعيم ولم يكن له علم بالعربية وله في القرآن حروف قد وقف عليها))([95]) وهنا يذكر الحرف ويريد به القراءة في القرآن.

وجاء أيضا: ((واعلم أن حروف الاستفهام مختلفة المعاني مستوية في المسألة …))([96]) ومن المعروف أن أدوات الاستفهام ليس فيها من الحروف إلا حرفين الهمزة وهل، فالمبرد ذكر الحروف وأراد الأسماء.

وإذا تجاوزنا المبرد ناظرين إلى ما جاء به ثعلب ـ وهو شيخ الكوفيين المعاصر للمبرد ـ وجدنا نصوصا يرد فيها المصطلح، وهاك بعض هذه النصوص:

1 ـ قوله ((والعرب تشبه الحرف بالحرف وان خرجوا عن بابه))([97]) والمراد هنا أن العرب تشبه الشيء بالشيء.

2 ـ قوله ((… ابن عرس، وابن نعش، وابن آوى، وابن قترة، وابن تمرة، وابن أوبر. قال: هذه الأحرف واحدهن مذكر وجماعتهن مؤنثة …))([98])، والقول هنا لثعلب، وهو يذكر الأحرف ويعنى بها الأسماء التي ذكرها.

3 ـ قوله: ولو خفض فقال: (قال فالحق والحق) لجاز بجعله قسما … ولا يجوز النصب إلا في حرفين:

لا كعبة الله ما هجرتكم
 

 

إلا وفي النفس منكم أرب
 

والحرف الآخر: قضاء الله قد شفع القبورا))([99]) وهنا يذكر ثعلب الحرف ويأتي بالبيت الشعري، أي أنه يذكر الحرف ويريد الموضع أو المقولة.

4 ـ قوله: ((كان الفراء يكره أن يجعل بئسما ولعلما حرفا واحدا وعند هؤلاء ليتما ولعلما وكل هذه الحروف شيء واحد وما بعد استئناف))([100])، ولكن أليس (بئس) فعل يفيد الذم، فهو يذكر الحرف ويريد الفعل.

5 ـ قوله: ((وفتحت مستقبلات وضع يضع، ووهب يهب. وأشباههما؛ لأنها من حروف الحلق))([101])، والمقصود بالحرف الصوت.

6 ـ قوله: ((لا تجمع الإضافة عند البصريين مع الألف واللام إلا في حرفين وعند هؤلاء في أربعة أولئك يقولون: نعم الحسن الوجه، ونعم الضارب الرجل. وعند هؤلاء هذان الحرفان والعدد والمقدار…))([102])، وفي هذا الموضع يذكر الحرف ويأتي بالجملة أي أن للحرف دلالة الجملة في هذا الموضع.

7 ـ قوله في باب حروف منفردة، تقول: أخذت لذلك الأمر أهبته. وأبعد الله ذلك الآخر قصيدة الألف. والشيء منتن …))([103])، فثعلب هنا يضع عنوانا يقول فيه (حروف منفردة) ويذكر فيه جملا، فالحرف هنا معناه الجملة.

أما ما جاء عن أبي بكر ابن السراج في المصطلح، فكالآتي:

1 ـ عند تقسيمه للكلام يقول: ((يأتلف من ثلاثة أشياء اسم وفعل وحرف))([104])، من كلام ابن السراج هذا، ومع تدرجنا وكتب النحاة نجد أن ابن السراج كان أول من أسقط الجملة التي وضعها سيبويه لتبين قسم الحرف عن غير قصد منه.

2 ـ قوله في باب نعم وبئس: ((نعم وبئس فعلان ماضيان كان أصلهما نعم وبئس، فكسرت الفاءان منهما من أجل حرفي الحلق وهما العين في (نعم)، والهمزة في (بئس) …ولذكر حروف الحلق إذا كن عينات مكسورات …))([105])، والمقصود بالحرف في هذين الموضعين هو الصوت.

3 ـ وقوله أيضا: ((فتقول: علم الرجل زيد، وضربت اليد يده …وقد حكي عن الكسائي أنه يقول في هذا: قضو الرجل، ودعو الرجل. وهو عندي قياس، وذكروا أنه شذ مع هذا الباب ثلاثة أحرف سمعت وهي: سمع وعلم وجهل))([106]). ومن الواضح أن ابن السراج هنا ذكر الحرف وأراد الفعل.

4 ـ قوله: ((…ما جاء مع أحرف الجر نحو: عليك زيدا …وذكر سيبويه أن أبا الخطاب حدثه أنه سمع من يقال له: (إليك) فيقول: (إلي) في هذا الحرف وحده …))([107])، وهنا ذكر الحرف وقصد اسم الفعل.

وإذا أمعنا النظر في كتب الزجاج (ت311هـ) لوجدنا المصطلح مستخدما بالمعنى نفسه، وهاك بعض الأمثلة:

1 ـ قوله: ((ومما جاء فيه الاشمام عن أبي عمرو في سورة البقرة ينقسم إلى قسمين مضموم ومرفوع: فالحروف المضمومة ثمانية: قوله تعالى (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ)، (حيث شئتما)، (حيث شئتم)، (ونحن له مسلمون)، (ونحن له عابدون) …))([108])، وقد ذكر الزجاج في هذا النص الحرف ثم ذكر آيات من القرآن الكريم، أي أنه ذكر الحرف وأراد الموضع أو الآية.

2 ـ قوله: ((…والحروف المرفوعة خمسة: قوله تعالى: (واسماعيل ربنا…)، و(شهر رمضان) …))([109]).

وفي هذا النص نجده يريد بالحرف الموضع أو الآية أيضا، كما في النص السابق. وقد تكرر ذلك في أكثر من موضع([110]).

ولنر هل أن مفهوم الحرف الذي نحن بصدده ما زال باقيا حتى عند تلامذة الزجاج وابن السراج وطبقتهم أم لا.

في الحقيقة وإذا ما تصفحنا كتب هذه الطبقة من النحاة مثل الزجاجي والسيرافي والفارسي والرماني، فسنجد أن مفهوم الحرف ما زال تأثيره مستمرا، فها هو أبو القاسم الزجاجي (ت340هـ) يذكر في كتابه (حروف المعاني) ما نصه: ((…فإنك سألتني أن أضع كتابا أشرح فيه جميع معاني الحروف وعلى كم وجه يتصرف الحرف منها …))([111])، فقد صرح الزجاجي أنها حروف، وعند تصفحنا لهذا الكتاب نجد أنه أدرج ضمن هذه الحروف أسماء وأفعال ومن بين الأسماء التي وردت أسماء الاستفهام مثل أيان ومن ومتى وكم وكأين وأنى، ومن بين الأفعال الواردة كان وأخواتها ونعم وبئس وحبذا وكاد، كما انه ذكر ضمن الحروف أسماء أفعال مثل رويدا وصه ومه ولبيك وسعديك وحيه وهلم وهات.

ومع ذلك فقد كان الزجاجي يتحدث عن الأفعال كونها أفعالا، وعن الأسماء كونها أسماء، وعن أسماء الأفعال كونها كذاك، ولكنه سماها جميعا بالحروف وإن دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على أن الزجاجي استخدم مصطلح الحرف في كتابه هذا كما استعمله سيبويه في كتابه.

أما ابن جني فقد كان المصطلح يدور في كتبه بالمعنى الذي ذكرنا، وكان من أهم كتبه (كتاب الخصائص) الذي ورد فيه مفهوم الحرف مرات عديدة، وهذا يثبت أن المصطلح بمفهومه الذي ذكرنا ما زال مستعملا حتى نهاية القرن الرابع الهجري، ومن النصوص التي ورد فيها المصطلح بهذا المفهوم:

1 ـ قوله: ((…ومنه أن عدلوا فعلا عن فاعل في أحرف محفوظة وهي ثعل وزحل وغدر وعمر وزفر وجشم وقثم …))([112])، وهو في هذه العبارة يقصد بالحرف الكلمة جنسا عاما.

2 ـ قوله: ((…ولم يحفل بالحرف الشاذ من هذا، وهو قولهم (يئس) مثل يعس، لقلته))([113])، وهنا أيضا يريد بالحرف الكلمة.

3 ـ قوله: ((…فمن ذلك ما رفض استعماله لتقارب حروفه نحو: سص، وطس وظث وثظ وضش وشض …وكذلك حروف الحلق: هي من الائتلاف ابعد، لتقارب مخارجها عن معظم الحروف أعني حروف الفم …))([114]) فهو يأتي بالحرف هنا ويريد به الصوت.

4 ـ قوله ((ودع هذا كله، ألم تسمع إلى ما جاءوا به من الأسماء المستفهم بها، والأسماء المشروط بها كيف أغنى الحرف الواحد عن الكلام الكثير المتناهي في الأبعاد والطول، فمن ذلك قولك: كم مالك …وكذلك: أين بيتك …))([115]) وهنا ذكر الحرف وأراد به اسم الاستفهام.

5 ـ قوله: ((قال أبو الحسن: فان قلت: إنما جاء هذا في حرف واحد ـ يعني شنوءة ـ وتفسيره أن الذي جاء في فعولة هو هذا الحرف …))([116]) وهذا قول أبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش إذ قصد بالحرف الكلمة.

6 ـ قوله: ((…ألا ترى أن الواو لا توجد منفردة في ذوات الأربعة إلا في ذلك الحرف وحده وهو (ورنتل) …))([117]) والمقصود بالحرف هنا هو الكلمة.

7 ـ قوله: ((قيل: قد زادوا الهمزة وسطا في أحرف صالحة، شمأل وشأمل وجرائظ وحطائط …))([118])، وكذا قصد بالحرف الكلمة في هذا الموضع.

8 ـ قوله: ((…وما أظن الشجري إلا استهواه كثرة ما جاء عنهم من تحريك الحرف الحلقي بالفتح …))([119])، والمعنى بالحرف هنا هو الصوت وليس حرف الهجاء.

قسم ابن جني الكلام إلى اسم وفعل وحرف([120])، فاكتفى بكلمة (حرف) ولم يتبعها بشيء. وهنا بدأ المصطلح بمفهومه النحوي بالثبات بعد أن كان ابن السراج قد قسم الكلام أيضا إلى اسم وفعل وحرف.

وقد ورد هذا المفهوم لمصطلح (الحرف) عند ابن خالويه المتوفى (370هـ)، فقد جاء في كتاب (ليس في كلام العرب) قوله: ((ليس في كلام العرب المصدر للمرة إلا على فعلة، نحو: سجدت سجدة واحدة، وقمت قومة واحدة إلا حرفين: حججت حجة واحدة بالكسر، ورأيته رؤية واحدة بالضم وسائر الكلام بالفتح))([121])، فالحرف هنا أطلق على الفعل كما هو ظاهر.وقوله: ((ليس في كلام العرب فعل يفعل، مما ليس فيه حرف الحلق عينا أو لاما إلا عشرة أحرف؛ أبى يأبى، وقلى يقلى، وجبى يجبى … ولم يحك سيبويه إلا حرفا واحد وهو: أبى يأبى …))([122]) وهنا أراد بالحرف الفعل أيضا.

ومن خلال هذا التطرق لأكثر من نحوي والتصفح لأكثر من سفر نحوي وجدنا أن المصطلح ومفهومه كان منتشرا لا في كتاب سيبويه حسب، وإنما ظل يتسع على رقعة واسعة بعده فظل تأثيره مستمرا، حتى لنجد ذلك التأثير في كتب المتأخرين كابن عصفور وابن هشام وحتى عند السيوطي.

فعندما نقرأ في كتب ابن عصفور نجد عبارات كقوله ((…لا تقول: ((تراك زيد)، فان اتصلت به كاف مخاطبة نحو قولهم: (رويدك زيدا)، كانت حرف خطاب بمنزلتها في (ذلك)))([123])، والحرف هنا يراد منه الضمير، وكقول ابن هشام في كتابه (أوضح المسالك): ((المختار أن الضمير نفس (أيا) وان اللواحق لها حروف تكلم وخطاب وغيبة))([124])، ويبدو أن المراد من الحرف هنا هو العلامة.

ومن هذا كله يتضح أن مصطلح الحرف بعد سيبويه كان له مفهوم معين هو جنس الكلمة، وهذا المفهوم ينطبق مع المفهوم الذي جاء به في الكتاب، وظل هنا مستمرا إلى قرون بعد سيبويه.

اما المصطلح بوصفه قسما من أقسام الكلام الثلاثة فقد تطور عبر مراحل إلى أن بدأ بالثبات في القرن الرابع الهجري، فقد ذكرنا أن سيبويه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل،وجاء بعده المبرد فقسم الكلام أيضا إلى اسم وفعل وحرف جاء لمعنى،وجاء ابن السراج فقسمه أيضا إلى اسم وفعل وحرف، وكذا الفارسي قسمه إلى اسم وفعل وحرف([125])، وكذا ابن جني قسمه إلى اسم وفعل وحرف وكذا الجرجاني فقسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف([126])،وكذا فعل الزمخشري فقسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف([127])، وكذا ابن عصفور([128]) (ت669هـ)، وابن مالك([129]) (ت672هـ)، وابن هشام([130]) (ت761هـ) وابن عقيل([131]) (ت769هـ).

وإذاً فهذا المصطلح النحوي بدأ من غير مواضعة أو اصطلاح وقد حاول سيبويه أن يحدد هذا الصنف من الكلام فتطورت عبارته التي وضعها حتى أصبح مصطلحا يعرف به هذا الصنف.

وهناك نصوص تثبت أن استخدام المصطلح كان يتصل بمفهومين هما المعنى الذي استقر عليه وهو الأداة، والاستعمال المجازي، وأول هذه النصوص لأبي البقاء العكبري (ت616هـ) إذ يقول عن الأفعال الناقصة: ((لم يذهب أحد إلى أنها حروف، ومن عبر عنها بذلك فهو متجوز كالزجاجي))([132])، إذ إن بعض النحاة قبل العكبري سمى هذه الأفعال حروفا، فما كان من أبي البقاء إلا أن يعلل هذه التسمية، وأما إشارته إلى تجوز الزجاجي فهو ما ذكرناه في موضع متقدم في تطرقنا لكتاب الزجاجي (حروف المعاني)([133]).

وقال ابن عصفور الأشبيلي في شرحه الكبير لجمل الزجاجي في باب (الحروف التي ترفع ما بعدها بالابتداء والخبر وتسمى حروف الرفع): ((…فإن قيل: فقد ذكر في هذا الباب حروفا وغير حروف، والترجمة تقتضي أن كل ما يقع في الباب إنما هو من جنس الحروف.

فالجواب عن هذا أحد شيئين: أما أن يكون أخذ الحرف بمعنى الكلمة فيقع إذ ذاك على الاسم والفعل والحرف. وأما أن يكون جعل أين وكيف ومتى حروفا مجازا لتضمنها معنى الحرف، وكذلك بينما وبينا أطلق عليها لفظ الحرف لشبهها به فيما ذكرناه من وقوع المبتدأ والخبر بعد ولزوم الصدرية))([134]). وقال أيضا في باب آخر هو باب الجزاء: ((قوله: وحروف الجزاء كذا …إلى آخره.

سمى أدوات الجزاء حروفا ومنها ما هو اسم ومنها ما هو حرف؛ لأحد أمرين: إما لأنها قد تضمنت معنى الحروف، وإما أن يكون قد أخذ الحرف لغة، والحرف لغة يقع على الاسم والفعل والحرف))([135]).

عند اللغويين

وكان استعمال اللغويين كما كان عند النحاة فكان النحاة أنفسهم هم لغويون كذلك، فمن المعلوم أن العلوم عند العرب كانت تختلط في حلقات الدرس، ولكن هناك بعض العلماء اشتهروا باللغة، وعرفوا بها اكثر من النحو وما سواه من العلوم كالأصمعي وأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي عبيدة معمر بن المثنى وأبي بكر ابن الانباري وغيرهم، وسنعرض لبعض الكتب اللغوية أو لأقوال بعض اللغويين التي يرد فيها المصطلح. لنر كيفية استخدامه وما هي دلالته عندهم، فقد ورد في كتاب (مجاز القرآن) لأبي عبيدة: ((يخادعون في معنى يخدعون، ومعناها: يظهرون غير ما في أنفسهم ولا يكاد يجيء (يفاعل) إلا في حروف هذا احدها، قوله (قاتلهم الله) …))([136]) فالحروف هنا المواضع، وروي أن ابا اسحق إبراهيم بن أبي محمد اليزيدي ككان يقرئ المأمون القرآن بدل أخيه محمد بن أبي محمد اليزيدي، فقال مرة للمأمون: ((يا أمير المؤمنين (إنما انا رسول ربك ليهب لك) فقال يحيى: لا أحب أن تقرأ بهذا الحرف. قال: فلم ؟ قال: لانه مخالف لما في المصحف. فقال اخي للمامون: ما ليحيى ولهذا، هذا حرف قد قرا به جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن التابعين))([137]) والملاحظ أن الحرف في كلام أبي عبيدة وفي رواية ابن أبي اليزيدي جاء بمعنى الموضع أو الجملة كما كان ذلك عند النحاة.ويحتمل أيضا أن يكون المراد بالحرف في الرواية هي القراءة

ولو نظرنا في كتب أبي بكر الانباري كونه أحد كبار اللغويين في عصره نجد أن المصطلح يرد في كتبه كثيرا، ففي كتابه (الأضداد) ترد نصوص تتضمن المصطلح كقوله: ((وقال بعض أهل اللغة: رجوت حرف من الأضداد يكون بمعنى الشك والطمع، ويكون بمعنى اليقين))([138])، فالحرف هنا جاء بمعنى الكلمة، وكقوله: ((وقال سهل السجستاني: معنى قوله: (فمن كان يرجو لقاء ربه) فمن كان يخاف لقاء ربه. وهذا عندنا غلط لان العرب لا تذهب بالرجاء مذهب الخوف إلا مع حروف الجحد))([139])، أي مع أفعال الجحد. وكقوله: ((وعسعس حرف من الأضداد))([140]) أي كلمة من الأضداد.

إن ابا بكر ابن الانباري في كتابه هذا إنما يذكر ثلاثمئة وسبعة وخمسين من الأضداد ويذكر مع مئة وسبعة وخمسين منها كلمة (الحرف) فمرة يقول: حرف من الأضداد، وأخرى يقول: ومن حروف الأضداد أيضا … وثالثة يقول: ومن الحروف أيضا، علما أن الأضداد التي ذكرها كان منها ما هو اسم وما هو فعل أو أداة أو حتى جملة.

وجاء في كتابه (الزاهر) عن مادة استكان: ((…فكان اصل الحرف على هذا الجواب: استكن الرجل …))([141]) والحرف هنا بمعنى القول أو الجملة.

وجاء أيضا: ((…ويقال أيضا: اصل وصلل، فأبدلوا من اللام الثانية صادا، وإنما يفعلون هذا فيما كان فيه حرف مشدد، ولم يسمع هذا التكرير فيما ليس فيه حرف مشدد إلا في حرف واحد يقال في مثل للعرب: تعظعظي ثم عظي …هذا حرف شاذ لا يقاس عليه))([142]) فالحرف الأول يراد به القول أو الجملة، والحرف الثاني يراد به الكلمة، وكذا قد ورد المصطلح في مواضع أخرى([143]).

ومما يدل على تأخر تأثير المصطلح على اللغويين وروده في بعض كتب ابن سيده الأندلسي المتوفي 460هـ، إذ جاء في كتابه (المخصص): ((اللحج ـ غار العين الذي تنبت عليه حروف الحاجب …))([144]) فكلمة (الحروف) هنا جاءت بمعنى الطرف، وهو المعنى الأصلي للمفردة.

وقد ذكر بعض اللغويين أمرا لطيفا في معنى الحرف فقال ((والحرف يطلق على حرف الهجاء والمعاني والجملة المفيدة، والكلمة المختلف في قراءتها، وعلى مطلق الكلمة …))([145])، ومعاني الحرف هذه هي التي وردت في كتاب سيبويه.

الحرف عند المناطقة

وما كنا لنتطرق للمصطلح عند أهل المنطق إلا لأننا نعلم كم كان تأثر النحاة بهذا العلم سواء في ذلك المذهب الكوفي والمذهب البصري، وقد يعترض معترض بالقول: إن المنطق لم يؤثر إلا في المذهب البصري، إذ كانت الكتب البصرية تتميز بالروح المنطقية، وكذا كان رأس المدرسة البصرية في عصره المبرد كان يدير حلقات درسه ومناظراته بالمنطق، حتى مال إليه جل تلامذة ثعلب نتيجة هذه الميزة، فنجيب: نعم، كان المذهب البصري كذلك، ولكن المذهب الكوفي مزج بين منهجه ومادته وبين الأسلوب الفلسفي والمنطقي لاسيما عند الفراء. ولذا تأثر المذهبان بالمنطق، وإن اختلف نوع هذا التأثير أو تباين مظهره عند المدرستين، فقد تأثرت المدرسة البصرية بروح المنطق، فساقت دراستها من خلال هذا العلم، أما المدرسة الكوفية فقد تأثرت بأسلوب المنطق الكلامي، ولاسيما عند أبي زكريا الفراء.

من خلال ما تقدم يتضح لنا كيف أن المنطق كانت له الصلة الكبيرة بعلم النحو، ولذا كان من الضرورة أن نرى ـ من خلال دراستنا ـ ما هو مفهوم الحرف عند أهل المنطق.

لم يكن للمصطلح مكان عند المناطقة مثل وجوده عند النحاة، وإنما كانوا يتعاملون بمصطلح آخر هو (الأداة) فهم يقسمون الكلام إلى اسم وفعل وأداة وقول([146]). فالأداة عندهم هي ((اللفظة التي لا تدل وحدها على معنى يتمثل بل على نسبة وإضافة بين المعنى لا تحصل إلا مقرونة بما أضيفت إليه مثل (في) و(لا)…))([147]). أي أن مصطلح (الأداة) لديهم يقابل مصطلح (الحرف) عند النحاة البصريين فعلا؛ ولكننا عند بحثنا عن مصطلح الكوفيين الذي يقابله نجد أن الكوفيين استخدموا المصطلح نفسه وهو (الأداة) وقد وجد ذلك في اكثر من كتاب نحوي كوفي.

 

الخاتمة ونتائج البحث

لقد تحصل عن هذه الدراسة نتائج عامة، وأخرى خاصة، وهاك النتائج التي توصل لها البحث أو الدراسة:

النتائج العامة:

1 ـ تبين من خلال البحث أن مفهوم الحرف لم يكن مستقرا على حال قبل سيبويه لا عند المفسرين ولا عند المحدثين ولا اللغويين ولا النحاة.

2 ـ عرفنا من خلال البحث مدى تأثير الاختلاط في العلوم في ثبوت مصطلح أو عدم ثبوته.

النتائج الخاصة:

1 ـ النتيجة الأولى المتحصلة هي أن سيبويه في كتابه كان يقصد بمصطلح (الحرف) مدلولات متعددة انطلقت من أن المصطلح كانت دلالته الأصلية جنس الكلمة العام،وقد أثبتنا ذلك عند اللغويين والنحاة قبل سيبويه وبعده.

2 ـ هناك مفهومان للحرف: (المفهوم اللغوي) وهو الذي كان سائدا قبل سيبويه وبعده حتى نجد بعض آثاره عند المتأخرين، و(المفهوم النحوي) وهو مستقى من المفهوم اللغوي وقد استقاه سيبويه، ولم يكن موجودا قبله، وهذا هو الذي تطور مفهومه حتى وصل عند المتأخرين إلى إطلاقه على الأداة فقط.

3 ـ إن النحاة البصريين استمر عندهم المفهومان اللغوي والنحوي في كتبهم، وذلك مفصل في ثنايا البحث.

أما الكوفيون فقد كان سائدا عندهم المفهوم اللغوي أما المفهوم النحوي فقد أوجدوا مصطلحا آخر غير الحرف هو (الأداة).

4 ـ إن ابن السراج كان مرحلة بدأ بها المصطلح بمفهومه النحوي بالثبوت.

الجديد في البحث:

1 ـ تبين لدينا من خلال البحث ومن خلال دراسة مفهوم الحرف قبل سيبويه أن الرواية التي نسبت إلى أبي الأسود الدؤلي التي يذكر فيها حديثه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) تبين أن هذه الرواية لا ترقى إلى الصحة، وقد تكون الحادثة واقعة فعلا كما أكدت ذلك كتب الطبقات وتاريخ النحو العربي، ولكن ليس بهذه الصيغة ولا بهذه الرواية.

2 ـ تبين أيضا من خلال دراسة مفهوم الحرف في المعجمات العربية أن النص الذي وجد في كتاب العين للخليل الذي يذكر أن الحرف له مفهوم الأداة، تبين أن هذا النص هو نص دخيل على الكتاب.

المصادر والمراجع

1. القرآن الكريم

2. أخبار النحويين البصريين ومراتبهم لأبي سعيد السيرافي، تحقيق: طه محمد الزيني، ومحمد عبد المنعم خفاجي، القاهرة، ط1، 1955م.

3. الأصول في النحو لأبي بكر ابن السراج، تحقيق د. عبد الحسين الفتلي، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، 1973م.

4. الأضداد لأبي بكر ابن الانباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الكويت، 1960 م.

5. إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج، تحقيق ودراسة إبراهيم الابياري، دار الكتاب المصري، بيروت، ط3، 1986م.

6. إنباه الرواة للقفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

7. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، ط4، 1956م.

8. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لأبي العلى محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، ضبط ومراجعة وتصحيح عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية في المدينة المنورة، القاهرة، ط2، 1967م.

9. التلويح في شرح الفصيح لأبي سهل الهروي، نشر وتعليق الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي، مكتبة التوحيد، القاهرة، ط1، 1949م.

10. تهذيب اللغة للأزهري تحقيق د.عبد الله درويش ومحمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والنشر، د.ت.

11. حروف المعاني للزجاجي، تحقيق د. علي توفيق الحمد،مؤسسة الرسالة، دار الامل، الاردن، ط1، 1984م.

12. الخصائص لابن جني، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتاب العربي، بيروت، د.ت.

13. الدراسات اللغوية عند العرب، د. محمد حسين آل ياسين، بيروت، ط1، 1980م.

14. ديوان عدي بن الرقاع عن ثعلب، تحقيق: د. نوري حمودي القيسي، ود. حاتم الضامن، بغداد 1987م.

15. الزاهر لأبي بكر ابن الانباري، تحقيق د. حاتم الضامن، بغداد، ط2، 1987م.

16. سنن ابن ماجة، تحقيق وتعليق وتبويب محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، دار الحديث، د.ت.

17. شرح ابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، القاهرة، ط13، 1962م.

18. شرح المفصل لابن يعيش، عالم الكتب، بيروت، د.ت.

19. شواهد الكتاب، جمع ونشر محمد عبد المنعم خفاجة، القاهرة، طبعة بولاق، 1316هـ.

20. الصحاح للجوهري، تحقيق احمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1956 م.

21. صحيح البخاري، دار الفكر، بغداد 1986م.

22. صحيح مسلم، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.

23. صحيح مسلم بشرح النووي، دار احياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1984م.

24. طبقات الأمم، لأبي القاسم صاعد بن احمد الاندلسي، مطبعة محمد محمد مطر، مصر، د.ت.

25. طبقات فحول الشعراء، محمد بن سلام الجمحي، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة الخانجي، القاهرة.

26. طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر الزبيدي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط2، د.ت.

27. العين للخليل بن احمد الفراهيدي، تحقيق د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، بغداد 1981م.

28. القاموس المحيط للفيروزآبادي، بيروت، دار الفكر 1983م.

29. كتاب سيبويه، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، عالم الكتب، بيروت 1975.

30. الكشاف للزمخشري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1983م.

31. لسان العرب لابن منظور، طبعة بولاق.

32. ليس في كلام العرب، لابن خالويه، مكة المكرمة، ط2، 1979م.

33. مباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1965م.

34. مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، عارضه باصوله وعلق عليه د. محمد فؤاد سزكين، دار الفكر، مكتبة الخانجي، ط2، 1970م.

35. مجالس ثعلب تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1960.

36. مجالس العلماء للزجاجي، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الكويت، 1962 م.

37. المحكم والمحيط الاعظم لابن سيده الاندلسي، تحقيق د. عائشة عبد الرحمن، القاهرة، ط1، 1958م.

38. المخصص لابن سيده الاندلسي، دار الفكر، د.ت.

39. معاني القرآن للأخفش، تحقيق د. فائز فارس، الكويت، ط2، 1981.

40. معاني القرآن للفراء،تحقيق احمد يوسف نجاتي، ومحمد علي النجار، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1955م.

41. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، ط2، 1988م.

42. مقاييس اللغة لابن فارس، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، بيروت، 1979م.

43. المقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر الجرجاني، تحقيق د. كاظم بحر المرجان.

44. المقتضب للمبرد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، دار الكتب، بيروت، د.ت.

45. المقرب لابن عصفور، تحقيق، د. احمد عبد الستار الجواري، وعبد الله الجبوري، مطبعة العاني، بغداد، ط3، 1986م.

46. منطق المشرقيين لابن سينا، القاهرة، المكتبة السلفية، 1910 م.

47. نزهة الالباء لأبي البركات ابن الانباري تحقيق د. إبراهيم السامرائي، الاردن، ط3، 1985م.

48. النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري، بيروت، 1984 م.

49. شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير) لابن عصفور الأشبيلي (597 ـ 669هـ)، تحقيق د. صاحب أبو جناج، إحياء التراث الإسلامي، مطبعة دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل 1982م.

50. الغرة المخفية في شرح الدرة الألفية لابن الخباز المتوفى (639هـ) تحقيق حامد محمد العبدلي، دار الانبار، بغداد 1991م.

الهوامش

 


 

([1]) ينظر: الصحاح: 4/1342، ومقاييس اللغة: 2/42 .

([2]) ينظر: مقاييس اللغة: 2/42 .

([3]) ينظر: المصدر نفسه .

([4]) ينظر: العين: 3/210 .

([5]) ينظر: المحكم: 3/229 .

([6]) ينظر مقاييس اللغة: 2/42 .

([7]) ينظر: المصدر نفسه .

([8]) ينظر: المصدر نفسه .

([9]) ينظر: المصدر نفسه .

([10]) الديوان: 77 .

([11]) ينظر: النوارد في اللغة: 69 .

([12]) ينظر: تهذيب اللغة: 5/14، والمحكم: 3/229 .

([13]) ينظر: العين: 3/210، وتهذيب اللغة: 5/12 .

([14]) ينظر: المصدر نفسه .

([15]) المصدر نفسه: 3/210 .

([16]) ينظر: الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث: 235 ـ 245 .

([17]) المقتضب: 1/3 .

([18]) الكتاب: 1/12 .

([19]) ينظر: طبقات الأمم: 88 .

([20]) القاموس المحيط: 3/126 .

([21]) ينظر: لسان العرب .

([22]) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 250 .

([23]) الحج: 11 .

([24]) تفسير ابن كثير: 3/209 .

([25]) تفسير الفخر الرازي: 23 / 14 .

([26]) ينظر: تفسير ابن كثير: 3/209، وتفسير الطبري: 17/122 .

([27]) ينظر: المصدر نفسه .

([28]) الكشاف: 3/7 .

([29]) الطبري: 17/122، وينظر: تفسير ابن كثير: 3/209 .

([30]) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: 8/263 .

([31]) صحيح مسلم بشرح النووي: 6/101 .

([32]) ينظر: صحيح البخاري: 3/185 .

([33]) ينظر: تفسر ابن كثير: 1/11 ـ 21 .

([34]) ينظر: تهذيب اللغة: 5:14 .

([35]) ينظر: مباحث في علوم القرآن: 103 .

([36]) تحفة الأحوذي: 8/226 .

([37]) صحيح مسلم: 2/348 .

([38]) سنن ابن ماجة: 2/1311 .

([39]) صحيح مسلم بشرح النووي: 6/108 .

([40]) ينظر: صحيح مسلم: 1/327، وصحيح مسلم بشرح النووي: 6/91 .

([41]) الكتاب: 2/299 .

([42]) ينظر: شواهد الكتاب: /21 .

([43]) الديوان: 77 .

([44]) النوادر في اللغة: /69 .

([45]) العين: 3/210 .

([46]) مقاييس اللغة: 2/42 .

([47]) تهذيب اللغة: 5/14 .

([48]) العين: 3/210 .

([49]) الصحاح: 4/1342 .

([50]) أنباه الرواة: 1/4 .

([51]) الكتاب: 1/12 .

([52]) المقتضب: 1/3 .

([53]) أخبار النحويين البصريين ومراتبهم: 15 .

([54]) نزهة الالباء: 20 .

([55]) طبقات فحول الشعراء: 1/13 .

([56]) المصدر نفسه: 1/12 .

([57]) مجاز القرآن: 1/69 .

([58]) العين: 1/57 .

([59]) مجالس العلماء: 39 .

([60]) الكتاب: 1/12 .

([61]) الكتاب: 1/12 .

([62]) المصدر نفسه: 1/15 .

([63]) المصدر نفسه: 1/17 .

([64]) المقتضب: 1/3 .

([65]) المقتضب: 1/3 تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة .

([66]) الأصول في النحو: 1/38 تحقيق: الدكتور عبد الحسين الفتلي .

([67]) الكتاب: 1/50 ـ 51 .

([68]) المصدر نفسه: 1/38 ـ 39 .

([69]) المصدر نفسه: 3/100 .

([70]) المصدر نفسه: 4/131 .

([71]) الكتاب: 4/432 .

([72]) المصدر نفسه .

([73]) معاني القرآن للأخفش: 1/12 .

([74]) المصدر نفسه: 1/20 .

([75]) المصدر نفسه: 1/63 .

([76]) المصدر نفسه: 1/77 .

([77]) المصدر نفسه: 1/87 .

([78]) ينظر: المصر نفسه: 1/107، 144، 151، 163، 178، 237 .

([79]) معاني القرآن للفراء: 1/155 .

([80]) المصدر نفسه: 1/12، 318 .

([81]) المصدر نفسه: 1/196 .

([82]) المصدر نفسه: 1/321 .

([83]) المصدر نفسه: 1/369 .

([84]) معاني القرآن للفراء: 1/260 .

([85]) المصدر نفسه: 2/20 .

([86]) المصدر نفسه: 2/83 .

([87]) المصدر نفسه: 2/217، 222، 350 .

([88]) طبقات النحويين واللغويين: 92 .

([89]) المقتضب: 1/3 .

([90]) المصدر نفسه: 1/37 .

([91]) المصدر نفسه: 1/39 .

([92]) المصدر نفسه: 1/42 .

([93]) المصدر نفسه: 1/47 .

([94]) المصدر نفسه: 1/64 ـ 65 .

([95]) المقتضب: 1/64 ـ 65 .

([96]) المصدر نفسه: 2/294 .

([97]) المجالس: 1/249 .

([98]) المصدر نفسه: 1/301 ـ 302 .

([99]) المصدر نفسه: 1/323 .

([100]) المصدر السابق: 2/343 .

([101]) المجالس: 2/360 .

([102]) المصدر نفسه: 2/590 .

([103]) التلويح في شرح الفصيح: 90 .

([104]) الأصول في النحو: 1/38 .

([105]) المصدر نفسه: 1/130 .

([106]) المصدر نفسه: 1/136 .

([107]) الأصول في النحو: 1/168 .

([108]) إعراب القرآن: 1/220 .

([109]) المصدر نفسه .

([110]) ينظر: المصدر نفسه: 1/221، 222، 223، 224 .

([111]) حروف المعاني: 1 .

([112]) الخصائص: 1/52 .

([113]) المصدر نفسه: 1/11 .

([114]) المصدر نفسه: 1/54 .

([115]) المصدر نفسه: 1/82 .

([116]) الخصائص: 1/116 .

([117]) المصدر نفسه: 1/140 .

([118]) المصدر نفسه: 1/142 .

([119]) المصدر نفسه: 2/9 .

([120]) ينظر: المصدر نفسه: 1/41 .

([121]) ليس في كلام العرب: 31 .

([122]) المصدر نفسه: 28 ـ 29 .

([123]) المقرب: 147 .

([124]) أوضح المسالك: 1/64 .

(125) ينظر: المقتصد: 1/68 .

([126]) ينظر: المصدر نفسه .

([127]) ينظر: شرح المفصل: 1/18 .

([128]) ينظر: المقرب: 45 .

([129]) ينظر: الفية ابن مالك: /9 .

([130]) ينظر: أوضح المسالك: 1/11، وقطر الندى: 12 .

([131]) ينظر: شرح ابن عقيل: 1/15 .

([132]) الغرة المخفية: 2/420 .

([133]) ينظر: هذا البحث: 27 .

([134]) 2/403 .

([135]) شرح جمل الزجاجي، الشرح الكبير: 2/195 .

([136]) مجاز القرآن: 1/31 .

([137]) طبقات النحويين واللغويين: 76 .

([138]) الأضداد: 16 .

([139]) المصدر نفسه: 17 .

([140]) الاضداد: 32 .

([141]) الزاهر: 2/310 .

([142]) المصدر نفسه: 1/288 .

([143]) المصدر نفسه: 1/546، 548، 431 .

([144]) المخصص: مج1/ج1/92 .

([145]) تحفة الأحوذي: 8/226 .

([146]) ينظر: منطق المشرقيين: 57 .

([147]) المصدر نفسه .