mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 041.doc

الدولة البيزنطية

1- الدولة البيزنطية: وهي إحدى الدولتين العظيمتين اللتين كانتا تتجاذبان السيادة في العالم.

وكانت الدولة البيزنطية تسيطر على بعض مناطق الجزيرة العربية وأخذت تفرض هيمنتها على بعض مناطق الدولة الفارسية.. ففي الوقت الذي وصلت رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى هرقل كان ميزان القوة يمضي لصالح الدولة البيزنطية فقد عاد هرقل من حرب فارس واسترداده الصليب الأعظم الذي أخذه الفرس من بيت المقدس فكان في شغل عن رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يعتني وحتى بعد أن وصلته الرسالة من عامله الحارث الغساني يطلب منه الإذن في معاقبة النبي (صلى الله عليه وآله) تجاهل الأمر ولم يعباً بهذه الرسالة فقد كان وقتها يحتفل في بيت المقدس بالنصر على الفرس، وذكر بعض المؤرخين رأياً مخالفاً لهذا الرأي فهم على اعتقاد جازم بأن قيصر آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) لكنه خشي الإعلان عن إسلامه بعد أن طرح الموضوع على القساوسة فرفضوا اعتناق الإسلام (1).

كما وأرسل النبي (صلى الله عليه وآله) رسالة إلى المنذر بن الحارث بن أبي شجر الغساني حاكم دمشق مع المنذر بن الحارث فكان رده على الرسالة سيئاً للغاية كما وأرسل إلى حاكم بصرى بيد الحارث بن عمير الأزدي فأخذه شرحبيل بن عمرو حاكم الشام من قبل هرقل فقتله.

فأحس النبي (صلى الله عليه وآله) أن سياسة الرسائل غير فاعلة سيما وأنها قد تعرض سفراءه إلى مخاطر كثيرة ففكر بإرسال سرايا من عدة أنفار يقومون بإرشاد الناس ودعوتهم إلى الإسلام فأرسل سرية بقيادة كعب بن عمير إلى منطقة ذات اطلاع في بلاد الشام وكان مصير السرية مأساوياً حيث قتل جميع أفرادها ولم ينجو منها سوى جريح واحد استطاع أن يصل المدينة بأعجوبة عندها تأكد النبي (صلى الله عليه وآله) أن الروم يعيشون غرور الانتصار وأنهم لا يذعنون للحق إلا باستخدام القوة العسكرية أخذ يستعد لمعركة فاصلة وتقدم بقوة عسكرية قوامها ثلاثين ألف مقاتل وعين ثلاثة من أصحابه لقيادة الجيش وهم جعفر بن أبي طالب ومن بعده زيد بن حارثة ومن بعدهما عبد الله بن رواحة وعلى رواية أخرى زيد أولاً ثم جعفر ثم عبد الله بن رواحة ولحق النبي (صلى الله عليه وآله) قطاعات الجيش حتى ثنية الوداع وهناك أخذ يوصيهم أنكم ستجدون رجالاً في الصوامع معتزلين الناس فلا تتعرضوا لهم وستجدون آخرين الشياطين في رؤسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف، ولا تقتلوا امرأة ولا صغيراً ضرعاً ولا كبيراً فانياً ولا تقطعوا نخلاً، وشجراً ولا تهدموا بناءً لأحد.

وانطلقت جموع المقاتلين باتجاه الشام ووصلت أنباءهم مسامع البيزنطيين فجهزوا جيشاً جراراً قوامه مائة ألف أو مائتي جندي كان يقودهم هرقل أو أخيه تيودور.

وكاد الانهيار يسود المقاتلين المسلمين عند سماعهم بعدد القوة المعادية التي فاقتهم بأكثر من سبعين ضعفاً لولا خطاب عبد الله بن رواحة الذي شدهم للقتال فوقف يقول يا قوم إنا لم نكن نقاتل الناس بعدد وكثرة بل نقاتل بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور على العدو وأما الشهادة (2) كان لهذه الكلمات أثر سحري على المقاتلين الذين مضوا للقاء مائتي ألف فقاتل المسلمون قتال المستميت العاشق للشهادة.

فتساقطوا الشهداء واحداً بعد الآخر وقد كبدوا العدو خسائر فاستشهد زيد وفيها قاتل جعفر قتال الأبطال حتى استشهد فأخذ الراية عبد الله بن رواحة واستشهد أيضاً فانهزم من تبقى من المسلمين فأخذ الراية عبد الله بن رواحة واستشهد أيضاً فانهزم من تبقى من المسلمين فأخذ الراية ثابت بن أرقم فأعاد لحمة الجيش وأعطى الراية إلى خالد بن الوليد الذي لم يجد فائدة من المقاومة فوضع خطة للانسحاب فصف مجموعة كبيرة من المقاتلين خلف جيشه فظن الروم أن جيشاً قدم من المدينة لمساعدة المسلمين حينها انسحب خالد من المعركة فلم يتبعه الروم من المدينة لمساعدة المسلمين حينها انسحب خالد من المعركة فلم يتبعه الروم خشية وجود قوة أخرى وعاد جيش خالد إلى المدينة فاستقبله المسلمون بالسخرية قائلين يا فرار فررتم في سبيل الله فقال النبي لهم ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار (3) وكان المقاتل يأتي إلى أهله وبيته يدق عليهم الباب فيرفضون أن يفتحوا له قائلين له لو تقدمت مع أصحابك فقتلت كما قتلوا.

وكان درساً لا ينساه كل من شارك في المعركة فقد حفزت المسلمين من جديد للقاء الروم وجعلتهم لا يفكروا بالعودة إلى المدينة إلا بعد أن يحققوا النصر والظفر.

وفرح أعداء الإسلام بنتائج هذه المعركة واعتبروها هزيمة ساحقة للمسلمين وتجرأت قريش فتنصلت من الاتفاقية التي أبرمتها مع المسلمين فوجد النبي (صلى الله عليه وآله) الفرصة قد سنحت للتحرك نحو مكة وتأجيل المعركة الفاصلة مع الروم لما بعد فتح مكة.

وفتحت مكة بتلك الصورة الرائعة وعاد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة فلم يكن أمامه شيء سوى الزحف نحو الدولة البيزنطية، فأخذ يجهز جيشاً قوياً لمواجهة الروم سيما وأن أنباءاً وصلت المدينة تشير إلى استعدادات كبيرة وحشود بيزنطية يراد لها غزو الجزيرة لكن ثمة مشاكل كانت تعيق حركة التعبئة العسكرية فالطقس كان حاراً للغاية والسنة سنة جدب وكان موسم الحصاد يقترب شيئاً فشيئاً وهو أملهم الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة.

والمرة الوحيدة التي يخبر فيها النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه عن الهدف من الحملة هو محاربة الروم مما كان يضاعف من صعوبة التعبئة فالذي لقيه المسلمون في مؤته لم ينس عن البال كما وأن المسافة الطويلة من المدينة إلى بلاد الروم وما فيها من مشاق وجوع وعطش كانت تزيد من تثاقل المقاتلين لهذه الأسباب تعثرت عملية التعبئة ونشط المنافقون في تثبيط العزائم وتضعيف إرادة المقاتلين.

وعلى رغم المعوقات فقد تمكن الرسول (صلى الله عليه وآله) من تجهيز الجيش الذي سمي بجيش العسرة والذي وصل عدده ثلاثين ألفاً في بعض الروايات (4) وفي أخرى أربعين ألفاً أو سبعين ووصل المسلمون إلى تبوك بلغت أنباءهم الروم.

وكانت قد بلغتهم أخبار انتصار النبي (صلى الله عليه وآله) على قريش وتذكروا خسائرهم الفادحة في مؤته على رغم قلة المقاتلين المسلمين.. فخافوا القتال وآثروا الانسحاب على الاشتباك.. وظل رسول الله فترة من الوقت في تبوك بعد انسحاب الروم وقد رأى أن لا يعود إلى المدينة إلا بعد أن يطهر المناطق الحدودية من براثن الشرك فأرسل برسله إلى أمراء المنطقة فجاؤوه طائعين مقرين بالإسلام أو على استعداد لدفع الجزية، وأرسل أيضاً قوة لتطهير منطقة دومة من الجيب العميل لدولة الروم أكيدر بن عبد الملك الكندي الذي كان يشكل خطراً على المسلمين بتعاونه مع الروم فعاد النبي (صلى الله عليه وآله) بعد مكثه عشرين يوماً في تبوك مكللاً بالانتصار السياسي على أكبر دولة في ذلك الزمن بالرغم من عدم وقوع القتال إذ كان انسحاب الروم يشكل ضربة سياسية لهذه الدولة ويحقق فراغاً على الحدود البيزنطية يضمن الاستقرار والهدوء في المناطق المتاخمة للدولة الإسلامية يعطي المسلمين القدرة على فرض سيادتهم على هذه المناطق.. إذ أدى انسحاب الدولة البيزنطية إلى ضعف هيمنتها على القبائل العربية المسيحية التي وجدت أن من الأفضل لها الاتفاق مع النبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن فقدت من تستند إليه.. وبذلك حقق النبي (صلى الله عليه وآله) جزءاً هاماً من أهدافه وهو فرض السيادة الإسلامية على مناطق شمال الجزيرة وضمان الطرق التجارية التي أصبحت من اليوم في خدمة الاقتصاد الإسلامي بعد أن كانت تخدم أعداء الإسلام.

دولة فارس

2- دولة فارس : لم تكن العلاقة بين الدولة الإسلامية والدولة الفارسية كالتي كانت بينها وبين الدولة البيزنطية فالعلاقة المتداخلة بين القبائل والدولة البيزنطية وتداخل المصالح التجارية كانت تحرض المسلمين للتحرك نحو الدولة البيزنطية أما الدولة الفارسية فلم تكن علاقاتها مع القبائل العربية إلا علاقة احتلال فكانت خطة النبي (صلى الله عليه وآله) هي تحرير هذه المناطق من براثن الاحتلال الفارسي مستفيداً من ضعف الدولة الفارسية وهزيمتها أمام الدولة البيزنطية.

وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد بعث برسالة إلى كسرى ملك فارس يطلب منه اعتناق الإسلام فغضب كسرى ومزق الرسالة وكتب إلى عامله في اليمن بازان يأمره بأن يبعث إليه برأس النبي (صلى الله عليه وآله) فقد كانت هزيمته أمام الروم قد مزقت قلبه فكان يبحث عما يعوض عن هذه الخسارة ولو كان رأس النبي (صلى الله عليه وآله) كما طلب في رسالته.

وقد أوفد بازان إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ممثلين من قبله لاستطلاع الأمر وعند اللقاء أخبرهم النبي (صلى الله عليه وآله) بأن كسرى قد قتل وأن ابنه شيرويه خلفه في مكانه ووعظهم ودعاهم إلى الإسلام وطلب منهم أن يدعو بازان إلى الإسلام ومكث بازان مدة وهو ينتظر خبر كسرى فوصله الخبر كما رواه النبي (صلى الله عليه وآله) فتأكد له أن محمداً (صلى الله عليه وآله) هو نبي ورسول من قبل الله وكانت دولة فارس قد ضعفت وأصبحت على وشك الانحلال فأعلن اعتناقه للإسلام وانضمامه للنبي (صلى الله عليه وآله) وبدخول اليمن في الإسلام أصبح الطريق مفتوحاً أمام الدعوة الإسلامية بالانتشار نحو المناطق الجنوبية.

وفي الشمال كانت بعض القبائل العربية تابعة إلى الدولة الفارسية فعندما لاحظت الضعف يحل بهذه الدولة في مقابل الانتصارات التي حققها الرسول (صلى الله عليه وآله) ارتأت أن ترسل وفوداً إلى المدينة وأن تعلن عن إسلامها وبعض هذه القبائل تعاهدت مع النبي (صلى الله عليه وآله) على دفع الجزية وعند هذه الحدود اقتصرت الصلة بين الدولة الإسلامية والدولة الفارسية في عهد النبي (صلى الله عليه وآله).

دولة مصر.

دولة مصر: وكان رد المقوقس عظيم القبط في مصر رداً جميلاً على رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد بعث إليه برسالة جوابية أشار فيها أنه يعتقد بأن نبياً سيظهر لكن ليس في الحجاز بل في الشام وأرسل إلى النبي بهدايا ثمينة جاريتين وبغلة بيضاء وحمار ومقدار من المال وقبل النبي (صلى الله عليه وآله) هديته وعند هذا المستوى كانت الصلاة والعلاقة بينه وبين مصر، ويدل هذا الرد الحسن بأن المقوقس كان راغباً في اعتناق الإسلام لولا تخوفه من إمبراطور الروم فإسلامه كان سينته إلى عزله بالتأكيد.

دولة الحبشة

وبدأت العلاقة بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وملك الحبشة من أيام مكة عندما بعث جمعاً من صحابته إلى الحبشة للاستقرار فيها ولتبليغ الرسالة هناك.

وسمع النبي (صلى الله عليه وآله) بحسن استقبال النجاشي للمسلمين وما رد به وفد قريش فحرص على تمتين العلاقة به فأرسل إليه الرسائل يدعوه فيها إلى الإسلام حتى استجاب لدعوته فأرسله إليه قائلاً إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصم بن أبجر.. سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض أن عيسى لا يزيد على ما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقريناً ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صادقاً ومصدقاً، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه، وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله (5) وقد حاول بعض المستشرقين أن يشككوا في إسلام النجاشي على غرار تشكيكهم في الكثير من الحقائق التاريخية الأخرى وأخذ بعض الكتاب المسلمين هذه الفكرة متأثرين بكتابات المستشرقين لكن حقائق كثيرة من بينها هداياه التي أرسلها إلى المدينة وخطبته لأم حبيبة لتصبح زوجة للنبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن تنصر زوجها ودفعه للصداق وسماحه للمسلمين بأن يأخذوا حريتهم في تبليغ الإسلام تؤكد على طبيعة العلاقة الوطيدة بين ملك الحبشة والمسلمين وهي تحمل أيضاً أدلة دامغة على صحة الأنباء القائلة بإسلام النجاشي.

هذا هو كل ما يمكن أن نجده في السيرة النبوية من مصالح للسياسة الخارجية في دولة الرسول (صلى الله عليه وآله) فقد كانت العلاقة الدولية في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) في مراحلها الأولى إذ أن الوقت الأكبر من عمر الدولة الإسلامية كان يبذل لتثبيت دعائم هذه الدولة وفي تطهير الساحة الداخلية تشمل جزيرة العرب برمتها من بقايا الوثنية والكفر حتى تغدو قاعدة قوية يستعان بها في المرحلة المتقدمة وهي مرحلة الانتشار خارج حدود الجزيرة.

ــــــــــــ

الهامش

1)- الواقدي، المغازي: ج2 ص1019.

2)- الواقدي، المغازي: ج2 ص 760.

3)- الواقدي، المغازي: ج2، ص765.

4)- الواقدي، المغزي: ج2 ص 1002.

5)- معروف الحسني، سيرة المصطفى: ص184.